Lakhasly

رغم الفقر والروتين الممل الذي كان يتوشح القرية ، إلا أن والدي كان يعتبر عائلتنا محظوظة مقارنة مع بقية الأهالي الذين تشتد معاناتهم من حين لآخر حين تشح موارد العيش التي يعتمدون عليها .وقد أثار دهشتي حين أتى على ذكر اسم معلمتنا بو مس الشابة الصغيرة التي رفضت كل العروض المغرية التي قدمت لها وفضلت أن تظل في المدرسة تعلم الأطفال مجانا .كان حلمها دائما أن تصبح معلمة وهذا الهدف النبيل هو ما دفع بنا لنحبها ونقدسها كبطلة ، لقد علمتنا بو مس كيف نصبر على معاناتنا ولقنتنا كيف نبتسم رغم كل الظروف القاسية التي نتخبط فيها . بعد أن أمضينا الأسبوع الأول كله نستمع إلى حكايات بو مس وباك هرفان جاء الأسبوع الثاني أين توجب علينا أن نبدأ بتعلم الحروف ، واقترحت المعلمة أن ندرس سبعة أحرف كل أسبوع حتى نـتم في نهاية الشهر الحروف كلها .وهكذا وبعد 3 أسابيع كنت سعيدا بما أحرزته من تقدم ، وعلى غير المتوقع طلب رفيقي لينتانج من المعلمة أن تمنحه الإستمارة التي عجز أبوه عن ملئها في اليوم الأول ليملأها بنفسه ويفي بالوعد الذي قطعه آنذاك .في البداية ترددت في منحها له وشككنا جميعنا قي قدراته غير أنه صدمنا بتمكنه من ملئها بشكل مثالي . بعد سنوات أصبحنا خلالها مراهقين صرنا أكثر قابلية لفهم طباع وشخصيات بعضنا . كان شهدان أصغرنا بنية لكنه أكول على نحو يثير الإستغراب ، وآكيونج رفيقه في المقعد بدا من شكله بليدا في بادىء الأمر غير أنه أظهر لاحقا عزيمة عجيبة للتعلم .وكان كوتشاي الجالس أمامهما تلميذا يعاني من مشاكل في بصره لكننا اخترناه عريفا لصفنا بسبب كونه موهوبا بالفطرة في مجال السياسة وذلك بغض النظر عن بعض الطباع السيئة التي كان يتميز بها .أما تراباني فقد كان مثل الأمير ، مهندما ومرتبا وهادئا . وكان حلمه أن يصير معلما ويعمل في المناطق الفقيرة والمعزولة . و سهارى البنت الوحيدة بيننا كانت على نقيضه مباشرة وحازمة ولا يمكن التأثير فيها بسهولة بحيث كانت وآكيونج دائمي الشجار .وفي الوقت ذاته ربطتها علاقة مودة فريدة مع هارون الذي يعاني من متلازمة داون والمهووس بالرقم 3 .أما سابعنا فقد كان يدعى بوريك ، تميز بالقوة الجسدية وهوسه بكمال الأجسام ، وقد وضعني مرة في موقف مضحك جعل أمي تشك في قواي العقلية . أما لينتانج ومهار فقد كانا بحاجة إلى فصل خاص بهما لكونهما أكثر تلميذين مميزين بيننا . في صباح أحد الأيام روى لينتانج لنا مغامرته الصغيرة في طريقه إلى المدرسة ، أخبرنا أنه التقى بودينغا الرجل الغريب الوحيد الذي يعيش في المستنقع ويقدس التماسيح ، وبفضله تمكن من المرور بعد أن قطع تمساح ضخم عليه الطريق . استمر لينتانج بالمجيء إلى المدرسة يوميا مهما كانت الظروف الجوية قاسية . لقد كان يشفق على والده الذي يكافح ليعيل عائلته المكونة من أربعة عشر فردا ، ولاشك أن هذا هو السبب الذي أشعل فيه الحماس وأذكى شغفه بتعلم المزيد .حتى أنه كان يقبل على قراءة كتب تفوق مستوانا التعليمي ، وعلى الرغم من صعوبتها إلا أنه كان يواصل تصفحها باهتمام بالغ .وفي كثير من الأحيان كان يستغرب كيف أننا عاجزون عن فهم مسألة ما وهي البسيطة بالنسبة له . لينتانج لم يدرك قط أنه كان من خيرة التلاميذ وأنه كان قد تخطانا بأشواط أيضا . منحنا المفتش فرصة أخيرة على شاكلة تهديد مبطن ، ورحل بعد أن التقط عدة صور تبرز الحالة المريعة للمدرسة .لكن جسارة بو مس وتفاؤلها ساهما في تحسين ورفع معنوياتنا جميعا ، وعلى ما يبدو فإن لينتانج الذي استطاع أن يحوز على معظم اهتمامها كان نوعا من الأسلحة السرية بالنسبة لها وللمدرسة بشكل عام .حيث دأبت تشحد عقله بكافة أنواع العلوم وتشجعه على المتابعة حتى غدا أفضل منا جميعا ، ولكن تفوقه هذا لم يساهم ولو قيد أنملة في إبعاده عنا إذ أنه على العكس من ذلك راح يساعدنا ويشرح لنا كل مانستصعبه بالتفصيل الممل من غير غطرسة أو أنانية .وكنت أنا من جهة أخرى – وبرغم ما أبدله من جهد – أحل دائما بعده في المرتبة الثانية . ولم يطل الأمر قبل أن تتم دعوة مدرستنا للمشاركة في مباراة تحد أكاديمي تقام في العاصمة سنويا وتتبارى فيها العديد من المدارس ، وقد كان امتلاكنا للينتانج عزاء وبارقة أمل شجعتنا على قبول الخوض في تلك المسابقة .