Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

الفصل التاسع الرؤية الصهيونية / الإسرائيلية للصراع وللحكم الذاتي الإستيطانية الصهيونية تعبر عن نفسها - كما أسلفنا - من خلال المفهوم الصهيوني الإسرائيلي للأمن، كما تعبر عن نفسها من خلال المفهوم الإسرائيلي للصراع والسلام والحكم الذاتي للفلسطنيين، كما تعبر عن نفسها بشكل محسوس ومتعين من خلال الطرق الإلتفافية . تدوس كل من يقف في طريقها ؟ ومن الواضح أن المستوطنين الصهاينة ، تجاوزوا الديباجات الصهيونية البلهاء وأدركوا أن الأرض مأهولة وأنهم جاءوا لاغتصابها وأن أهلها لذلك سيشتبكون معهم دفاعاً عن حقوقهم . وأضاف أن الفلسطينيين يشعرون أنهم جزء من الأمة العربية التي تضم العراق والحجاز واليمن ، ورد الفعل - كما أكد شاريت - لا يمكن أن يكون سوى المقاومة . وفي ۲۸ سبتمبر من العام نفسه ، كان شاريت قاطعاً في تشخيصه الحركة العربية على أنها ثورة ومقاومة قومية وأن القيادة الجديدة تختلف عن القيادات القديمة، كما لاحظ وجود عناصر جديدة في حركة المقاومة : اشتراك المسيحيين العرب بل النساء المسيحيات في حركة المقاومة ، كما لاحظ تعاطف المثقفين العرب مع هذه الحركة ، وبين أن من أهم دوافع الثورة الرغبة في إنقاذ الطابع العربي الفلسطيني وليس مجرد معارضة اليهود . ووراء الإرهابيين توجد حركة قد تكون بدائية ولكنها لیست خالية من المثالية والتضحية بالذات . سيحل آخرون محله . فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعاً وحينما نقول إن العرب هم البادئون بالعدوان وندافع عن أنفسنا - فإننا نذكر نصف الحقيقة وحسب ، ومن الناحية السياسية نحن البادئون بالعدوان وهم المدافعون عن أنفسهم. ونأخذها منهم ، حسب تصورهم " كان ثمة إدراك واضح المعالم من جانب الصهاينة لطبيعة الغزوة الصهيونية الإستيطانية الإحلالية وطبيعة المقاومة العربية . فكان هناك نمط من الصهاينة أدرك طبيعة الجرم الكامن في عملية تغييب العرب هذه فتنكر لرؤية الصهيونية تماماً وتخلى عنها ، وبذل محاولات يائسة لإعادة صياغة المشروع الصهيوني بطريقة تستوعب وجود العربي الحقيقي وتأخذه في الحسبان. ولكن من الملاحظ أن مثل هذه الشخصيات تحولت بالتدريج إلى شخصيات مبهمة وهامشية ، تنتمي إلى منظمات هامشية وتدافع عن رؤى هامشية لا تؤثر في المركز أو الممارسات الأساسية . نظراً لاحتكاكهم الدائم بالواقع العربي ، أدركوا مدى تركيبية الموقف فطرحوا صيغاً مركبة نوعاً مثل الدولة ثنائية القومية وطالبوا بالتعاون مع الحركة القومية العربية وأسسوا جمعية بريت شالوم ثم جمعية إيحود لإجراء حوار مع العرب يعترف بهم ككيان قومي ولا يتعامل معهم كمجرد مخلوقات اقتصادية ولكن المحاولات كلها ظلت في نهاية الأمر تعبيراً عن ضمير معذب أكثر من كونها ممارسات حقيقية . ولعل يهودا ما جنيس (۱۸۷۷ - ۱۹۴۸) من أكثر الشخصيات المأساوية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ، فهذا الرئيس السابق للجامعة العبرية، أدرك الخلل العميق في وعد بلفور منذ البداية بإنكاره وتغييبه للعرب ، ولذا قضى حياته كلها يحاول أن يصل إلى صيغة صهيونية تنيرها لحظة الإدراك النادرة دون جدوى. وانتهى به الأمر أن تنكر له مجلس الجامعة العبرية التي كان يترأسها. ويمكن أن نذكر في هذا السياق أحاد هعام الذي رأى الدماء العربية النازفة فولول وكأنه أحد أنبياء العهد القديم ، وينتهي به المطاف أن يستقر هو نفسه على الأرض الفلسطينية ، بكل ما يحمل ذلك من معاني اغتصاب وقهر . ولكنه حتى وهو في فلسطين ، ظلت تخامره الشكوك بشأن المشروع الصهيوني وظل موقفه مبهماً حتى النهاية . وهناك أخيراً النمط الثالث ، ولم يختبئ وراء الحجج الليبرالية عن شراء فلسطين ، أو الحجج الاشتراكية عن رجعية القومية العربية وخلافه من الإستراتيجيات الإدراكية ، وإنما أكد دون مواربة أن الصهيونية جزء من التشكيل الاستعماري الغربي الذي لم يكن بمقدوره أن يحقق انتشاره إلا بحد السيف ، ولذلك طالب منذ البداية بتسليح المستوطنين الصهاينة (تماماً مثلما يتسلح المستوطنون الأوربيون في كينيا وفي كل مكان ، أي طالب بتعديل موازين القوى بطريقة تخدم التحيز الصهيوني . فالعرب - حسبما صرح - لن يقبلوا الصهيونية (وتحيزاتها ورؤيتها ) إلا إذا وجدوا أنفسهم في مواجهة حائط حديدي . ونفس النتيجة توصل إليها بن جوريون ، ولذا توصل إلى أنه لا مناص من فرض هذه الرؤية عن طريق القوة وحد السيف. فمثل هذا السلام - على حد قوله - مستحيل ، كما لم يحاول أن يعقد اتفاقية معهم ، " إن هو إلا وسيلة وحسب ، أما الغاية فهي الإقامة الكاملة للصهيونية ، لهذا فقط نود أن نصل إلى اتفاق [مع العرب] . يأس لا ينجم عن فشل الاضطرابات التي يثيرونها أو التمرد الذي يقومون به وحسب وإنما ينجم عن نمونا نحن أصحاب الحقوق اليهودية المطلقة في هذا البلد . إن تشخيصي للموضوع أنه سيتم التوصل إلى اتفاق مع العرب ] لأنني أؤمن بالقوة ، فإن الاتفاق سيتم إبرامه " . وهكذا تم رسم الصورة الصهيونية للسلام مع العرب ولا يختلف شاريت عن هذه الرؤية التي تذهب إلى أن المثل الأعلى الصهيوني لابد أن تسانده القوة حتى يمكن فرضه على الواقع . شأنه في هذا شأن بن جوريون وجابو تنسكي : " لا أعتقد أننا سنصل إلى اتفاق مع العرب حتى تنمو قوتنا . كقوة مع قوة أخرى، والصهاينة شأنهم شأن كل من في موقفهم ، كانوا لا يبحثون عن سلام المقابر لأنفسهم ، وإنما للآخرين. ولذا فالاتفاق الذي يتحدث عنه جابو تنسكي ثم بن جوريون وشاريت و وايزمان ليس اتفاقاً مع العرب باعتبارهم كياناً مستقلاً له حقوقه وفضاؤه التاريخي والجغرافي إنما هو اتفاق مع طرف آخر تم تغييبه أو ترويضه عن طريق القوة والحائط الحديدي ، وهذا ، على كل ، فرغم كل محاولات الصهاينة المعلنة عن السلام والحوار والتفاوض والأخوة العربية اليهودية والأخذ بيد العرب ، وأنه أشار بشكل عابر إلى حقوق الجماعات غير اليهودية ، وفي علاقاتهم اليومية مع مؤسسات إدارة الانتداب كانوا يعرفون أن بوابات وطنهم قد فتحت على مصراعيها ليهود الغرب ليستوطنوا فيه ، فالصهاينة كانوا يهدفون دائماً إلى زيادة عدد اليهود في فلسطين وإلى إقامة كيان اقتصادي اجتماعي ( عسكري) منفصل، وفي نهاية الأمر مهیمن . وهذا الرأي ليس رأياً متشائماً ينكر مثاليات البشر ، وإنما هو رأي يحكم على هذه المثاليات في ضوء الطموحات والممارسة ، وفي ضوء ما تشكل في الواقع بالفعل . مهما بلغت من اعتدال ، هي في نهاية الأمر رؤية وهمية (أيديولوجية بالمعنى السلبي للكلمة وأن أي تحقق لها يعني سلب حقوق العرب . ولذا حينما كتب له يهودا ما جنيس يقترح إمكانية التخلي عن فكرة الدولة اليهودية على أن يسمح الجماعة يهودية أن تتمتع بحكم ذاتي محدود في فلسطين ، الذين لن يسمحوا لأحد أن يقاسمهم حقوقهم الطبيعية. ولذا من المستحيل عقد لقاء بين زعماء الشعبين - العربي واليهودي " . وكان العرب يدركون تماماً أن الحديث العذب عن التقدم الزراعي والصناعي وخلافه إنما هو حديث عن التغييب وعن سلب الوطن . إن التقدم في إطار غير متزن من القوة لصالح المغتصب يعني أن العربي سيفقد كل شيء ، وبخاصة إذا كان الآخر لا يعترف بالعربي ككيان تاريخي وإنما كمخلوق اقتصادي . ولذا تغير كثير من الشعوب المقهورة إستراتيجياتها التحررية وبدلاً من البحث عن التقدم تفضل الدفاع عن البقاء من خلال التشرنق سلام مبني على الظلم والحرب . والأمر لا يختلف كثيراً هذه الأيام . فلا يزال السلام المبني على العدل يعني ، في واقع الأمر ، مشاركة العرب الكاملة في حكم فلسطين ، ولذا يحاول الصهاينة التوصل إلى السلام المبني على الحرب والظلم، المفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للسلام ويرى دعاة السلام أن الرغبة في السلام من الطرفين العربي والإسرائيلي أصبحت قوية وصادقة وحقيقية ، وهو أمر قد يكون مفهوماً بالنسبة للعرب ( بعد الهزائم المتكررة) . ويمكننا أن ندرج الأسباب التالية التي ولدت لدى الإسرائيليين الرغبة في السلام بل إنها أنت لهم بالمزيد من الحروب وتحققت النبوءة القائلة بأن أقصى ما يطمح له المستوطنون الصهاينة هو حالة من " الحرب الراقدة " باعتبار أن الحرب الخاطفة الساحقة ، أي الحرب بدون تكلفة بشرية واقتصادية عالية ، ٤ - تزايدت تكلفة الحرب وهو ما يعني تزايد اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة. والولايات المتحدة حليف موثوق به تماماً ، ه - ومما يزيد الرغبة في السلام عند المستوطنين الصهاينة أن الشعب اليهودي (أي الجماعات اليهودية المنتشرة في أنحاء العالم) قرر عدم ترك منفاه وهو ما يثير قضية سبب بناء المستوطنات أساساً ( هذا في الوقت الذي يتزايد فيه العرب في الأراضي الفلسطينية التي احتلت قبل عام ١٩٦٧) . - وقد بدأت تظهر علامات الإرهاق والتذمر بين المستوطنين الصهاينة ويظهر هذا في أزمة الخدمة العسكرية والتكالب على الاستهلاك . - بدأ العرب يطورون نظماً هجومية ودفاعية ، - مسألة التسليم والاستسلام ، لم تعد واردة ( مَنْ يستسلم لمن ؟ ) . ۹ - رغم كل سلبيات اتفاقيات أوسلو إلا أن قيام السلطة الفلسطينية يشكل أول اختراق للعمق الإستراتيجي الإسرائيلي ، مليون في الأراضي المحتلة بعد عام ١٩٤٨) لها مؤسساتها وإرادتها وطموحاتها . ١٠ - لخص المفكر الإستراتيجي المصري أمين هويدي الموقف في هذه الكلمات : نحن نعيش الآن كعقارب سامة وضعت في أنبوب واحد ستلدغ بعضها بعضاً قبل أن تموت وتفنى ، وإن كان في قدرتهم اختراق الحدود ففي يدنا مقومات الوجود . لا شك إذن في أن الرغبة الإسرائيلية في السلام حقيقية وصادقة. فالدولة الصهيونية هي دولة استيطانية إحلالية ، فإن الإعداد للحرب يستمر على أن تعرف نغمات السلام . وتبدأ معزوفة السلام الإسرائيلية بالمناداة بالبعد عن عقد التاريخ وأن تتناسى كل دول المنطقة خلافاتها لمواجهة الخطر الأكبر الاتحاد السوفيتي - الإسلام . وأن نقطة البداية لا بد أن تكون الأمر الواقع . وهذا المفهوم يفترض أن إسرائيل ليست التهديد الأكبر ، وهذا الظلم والقمع هو مصدر الصراع والحروب والاشتباك . فالمسألة ليست عقداً آنية أو تاريخية ، وإنما بنية الظلم التي تشكلت في الواقع ولا يمكن تأسيس سلام حقيقي إلا إذا تم فكها . وهذا ما يسمونه الأرض مقابل السلام . والقوات الإسرائيلية لا تنسحب، والقوات الوطنية لا تنسحب من أرض الوطن وإنما يعاد نشرها فيه وحسب ، ولذا رغم اتخاذ هذه الخطوة الرمزية الإعلامية فإن الاستيطان سيستمر على قدم وساق (تحدث شامير عن استمرار التفاوض في مدريد لمدة عشر سنوات والمضي أثناء ذلك في الاستيطان والقدس ستظل عاصمة إسرائيل الأبدية إن كل هذه التصورات للسلام تنبع من إدراك أن أرض فلسطين هي إرتس يسرائيل، وأن الإسرائيليين لهم حقوق مطلقة فيها ، أما الحقوق الفلسطينية فهي مسألة ثانوية ، وتتبدى هذه الخاصية بشكل واضح ومتبلور في المفهوم الإسرائيلي للحكم الذاتي . فالمركز هو إسرائيل وهي التي تمسك بكل الخيوط ، أما بقية " المنطقة " فهي مساحات وأسواق . تحركها الدوافع الاقتصادية التي لا هوية لها ولا خصوصية . نشاطه الأساسي هو نشاط اقتصادي محض وحينما يتحول العالم العربي إلى سنغافورات مفتتة متصارعة فإن الإستراتيجية الاستعمارية والصهيونية للسلام تكون قد تحققت دون مواجهة ومن خلال " التفاوض " المستمر ! جاء في مجلة نيوزويك الأمريكية أنه بعد أن قبل الرئيس السادات توقيع اتفاقية كامب ديفيد طلب تخصيص رقعة ما في القدس ترفع عليها الأعلام العربية ، أي أنه اقترحسلام المقابر " . أي أنه اقترح سلام السادة والعبيد ، وما بين المقابر والبقشيش يقع المفهوم الإسرائيلي للسلام . المفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للحكم الذاتي وقد تفرع عن هذا الإطار الكلي عدة أفكار صهيونية مختلفة بشأن الدولة الفلسطينية قد تبدو متضاربة ولكنها في واقع الأمر تتسم بالوحدة . ويبتعد ثالثها عنه حتى يبدو كأنه نقيض ، ويقف ثانيها في نقطة اعتبارية متوسطة بينهما . وقد اخترنا شموئيل كاتس - أحد مؤسسي حركة حيروت وقد شغل منصب مستشار رئيس الوزراء مناحم بيجين عام ۱۹۷۸ كممثل للنموذج الأول . وليعبر كاتس عن وجهة نظره في الدولة الفلسطينية يقتبس كلمات بن جوريون الذي يشير فيها إلى تاريخ اليهود وإلى " بلاد اسمها يهودا وهي التي نسميها أرض إسرائيل. إن هذه البلاد جعلت منا شعباً ،


Original text

الفصل التاسع


الرؤية الصهيونية / الإسرائيلية


للصراع وللحكم الذاتي


الإستيطانية الصهيونية تعبر عن نفسها - كما أسلفنا - من خلال المفهوم الصهيوني الإسرائيلي للأمن، كما تعبر عن نفسها من خلال المفهوم الإسرائيلي للصراع والسلام والحكم الذاتي للفلسطنيين، كما تعبر عن نفسها بشكل محسوس ومتعين من خلال الطرق الإلتفافية . كما سنبين في هذا الفصل) .


المفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للصراع العربي الإسرائيلي


لإدراك الأبعاد الحقيقية للمفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للسلام والأمن قد يكون من المفيد العودة إلى أحد المؤتمرات الصهيونية الأولى في عشرينيات هذا القرن) حين طرح أحد المستوطنين الصهاينة السؤال التالي : هل تريد الحركة الصهيونية الحرب مع العرب أم لا ؟ وطرح السؤال على هذا النحو يلقي كثيراً من الضوء على القضية موضع البحث : فهل السلام مسألة إرادة ورغبة ، أم مسألة بنية تشكلت على أرض الواقع ، لها حركية مستقلة ، تدوس كل من يقف في طريقها ؟


ومن الواضح أن المستوطنين الصهاينة ، في لحظات صدق كثيرة، تجاوزوا الديباجات الصهيونية البلهاء وأدركوا أن الأرض مأهولة وأنهم جاءوا لاغتصابها وأن أهلها لذلك سيشتبكون معهم دفاعاً عن حقوقهم . ففي خطاب له في 9 يوليه ١٩٣٦ أمام اللجنة السياسية لحزب الماباي عرف موشيه شاريت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الثورة العربية بأنها ثورة الجماهير التي تمليها المصالح القومية الحقة ، وأضاف أن الفلسطينيين يشعرون أنهم جزء من الأمة العربية التي تضم العراق والحجاز واليمن ، ففلسطين بالنسبة لهم وحدة مستقلة لها وجه عربي ، وهذا الوجه أخذ في التغير ، فحيفا من وجهة نظرهم كانت بلدة عربية ، وها هي ذي قد أضحت يهودية " . ورد الفعل - كما أكد شاريت - لا يمكن أن يكون سوى المقاومة . وفي ۲۸ سبتمبر من العام نفسه ، كان شاريت قاطعاً في تشخيصه الحركة العربية على أنها ثورة ومقاومة قومية وأن القيادة الجديدة تختلف عن القيادات القديمة، كما لاحظ وجود عناصر جديدة في حركة المقاومة : اشتراك المسيحيين العرب بل النساء المسيحيات في حركة المقاومة ، كما لاحظ تعاطف المثقفين العرب مع هذه الحركة ، وبين أن من أهم دوافع الثورة الرغبة في إنقاذ الطابع العربي الفلسطيني وليس مجرد معارضة اليهود .


وقد توصل ديفيد بن جوريون لنفس النتائج وبطريقة أكثر تبلوراً عام ١٩٣٨ حين قال : "نحن هنا لا نجابه إرهاباً وإنما نجابه حرباً ، وهي حرب قومية أعلنها العرب علينا . وما الإرهاب سوى إحدى وسائل الحرب لما يعتبرونه اغتصاباً لوطنهم من قبل اليهود - ولهذا يحاربون، ووراء الإرهابيين توجد حركة قد تكون بدائية ولكنها لیست خالية من المثالية والتضحية بالذات . يجب ألا نبني الآمال على أن العصابات الإرهابية سينال منها التعب ، فإذا ما نال التعب من أحدهم ، سيحل آخرون محله . فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعاً وحينما نقول إن العرب هم البادئون بالعدوان وندافع عن أنفسنا - فإننا نذكر نصف الحقيقة وحسب ، ومن الناحية السياسية نحن البادئون بالعدوان وهم المدافعون عن أنفسهم. إن الأرض أرضهم لأنهم قاطنون فيها بينما نحن نريد أن نأتي ونستوطن ، ونأخذها منهم ، حسب تصورهم "


كان ثمة إدراك واضح المعالم من جانب الصهاينة لطبيعة الغزوة الصهيونية الإستيطانية الإحلالية وطبيعة المقاومة العربية . ولكن السلوك الناتج عن هذا الإدراك كان متبايناً ، فكان هناك نمط من الصهاينة أدرك طبيعة الجرم الكامن في عملية تغييب العرب هذه فتنكر لرؤية الصهيونية تماماً وتخلى عنها ، وعاد إلى أوربا . وهناك كثيرون من حزب بو عالي صهيون ( عمال صهيون) عادوا إلى الاتحاد السوفيتي بعد الثورة البلشفية حتى يشاركوا في الثورة الاجتماعية وحتى لا يشاركوا في الإرهاب الصهيوني. ولكن هؤلاء قلة نادرة على ما يبدو ، وعلى كل فإنهم يختفون تماماً من التواريخ الصهيونية ومن الإدراك الصهيوني . ولذلك فهم لا يؤثرون من قريب أو بعيد في البرنامج السياسي الصهيوني أو سلوك الصهاينة نحو العرب .


وهناك نمط ثان من الصهاينة أدرك طبيعة المقاومة العربية ولكنه لم يطرح رؤيته الصهيونية جانباً ، وبذل محاولات يائسة لإعادة صياغة المشروع الصهيوني بطريقة تستوعب وجود العربي الحقيقي وتأخذه في الحسبان. ولكن من الملاحظ أن مثل هذه الشخصيات تحولت بالتدريج إلى شخصيات مبهمة وهامشية ، ومن وجهة نظر الصهيونية ، تنتمي إلى منظمات هامشية وتدافع عن رؤى هامشية لا تؤثر في المركز أو الممارسات الأساسية . ولعل سيرة يتسحاق إبشتاين المسئول الصهيوني عن الإستيطان (١٨٦٢ - ١٩٤٣) وأرثر روبين وغيرهما خير دليل على ذلك . فهؤلاء الصهاينة ، نظراً لاحتكاكهم الدائم بالواقع العربي ، أدركوا مدى تركيبية الموقف فطرحوا صيغاً مركبة نوعاً مثل الدولة ثنائية القومية وطالبوا بالتعاون مع الحركة القومية العربية وأسسوا جمعية بريت شالوم ثم جمعية إيحود لإجراء حوار مع العرب يعترف بهم ككيان قومي ولا يتعامل معهم كمجرد مخلوقات اقتصادية ولكن المحاولات كلها ظلت في نهاية الأمر تعبيراً عن ضمير معذب أكثر من كونها ممارسات حقيقية . ولعل يهودا ما جنيس (۱۸۷۷ - ۱۹۴۸) من أكثر الشخصيات المأساوية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ، فهذا الرئيس السابق للجامعة العبرية، واليهودي الإصلاحي ، أدرك الخلل العميق في وعد بلفور منذ البداية بإنكاره وتغييبه للعرب ، وأدرك مدى عمق الصراع المحتمل بين المستوطنين الصهاينة والعرب ؛ ولذا قضى حياته كلها يحاول أن يصل إلى صيغة صهيونية تنيرها لحظة الإدراك النادرة دون جدوى. وانتهى به الأمر أن تنكر له مجلس الجامعة العبرية التي كان يترأسها.


ويمكن أن نذكر في هذا السياق أحاد هعام الذي رأى الدماء العربية النازفة فولول وكأنه أحد أنبياء العهد القديم ، يستمطر اللعنات على شعبه لما اقترف من آثام ، ومع هذا نجده بعد ذلك في لندن مستشاراً لحاييم وايزمان ، في الفترة التي سبقت إصدار وعد بلفور ، يدلي له بالنصيحة بشأن كيفية الاستيلاء على فلسطين ، ولا يُذكره من قريب أو بعيد بالمقاومة العربية - أو الدماء النازفة . وينتهي به المطاف أن يستقر هو نفسه على الأرض الفلسطينية ، بكل ما يحمل ذلك من معاني اغتصاب وقهر . ولكنه حتى وهو في فلسطين ، بعد وعد بلفور ، ظلت تخامره الشكوك بشأن المشروع الصهيوني وظل موقفه مبهماً حتى النهاية .


وهناك أخيراً النمط الثالث ، وهو أكثر الأنماط شيوعاً وهو النمط الذي يؤدي إدراكه الحقيقة المشروع الصهيوني وأبعاد المقاومة العربية إلى مزيد من الشراسة الصهيونية . ولنضرب مثلاً على هذا النمط الصهيوني بفلاديمير جابو تنسكي - زعيم الحركة الصهيونية التصحيحية - الذي أدرك منذ البداية أن الصراع بين الصهيونية كحركة استيطانية مغتصبة للأرض والعرب أمر حتمي ، فلم يختبئ وراء السحابة الكثيفة من الاعتذاريات الصهيونية عن الحقوق اليهودية الأزلية ، ولم يختبئ وراء الحجج الليبرالية عن شراء فلسطين ، أو الحجج الاشتراكية عن رجعية القومية العربية وخلافه من الإستراتيجيات الإدراكية ، وإنما أكد دون مواربة أن الصهيونية جزء من التشكيل الاستعماري الغربي الذي لم يكن بمقدوره أن يحقق انتشاره إلا بحد السيف ، ولذلك طالب منذ البداية بتسليح المستوطنين الصهاينة (تماماً مثلما يتسلح المستوطنون الأوربيون في كينيا وفي كل مكان ، أي طالب بتعديل موازين القوى بطريقة تخدم التحيز الصهيوني . فالعرب - حسبما صرح - لن يقبلوا الصهيونية (وتحيزاتها ورؤيتها ) إلا إذا وجدوا أنفسهم في مواجهة حائط حديدي .


ونفس النتيجة توصل إليها بن جوريون ، إذ أن إدراكه للمقاومة العربية كان يحيده التزامه بالرؤية الصهيونية ، ولذا توصل إلى أنه لا مناص من فرض هذه الرؤية عن طريق القوة وحد السيف. ولذا لم يبحث الزعيم الصهيوني عن سلام مع العرب ، فمثل هذا السلام - على حد قوله - مستحيل ، كما لم يحاول أن يعقد اتفاقية معهم ، فهذا - في تصوره - سراب بغير شك . إن السلام مع العرب ، بالنسبة لبن جوريون ، " إن هو إلا وسيلة وحسب ، أما الغاية فهي الإقامة الكاملة للصهيونية ، لهذا فقط نود أن نصل إلى اتفاق [مع العرب] . إن الشعب اليهودي لن يوافق ، بل لن يجسر على أن يوافق ، على أية اتفاقية لا تخدم هذا الغرض ولذا فالاتفاق الشامل أمر غير مطروح الآن ، [ فالعرب ] لن يستسلموا في إرتس يسرائيل إلا بعد أن يستولى عليهم اليأس الكامل ، يأس لا ينجم عن فشل الاضطرابات التي يثيرونها أو التمرد الذي يقومون به وحسب وإنما ينجم عن نمونا نحن أصحاب الحقوق اليهودية المطلقة في هذا البلد . ثم استمر يقول : "لا يوجد مثل واحد في التاريخ لأمة فتحت بوابات وطنها [ للآخرين] . إن تشخيصي للموضوع أنه سيتم التوصل إلى اتفاق مع العرب ] لأنني أؤمن بالقوة ، قوتنا التي ستنمو، وهي إن حققت هذا النمو ، فإن الاتفاق سيتم إبرامه " . وهكذا تم رسم الصورة الصهيونية للسلام مع العرب


ولا يختلف شاريت عن هذه الرؤية التي تذهب إلى أن المثل الأعلى الصهيوني لابد أن تسانده القوة حتى يمكن فرضه على الواقع . وهو أيضاً يتبنى سياسة الحائط الحديدي ، شأنه في هذا شأن بن جوريون وجابو تنسكي : " لا أعتقد أننا سنصل إلى اتفاق مع العرب حتى تنمو قوتنا . ولكني أعتقد أنه ستحين اللحظة حين نصبح أكثر قوة وسنبرم اتفاقاً ثابتاً مع بريطانيا العظمى ، كقوة مع قوة أخرى، وسنصل إلى اتفاق مع العرب كقوة مع قوة أخرى . لكن الشرط الأساسي هو ألا ينظر لنا العرب باعتبارنا قوة محتملة وإنما باعتبارنا قوة فعلية "


وقد أدرك وايزمان منذ البداية أن أي سلام مبني على العدل ، أي يؤدي إلى إعطاء الفلسطينيين حقوقهم السياسية والدينية والمدنية كافة ، عواقبه وخيمة ، إذ سيؤدي إلى " سيطرة العرب على الأمور " . فلو تم تأسيس حكومة في إطار هذا السلام العادل ، فإن العرب سيمثلون فيها ، وهي حكومة ستتحكم في الهجرة والأرض والتشريع - وبذا سيحقق الصهاينة السلام - ولكنه «سلام المقابر» (على حد قوله) . والصهاينة شأنهم شأن كل من في موقفهم ، كانوا لا يبحثون عن سلام المقابر لأنفسهم ، وإنما للآخرين. ولذا فالاتفاق الذي يتحدث عنه جابو تنسكي ثم بن جوريون وشاريت و وايزمان ليس اتفاقاً مع العرب باعتبارهم كياناً مستقلاً له حقوقه وفضاؤه التاريخي والجغرافي إنما هو اتفاق مع طرف آخر تم تغييبه أو ترويضه عن طريق القوة والحائط الحديدي ، ولذا فهو يقنع بالبقاء حسب الشروط التي يفرضها الآخر . وهذه رؤية ولا شك واقعية : إذ كيف يمكن أن يتوقع أحد من العرب أن يخضعوا طواعية لرؤية تلغي وجودهم ؟


وهذا ، على كل ، ما أدركه العرب منذ البداية . فرغم كل محاولات الصهاينة المعلنة عن السلام والحوار والتفاوض والأخوة العربية اليهودية والأخذ بيد العرب ، كان العرب يعرفون أن الصهاينة قد رفضوا أن يستقروا في المنطقة باعتبارهم رعايا عثمانيين وأصروا على أن يأتوا تحت راية الاستعمار الإنجليزي ورماحه وبمساعدة جيوشه وبوارجه ، وأن وعد بلفور قد وعدهم بفلسطين ، وأنه أشار بشكل عابر إلى حقوق الجماعات غير اليهودية ، أي أن الصياغة اللفظية نفسها قد قامت بتهميشهم وتغييبهم على مستوى المخطط ، ولم يبق سوى التنفيذ والممارسة . ولم يكن العرب غافلين عن المفاهيم الصهيونية مثل العمل العبري أو عن المؤسسات الصهيونية مثل الكيبوتس والهستدروت والهاجاناه التي تستبعدهم وتستعبدهم وتغيبهم . وفي علاقاتهم اليومية مع مؤسسات إدارة الانتداب كانوا يعرفون أن بوابات وطنهم قد فتحت على مصراعيها ليهود الغرب ليستوطنوا فيه ، كما كانوا يدركون أنه بغض النظر عن نوايا بعض الصهاينة الطيبة وبغض النظر عن إدراكهم لطبيعة المشروع الصهيوني وطبيعة المقاومة العربية فإن الواقع الذي كان آخذاً في التشكل كان واقعاً صراعياً ، فالصهاينة كانوا يهدفون دائماً إلى زيادة عدد اليهود في فلسطين وإلى إقامة كيان اقتصادي اجتماعي ( عسكري) منفصل، وفي نهاية الأمر مهیمن .


وقد تنبأ نجيب عازوري ، هذا المؤلف الفلسطيني العربي المسيحي الذي كان من أوائل من أدرك حقيقة ما يحدث " بأن الصراع سيستمر إلى أن يسود طرف على الآخر " . وهذا الرأي ليس رأياً متشائماً ينكر مثاليات البشر ، وإنما هو رأي يحكم على هذه المثاليات في ضوء الطموحات والممارسة ، وفي ضوء ما تشكل في الواقع بالفعل .


وقد تنبه أحد زعماء حزب الاستقلال في فلسطين إلى أن الرؤية الصهيونية للسلام مع العرب ، مهما بلغت من اعتدال ، هي في نهاية الأمر رؤية وهمية (أيديولوجية بالمعنى السلبي للكلمة وأن أي تحقق لها يعني سلب حقوق العرب . ولذا حينما كتب له يهودا ما جنيس يقترح إمكانية التخلي عن فكرة الدولة اليهودية على أن يسمح الجماعة يهودية أن تتمتع بحكم ذاتي محدود في فلسطين ، رد عليه قائلاً : " لا أرى أي شيء في اقتراحاتك سوى استفزاز صريح ضد العرب ، الذين لن يسمحوا لأحد أن يقاسمهم حقوقهم الطبيعية. أما بالنسبة لليهود فليس لديهم أية حقوق سوى ذكريات روحية مفعمة بالكوارث والقصص المحزنة . ولذا من المستحيل عقد لقاء بين زعماء الشعبين - العربي واليهودي " .


وكان العرب يدركون تماماً أن الحديث العذب عن التقدم الزراعي والصناعي وخلافه إنما هو حديث عن التغييب وعن سلب الوطن . إن التقدم في إطار غير متزن من القوة لصالح المغتصب يعني أن العربي سيفقد كل شيء ، وبخاصة إذا كان الآخر لا يعترف بالعربي ككيان تاريخي وإنما كمخلوق اقتصادي . ولذا تغير كثير من الشعوب المقهورة إستراتيجياتها التحررية وبدلاً من البحث عن التقدم تفضل الدفاع عن البقاء من خلال التشرنق


وهكذا أدرك الصهاينة والعرب من البداية أن الصراع بينهما له طابع بنيوي وأدركا أن السلام الذي يعرضه الصهاينة هو سلام المقابر، سلام مبني على الظلم والحرب .


والأمر لا يختلف كثيراً هذه الأيام . فلا يزال السلام المبني على العدل يعني ، في واقع الأمر ، مشاركة العرب الكاملة في حكم فلسطين ، أي أنه " سلام المقابر " (عبارة وايزمان) بالنسبة للصهاينة. ولذا يحاول الصهاينة التوصل إلى السلام المبني على الحرب والظلم، وإلى الأمن المبني على الإكراه والعنف .


المفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للسلام


ظلت بنية الصراع العربي الإسرائيلي واضحة حتى عام ١٩٦٧ مع هزيمة العرب،


ومنذ ذلك الحين بدأ الحديث عن " السلام " والرغبة في التسوية من جانب الطرفين . ويرى دعاة السلام أن الرغبة في السلام من الطرفين العربي والإسرائيلي أصبحت قوية وصادقة وحقيقية ، وهو أمر قد يكون مفهوماً بالنسبة للعرب ( بعد الهزائم المتكررة) . ولكن الأمر بالنسبة للإسرائيليين قد يحتاج إلى قليل من الشرحوالتفسير، ويمكننا أن ندرج الأسباب التالية التي ولدت لدى الإسرائيليين الرغبة في السلام
١ - لم تأت الانتصارات العسكرية بالسلام للإسرائيليين رغم أن الآلة العسكرية الإسرائيلية وصلت إلى ذروة مقدرتها الحربية ، بل إنها أنت لهم بالمزيد من الحروب وتحققت النبوءة القائلة بأن أقصى ما يطمح له المستوطنون الصهاينة هو حالة من " الحرب الراقدة "


۲ - منطق جيش الشعب النظامي والاحتياطي ) لم يعد ممكناً بالسهولة التي كان عليها سابقاً وذلك بسبب مقتضيات الاقتصاد الإسرائيلي في إطار النظام العالمي الجديد والتكنولوجيا المتقدمة


٣- لم يعد الإسرائيليون قادرين على تحمل الحرب الدائمة والاستنفار المتواصل، باعتبار أن الحرب الخاطفة الساحقة ، أي الحرب بدون تكلفة بشرية واقتصادية عالية ، لم تعد ممكنة .


٤ - تزايدت تكلفة الحرب وهو ما يعني تزايد اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة. والولايات المتحدة حليف موثوق به تماماً ، ومع هذا بدأت تظهر عليه علامات تثير القلق مثل تزايد المزاج الانعزالي الذي قد يتحول في أية لحظة بضغط من القوى الشعبوية) إلى تحرك سياسي يرفض التورط في مغامرات خارجية وإلى تخفيض المعونات الاقتصادية لحلفائه وعملائه .


ه - ومما يزيد الرغبة في السلام عند المستوطنين الصهاينة أن الشعب اليهودي (أي الجماعات اليهودية المنتشرة في أنحاء العالم) قرر عدم ترك منفاه وهو ما يثير قضية سبب بناء المستوطنات أساساً ( هذا في الوقت الذي يتزايد فيه العرب في الأراضي الفلسطينية التي احتلت قبل عام ١٩٦٧) .




  • وقد بدأت تظهر علامات الإرهاق والتذمر بين المستوطنين الصهاينة ويظهر هذا في أزمة الخدمة العسكرية والتكالب على الاستهلاك .




  • بدأ العرب يطورون نظماً هجومية ودفاعية ، صاروخية وربما ميكروبية تعادل القوة النووية الإسرائيلية .




  • مسألة التسليم والاستسلام ، وبخاصة بالنسبة للفلسطينيين حتى بعد أوسلو، لم تعد واردة ( مَنْ يستسلم لمن ؟ ) .




۹ - رغم كل سلبيات اتفاقيات أوسلو إلا أن قيام السلطة الفلسطينية يشكل أول اختراق للعمق الإستراتيجي الإسرائيلي ، إذ توجد كتلة بشرية ضخمة مليونا فلسطيني في الأرض المحتلة بعد عام ١٩٦٧ ، مليون في الأراضي المحتلة بعد عام ١٩٤٨) لها مؤسساتها وإرادتها وطموحاتها .


١٠ - لخص المفكر الإستراتيجي المصري أمين هويدي الموقف في هذه الكلمات : نحن نعيش الآن كعقارب سامة وضعت في أنبوب واحد ستلدغ بعضها بعضاً قبل أن تموت وتفنى ، أو كراكبي سيارة أصبحت في منتصف السفح تحاول أن تصل إلى القمة ، فإن سقطت إلى القاع تحطمت بمن فيها . وعليها - أي إسرائيل - أن تعرف سواء وهي تحت قيادة بيريز أو نتنياهو أنه إن كان في يدها الأرض ففي يدنا السلام ، وإن كان بيديهم عناصر القوة ففي يدنا عناصر القدرة من مياه وأرض وسوق وقوة بشرية ورأس مال وغاز ونفط ، وإن كان في قدرتهم اختراق الحدود ففي يدنا مقومات الوجود . وعليها أن توقن أخيراً بأنها إن كانت قد فشلت في تحقيق الهيمنة الإقليمية عن طريق استخدام القوة فإن مصيرها لن يكون أفضل حالاً لو أنها حاولت ذلك عن طريق وسائل أخرى "


لا شك إذن في أن الرغبة الإسرائيلية في السلام حقيقية وصادقة. ولكن بنية الصراع لا تزال قائمة ، فالدولة الصهيونية هي دولة استيطانية إحلالية ، اغتصبت الأرض وحاصرت سكانها . ولا يزال المستوطنون الصهاينة متمسكين بالأرض والسيادة عليها وبمحاولة فرض سلام المقابر على الفلسطينيين . ولذا نرى أن ما حدث هو أن الرؤية العدوانية القمعية لا تزال كما هي والسلوك العدواني والقمعي لم يتغير وما تغير هو الديباجة والخطاب نظراً لتغير الظروف الدولية وظهور النظام العالمي الجديد المبني على التفكيك والإغواء بدلاً من المواجهة المباشرة مع شعوب العالم الثالث . ولذا بدلاً من دق طبول الحرب ، فإن الإعداد للحرب يستمر على أن تعرف نغمات السلام .


وتبدأ معزوفة السلام الإسرائيلية بالمناداة بالبعد عن عقد التاريخ وأن تتناسى كل دول المنطقة خلافاتها لمواجهة الخطر الأكبر الاتحاد السوفيتي - الإسلام ... إلخ ) . وأن نقطة البداية لا بد أن تكون الأمر الواقع . وهذا المفهوم يفترض أن إسرائيل ليست التهديد الأكبر ، مع أن الأمر الواقع الذي يُطلب منا أن نبدأ منه يقول عكس ذلك . فهو أمر واقع مؤسس على العنف ويؤدي إلى الظلم والقمع وهو ليس ابن اللحظة وإنما هو نتيجة ظلم تاريخي ممتد من الماضي إلى الحاضر . وهذا الظلم والقمع هو مصدر الصراع والحروب والاشتباك . فالمسألة ليست عقداً آنية أو تاريخية ، وإنما بنية الظلم التي تشكلت في الواقع ولا يمكن تأسيس سلام حقيقي إلا إذا تم فكها .


بعد تناسي عقد التاريخ يطالب الصهاينة بوقف المقاومة واستسلام الفدائيين مقابل تسليم بعض المدن والقرى التي لا " تنسحب منها القوات الإسرائيلية الغازية ، وإنما "يُعاد نشرها " ، وهذا ما يسمونه الأرض مقابل السلام . والقوات الإسرائيلية لا تنسحب، لأن أرض فلسطين هي أرض الشعب اليهودي ، والقوات الوطنية لا تنسحب من أرض الوطن وإنما يعاد نشرها فيه وحسب ، ولذا رغم اتخاذ هذه الخطوة الرمزية الإعلامية فإن الاستيطان سيستمر على قدم وساق (تحدث شامير عن استمرار التفاوض في مدريد لمدة عشر سنوات والمضي أثناء ذلك في الاستيطان والقدس ستظل عاصمة إسرائيل الأبدية


إن كل هذه التصورات للسلام تنبع من إدراك أن أرض فلسطين هي إرتس يسرائيل، وأن الإسرائيليين لهم حقوق مطلقة فيها ، أما الحقوق الفلسطينية فهي مسألة ثانوية ، فالأرض في الأصل أرض بلا شعب . وتتبدى هذه الخاصية بشكل واضح ومتبلور في المفهوم الإسرائيلي للحكم الذاتي .


وتصور إسرائيل لمستقبل المنطقة لا يختلف كثيراً عن ذلك ، فالمركز هو إسرائيل وهي التي تمسك بكل الخيوط ، أما بقية " المنطقة " فهي مساحات وأسواق . وإسقاط عقد التاريخ هنا يعني إسقاط الهوية التاريخية والثقافية بحيث يتحول العرب إلى كائنات اقتصادية ، تحركها الدوافع الاقتصادية التي لا هوية لها ولا خصوصية . هنا تظهر سنغافورة كصورة أساسية للمنطقة وكمثل أعلى : بلد ليس له هوية واضحة ولا تاريخ واضح ، نشاطه الأساسي هو نشاط اقتصادي محض وحينما يتحول العالم العربي إلى سنغافورات مفتتة متصارعة فإن الإستراتيجية الاستعمارية والصهيونية للسلام تكون قد تحققت دون مواجهة ومن خلال " التفاوض " المستمر !


جاء في مجلة نيوزويك الأمريكية أنه بعد أن قبل الرئيس السادات توقيع اتفاقية كامب ديفيد طلب تخصيص رقعة ما في القدس ترفع عليها الأعلام العربية ، فاقترح أعضاء الوفد الإسرائيلي أن ترفع الأعلام على المقابر العربية ، أي أنه اقترحسلام المقابر " . أما ديان فارتفع عن هذا قليلاً ووصف طلب الرئيس السادات بأنه " بقشيش" ، أي أنه اقترح سلام السادة والعبيد ، وما بين المقابر والبقشيش يقع المفهوم الإسرائيلي للسلام .


المفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للحكم الذاتي


يدور المفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للحكم الذاتي داخل الإطار الصهيوني الاستيطاني الإحلالي ، الذي يرى أن فلسطين أرض بلا شعب ، وأنه إن وجد فيها شعب فوجوده عرضي ، وأن هذا الشعب لا يتمتع بنفس الحقوق المطلقة التي يتمتع بها المستوطنون الصهاينة .


وقد تفرع عن هذا الإطار الكلي عدة أفكار صهيونية مختلفة بشأن الدولة الفلسطينية قد تبدو متضاربة ولكنها في واقع الأمر تتسم بالوحدة . ولتبسيط الصورة حتى يمكن تناولها بشيء من التحليل سنقسم المواقف الصهيونية المختلفة إلى ثلاثة ، يقترب أولها من الحد الأقصى الصهيوني أي تغييب العرب ويكاد يلتصق به، ويبتعد ثالثها عنه حتى يبدو كأنه نقيض ، ويقف ثانيها في نقطة اعتبارية متوسطة بينهما . وقد اخترنا شموئيل كاتس - أحد مؤسسي حركة حيروت وقد شغل منصب مستشار رئيس الوزراء مناحم بيجين عام ۱۹۷۸ كممثل للنموذج الأول . وليعبر كاتس عن وجهة نظره في الدولة الفلسطينية يقتبس كلمات بن جوريون الذي يشير فيها إلى تاريخ اليهود وإلى " بلاد اسمها يهودا وهي التي نسميها أرض إسرائيل. إن هذه البلاد جعلت منا شعباً ، وشعبنا خلق هذه البلاد". ويضيف كاتس : خلال مئات السنين هذه التي تخللتها عمليات قتل وطرد وتمييز ومستوى معيشي سيء لم يتأثر الوجود اليهودي في فلسطين ولم يتخل اليهود عن عاداتهم وتقاليدهم .


وخلال هذه الفترة " لم يتأثر التراث اليهودي كما لم تتأثر الثقافة اليهودية أي اللغة العبرية التي بدأ استعمالها في القرن العاشر في طبرية " . ونحن لن نحاول تفنيد هذه الأفكار الصبيانية أو الرد عليها فهي من التفاهة بحيث لا يصح أن ينشغل المرء بها إلا بمقدار كونها مؤشراً على حدود صاحبها الإدراكية . وكاتس لا يرى سوى حضور يهودي كامل وثابت عبر التاريخ يقابله غياب عربي كامل . وهذا هو الحد الأقصى الصهيوني الذي ينكر العرب تماماً ، فالبشر الذين وجدوا في فلسطين
ليسوا فلسطينيين وإنما مجرد مهاجرين
من البلاد المجاورة (عناصر متحركة) .


أما النموذج الثالث فيمثله مائير بعيل ، وهو من نشطاء ما بام ، ومن المنادين بالصهيونية ذات الديباجة اليسارية . وأطروحاته العقائدية وإطاره التاريخي لا يختلفان عن أطروحات وإطار كاتس ، فهو يُعرف الحركة الصهيونية بأنها حركة تحرر وطني (أي حركة تغييب للفلسطينيين) . وقد امتازت الصهيونية " بأنها ضمت يهوداً من مختلف الاتجاهات والميول رأوا بأعينهم هدفاً مشتركاً هو جمع شتات
الشعب اليهودي وبناء أمة يهودية متجددة على أساس العمل العبري في أرض إسرائيل " . فبعيل ينطلق إذن من الإيمان بأن للشعب اليهودي حقوقاً تاريخية كاملة في أرض إسرائيل . ثم يُفسّر وجود الشعب الفلسطيني في أرض فلسطين على أساس صهيوني " فلولا قيام الحركة الصهيونية لما ظهر الفرع الفلسطيني التابع للحركة القومية العربية . ويمكن الاعتقاد بأن مجيء اليهود إلى أرض إسرائيل واستيطانهم فيها كان الحافز الذي أدى إلى نشوء الكيان الفلسطيني " . بل إنه يؤكد أن " من الصعب أن نتصور اليوم كيف كانت ستبدو الأوضاع في أرض إسرائيل لو لم يتحقق فيها الفكر الصهيوني "


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

إن مفهوم الغير ...

إن مفهوم الغير من المفاهيم الفلسفية الحديثة التي لم تحتل مركز الصدارة إلا مع فلسفة هيغل، بعدما كان ك...

ليس في الانحراف...

ليس في الانحراف دائما إعلان أحيانا يكفي أن يذوب الإحساس بالخطأ ويصير الصمت حيله العقل والتبرير لغه ا...

اسمي كامل عمري ...

اسمي كامل عمري 13 سنه اعيش بالرامه انا ثصتي اني انولدت في الرامه وبره حياتي كثير اكره كوني من اسائيل...

ولد عبد الرحمن ...

ولد عبد الرحمن بن خلدون في تونس 1332 ميلادي توفي بالقاهره سنه 1406 ميلادي ينتمي الى عائله اندلسيه جا...

الصدقات، والهبا...

الصدقات، والهبات، والأوقاف والتبرعات . - العوائد الاستثمارية من أموال الجمعية . ه - ما يقرر لها من...

المقدمة تُعدّ ...

المقدمة تُعدّ أسطورة الكهف عند أفلاطون من أكثر الرموز الفلسفية عمقًا وتأثيرًا في الفكر الإنساني، إذ...

يقصد به التراجع...

يقصد به التراجع العالم الاسلامي لسبب تطور العالم الاوروبي وتاخر الامه الاسلاميه في مجله العلميه والس...

الفصل التاسع ا...

الفصل التاسع الرؤية الصهيونية / الإسرائيلية للصراع وللحكم الذاتي الإستيطانية الصهيونية تعبر عن نف...

الفصل المرن يعت...

الفصل المرن يعتبر هذا النوع سلطات الدولة مقسمة إلى ثلاثة هيئات، لكل واحدة وظيفة متميزة إلا أن هذا لا...

فالتزكية تخلية ...

فالتزكية تخلية وتحلية نماذج من القيم الإنسانية: قيمة التزكية 186 تخلية للقلب من الحقد والحسد والكب...

النص يوضح الفرق...

النص يوضح الفرق بين المتغيرات المستمرة والمتغيرات المنفصلة باستخدام مثال طول الطلاب في مدرسة معينة. ...

أظهرت الدراسات ...

أظهرت الدراسات النقدية أن الوظيفة الرمزية التي يتناولها الشاعر المعاصر تتجلى في الصراع بين وجوده وعا...