Lakhasly

إلى أن صارت الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية التي كانت "سيدة العالم" في ذلك الوقت، وستُمعن الكنيسة الكاثوليكية في سلطتها وسطوتها على كامل أوروبا، إلى أن يأتي قسٌّ ألماني يدعى مارتن لوثر، وكيف وصلت بها الأمور لتكون موضوعاً لمطالبات بالإصلاح تصلُ حدَّ الثورة. فعددهم أكبر من جميع البوذيين أو الهندوس. ولا نبالغ إذا قلنا إنها كانت العامل الأكثر أهمية وحسماً في تشكيل الثقافة والسياسة والمجتمع والهُويّة الأوروبية. يتجاوز البعد الديني إلى أن يكون معرفة ثقافية شاملة، أو المعنى الفكري لأعمال القديس توما الأكويني أو المعنى الإنساني لكتابات إيراسموس، أقدم مؤسسة في الغرب وَفقاً للتقليد الكاثوليكي تأسست الكنيسة الكاثوليكية على يد السيد المسيح ذاته عندما خاطب تلميذه بطرس وقال: «أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، والتي تمتد إلى جميع أنحاء العالم. أما البداية الرسمية للكنيسة الكاثوليكية الرومانية أو البابوية كما نعرفها اليوم – بحسب دليل مودي للاهوت – فقد حدثت عام 590م، من القدس إلى روما يقول التقليد المسيحي إنه بعد موت المسيح، ذهب بطرس تلميذه إلى روما وأنشأ كنيسةً للدين الجديد هناك، لكن قد تكون الأمور أعقد من ذلك بقليل! يعدّ سِفْرُ أعمال الرسل المصدرَ الرسمي والرئيس للأحداث التي جرت بعد موت المسيح، أحياناً إلى كنائسَ معينة أو إلى أشخاص معينين أو إلى المسيحيين بعامة. أي أول الأسفار بعد الأناجيل الأربعة التي تروي قصة المسيح، وبطبيعة الحال لا يذكر هذا السِّفْر كلّ أعمال الرسل، يركّز قسمه الأول على أعمال بطرس، فيما يركّز الثاني على شخصية بولس، ويتطرّق في بعض الأماكن لأعمال غيرهما من الرسل. وذلك في العام 60 للميلاد تقريباً. وكذلك وفي رسالة بولس الموجهة إلى "أهل رومية" والتي يعود تاريخها إلى بداية خمسينات القرن الأول، لقد كانت هناك علاقات جيدة بين اليهود وروما، نقلَ مَنْ آمن بالمسيح منهم التقليدَ القائل بأنه يجب عليهم الاعتراف بالمسيح ولكن مع الحفاظ على الناموس. أما البصمة التي تركها بولس تحديداً فهي إيصال تفكيره العالمي بالمسيحية إلى روما. لقد آمن بولس بأن وجودَ المسيح نقطةُ تحوّل في التاريخ، وأنه ينهي بالتالي الحاجة إلى العيش في ظل الشريعة اليهودية. لقد قال في رسالته إلى رومية: «فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُ. لقد رأى أن للجميع الحقّ والقدرة على الوصول إلى الإيمان الجديد، إذ كان يرى المسيحيين كحركة إصلاحية داخل اليهودية تستمر في اتباع العديد من القوانين اليهودية، لكن مفهوم "الكاثوليكية" أصبح اصطلاحاً يدلُّ إلى كل من يتبع بابوية روما. كونها لم تكن قد انقسمت بعد، هناك بعض الأحدث أثرت على نشأة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالتحديد، وأسهمت في تبلورها كمؤسسة مستقلة متمايزة ذات نفوذ وتأثير، ففي عام 476 م أطاح قائد عسكري جرماني يدعى أودواكر الإمبراطورَ الروماني الغربي رومولوس أوغسطس، والفساد السياسي الذي أدى إلى ضعف الحكومة الرومانية وجعلها غير قادرة على حماية نفسها من التهديدات الخارجية البربرية والجرمانية. فما يهم أنَّ هذا الانهيار أدّى إلى وصول القبائل الجرمانية إلى حكم أوروبا. لكن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية اعتبرت بعض مذاهبهم هرطقة. وسعَت الكنيسة إلى تأكيد سلطتها باعتبارها الحامل الوحيد للحقيقة المسيحية، فنمَتْ نتيجةً ذلك القوة الروحية للبابا، وظلت كنيستا القسطنطينية وروما تحاول كل منهما أن تظهر وكأنها حامل راية المسيحية الأحق. فزاد التركيز على هذا المكوّن من مكونات الهُويّة الأوروبية، كاثوليكية على وجه التحديد، وتحديداً عند سقوط الإمبراطورية البيزنطية عام 1453 على يد العثمانيين المسلمين، المولود في إيطاليا عام 1225، إلى الرهبانية الدومينيكية في سنٍّ مبكرة. وسعى إلى التوفيق بينها وبين اللاهوت المسيحي. وقد ترك العديد من الأعمال اللاهوتية والفلسفية من أشهرها: "الخلاصة اللاهوتية" و"التعليق على كتاب الخلاص". وهو التيار الذي ساد في الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى. ومنها إلى مناطق كثيرة في العالم، إلى معظم أنحاء العالم. وكانت الإرساليات الكاثوليكية إلى الشعوب الأصلية ترافق - جنباً إلى جنب - الجهود الاستعمارية الأوروبية في الأميركيتين والمستعمرات الأخرى في آسيا وأفريقيا. وفي العام التالي وصل المبشرون الفرنسيسكان إلى ما يعرف الآن بالمكسيك، إلا أن التعامل مع أتباع الأديان الأخرى، لم يكن بهذه السلمية على الإطلاق. وفي وقت لاحق من العام عُقد مجمع كليرمونت، وفي عام 1099 وصل هذا الجيش إلى القدس، فككل نظام أيديولوجي، أو في بعض الأحيان تصل إلى اكتشافات تناقض تلك الأيديولوجيا وأساساتها ومنظومتها ككل. كل هؤلاء دعتهم الكنيسة بالمهرطقين، والوصول بهم إلى الاعتراف بـ"ذنبهم"، بما يصل إلى السجن مدى الحياة أو الإعدام حرقاً. والمصطلح مشتق من الكلمة اليونانية التي تعني الأطهار. وقد أصدر البابا غريغوري التاسع مرسوماً في عام 1233 يمنح محاكم التفتيش سلطة التحقيق في الجرائم الدينية في فرنسا. وانتشرت محاكم التفتيش بعد ذلك في إسبانيا والبرتغال – حيث كانت هناك أقليات من المسلمين واليهود – وغيرهما من الدول. يهود ومسلمون تحولوا إلى المسيحية ثم اتُّهموا بالعودة إلى دينهم الأصلي، فهي محاكم التفتيش الإسبانية التي تأسست عام 1478 بموجب مرسوم صدر عن الملِكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا، وقد أدّى انتشار هذا التعليم إلى زيادة الوعي الديني لدى الناس،