Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (89%)

أعتقد أن كبار الرحالين الذين تستحوذ عليهم رغبة مُلِحَّة في الطواف بين أرجاء العالم تملكهم على الرغم منهم «ملكة شخصية» يصح أن تُسمَّى عبقرية السياحة، ويصح أن تتجاوز الحد فتُسمَّى هوسة السياحة
وشقت عليهم الإقامة الطويلة، والفينيقيين والإغريق لأنهم يقيمون على الشاطئ، ويحتاجون إلى الملاحة، وكالبنادقة والبرتغاليين والإنجليز في العصور المتأخرة؛ وأكثر الرحالين الكبار الذين اشتهروا في التاريخ، ونُسِب إليهم الفضل في الكشوف الجغرافية، هم من أبناء هذه الأمم، أو أبناء أمم تشبهها في البداوة والاشتغال بالملاحة …
ملكة شخصية مستمدة من ملكة قومية …
هذه هي عادة الرحلة التي تغلب على بعض الناس، أو هذه هي هوسة الرحلة إذا تجاوزت حدها المعقول …
على أنني أعتقد — إلى جانب هذا الاعتقاد — أن ملكة الرحالة غالبة على الرحالين وغير الرحالين. ومنها الرحلة في داخل النفس أو في عالم الخيال. ولكنه شاء أن يرحل في كتاب من كتبه — وهو رسالة الغفران — فلم يقنع بأقل من الرحلة إلى السماء، وكجول فيرن الكاتب الفرنسي الحديث …
ولكنه ساح بخياله في جوف الأرض، وفي أعماق البحار، وفي أجواء السماء، بل ساح في عالم الغيب، فوصف للناس مخترعات لم تُخلَق بعد، ثم خُلِقت في أوانها، فإذا هي كما وصف …! حتى قال ليوتي القائد الفرنسي الكبير: إن الناس اليوم «يعيشون أحلام جول فيرن» …
•••
أو سياحة بغير انتقال. والظاهر — لا بل المحقق — أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال، كما لاحظ بحق أحد أصدقائي، حين علم مرة باعتذاري من تلبية الدعوة إلى كثير من السياحات، وبعضها بغير نفقة على الإطلاق …
ومع هذا يجوز لي أن أقول: إنني طفت العالم من مكاني الذي لا أبرحه؛ لقد تعلقت بالسياحة في أوائل صباي، وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها، ولكنها كانت كلها كما تبين لي بعد ذلك عارضًا من عوارض الصبا التي تنزوي مع الزمن وراء غيرها من الميول المتمكنة في السليقة، فما زالت تضعف وتضعف حتى ليسعني أن أقول اليوم: إنني لولا رياضة المشي التي تعودتها لما خطر لي أن أبرح المنزل أيامًا بل أسابيع. ولذلك سبب مني، فأما السبب الذي مني فبعضه يرجع إلى حب العزلة التي نشأت عليها وورثتها من أبوي …
ولكنني أحيا في تلك الأوراق بين أحياء. وألفت بعض الأدباء في قراءة كلامهم فتمثلتهم في ملامح وجوههم وعاداتهم، واستمليت من ديوان شاعر كابن الرومي سيرة حياته أو صورة حياته، وثبت له في خيالي شكل لا يتغير ولا يزال يلوح لي على هيئة واحدة كلما طاف بي طيفه في منام. فإنه سمى نفسه «رهين المحبسين» لملازمته داره وحبسه في جسده، ولكنه شاء أن يرحل في كتاب من كتبه — وهو رسالة الغفران — فلم يقنع بأقل من الرحلة إلى السماء، وإلى الجحيم!
وكجول فيرن الكاتب الفرنسي الحديث …
فإن ما رآه من جوانب الأرض بالقياس إلى المشاهدات المأثورة عن كبار الرحالين شيء لا يُذكَر، ولكنه ساح بخياله في جوف الأرض، وفي أجواء السماء، بل ساح في عالم الغيب، فوصف للناس مخترعات لم تُخلَق بعد، ثم خُلِقت في أوانها، فإذا هي كما وصف …! حتى قال ليوتي القائد الفرنسي الكبير: إن الناس اليوم «يعيشون أحلام جول فيرن» …
•••
لا بد من السياحة إذن في الخارج أو في الداخل! سياحة مع الانتقال، أو سياحة بغير انتقال. والظاهر — لا بل المحقق — أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال، حين علم مرة باعتذاري من تلبية الدعوة إلى كثير من السياحات، لأنني رأيت في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون …
وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها، فما زالت تضعف وتضعف حتى ليسعني أن أقول اليوم: إنني لولا رياضة المشي التي تعودتها لما خطر لي أن أبرح المنزل أيامًا بل أسابيع. ولذلك سبب مني، وسبب من أحوال العصر الذي نعيش فيه. فأما السبب الذي مني فبعضه يرجع إلى حب العزلة التي نشأت عليها وورثتها من أبوي …
وبعضها يرجع إلى شعوري بالقراءة التي تعنيني، فإنني أشعر بأنني لا أقرأ سطورًا على ورق، ولكنني أحيا في تلك الأوراق بين أحياء. ومن هنا ألفت بعض شخوص التاريخ كأنني أعاشرهم كل يوم، فإنه سمى نفسه «رهين المحبسين» لملازمته داره وحبسه في جسده، ولكنه شاء أن يرحل في كتاب من كتبه — وهو رسالة الغفران — فلم يقنع بأقل من الرحلة إلى السماء، وإلى الجحيم!
وكجول فيرن الكاتب الفرنسي الحديث …
فإن ما رآه من جوانب الأرض بالقياس إلى المشاهدات المأثورة عن كبار الرحالين شيء لا يُذكَر، ولكنه ساح بخياله في جوف الأرض، وفي أجواء السماء، بل ساح في عالم الغيب، فوصف للناس مخترعات لم تُخلَق بعد، ثم خُلِقت في أوانها، فإذا هي كما وصف …! حتى قال ليوتي القائد الفرنسي الكبير: إن الناس اليوم «يعيشون أحلام جول فيرن» …
لا بد من السياحة إذن في الخارج أو في الداخل! سياحة مع الانتقال، كما لاحظ بحق أحد أصدقائي، وبعضها بغير نفقة على الإطلاق …
لأنني رأيت في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون …
لقد تعلقت بالسياحة في أوائل صباي، وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها، ولكنها كانت كلها كما تبين لي بعد ذلك عارضًا من عوارض الصبا التي تنزوي مع الزمن وراء غيرها من الميول المتمكنة في السليقة، فما زالت تضعف وتضعف حتى ليسعني أن أقول اليوم: إنني لولا رياضة المشي التي تعودتها لما خطر لي أن أبرح المنزل أيامًا بل أسابيع. ولذلك سبب مني، وسبب من أحوال العصر الذي نعيش فيه. فأما السبب الذي مني فبعضه يرجع إلى حب العزلة التي نشأت عليها وورثتها من أبوي …
فإنني أشعر بأنني لا أقرأ سطورًا على ورق، ولكنني أحيا في تلك الأوراق بين أحياء. ومن هنا ألفت بعض شخوص التاريخ كأنني أعاشرهم كل يوم، وألفت بعض الأدباء في قراءة كلامهم فتمثلتهم في ملامح وجوههم وعاداتهم، في حركتهم وسكونهم، واستمليت من ديوان شاعر كابن الرومي سيرة حياته أو صورة حياته، فإنه سمى نفسه «رهين المحبسين» لملازمته داره وحبسه في جسده، ولكنه شاء أن يرحل في كتاب من كتبه — وهو رسالة الغفران — فلم يقنع بأقل من الرحلة إلى السماء، وإلى الجحيم!
وكجول فيرن الكاتب الفرنسي الحديث …
ولكنه ساح بخياله في جوف الأرض، وفي أعماق البحار، وفي أجواء السماء، فوصف للناس مخترعات لم تُخلَق بعد، ثم خُلِقت في أوانها، فإذا هي كما وصف …! حتى قال ليوتي القائد الفرنسي الكبير: إن الناس اليوم «يعيشون أحلام جول فيرن» …
•••
لا بد من السياحة إذن في الخارج أو في الداخل! سياحة مع الانتقال، أو سياحة بغير انتقال. والظاهر — لا بل المحقق — أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال، كما لاحظ بحق أحد أصدقائي، حين علم مرة باعتذاري من تلبية الدعوة إلى كثير من السياحات، وبعضها بغير نفقة على الإطلاق …
لأنني رأيت في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون …
وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها، ولكنها كانت كلها كما تبين لي بعد ذلك عارضًا من عوارض الصبا التي تنزوي مع الزمن وراء غيرها من الميول المتمكنة في السليقة، فما زالت تضعف وتضعف حتى ليسعني أن أقول اليوم: إنني لولا رياضة المشي التي تعودتها لما خطر لي أن أبرح المنزل أيامًا بل أسابيع. ولذلك سبب مني،


Original text

أعتقد أن كبار الرحالين الذين تستحوذ عليهم رغبة مُلِحَّة في الطواف بين أرجاء العالم تملكهم على الرغم منهم «ملكة شخصية» يصح أن تُسمَّى عبقرية السياحة، ويصح أن تتجاوز الحد فتُسمَّى هوسة السياحة
وأعتقد أن هذه الملكة الشخصية مستمدَّة من ملكة قوية أصيلة في الأمة التي يخرج منها أولئك الرحالون المنقطعون للسياحة
لأن معظم الرحالين الكبار خرجوا من أمم قد تعوَّد أبناؤها الرحلة، وشقت عليهم الإقامة الطويلة، كالعرب لأنهم من أبناء البادية، والفينيقيين والإغريق لأنهم يقيمون على الشاطئ، ويحتاجون إلى الملاحة، وكالبنادقة والبرتغاليين والإنجليز في العصور المتأخرة؛ لأنهم جميعًا بحريون وملاحون …


وأكثر الرحالين الكبار الذين اشتهروا في التاريخ، ونُسِب إليهم الفضل في الكشوف الجغرافية، هم من أبناء هذه الأمم، أو أبناء أمم تشبهها في البداوة والاشتغال بالملاحة …


ملكة شخصية مستمدة من ملكة قومية …


هذه هي عادة الرحلة التي تغلب على بعض الناس، أو هذه هي هوسة الرحلة إذا تجاوزت حدها المعقول …


على أنني أعتقد — إلى جانب هذا الاعتقاد — أن ملكة الرحالة غالبة على الرحالين وغير الرحالين.


ولكنها تظهر في صور كثيرة غير صورة الرحلة الخارجية، ومنها الرحلة في داخل النفس أو في عالم الخيال.


وبين كبار الرحالين من هذا الطراز أناس لم يفارقوا مكانًا واحدًا خلال عشرات السنين كأبي العلاء المعري!
فإنه سمى نفسه «رهين المحبسين» لملازمته داره وحبسه في جسده، ولكنه شاء أن يرحل في كتاب من كتبه — وهو رسالة الغفران — فلم يقنع بأقل من الرحلة إلى السماء، وإلى الجحيم!


وكجول فيرن الكاتب الفرنسي الحديث …


فإن ما رآه من جوانب الأرض بالقياس إلى المشاهدات المأثورة عن كبار الرحالين شيء لا يُذكَر، ولكنه ساح بخياله في جوف الأرض، وفي أعماق البحار، وفي أجواء السماء، بل ساح في عالم الغيب، فوصف للناس مخترعات لم تُخلَق بعد، ثم خُلِقت في أوانها، فإذا هي كما وصف …! حتى قال ليوتي القائد الفرنسي الكبير: إن الناس اليوم «يعيشون أحلام جول فيرن» …


•••


لا بد من السياحة إذن في الخارج أو في الداخل! سياحة مع الانتقال، أو سياحة بغير انتقال.


والظاهر — لا بل المحقق — أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال، كما لاحظ بحق أحد أصدقائي، حين علم مرة باعتذاري من تلبية الدعوة إلى كثير من السياحات، وبعضها بغير نفقة على الإطلاق …


ومع هذا يجوز لي أن أقول: إنني طفت العالم من مكاني الذي لا أبرحه؛ لأنني رأيت في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون …


لقد تعلقت بالسياحة في أوائل صباي، وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها، ولكنها كانت كلها كما تبين لي بعد ذلك عارضًا من عوارض الصبا التي تنزوي مع الزمن وراء غيرها من الميول المتمكنة في السليقة، فما زالت تضعف وتضعف حتى ليسعني أن أقول اليوم: إنني لولا رياضة المشي التي تعودتها لما خطر لي أن أبرح المنزل أيامًا بل أسابيع.


ولذلك سبب مني، وسبب من أحوال العصر الذي نعيش فيه.


فأما السبب الذي مني فبعضه يرجع إلى حب العزلة التي نشأت عليها وورثتها من أبوي …


وبعضها يرجع إلى شعوري بالقراءة التي تعنيني، فإنني أشعر بأنني لا أقرأ سطورًا على ورق، ولكنني أحيا في تلك الأوراق بين أحياء.


ومن هنا ألفت بعض شخوص التاريخ كأنني أعاشرهم كل يوم، وألفت بعض الأدباء في قراءة كلامهم فتمثلتهم في ملامح وجوههم وعاداتهم، في حركتهم وسكونهم، واستمليت من ديوان شاعر كابن الرومي سيرة حياته أو صورة حياته، وثبت له في خيالي شكل لا يتغير ولا يزال يلوح لي على هيئة واحدة كلما طاف بي طيفه في منام.


فإنه سمى نفسه «رهين المحبسين» لملازمته داره وحبسه في جسده، ولكنه شاء أن يرحل في كتاب من كتبه — وهو رسالة الغفران — فلم يقنع بأقل من الرحلة إلى السماء، وإلى الجحيم!


وكجول فيرن الكاتب الفرنسي الحديث …


فإن ما رآه من جوانب الأرض بالقياس إلى المشاهدات المأثورة عن كبار الرحالين شيء لا يُذكَر، ولكنه ساح بخياله في جوف الأرض، وفي أعماق البحار، وفي أجواء السماء، بل ساح في عالم الغيب، فوصف للناس مخترعات لم تُخلَق بعد، ثم خُلِقت في أوانها، فإذا هي كما وصف …! حتى قال ليوتي القائد الفرنسي الكبير: إن الناس اليوم «يعيشون أحلام جول فيرن» …


•••


لا بد من السياحة إذن في الخارج أو في الداخل! سياحة مع الانتقال، أو سياحة بغير انتقال.


والظاهر — لا بل المحقق — أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال، كما لاحظ بحق أحد أصدقائي، حين علم مرة باعتذاري من تلبية الدعوة إلى كثير من السياحات، وبعضها بغير نفقة على الإطلاق …


ومع هذا يجوز لي أن أقول: إنني طفت العالم من مكاني الذي لا أبرحه؛ لأنني رأيت في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون …


لقد تعلقت بالسياحة في أوائل صباي، وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها، ولكنها كانت كلها كما تبين لي بعد ذلك عارضًا من عوارض الصبا التي تنزوي مع الزمن وراء غيرها من الميول المتمكنة في السليقة، فما زالت تضعف وتضعف حتى ليسعني أن أقول اليوم: إنني لولا رياضة المشي التي تعودتها لما خطر لي أن أبرح المنزل أيامًا بل أسابيع.


ولذلك سبب مني، وسبب من أحوال العصر الذي نعيش فيه.


فأما السبب الذي مني فبعضه يرجع إلى حب العزلة التي نشأت عليها وورثتها من أبوي …


وبعضها يرجع إلى شعوري بالقراءة التي تعنيني، فإنني أشعر بأنني لا أقرأ سطورًا على ورق، ولكنني أحيا في تلك الأوراق بين أحياء.


ومن هنا ألفت بعض شخوص التاريخ كأنني أعاشرهم كل يوم، وألفت بعض الأدباء في قراءة كلامهم فتمثلتهم في ملامح وجوههم وعاداته
فإنه سمى نفسه «رهين المحبسين» لملازمته داره وحبسه في جسده، ولكنه شاء أن يرحل في كتاب من كتبه — وهو رسالة الغفران — فلم يقنع بأقل من الرحلة إلى السماء، وإلى الجحيم!


وكجول فيرن الكاتب الفرنسي الحديث …


فإن ما رآه من جوانب الأرض بالقياس إلى المشاهدات المأثورة عن كبار الرحالين شيء لا يُذكَر، ولكنه ساح بخياله في جوف الأرض، وفي أعماق البحار، وفي أجواء السماء، بل ساح في عالم الغيب، فوصف للناس مخترعات لم تُخلَق بعد، ثم خُلِقت في أوانها، فإذا هي كما وصف …! حتى قال ليوتي القائد الفرنسي الكبير: إن الناس اليوم «يعيشون أحلام جول فيرن» …


•••


لا بد من السياحة إذن في الخارج أو في الداخل! سياحة مع الانتقال، أو سياحة بغير انتقال.


والظاهر — لا بل المحقق — أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال، كما لاحظ بحق أحد أصدقائي، حين علم مرة باعتذاري من تلبية الدعوة إلى كثير من السياحات، وبعضها بغير نفقة على الإطلاق …


ومع هذا يجوز لي أن أقول: إنني طفت العالم من مكاني الذي لا أبرحه؛ لأنني رأيت في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون …


لقد تعلقت بالسياحة في أوائل صباي، وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها، ولكنها كانت كلها كما تبين لي بعد ذلك عارضًا من عوارض الصبا التي تنزوي مع الزمن وراء غيرها من الميول المتمكنة في السليقة، فما زالت تضعف وتضعف حتى ليسعني أن أقول اليوم: إنني لولا رياضة المشي التي تعودتها لما خطر لي أن أبرح المنزل أيامًا بل أسابيع.


ولذلك سبب مني، وسبب من أحوال العصر الذي نعيش فيه.


فأما السبب الذي مني فبعضه يرجع إلى حب العزلة التي نشأت عليها وورثتها من أبوي …


وبعضها يرجع إلى شعوري بالقراءة التي تعنيني، فإنني أشعر بأنني لا أقرأ سطورًا على ورق، ولكنني أحيا في تلك الأوراق بين أحياء.


ومن هنا ألفت بعض شخوص التاريخ كأنني أعاشرهم كل يوم، وألفت بعض الأدباء في قراءة كلامهم فتمثلتهم في ملامح وجوههم وعاداتهم، في حركتهم وسكونهم، واستمليت من ديوان شاعر كابن الرومي سيرة حياته أو صورة حياته، وثبت له في خيالي شكل لا يتغير ولا يزال يلوح لي على هيئة واحدة كلما طاف بي طيفه في منام.


فإنه سمى نفسه «رهين المحبسين» لملازمته داره وحبسه في جسده، ولكنه شاء أن يرحل في كتاب من كتبه — وهو رسالة الغفران — فلم يقنع بأقل من الرحلة إلى السماء، وإلى الجحيم!


وكجول فيرن الكاتب الفرنسي الحديث …


فإن ما رآه من جوانب الأرض بالقياس إلى المشاهدات المأثورة عن كبار الرحالين شيء لا يُذكَر، ولكنه ساح بخياله في جوف الأرض، وفي أعماق البحار، وفي أجواء السماء، بل ساح في عالم الغيب، فوصف للناس مخترعات لم تُخلَق بعد، ثم خُلِقت في أوانها، فإذا هي كما وصف …! حتى قال ليوتي القائد الفرنسي الكبير: إن الناس اليوم «يعيشون أحلام جول فيرن» …


•••


لا بد من السياحة إذن في الخارج أو في الداخل! سياحة مع الانتقال، أو سياحة بغير انتقال.


والظاهر — لا بل المحقق — أنني أنا أحد الرحالين بغير انتقال، كما لاحظ بحق أحد أصدقائي، حين علم مرة باعتذاري من تلبية الدعوة إلى كثير من السياحات، وبعضها بغير نفقة على الإطلاق …


ومع هذا يجوز لي أن أقول: إنني طفت العالم من مكاني الذي لا أبرحه؛ لأنني رأيت في هذا المكان ما يراه الرحالون المتنقلون …


لقد تعلقت بالسياحة في أوائل صباي، وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها، ولكنها كانت كلها كما تبين لي بعد ذلك عارضًا من عوارض الصبا التي تنزوي مع الزمن وراء غيرها من الميول المتمكنة في السليقة، فما زالت تضعف وتضعف حتى ليسعني أن أقول اليوم: إنني لولا رياضة المشي التي تعودتها لما خطر لي أن أبرح المنزل أيامًا بل أسابيع.


ولذلك سبب مني، وسبب من أحوال العصر الذي نعيش فيه.


فأما السبب الذي مني فبعضه يرجع إلى حب العزلة التي نشأت عليها وورثتها من أبوي …


وبعضها يرجع إلى شعوري بالقراءة التي تعنيني، فإنني أشعر بأنني لا أقرأ سطورًا على ورق، ولكنني أحيا في تلك الأوراق بين أحياء.


ومن هنا ألفت بعض شخوص التاريخ كأنني أعاشرهم كل يوم، وألفت بعض الأدباء في قراءة كلامهم فتمثلتهم في ملامح وجوههم وعاداتهم، في حركتهم وسكونهم، واستمليت من ديوان شاعر كابن الرومي سيرة حياته أو صورة حياته، وثبت له في خيالي شكل لا يتغير ولا يزال يلوح لي على هيئة واحدة كلما طاف بي طيفه في منام.


ومثله المعري والفارابي وابن سينا وطائفة من مشاهير الأدب والفن بين الشرقيين والغربيين.


فلو كنت مصورًا لاستطعت أن أرسم لكل منهم صورة كاملة كما يرسم المصور أناسًا من الأحياء يراهم كل يوم.


•••


أما السبب الذي من العصر، فلك أن تقول إنه في الحقيقة جملة أسباب …


لأن العاصر الحاضر أول عصر ييسر للإنسان — وهو جالس في مكانه — أن يدرك بالبصر والسمع بلادًا واسعة على مدى مئات الفراسخ وألوفها، فينظر مساكنها وسكانها، ويشرف على بطاحها، ويتغلغل في دروبها، ويتراءى له في لحظات من معالم هذه المدينة، أو تلك القرية ما ليس يتراءى لساكنها في ساعات أو أيام.


كانت السياحة هي الوسيلة الوحيدة للإحساس بالبلاد البعيدة.


أما اليوم فنحن نحسها بالعين والأذن كلما أردنا، ونحن في الدار أو على مقربة من الدار …


الصحف تنقل إلينا أخبارها.


والإذاعة تسمعنا أصواتها وأصداءها.


والصور المتحركة تستدني للآذان — كما تستدني للعيون — كلَّ ما هو خليق منها بمشاهدته أو الاستماع إليه.


وعلم تخطيط البلدان قد يعرِّفك بما يجهله المقيمون فيها، ومراجع التاريخ قد تملأ نفسك بما يملأ عصورها من الأحداث والذكريات، ونقوش الفنانين وأغاني الشعراء والموسيقيين تهيئ لك أن تنفذ إلى روحها، وتمتزج بعبقريتها، وتحياها على أحسن أنماطها في الحياة.


•••


نعم، إن الإحساس بالمكان — وأنت فيه — غير الإحساس به وأنت على مسافة منه … ولكن هل نستطيع أن نقول: إن الإحساس بالمكان القريب يغني عن الإحساس بالبعيد؟ أو هل نستطيع أن نقول: إن الإحساس من الداخل يغني عن الإحساس من الخارج؟ أو أن الإحساس بالعين والأذن يغني عن الإحساس بالوعي والخيال؟


هما إحساسان — ولا شك — لازمان …


والخير كل الخير أن تجمع بينهما، وأن تكون رحلتك الخارجية مقرونة برحلتك الداخلية …


فإذا تعذَّر الخير كل الخير، فالخير بعض الخير «خير» من لا شيء!


ولست أزين لأحد أن يفضل طريقتي في السياحة على طريقته، ولكنني أنا على الأقل لن أنقطع عن السياحة في العالم رحالة بغير رحلة، وطوَّافًا بغير طواف!


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

بناء على تجربتي...

بناء على تجربتي أود أن أقدم بعض الاقتراحات تحسين المحتوى التدريبي، والاهتمام أكثر بالتطبيقات العملية...

استحضار المعلوم...

استحضار المعلومات والخبرات المختزنة للإستفادة منها في التعامل مع المسألة التي طرقت من أجل الوصول الى...

إذا تجاوزت التد...

إذا تجاوزت التدفقات النقدية الشهرية الخارجة التدفقات الواردة، فيمكن أن تساعدك الميزانية على العيش في...

الرد المناسب عل...

الرد المناسب على مقالة "مستقبل الشباب يبدو مشرقًا" يمكن أن يكون كما يلي: --- أولاً، أود أن أشكر ال...

It is the proce...

It is the process of revealing and dismantling colonialist power in all its forms. It includes disma...

والحقيقة كما يذ...

والحقيقة كما يذكر مصطفى الشكعة أن إيراد الخبر على هذا النحو يشكل خطًأ جسيما يخدش من سمعة هذا المؤرخ...

وتأهيل القيادات...

وتأهيل القيادات ووليف شكرا جزيلا لكم بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم لا علم لنا الا م...

جيد: الأهداف وا...

جيد: الأهداف واضحة وتتمثل في دراسة تأثير الخجل على بناء التعلمات لدى تلاميذ وتلميذات المستوى الثالث ...

-الإعداد لبرنام...

-الإعداد لبرنامج عمل مهمة التدقيق الشرعي الداخلي من خلال تحديد (الخطوات التي سيتم اتباعها) وهي تحدي...

المقدمات النحوی...

المقدمات النحویة۱۳ ۱-ِالعَوض عن حرف:ویكون ذلك في الاسم المنقوص إذا جاء على صیغة ٍ منتھى الجموع، مثل:...

إن المتتبع لنشأ...

إن المتتبع لنشأت وتطور التعليم والتدريب المهني، يري أنه بدأ منذ وقت مبكر يرجع إلى فترة الثورة الصناع...

شركة الجار الإم...

شركة الجار الإماراتية نبذة تعريفية: تُعد شركة الجار الإماراتية شركة رائدة في مجال توفير حلول الأمن ا...