تزعمت روما حركة السيطرة والإمبراطورية، فاعتبرت وريثة لمقدونيا ومصر والممالك الآسيوية، بما أوجد عالما تتركز فيه الحضارة تحت حكم سياسي واحد، ولقد كان للأفكار اليونانية المختلفة التي انتقلت إلى الرومان أثارا بعيدة المدى على الفكر الروماني، بالرغم من اصطباغ هذا الفكر بالطابع القانوني.
مر الحكم الروماني بعدد من المراحل، كانت على النحو التالي:
- العصر الملكي 509-789 ق.م:
كان المجتمع الروماني في العصر الملكي مجتمعا محدود العدد، مغلقا في علاقاته الخارجية وبدائيا في نشاطه الاقتصادي، وكان الملك يتولى الحكم مدى الحياة، ويتمتع بالسلطة السياسية والدينية.
- العصر الجمهوري 27 ق.م-509 ق.م:
تميزت هذه المرحلة بانتقال سلطة الملك - باستثناء الوظيفة الكهنوتية- إلى اثنين من الحكام يسمون القناصل لكل منهما حق الاعتراض على قرارات الآخر، وينتخبان سويا من طرف مجلس الكتائب، وعندما زادت مهام القنصلين، تمت الاستعانة بعدد من الموظفين في مباشرة شؤون الحكم والإدارة والقضاء.
في بداية العصر الجمهوري أصبح مجلس الشيوخ، الجهاز الرئيسي للجمهورية الرومانية، ولقد شهد هذا العصر اتساع الدولة الرومانية إقليميا نتيجة الغزو، لتشمل أغلب حوض البحر الأبيض المتوسط، وأول أثار هذا التوسع أن أجهزة الحكم الجمهوري لم تعد قادرة على استيعاب هذه الإمبراطورية.
- العصر الإمبراطوري 27 ق.م-476 ق.م:
يبدأ هذا العصر مع انفراد "أوكتافيوس" بالسلطة سنة 27 ق.م، ويمثل القرن الأول لهذا العصر مرحلة نظام الحكم الفردي، والتي تشير إلى مضمون حقيقي من الحكم الفردي المطلق، رغم المظهر الديمقراطي حول سلطة مجلس الشيوخ، حيث أن السلطة الفعلية كانت في يد الإمبراطورية.
تكمن مصادر الفكر السياسي لدى الرومان في تشريعاتهم، حيث اكتسب مقومات جديدة، حيث كان هناك فصل بين الدولة والفرد، ولكل منهما حقوقه وواجباته، والدولة هي تطور طبيعي لحياة الأفراد في المجتمع، والفكرة السياسية الجديدة التي جاء بها الرومان، هي فكرة السيادة وهي العلاقة المميزة للمجتمع، وأطلقوا على فكرة السيادة المطلقة تسمية Imperium.
لقد كون الرومان نظرية عقد حكومي، بموجبه أحال الشعب سلطته إلى الحاكم، دون أن يكون للشعب حق انتزاع هذه السلطة منه، ويلاحظ أن الحركة الفكرية الرومانية تمثلت في اتجاهين رئيسيين،نستطيع أن نخلص منها إلى طبيعة الفكر الروماني:
- استمرار للفلسفة الرواقية،وأهم نتائجها بلورة فكرة القانون الطبيعي، الذي اتخذه الفكر الروماني محورا له وصبغه بصبغة قانونية.
- السير في خط الأفكار الدينية، حيث نظر الرومان إلى القانون والحكومة على أنهما مسألة مقدسة، تبتغي الخير للناس.
إن فكرة اعتبار الدولة نتيجة للقانون، والنظر إليها على أنها في إطار القانون والحقوق، دون النظر إلى البيئة الاجتماعية والحقائق الخلقية والسياسية هو منطق اتجاه القانون الذي هو طابع الفكر الروماني السياسي، وهو طابع يعرف بالاتجاه القانوني الديني.
01- الفكر السياسي عند بوليبياس 122-254 ق.م:
يعتبر بوليبياس أول من استعمل منهج المؤسسات في دراسة السياسة، وأول من ربط بين السياسية الخارجية للدولة وسياستها الداخلية وتطبيقاتها، وفي دراسته للإمبراطورية الرومانية أرجع عظمتها إلى مؤسساتها وخبرائها، وليس إلى جهد بعض قادتها، لهذا يعد بوليبياس أول مفكر يربط بين مؤسسات الدولة وقوتها.
صب بوليبياس أفكاره السياسية في نظريته عن الحكومة المختلطة، فعرض للدستور الروماني معتقدا بأن الدولة قابلة للنمو والتخلف أو الاضمحلال ، مقتبسا ما ذهب إليه أفلاطون من قبل بشأن الحكومات، والتي تعني أن الحكومة الملكية تنتمي إلى حكومة مستبدة، والأرستقراطية إلى أقلية أوليغارشية، وهكذا.
بنى بوليبياس نظريته في الحكومة المختلطة، على أساس استقراء الواقع السياسي من تاريخ الرومان، فمرجع قوة روما عنده، هو قيام الحكومة المختلطة فيها على أساس دستورها المختلط، حيث تتوزع السلطة فيه مع وجود رقابة من قبل المؤسسات على بعضها، وتتمثل هذه المؤسسات التي هي قوام الحكومة المختلطة على:
- القنصل (المستشار): وهو العنصر الملكي.
- مجلس الشيوخ: العنصر الأرستقراطي.
- الجمعيات الشعبية: العنصر الديمقراطي.
02- الفكر السياسي لـ شيشرون:
شيشرون ماركوس توليوسCiceron Marcus Tullius (43-106 ق.م).
خطيب ورجل دولة روماني، اختير سنة 63 ق.م قنصلا، وهو أرفع منصب سياسي في روما، ولقد اهتم بدراسة الدستور والقانون الروماني، واحتك بالشخصيات السياسية الرومانية ، ومكنته وظيفته من المعارضة الصريحة والدفاع عن الجمهورية.
ترك شيشرون ثلاث مؤلفات مهمة هي:
أ- كتاب الجمهورية من ستة أجزاء وهي:
- البحث في الأشكال المختلفة للحكومات – في النظم الرومانية – في الطبيعة الإنسانية والعدالة في كل حكومة – في التعليم وحياة الأسرة – في الأخلاق السائدة في العصور القديمة –في العدالة بين الدين وسعادة المجتمعات.
ب- كتاب القوانين: من ثلاث أجزاء:
- دراسة أصل القانون – القوانين الدينية – تنظيم السلطات والوظائف والقواعد الأساسية العلمية.
ج- كتاب الخطيب: ويتضمن ثقافة وفلسفة الخطيب أي رجل الدولة.
يعتبر شيشرون أن الحق هو الوحيد الذي يمتن العلاقات في المجتمع، والقانون هو الوحيد الذي ينشئه، وهذا القانون - سواء كان مكتوبا أم لا -الذي يرتبط بالصواب، دقيق الالتزامات والمحظورات هو عادل.
يرى شيشرون أن الحياة الاجتماعية تفترض وجود التزامات وعقوبات، لا يمكن لأي أحد الالتفاف عليها، فكون الإنسان عضوا في المجتمع يعني خضوعه للقواعد، فالمجتمع بنفسه قانون، ويعرض فكرته عن القانون الطبيعي القائمة على وجود قانون طبيعي عام، وهو دستور العالم أجمع، يتساوى في ظله جميع الأفراد، ويستدل على هذه الحقيقة، بأن الكون ليس له سوى خالق واحد هو الإله ، وليس لهذا الإله سوى قانون واحد يسري على الجميع، وكل تشريع يخالفه لا يستحق تسميته قانون.
يرى شيشرون أن الدولة مجتمع أخلاقي حيث أن الرابط الحقيقي هو الأخلاق، ويطلق على الدولة تسمية ثروة الشعب، والسلطة السياسية لا تتصف بالشرعية ، مالم تركز على إرادة الشعب في ثروة الشعب، كما نادى بالدستور المختلط، الذي يدمج محاسن دساتير الملكية الفردية الأرستقراطية الديمقراطية، وهو ما يعتبره الدستور الروماني.
ركز شيشرون على الحاكم الذي وصفه بالرجل الفاضل ، والحكيم الذي يشبه الوصي أو الأمين العام الجمهوري، ولقد انبثق عن فكرة القانون الطبيعي الاعتقاد بوجود قيود على السلطة الحكومية، الأمر الذي يلزم الأفراد والسلطة بالخضوع لهذا القانون