Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

أن الكلام قسمان : خبر وإنشاء . فالخبر : ما يحتمل الصدق والكذب لذاته أي بقطع النظر عن الذي ينطق بالخبر سواء أكان مقطوعاً بصدقه أو كذبه، وبقطع النظر عن الواقع : كالسماء فوقنا والأرض تحتنا، ولكننا نعتبرها خبراً بالنظر إلى ذات الكلام نفسه دون اعتبار لشيء آخر. إذا احتمل الصدق والكذب أمكن أن يقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب، فهذا كلام يحتمل الصدق والكذب، فالقطع بصدق هذا القول، ولا يصح أن يقال لقائله إنه صادق في قوله أو كاذب كقولك : أنصت إلى الدرس، ولا تتدخل فيما لا يعنيك فالأمر بالإنصات والنهي عن التدخل في غير ما يعنيك، والخبر لا بد له من مسند إليه ومسند ، وإسناد مثل: محمد مسافر فمحمد مسند إليه، ومسافر مسند ونسبة السفر إلى محمد هي الإسناد، فهذه ثلاثة أبواب . والمسند قد يكون فعلاً، فتأتي له بمتعلقات مثل محمد يأكل فإذا وضعنا معه ما يتعلق به كالمفعول قلنا : محمد يأكل طعامه، متعلقات الفعل هي الباب الرابع . فالثانية إما أن تكون معطوفة على الجملة الأولى، مثال الفصل قوله تعالى : أمدَّكُم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين) (١). وإما أن يكون الكلام زائداً لفائدة، أغراض الخبر
يقصد المتكلم من إلقاء الخبر إما : إفادة المخاطب الخبر كأن تقول لزميلك الذي يترقب ظهور النتيجة ظهرت النتيجة وللنائم طلعت الشمس، وهذا يسمى فائدة الخبر. وإما أن يكون المخاطب عالماً بالخبر محيطاً به، ولكن المتكلم يلقي عليه الخبر، ليحيطه علماً بأنه هو نفسه يعرف هذا الخبر، فالمخاطب في هذه الحالة لم يعرف خبراً كان يجهله من قبل، وهذا هو قصد المتكلم وغايته، ولكن الشيء الجديد في هذا أن السيدة خديجة علمته أنها تعرف عنه هذا الخلق. طلبتهم على الأمواه حتى تخوف أن تفتشه السحاب
واستأصل شأفته، وهذا يسمى لازم الفائدة . فإلقاء الخبر إذن يكون لغرضين :
والضعف مثل قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي ) (٢) . والمدح كقول النابغة :
فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
والذم كقول المتنبي يهجو كافوراً :
وتعجبني رجلاك في النعل إنني رأيتك ذا نعل إذا كنت حافياً
أضرب الخبر
يلقى الخبر بحسب حالات المخاطب :
وليس متردداً فيه، ولا منكراً له، ألقى إليه الكلام دون تأكيد؛ لأن الكلام يتمكن بسهولة إذا
كقوله تعالى : ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )(1). وقوله : المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) . هذه الأمثلة وما شابهها ليس فيها تأكيد؛ لأنها ليست في حاجة إلى التأكيد، وأن المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، وأن سليط اللسان من شرار الناس، وهكذا. ٢ - وأحياناً يكون المخاطب شاكاً في الحكم متردداً في قبوله، فيحسن عندئذ أن نؤكد له الكلام بمؤكد واحد لنزيل منه الشك، ويتمكن الخبر من نفسه، ويسمى هذا الضرب : طلبياً. مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القربى )
وكقولهم في المثل : إن البلاء موكل بالمنطق». - وأحياناً يكون المخاطب منكراً للخبر الذي سيلقى إليه، بل ربما كان معتقداً عكسه، عندئذ ينبغي أن يكون إلقاء الخبر إليه مصحوباً بتأكيدين أو أكثر حسب حالته في الإنكار قوة وضعفاً، ويسمى هذا الضرب : إنكارياً. كقول الرسول عليه السلام: «إن من البيان لسحراً. أو والله إن أخاك لقادم، ففي المثال الأول أتى بمؤكدين وهما : إن واللام، وفي المثال الثاني أتى بثلاثة مؤكدات : وهي القسم وإن واللام، فالتأكيد في الأولى بإن واسمية الجملة، وفي الثانية
أضاف إلى هذين المؤكدين القسم واللام المبالغة المخاطبين في الإنكار. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) (٤) فأكد بأن واللام؛ فاحتاج الخطاب إلى التأكيد نفياً لهذا الإنكار. بخلاف قوله تعالى : ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةً أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (1) فالمخاطب هنا موسى عليه السلام، فاكتفى بتأكيد واحد لإزالة هذا التردد. فأراد الله أن ينفي إنكارهم لغفرانه ورحمته فعبر بأن واللام ليؤكد أنه غفور رحيم رغم سرعة عقابه للعاصين . وأدوات التوكيد كثيرة منها : إنّ، وقد والقسم، ولام الابتداء، والحروف الزائدة مثل من والباء) : وأما الشرطية والتكرار وضمير الفصل، واسمية الجملة . ويسمى إخراج الكلام على هذه الأضرب الثلاثة : إخراج الكلام على مقتضى الظاهر. ۱ - كأن ينزل خالي الذهن الذي لا يحتاج الخطاب معه إلى توكيد منزلة السائل المتردد الذي يحسن توكيد الكلام له، عندئذ يتطلع المخاطب تطلع السائل المتردد. ولا يشكون في ذلك، ولكنه قال مؤكداً . لأنه نزل خالي الذهن منزلة المتردد نظراً لأنهم أسرفوا على أنفسهم، فشملهم اليأس من المغفرة، فصاروا كالمترددين في أن الله يغفر ذنوبهم على كثرتها وبشاعتها، وتأمر بالسوء، فكان حق الكلام أن يأتي بدون توكيد، ولكن تقدم في الكلام ما يدعو للتساؤل، فلماذا لا يبرىء نفسه؟ فنزله منزلة السائل المتردد، فحسن عندئذ تأكيد الكلام له . لماذا لا يخاطب ربه في شأن الظالمين؟ ولماذا ينهاه عن التماس الشفاعة لهم ؟ فنزله منزلة السائل المتردد، فأكد الكلام. وقال : إنهم مغرقون . وغير ذلك مما ترى فيه الكلام قد أكد بمؤكد واحد بسبب ما لاحظه المتكلم في المخاطب. على الرغم من أنه لم يلفظ بالسؤال . ٢ - وقد ينزل غير المنكر منزلة المنكر. إذا لاح على المخاطب شيء من
علامات الإنكار فينبغي حينئذ أن يؤكد له الكلام حتى يقتنع بما يلقيه عليه المتكلم من مقال، فالله يقول في شأن الكافرين (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لميتون) (1) فكل إنسان على يقين من موته، وأن أحداً لن يخلد على هذه الأرض، ولكنهم لما ظلوا متمادين في كفرهم وضلالهم غير متعظين بالموت الذي ينال كل حي، فكأنهم ينكرون الموت إنكاراً، أي بأن واللام . ولكنهم لما فتنوا في دينهم تخوفوا من عقاب الله، فنزلوا منزلة المنكرين فأكد لهم الكلام بأن واللام . فشقيق ابن عم الشاعر لا ينكر قوة بني عمه، وما لديهم من رماح ولكنه حين جاء مزهواً بنفسه، ولديهم سلاح، فوجب أن يؤكد الكلام ليوقظ فيه الشعور بقوة شكيمتهم، وقدرتهم على النزال والعراك. فأكد الكلام بذكر إن وجعل الخبر جملة اسمية . ٣ - وقد ينزل المنكر منزلة غير المنكر. فقد جاءت الآية خالية من التأكيد، مع أن الكافرين منكرون للكتاب وصحته، ومن ذلك قوله تعالى : ﴿ثُمَّ إِنَّكُم يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) (1) . فالكافرون ينكرون البعث إنكاراً شديداً فكان مقتضى الظاهر أن يؤكد لهم الكلام بكل أنواع التوكيد، إلا أن البعث لما كانت أدلته ظاهرة كان جديراً ألا ينكر فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر حثاً لهم على النظر في أدلته الواضحة .


Original text

أن الكلام قسمان : خبر وإنشاء .
فالخبر : ما يحتمل الصدق والكذب لذاته أي بقطع النظر عن الذي ينطق بالخبر سواء أكان مقطوعاً بصدقه أو كذبه، وبقطع النظر عن الواقع : كالسماء فوقنا والأرض تحتنا، فهذه بديهات لا يشك أحد في صدقها، ولكننا نعتبرها خبراً بالنظر إلى ذات الكلام نفسه دون اعتبار لشيء آخر. فالعبرة بالكلام نفسه، إذا احتمل الصدق والكذب أمكن أن يقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب، ويسمى خبراً، مثل: المال نعمة والسفر مفيد، فهذا كلام يحتمل الصدق والكذب، لأن المال ربما كان نعمة، وربما كان نقمة، والسفر ربما كان مفيداً، وربما كان ضاراً، فالقطع بصدق هذا القول، أو كذبه أمر غير محقق .
والإنشاء: ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته، ولا يصح أن يقال لقائله إنه صادق في قوله أو كاذب كقولك : أنصت إلى الدرس، ولا تتدخل فيما لا يعنيك فالأمر بالإنصات والنهي عن التدخل في غير ما يعنيك، لا يحتمل صدقاً ولا كذباً، لأنه لا يفيدنا حصول شيء أو عدم حصول هذا الشيء، وإنما هو يأمر فقط، أو ينهى فحسب.
والخبر لا بد له من مسند إليه ومسند ،وإسناد مثل: محمد مسافر فمحمد مسند إليه، ومسافر مسند ونسبة السفر إلى محمد هي الإسناد، فهذه ثلاثة أبواب .
والمسند قد يكون فعلاً، فتأتي له بمتعلقات مثل محمد يأكل فإذا وضعنا معه ما يتعلق به كالمفعول قلنا : محمد يأكل طعامه، أو يشرب دواءه، فأحوال
متعلقات الفعل هي الباب الرابع .
والإسناد قد يأتي بقصر، وأحياناً بغير قصر، مثل ما المريض إلا نائم، والمريض نائم، وهذا هو الباب الخامس والإنشاء هو الباب السادس وقد مرت أمثلته
والجملة إذا اقترنت بجملة أخرى، فالثانية إما أن تكون معطوفة على الجملة الأولى، أو غير معطوفة، فهذا هو الفصل والوصل، مثال الفصل قوله تعالى : أمدَّكُم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين) (١). ومثال الوصل كقول أعرابي للرسول عليه السلام أعطني يا محمد فقال: «لا وأستغفر الله»،
والفصل والوصل هو الباب السابع .
وإما أن يكون الكلام زائداً لفائدة، أو ناقصاً لفائدة، أو غير زائد ولا ناقص. وهو الإطناب والإيجاز والمساواة، وهذا هو الباب الثامن والأخير.


أغراض الخبر


يقصد المتكلم من إلقاء الخبر إما : إفادة المخاطب الخبر كأن تقول لزميلك الذي يترقب ظهور النتيجة ظهرت النتيجة وللنائم طلعت الشمس، وكقول الرسول عليه السلام الدين المعاملة» «البر حسن الخلق فلا شك أن هذه الأمثلة توضح أن المتكلم أراد إخبار المخاطب بهذه الأمور؛ لأنه يجهلها. وهذا يسمى فائدة الخبر.


وإما أن يكون المخاطب عالماً بالخبر محيطاً به، وليست لديه حاجة إلى معرفته، ولكن المتكلم يلقي عليه الخبر، ليحيطه علماً بأنه هو نفسه يعرف هذا الخبر، فالمخاطب في هذه الحالة لم يعرف خبراً كان يجهله من قبل، وإنما عرف فقط أن المتكلم يعرف مثله هذا الخبر أيضاً، وهذا هو قصد المتكلم وغايته، فالسيدة خديجة رضي الله عنها تقول للرسول: إنك لتصدق في الحديث، وتصل الرحم، وتؤدي الأمانة، وهي في ذلك لم تخبر الرسول عليه السلام شيئاً لا يعرفه، فهو يعلم عن نفسه أنه صادق في حديثه، موصل لرحمه، مؤد للأمانة، ولكن الشيء الجديد في هذا أن السيدة خديجة علمته أنها تعرف عنه هذا الخلق.


ومثله ما يقوله المتنبي يمدح سيف الدولة :
طلبتهم على الأمواه حتى تخوف أن تفتشه السحاب
فالمتنبي لا يخبر سيف الدولة حكماً جديداً كان يجهله من قبل. وكيف ذلك، وهو الذي تعقب العدو بنفسه، واستأصل شأفته، ولكن المتنبي أراد أن يخبره أنه عالم بهذا الحكم.


وكقولك لمن حفظ القرآن : قد حفظت القرآن. وهذا يسمى لازم الفائدة .


فإلقاء الخبر إذن يكون لغرضين :


الأول: إفادة الخبر.


الثاني : لازم فائدة الخبر.


وقد يخرج الخبر عن هذين الغرضين الأساسيين.
فيأتي لإظهار التحسر مثل قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى) (1) .


والضعف مثل قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي ) (٢) .


والمدح كقول النابغة :
فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب


والذم كقول المتنبي يهجو كافوراً :
وتعجبني رجلاك في النعل إنني رأيتك ذا نعل إذا كنت حافياً
والفخر كقول عمرو بن كلثوم :
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا


إلى غير ذلك من هذه الأغراض التي تتضح من سياق الكلام.


أضرب الخبر


يلقى الخبر بحسب حالات المخاطب :


1 - فإن كان المخاطب خالي الذهن عن الحكم، وليس متردداً فيه، ولا منكراً له، ألقى إليه الكلام دون تأكيد؛ لأن الكلام يتمكن بسهولة إذا


صادف ذهناً خالياً، ويسمى هذا الضرب : ابتدائياً.


كقوله تعالى : ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )(1). وقوله : المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) .


وقول الرسول : شر الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم».


ومثل ذلك أيضاً : الغني مكرم، والعفيف محترم .


هذه الأمثلة وما شابهها ليس فيها تأكيد؛ لأنها ليست في حاجة إلى التأكيد، والمخاطب لا يشك ولا ينكر حكم هذه الأمثلة، فهو لا يتردد ولا ينكر أن الله له ما في السموات وما في الأرض، وأن المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، وأن سليط اللسان من شرار الناس، وهكذا.


٢ - وأحياناً يكون المخاطب شاكاً في الحكم متردداً في قبوله، فيحسن عندئذ أن نؤكد له الكلام بمؤكد واحد لنزيل منه الشك، ونمحو التردد،


ويتمكن الخبر من نفسه، ويسمى هذا الضرب : طلبياً.
مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القربى )
. ومثل : إنما الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَل الشَّيْطَانِ) ومثل قوله تعالى في شأن ذي القرنين : ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا)
وكقولهم في المثل : إن البلاء موكل بالمنطق».
أو كقولهم : إن مع السفاهة الندامة».



  • وأحياناً يكون المخاطب منكراً للخبر الذي سيلقى إليه، بل ربما كان معتقداً عكسه، عندئذ ينبغي أن يكون إلقاء الخبر إليه مصحوباً بتأكيدين أو أكثر حسب حالته في الإنكار قوة وضعفاً، ويسمى هذا الضرب : إنكارياً.


كقول الرسول عليه السلام: «إن من البيان لسحراً. وإن من الشعر الحكمة .


وتقول للمنكر قدوم أخيه المسافر : إن أخاك لقادم، أو والله إن أخاك لقادم، ففي المثال الأول أتى بمؤكدين وهما : إن واللام، وفي المثال الثاني أتى بثلاثة مؤكدات : وهي القسم وإن واللام، لأنه في الحالة الثانية كان أشد إنكاراً من الحالة الأولى ولذلك يقول الله تعالى حكاية عن رسل عيسى عليه السلام حين كذبوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُون ) (۲) وفي المرة الثانية رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ الْمُرْسَلَون) (۳)، فالتأكيد في الأولى بإن واسمية الجملة، وفي الثانية


أضاف إلى هذين المؤكدين القسم واللام المبالغة المخاطبين في الإنكار. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) (٤) فأكد بأن واللام؛ لأن المخاطب هم الكفار الذين بنكرون حدوث الساعة، فاحتاج الخطاب إلى التأكيد نفياً لهذا الإنكار. بخلاف قوله تعالى : ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةً أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (1) فالمخاطب هنا موسى عليه السلام، ولم يكن منكراً لقيام الساعة،


طالما أن الله يخبر بقيامها، وإن كان قبل الخطاب متردداً في قبول هذا الخبر، فاكتفى بتأكيد واحد لإزالة هذا التردد.


وانظر أيضاً في قوله تعالى : ﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رحيم ) (۲) لما وقع في روع المخاطبين أن الله سريع العقاب، استبعدوا الغفران والرحمة من الله، لظنهم أن العقاب والغفران لا يجتمعان، فأراد الله أن ينفي إنكارهم لغفرانه ورحمته فعبر بأن واللام ليؤكد أنه غفور رحيم رغم سرعة عقابه للعاصين .


وأدوات التوكيد كثيرة منها : إنّ، وأن، وقد والقسم، ولام الابتداء، وأحرف التنبيه وهي (ألا - أما - ها - يا ونونا التوكيد، والحروف الزائدة مثل من والباء) : وأما الشرطية والتكرار وضمير الفصل، واسمية الجملة .


فأضرب الخبر إذن ثلاثة ابتدائي - طلبي - إنكاري .


ويسمى إخراج الكلام على هذه الأضرب الثلاثة : إخراج الكلام على مقتضى الظاهر.


وقد يكون الكلام جارياً على خلاف مقتضى الظاهر، لاعتبارات يلحظها المتكلم .
۱ - كأن ينزل خالي الذهن الذي لا يحتاج الخطاب معه إلى توكيد منزلة السائل المتردد الذي يحسن توكيد الكلام له، وذلك إذا قدم للمخاطب ما يلوح له بالخبر، عندئذ يتطلع المخاطب تطلع السائل المتردد. ففي قوله تعالى : ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٤) . فالمخاطبون في هذه الآية لا ينكرون غفران الله للذنوب. ولا يشكون في ذلك، فكان حق الكلام أن يكون خلواً من التأكيد، ولكنه قال مؤكداً . ﴿إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنوبَ جميعاً ؛ لأنه نزل خالي الذهن منزلة المتردد نظراً لأنهم أسرفوا على أنفسهم، فشملهم اليأس من المغفرة، فصاروا كالمترددين في أن الله يغفر ذنوبهم على كثرتها وبشاعتها، فأكد القرآن الخطاب لهم .


وكذلك قوله تعالى: ﴿وما أُبَرِّى نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةً بالسوء ) (۱)، فالمخاطب لا ينكر ولا يتردد في القول بأن النفس تغري بارتكاب الإثم، وتأمر بالسوء، فكان حق الكلام أن يأتي بدون توكيد، ولكن تقدم في الكلام ما يدعو للتساؤل، فلماذا لا يبرىء نفسه؟ فنزله منزلة السائل المتردد، فحسن عندئذ تأكيد الكلام له .


وقوله تعالى : ولا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُغْرَقُونَ ) (۲)،


فمطلع الآية يدعو إلى التساؤل. لماذا لا يخاطب ربه في شأن الظالمين؟ ولماذا ينهاه عن التماس الشفاعة لهم ؟ فنزله منزلة السائل المتردد، فأكد الكلام.


وقال : إنهم مغرقون . ولولا هذا الاعتبار لقال : «هم مغرقون» بدون تأكيد.


وهكذا الشأن في قوله تعالى : ﴿وَذَكَّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (۳) .


وقوله : ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدَوُد) (4) .


وغير ذلك مما ترى فيه الكلام قد أكد بمؤكد واحد بسبب ما لاحظه المتكلم في المخاطب. وما يدور داخل نفسه من تساؤل، على الرغم من أنه لم يلفظ بالسؤال .


٢ - وقد ينزل غير المنكر منزلة المنكر. إذا لاح على المخاطب شيء من


علامات الإنكار فينبغي حينئذ أن يؤكد له الكلام حتى يقتنع بما يلقيه عليه المتكلم من مقال، فالله يقول في شأن الكافرين (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لميتون) (1) فكل إنسان على يقين من موته، وأن أحداً لن يخلد على هذه الأرض، ولكنهم لما ظلوا متمادين في كفرهم وضلالهم غير متعظين بالموت الذي ينال كل حي، فكأنهم ينكرون الموت إنكاراً، فلزم عندئذ أن ينزل المخاطبين منزلة المنكرين فأكد الكلام بأكثر من مؤكد، أي بأن واللام .


وكقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِمَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيم ) (۲) ، فالمؤمنون لا ينكرون غفران الله ورحمته، ولكنهم لما فتنوا في دينهم تخوفوا من عقاب الله، وصاروا كأنهم ينكرون غفران الله لذنوبهم، فنزلوا منزلة المنكرين فأكد لهم الكلام بأن واللام .


ومن هذا القبيل قول حجل بن نضلة القيسي . جاء شقيق عارضا رمحه إن بني عمك فيهم رماح


فشقيق ابن عم الشاعر لا ينكر قوة بني عمه، وما لديهم من رماح ولكنه حين جاء مزهواً بنفسه، مستعرضاً رمحه، فكأنه ينكر أن بني عمه فيهم رماح، ولديهم سلاح، فوجب أن يؤكد الكلام ليوقظ فيه الشعور بقوة شكيمتهم، وقدرتهم على النزال والعراك. فأكد الكلام بذكر إن وجعل الخبر جملة اسمية .


٣ - وقد ينزل المنكر منزلة غير المنكر. إذا توافرت القرائن كقول الله عز وجل في خطابه للكافرين الملحدين بالقرآن : ذلك الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ) (۳) ، فقد جاءت الآية خالية من التأكيد، مع أن الكافرين منكرون للكتاب وصحته، ولكنه نزلهم منزلة غير المنكرين؛ لأنهم لو تأملوا القرآن، واستعملوا عقولهم وبرئوا عن التحير لاعتقدوا صدق الكتاب وآمنوا به ...


ومن ذلك قوله تعالى : ﴿ثُمَّ إِنَّكُم يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) (1) .


فالكافرون ينكرون البعث إنكاراً شديداً فكان مقتضى الظاهر أن يؤكد لهم الكلام بكل أنواع التوكيد، إلا أن البعث لما كانت أدلته ظاهرة كان جديراً ألا ينكر فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر حثاً لهم على النظر في أدلته الواضحة .


ومنه قوله : (وإلهُكُم إِلَهُ وَاحِد ) (۲) ، يقول ذلك للكافرين الذين ينكرون وحدانية الله، ويعتقدون تعدد الألهة، فكان ينبغي أن يأتي الكلام مؤكداً، ولكنه جاء بدون تأكيد ونزلهم منزلة غير المنكرين؛ لأن البراهين كلها تثبت وحدانية الله، ولو تفحصوها لرجعوا عن هذا الزعم، فلو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا .


ولا شك أن إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر لهذه الاعتبارات المناسبة التي ذكرناها يعتبر شعبة من شعب البلاغة، وسبيلاً إلى توفية الكلام حقه باستبطان دخيلة المخاطب، والتغلغل إلى أعماق نفسه، وكشف الستر عنها، وتعريتها وإبرازها واضحة، أمام العيون.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

يعتبر التعاون ج...

يعتبر التعاون جزءًا من ضروريات الحياة، حيث أن الإنسان بطبعه لا يمكنه أن ينجز كافة المهام لوحده. ولن ...

يقضى معظم الموظ...

يقضى معظم الموظفين جزءاً كبيراً من وقتهم في العمل مع الناس، من رؤسائهم، أو مرؤوسيهم. زملائهم في العم...

‏أنها الربيع مر...

‏أنها الربيع مرة أخرى وتستمتع آن وصديقتها مرة أخرى بالجمال من حولهم في أحد أمسيات يونيو الذكرى السنو...

Boeing's shift ...

Boeing's shift towards a global systems integrator strategy, outsourcing over 70% of production to p...

المحاضرة التاسع...

المحاضرة التاسعة : النظرية الليبرالية للصحافة لم يكن إنتقال المجتمع الغربي )االمريكي و االوروبي (من...

Nature of Trans...

Nature of Translation and Its Process Introduction The nature of translation is quickly or rap...

لخصائص الديمغرا...

لخصائص الديمغرافية لدول حوض البحر األبيض المتوسط أثارت المسألة السكانية وتثير اهتمام عدد كبير من ال...

ثانيا : العلم ب...

ثانيا : العلم باهلل تعالى من خالؿ ما لو من صفات الكماؿ كنعوت الجالؿ . فاهلل سبحانو كتعاذل لو األظبا...

Although electr...

Although electronic marketing has many advantages, it also has some disadvantages. One of the main d...

يروي المتحدث قص...

يروي المتحدث قصته لتوضيح أهمية التفكير الإيجابي وتطبيقه في مواقف الحياة الواقعية. من خلال مشاركة تجر...

بسم الله الرحمن...

بسم الله الرحمن الرحيم هل كل ابتلاء عقوبه ايها الاعزاء يكثر الحديث والجدل اليوم على مواقع التواصل...

لبطالة في الأرد...

لبطالة في الأردن: تحليل وتوجيهات مقدمة: تعتبر مشكلة البطالة من بين أبرز التحديات التي تواجه الاقتص...