Lakhasly

ندرج نظرية المخالطة الفاصلة تحت فئة النظريات النفسية الاجتماعية المفسرة للسلوك المنحرف، فهي تضع في اعتبارها الاتجاه النفسي والاتجاه الاجتماعي، محاولة بذلك تحقيق التوازن بين العوامل الفردية والعوامل الاجتماعيـة عنـد دراسـة الـسلوك المنحرف. وتنظر النظريات النفسية الاجتماعية إلى الشخصية الإنسانية باعتبارها المتغير الوسيط الذي يكشف عن جوانب البناء الاجتماعي، وما يباشره من أثر في الشخصية الإنسانية، وانعكاس ذلك.

طرح « سذرلاند » نظريته عن المخالطة الفاصلة في كتابة مبادئ علم الإجراء Principles of Criminology » في أربع طبعات، الأولى في سنة 1939، والأخيرة في سنة 1947. يؤكد فيها ويصر على أن السلوك الإجرامي سلوك يتم تعلمه واكتسابه في بيئة اجتماعية.
هناك كثير من العوامل التي أسهمت في صياغة وتشكيل نظريـة « سـذرلاند » كان مصدرها الأحداث التي وقعت في عقـدي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين. فقد بدأ المكتب الفيدرالي للتحريات في إصـدار تقارير وإحصاءات عن الجرائم التي تكتشفها الشرطة، وكذلك إصدار سجلات رسميـة عـن الجرائم. ومن خلال تحليل هذه الإحصاءات والسجلات توافر دليـل وبـرهـان قـوي عـن أن فئات معينة من الناس أكثر احتمالاً أن يصبحوا مجرمين من غيرهم، وحيث أن موقف هؤلاء الناس – من حيث احتمال إجرامهم – يتوافق مع نتائج المادة العلمية الإيكولوجيـة التي قدمتها مدرسة شيكاغو، فقد بات واضحاً أن الإحصاءات الرسمية للجريمة تدعم وجهة النظر القائلة بأن علم دراسة الجريمة ينتمي إلى ميدان علم الاجتماع، أكثـر مـن كونه ينتمي إلى ميدان علم البيولوجي أو علم النفس.
ينطلق " سذرلاند " في نظرية الاختلاط التفاضلي من عدد من الفرضيات التي ترى أن السلوك العنيف والإجرامي لدى الفرد هي سلوك مكتسب يتم عن طريق التعلم، بمعنى أن الفرد لا يصبح مجرم بدون خبرة إجرامية سابقة وتدريب كاف على السلوك الإجرامي.
كما أن انتقال السلوك المنحرف يحدث حينما يتعرض الفرد لقوتين متعارضتين من الجاذبية الأولى ضرورة احترام الأنظمة والقانون، والأخرى تجذبه لعدم احترامها وخرقها، فإذا تعرض الفرد للاختلاط بالمجرمين أصبح فريسة سهلة لتعلم الأنماط الإجرامية، ومن ثم ارتكاب
الجريمة.
ويذكر " سذرلاند " أن تعلم السلوك الإجرامي يتوقف على معدلات مرات التكرار والمدة الزمنية وعمق العلاقة ودرجة تأثيرها، وأن تعلم سلوكيات وثقافة أشخاص المختلط بهم ينتج من عدة طرق يتعلم منها الشخص السلوك المنحرف وليس عن طريق وسيلة واحدة
لقد عرض " سذرلاند " مبادئ هذه النظرية في فصل تمهيدي بعنوان" نظرية اجتماعية في سلوك المجرم " من كتابه " مبادئ علم الجريمة ". تتلخص الفروض التي وضعها في النقاط التالية:
-السلوك الجانح متعلم : ويعني ذلك أن هذا السلوك ليس وراثيا وأن من لم يتلق تدريبا على الإجرام لا يخترع الجريمة

• السلوك جانح متعلم من حيث الاحتكاك بأشخاص آخرين في عملية التواصل Communication هذا التواصل لفظي وشخصي أساسا، كما يمكن أن يتم بالمثال والقدوة
  يتم تعلم السلوك الجانح خصوصا ضمن جماعة محصورة تتميز بالعلاقات المباشرة والشخصية، ولذلك فإن وسائل الإعلام اللاشخصية (تلفزيون، رادیو، منشورات) لا تساهم إلا بدور ثانوي جدا في نشأة السلوك الجانح.
  يشمل التدريب على الانحراف تعلم تقنيات ارتكاب الجريمة وهذه تكون بسيطة أو معقدة
  توجيه الدوافع والميول والتفكير والاتجاهات نحو الانحراف.

يصبح الفرد جانحا عندما تطغى التفسيرات المضادة للقانون على التفسيرات التي تحترمه، وهذا الشكل مبدأ الترابط الفارقي، وهو ترابط يصح على جماعات المجرمين وغير المجرمين، ويصبح الفرد جانحا إذا وجد أمامه نماذج ومعايير سلوكية جانحة لا تجابهها معايير متكيفة على درجة كافية من القوة
تتنوع الترابطات الفارقة من حيث التواتر، المدة، الأسبقية والشدة، فإذا نماها الشخص بمعايير جائحة قبل أن يتعرض لتأثير المعايير المتكيفة قد يصبح جانحا بشكل نهائي والعكس صحيح، وأما الشدة فتتعلق بمقدار وجاهة وجاذبية النماذج السلوكية (جائحة أو متكيفة).
التدريب على الإنحراف لا يتم من خلال التقليد وإنما من خلال أوليات عمليات التعلم العادي
مع أن السلوك يعبر عن مجموعة من الحاجات والقيم إلا أنه لا يفسر من خلالها، لأن السلوك غير الجانح هو أيضا تعبير عن نفس الحاجات والقيم، فاللص يسرق كي يحصل على نقود (قيمة) والعامل يعمل من أجل نفس الغاية، ولذلك فكل الأسباب التفسيرية التي أعطيت للانحراف غير مجدية لأنها نفسها تفسير السلوك المتكيف.
نظرية المخالطة الفارقة اوالنظرية التفاضلية هي محاولة بارزة لصياغة نظرية تكاملية في السلوك الإجرامي تسمى عند بعض العلماء بنظر الاختلاط التفاضلي وعند البعض الآخر بالمخالطة الفارقة وعند فريق ثالث بالترابط الفارقي، بلخصها "سندرلاند"
Edwin Sutherland (مؤسسها)
في هذه العبارة " يصبح الشخص جانحا بسبب توصله إلى تعريفات أو تحديدات ملائمة لمخالفة القانون.
ويشير في موقع آخر من النظرية إلى المحددات المباشرة للسلوك الإجرامي تعتبر كاملة، في "مركب الموقف والشخص. person situation complexe
وأن الموقف الموضوعي يحمل أهمية بالنسبة للجريمة بقدر ما يتمكن من توفير فرصة للفعل الإجرامي، علما بأن تحديد ملائمة الموقف، أمر يتوقف على الشخص المتضمن فيه، ووفق ذلك فإن الأحداث المتضمنة في " مركب الموقف والشخص " أثناء وقوع الجريمة لا يمكن فصلها على الخبرات السابقة في حياة المجرم ولا يحدث الفعل الإجرامي إلا إذا وجد الموقف الملائم له كما يحدده الشخص ذاته.
إذن فالموقف مرتبط بالشخص، لأن موقفا معينا ربما يؤدي إلى ارتكاب شخص معين لجريمة ما، ولكنه لا يؤدي بآخر إلى ذات الفعل. بمعنى ان الموقف الذي تحصل فيه الجريمة لابد ان تتماشى وشخصية المجرم ولابد من توفير فرصة للفعل الاجرامي.
كما اهتم سندرلاند خصوصا بدراسة رجال الأعمال واشتهر عالميا من خلال دراسته الرائعة عن اللص المحترف. Le Voleur Professionnel
حيث تعمق في وصف نموذج حياته، وتدريبه على الانحراف وتدرجه فيه، كما وصف جماعات اللصوص المحترفين، وروحية الفريق بينهم، ومواثيق الشرف التي تحكم تصرفاتهم، وعلاقتهم مع المجتمع الكلي.
ان الجريمة حسب هده النظرية لا تحدث الا بوجود فرصة مواتية لارتكاب الجريمة والظروف المناسبة لذلك وهذا الموقف يحدده الشخص المجرم تبعا للشخصية وتجارب الفردية و التنشئة الاجتماعية لصاحب الفعل الاجرامي، فالموقف في مجموعه هو العلاقة التفاعلية بين صاحب السلوك الاجرامي و الفعل الاجرامي بذاته.