Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

تضافرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السياسي
الإنسان،
واملشاكلة بينهما أنهما حاكمان أحدهما في مملكة الأجسام والآخر في عالم القلوب.
والفريقان مصيبان في حكمهما بالنظر إلى مغزى أساطري الأولني،
التوراة والرسائل املضافة إلى الإنجيل،
فيهما،
كما هم مخطئون إذا نظروا إلى أن القرآن جاء مؤيدا للاستبداد السياسي،
من العذر شيء أن يقولوا نحن لا ندرك دقائق القرآن نظرا لخفائها علينا في طي بلاغته
ووراء العلم بأسباب نزول آياته،
منذ قرون إلى الآن من استعانة مستبديهم بالدين.
يقول هؤلاء املحررون إن التعاليم الدينية ومنها الكتب السماوية تدعو البشر إلى
خشية قوة عظيمة هائلة لا تدرك العقول كنهها،
فقط كما عند البوذية واليهودية،
أو في الحياة وبعد املمات كما عند النصارى والإسلام،
تهديدا ترتعد منه الفرائص فتخور القوى وتنذهل منه العقول فتستسلم للخبل والخمول،
ثم تفتح هذه التعاليم أبوابا للنجاة من تلك املخاوف نجاة وراءها نعيم مقيم،
تلك الأبواب حجاب من البراهمة والكهنة والقسوس وأمثالهم الذين لا يأذنون للناس
بالدخول ما لم يعظموهم مع التذلل والصغار ويرزقوهم باسم نذر أو ثمن غفران،
إن أولئك الحجاب في بعض الأديان يحجزون فيما يزعمون لقاء الأرواح بربها ما لم يأخذوا
عنها مكوس املرور إلى القبور وفدية الخلاص من مطهر الأعراف.
الأديان كم يرهبون الناس من غضب الله وينذرونهم بحلول مصائبه وعذابه عليهم ثم
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
يرشدونهم إلى أن لا خلاص ولا مناص لهم إلا بالالتجاء إلى سكان القبور الذين لهم دالة
بل سطوة على الله فيحمونهم من غضبه.
ويقولون إن السياسيني يبنون كذلك استبدادهم على أساس من هذا القبيل،
يسترهبون الناس بالتعالي الشخصي والتشامخ الحسي،
الأموال حتى يجعلوهم خاضعني لهم عاملني لأجلهم يتمتعون بهم كأنهم نوع من الأنعام
التي يشربون ألبانها ويأكلون لحومها ويركبون ظهورها وبها يتفاخرون.
ويرون أن هذا التشاكل في بناء ونتائج الاستبدادين الديني والسياسي جعلهما في مثل
فرنسا خارج باريس مشتركني في العمل كأنهما يدان متعاونتان،
مشتبكني في الوظيفة كأنهما اللوح والقلم يسجلان الشقاء على الأمم.
ويقررون أن هذا التشاكل بني القوتني ينجر بعوام البشر وهم السواد الأعظم إلى
نقطة أن يلتبس عليهم الفرق بني الإله املعبود بحق وبني املستبد املطاع بالقهر،
في مضايق أذهانهم من حيث التشابه في استحقاق مزيد التعظيم،
النسبة بني عظمته ودناءتهم،
في كثري من الحالات والأسماء والصفات،
وهم هم،
ّ (الفعال املطلق)،
والحاكم بأمره،
وبني (لا يُسأل عما يفعل) وغري مسئول،
وولي النعم،
وبني (جل شأنه) وجليل الشأن.
وبناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم هلل،
ويزيدون تعظيمهم على التعظيم هلل لأنه حليم كريم ولأن عذابه آجل غائب،
الجبار فعاجل حاضر.
والعوام كما يقال عقولهم في عيونهم،
بحياتهم الدنيا ملا صلوا ولا صاموا،
على قراءة القرآن،
ولا رجحوا اليمني بالأولياء املقربني كما يعتقدون على اليمني باهلل.
وهذه الحال هي التي سهلت في الأمم الغابرة املنحطة دعوى بعضاملستبدين الألوهية
على مراتب مختلفة حسب استعداد أذهان الرعية،
َ إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله.
ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله،
يعنون به الاستبداد تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضا فتتهاتر
قوة الأمة ويذهب ريحها فيخلو الجو للاستبداد ليبيض ويفرخ،
املستعمرات لا يؤيدها شيء مثل انقسام الأهالي على أنفسهم وإفنائهم بأسهم بينهم بسبب
ويعللون أن قيام املستبدين من أمثال (أبناء داود) و(قسطنطني) في نشر الدين بني
1 وقيام الحاكم الفاطمي والسلاطني الأعاجم في الإسلام
بالانتصار لغلاة الصوفية وبنائهم لهم التكايا لم يكن إلا بقصد الاستعانة بممسوخ الدين
وببعض أهله املغفلني على ظلم املساكني،
الناس يتلقون قواعده وأحكامه بإذعان بدون بحث أو جدال فيودون تأليف الأمة على
تلقي أوامرهم بمثل ذلك،
ُ ويحكمون بأن بني الاستبدادين السياسي والديني مقارنة لا تنفك متى وجد أحدهما
في أمة جر الآخر إليه أو متى زال رفيقه،
وإن صلح،
أي ضعف،
أحدهما صلح،
أي ضعف،
الثاني.
ويقولون إن شواهد ذلك كثرية جدا لا يخلو منها زمان ولا مكان.
أن الدين أقوى تأثريا من السياسة إصلاحا وإفسادا،
والهولنديني والأمريكان والأملان الذين قبلوا البروتستنتية،
السياسي والأخلاق أكثر من تأثري الحرية املطلقة السياسية في جمهور اللاتني أي الفرنسيني
والطليان والإسبانيول والبرتغال.
وقد أجمع الكتاب السياسيون املدققون،
إلا واختل نظام دنياه وخسر أولاه وعقباه.
والحاصل أن كل املدققني السياسيني يرون أن السياسة والدين يمشيان متكاتفني،
ويعتبرون أن إصلاح الدين هو أسهل وأقوى وأقرب طريق للإصلاح السياسي.
وربما كان أول من سلك هذا املسلك أي استخدم الدين في الإصلاح السياسي هم
السياسة بإحيائهم عقيدة الاشتراك في الألوهية،
بصورة تخصيص العدالة بإله،
والحرب بإله،
والأمطار بإله،
إلى غري ذلك من التوزيع،
وجعلوا لإله الآلهة حق النظارة عليهم،
وحق الترجيح عند وقوع الاختلاف بينهم.
1 محاكم ملعاقبة املتهمني بالزندقة أو مخالفة بعض أحكام الدين وفيها أنواع العذاب (محاكم التفتيش).
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
تمكن هذه العقيدة في الأذهان ملا ألبست من جلالة املظاهر وسحر البيان سهل على أولئك
الحكماء دفعهم الناس إلى مطالبة جبابرتهم بالنزول من مقام الانفراد،
الأرض كإدارة السماء،
فانصاع ملوكهم إلى ذلك مكرهني.
مكنت اليونان أخريا من إقامة جمهوريات أثينا وإسبارطة.
وكذلك فعل الرومان.
الأصل لم يزل املثال القديم لأصول توزيع الإدارة في الحكومات امللكية والجمهوريات على
إنما هذه الوسيلة أي التشريك،
فضلا عن كونها باطلة في ذاتها،
شيء من خصائص الألوهية كالصفات القدسية والتصرفات الروحية،
يتهجم على مثلها غري أفراد من الجبابرة كنمرود إبراهيم وفرعون موسى ثم صار يدعيها
البرهمي والبادري والصوفي.
ومللاءمة هذه املفسدة لطباع البشر من وجوه كثرية،
بحثنا هذا محلها،
انتشرت وعمت وجندت جيشا عرمرما يخدم املستبدين.
وقد جاءت التوراة بالنشاط،
الله ونبيه يقاتلان عنهم،
وجاءتهم بالنظام بعد فوضى الأحلام،
مستبدلة مثلا أسماء الآلهة املتعددة بامللائكة،
والاستبداد،
وكان أيضا مؤيدا لناموس التوحيد،
ّ تلك الأقوام املنحطة،
الذين بادروا لقبول النصرانية قبل الأمم املترقية،
صفتان مجازيتان يعبر بهما عن معنى لا يقبله العقل إلا تسليما،
ورثت الإسلامية التفلسف فيها عن أديان الهنود وأوهام اليونان.
والبنوة بمعنى توالد حقيقي لأنه أقرب إلى مداركهم البسيطة التي يصعب عليها تناول
الله،
فكبر عليهم أن يعتقدوا في عيسى عليه السلام صفة هي دون مقام أولئك امللوك.
ثم ملا انتشرت النصرانية ودخلها أقوام مختلفون،
تلبست ثوبا غري ثوبها،
وثنية للرومان واملصريني مضافة على شعائر الإسرائيليني وأشياء من الأساطري وغريها،
وأشياء من مظاهر امللوك ونحوها.
درجة اعتقاد النيابة عن الله والعصمة عن الخطأ وقوة التشريع،
أخريا البروتستان أي الراجعون في الأحكام لأصل الإنجيل.
ثم جاء الإسلام مهذبً ً ا لليهودية والنصرانية مؤسسا على الحكمة والعزم هادما
في الأجسام،
ووضع شريعة حكمه إجمالية صالحة لكل زمان وقوم ومكان،
بمثال لها بني البشر حتى ولم يخلفهم فيها بني املسلمني أنفسهم خلف،
كعمر بن عبد العزيز واملهتدي العباسي ونور الدين الشهيد.
فهموا معنى ومغزى القرآن النازل بلغتهم وعملوا به واتخذوه إماما،
قضت بالتساوي حتى بينهم أنفسهم وبني فقراء الأمة في نعيم الحياة وشظفها،
في املسلمني عواطف أخوة وروابط هيئة اجتماعية اشتراكية لا تكاد توجد بني أشقاء
يعيشون بإعالة أب واحد وفي حضانة أم واحدة،
لكل منهم وظيفة شخصية،
عائلية،
ووظيفة قومية.
املحمدي لم يخلفه فيه حقا غري أبي بكر وعمر ثم أخذ بالتناقص،
وتبكيه من عهد عثمان إلى الآن،
بطراز سياسي شوري؛
ذلك الطراز الذي اهتدت إليه بعض أمم الغرب؛
لربما صح أن نقول: قد استفادت من الإسلام أكثر مما استفاده املسلمون.
وهذا القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوي حتى
بَّع تخاطب أشراف قومها:
ِون * قَالُوا نَ
ٰى تَ ْشَه ُد
ْم ًر َ ا حتَّ
ْمِر َي م ُ ا ك ُ نت قَ
﴿قَالَ ْت يَا أ
َ ا د َخلُوا
ُمِر َين * قَالَ ْت إِ َّن الْ
يْ ِك فَ ُ انظِر َي ماذَا تَ
ٍس َشِد ٍيد َو ْالأَ
َسُد َوه َ ا و َجَعلُوا أ
فهذه القصة تُعلم كيف ينبغي أن يستشري امللوك امللأ أي أشراف الرعية،
يقطعوا أمرا إلا برأيهم،
وتشري إلى لزوم أن تحفظ القوة والبأس في يد الرعية،
يخصص امللوك بالتنفيذ فقط،
وأن يكرموا بنسبة الأمر إليهم توقريا،
ومن هذا الباب أيضا ما ورد في قصة موسى عليه السلام مع فرعون في قوله تعالى:
ْر ِض ُك ْم فَ
ْخِر َج ُك ِّ م م ْن أ
َس ِ احٌر َعِل ٌيم يُ
ْوِم ِفْرَع ْوَن إِ َّن َهذَا لَ
ُم ُر َون﴾ أي قال الأشراف بعضهم لبعض: ماذا رأيكم؟ (قالوا) خطابا لفرعون وهو
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
تُ َوك ِب ُك ِّل َس ِ احٍر َعِليم
َمَد ِائِن َح ِ اشرِ
ْرِس ْل ِفي الْ
َخ ُ اه َوأ
ْم َرُه ْم﴾ أي رأيهم ﴿بَيْنَ
نَ َ از ُعوا أ
مذاكرتهم بقوله تعالى: ﴿فَ
أفضت مذاكراتهم العلنية إلى النزاع فأجروا مذاكرة سرية طبق ما يجري إلى الآن في
بناء على ما تقدم لا مجال لرمي الإسلامية بتأييد الاستبداد مع تأسيسها على مئات
َ من أمثال هذه الآيات البينات التي منها قوله تعالى ﴿و َش ِاو ْر ُه ْم ِفي ْ الأمِر﴾ أي في الشأن،
ِولي ْ الأمِر ِمنْ ُك ْم﴾
ِط ُيع َّ وا الرُس َول َوأ
ِط ُيعوا اللهَ َوأ
ِذ َين َ آمنُوا أ
ومن قوله تعالى: ﴿يَا أ
أي أصحاب الرأي والشأن منكم،
وهم العلماء والرؤساء على ما اتفق عليه أكثر املفسرين،
َ وهم الأشراف في اصطلاح السياسيني.
ِفْرَع ْوَن﴾ أي ما شأنه،
وحديث «أمريي من امللائكة جبريل» أي مشاوري.
وليس بالأمر الغريب ضياع معنى (أولي الأمر) على كثري من الأفهام بتضليل علماء
الاستبداد الذين يحرفون الكلم عن مواضعه،
منعا لتطرق أفكار املسلمني إلى التفكر بأن الظاملني لا يحكمونهم بما أنزل الله،
ْم بَْ َني النَّ
َ ا ح َك ْمتُ
َع ْدِل َ ﴾ أي التساوي،
إلى معنى آية ﴿إِ َّن اللهَ يَأ
ِئ َك ُه ُم
نَْز َل اللهُ فَ
ْم يَ ْح ُك ْم ِبَما أ
َع ْدِل َ ﴾ أي التساوي؛
الْ َك ِافُر َون﴾.
املمالئني دفعا للفتنة التي تحصد أمثالهم حصدا.
ِوا ف َيها فَ
ُ ا مْترَِف َيها فَ
َ الأفهام في معنى (أمر) في آية: ﴿وإِذَا أ
ْدِمريًا﴾؛
فإنهم لم يبالوا أن ينسبوا إلى الله الأمر بالفسق .
َدَّم ْرنَ َ اها تَ
الله عن ذلك علوا كبريا .
أو تشديدها — أي جعلنا أمراءها مترفيها ففسقوا فيها (أي ظلموا أهلها) فحق عليهم
العذاب أي (نزل بهم العذاب).
والأغرب من هذا وذاك أنهم جعلوا للفظة العدل معنى عرفيا وهو الحكم بمقتضى
ما قاله الفقهاء حتى أصبحت لفظة العدل لا تدل على غري هذا املعنى،
لغة التسوية؛
فالعدل بني الناس هو التسوية بينهم،
2 الساحر هو الداهية املقتدر على التمويه والخداع.
ِق َص ِ اص َحيَاةٌ﴾ املتواردة مطلقا،
َع ْدِل َ ﴾،
املعاقبة باملثل فقط على ما يتبادر إلى أذهان الأسراء الذين لا يعرفون للتساوي موقعا في
الدين غري الوقوف بني يدي القضاة.
وقد عدد الفقهاء من لا تقبل شهادتهم لسقوط عدالتهم فذكروا حتى من يأكل ماشيا
ِّ في الأسواق؛
ولكن شيطان الاستبداد أنساهم أن يفس ّ قوا الأمراء الظاملني فريدوا شهادتهم.
ولعل الفقهاء يُعذرون بسكوتهم هنا مع تشنيعهم على الظاملني في مواقع أخرى؛
ُم ُر َون ِبالْ
َلى الْ َخْريِ َويَأ
يَ ْدُع َون إِ
تَ ُك ِّ ن منْ ُك ْم أ
َ عذرهم في تحويل معنى الآية: ﴿ولْ
ُمنْ َكِر﴾ إلى أن هذا الفرض هو فرض كفاية لا فرض عني؟ واملراد منه
َه ْوَن َعِن الْ
سيطرة أفراد املسلمني بعضهم على بعض؛
إلى ذلك الأمم املوفقة للخري؛
السيطرة والاحتساب على الإدارة العمومية: السياسية واملالية والتشريعية،
ومن يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام عن املسئولية حتى أوجبوا لهم
الحمد إذا عدلوا،
وأوجبوا الصبر عليهم إذا ظلموا،
اللهم إن املستبدين وشركاءهم قد جعلوا دينك غري الدين الذي أنزلت فلا حول ولا
كذلك ما عذر أولئك الصوفية الذين جعلتهم الإنعامات على زاوياتهم أن يقولوا: لا
يكون الأمري الأعظم إلا وليا من أولياء الله،
ولا يأتي أمرا إلا بإلهام من الله،
نعم،
لولا حلم الله لخسف الأرض بالعرب؛
حيث أرسل لهم رسولا من أنفسهم،
ٍ لهم أفضل حكومة أسست في الناس،
رعيته» أي كل منكم سلطان عام ومسئول عن الأمة.
ما قاله مشرع سياسي من الأولني والآخرين،
ٍ ظاهره وعموميته إلى أن املسلم راع ّ على عائلته ومسئول عنها فقط.
ْولِيَاءُ بَ ْع ٍض﴾ إلى ولاية الشهادة دون الولاية العامة.
ُمْؤِمنَ ُ ات بَ ْع ُضُه ْم أ
ّ وهكذا غريوا مفهوم اللغة،
وبدلوا الدين،
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
لذة الاستقلال،
وعزة الحرية؛
وكأن املسلمني لم يسمعوا بقول النبي عليه السلام: «الناس سواسية كأسنان املشط،
لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى».
ُ اك ْم﴾ فإن الله جل شأنه ساوى بني
ْك َرَم ُك ْم ِعنْ
للحكمة ومجيئه مفسرا الآية ﴿إِ َّن أ
ْد َك َّرْمنَا بَنِ َ ي آد َم﴾ ثم جعل الأفضلية في
َ عباده مؤمنني وكافرين في املكرمة بقوله: ﴿ولَقَ
غرسها علماء الاستبداد القائلني في تفسري (عند الله) أي في الآخرة دون الدنيا؛
ْك َرَم ُك ْم
لغةً هي الاتقاء أي الابتعاد عن رذائل الأعمال احترازا من عقوبة الله.
ُ اك ْم﴾ كقوله إن أفضل الناس أكثرهم ابتعادا عن الآثام وسوء عواقبها.
وقد ظهر مما تقدم أن الإسلامية مؤسسة على أصول الحرية برفعها كل سيطرة
وتحكم بأمرها بالعدل واملساواة والقسط والإخاء،
بحضها على الإحسان والتحابب.
جعلت أصول حكومتها: الشورى الأرستقراطية أي شورى أهل الحل والعقد في الأمة
حسبما يأتي فيما بعد.
هذه الأصول بأتم وأكمل صورها.
مطلقا في غري مسائل إقامة شعائر الدين ومنها القواعد العامة التشريعية التي لا تبلغ
مائة قاعدة وحكم،
كلها من أجل وأحسن ما اهتدى إليه املشرعون من قبل ومن بعد.
ولكن وا أسفاه على هذا الدين الحر،
الحكيم،
السهل،
السمح،
على غريه من سوابقه،
الدين الذي رفع الإصر والأغلال،
وأباد امليزة والاستبداد،
الذي ظلمه الجاهلون فهجروا حكمة القرآن ودفنوها في قبور الهوان،
الأنصار الأبرار والحكماء الأخيار فسطا عليه املستبدون واملترشحون للاستبداد،
وسيلة لتفريق الكلمة وتقسيم الأمة شيعا،
وحريوا أهله بالتفريع والتوسيع،
والتشديد والتشويش،
ّ قبلهم أصحاب الأديان السائرة،
املتفننون بني دفتي كتاب ينسب لاسم إسلامي هو من الدين،
القيام بواجباته وآدابه ومزيداته،
إلا من لا علاقة له بالحياة الدنيا؛
حياة الإنسان الطويل العمر،
العاطل عن كل عمل،
عن تمييز الصحيح من الباطل من تلك الآراء املتشعبة التي أطال أهلها فيها الجدال
بالبرهان؛
والحقيقة أن كلا منهم قد سكت تعبا وكلالا من املشاغبة.
وبهذا التشديد الذي أدخله على الدين منافسو املجوس،
على النفس،
واعتقاد التقصري املطلق،
فضلا عن محاسبة الحكام املنوط بهم قيام العدل والنظام.
وهذا الإهمال للمراقبة،
وهو إهمال الأمر باملعروف والنهي عن املنكر،
ليستعملن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب».
رضي الله عنهما مع الأمة،
نجد أنهما مع كونهما مفطورين خري فطرة،
النبوية لم تترك الأمة معهما املراقبة واملحاسبة ولم تطعهما طاعة عمياء.
وقد جمع بعضهم جملة مما اقتبسه وأخذه املسلمون عن غريهم وليس هو من دينهم
بالنظر إلى القرآن واملتواترات من الحديث وإجماع السلف الأول فقال:
(اقتبسوا) من النصرانية مقام البابوية باسم الغوثية و(ضاهوا) في الأوصاف والأعداد
أوصاف وأعداد البطارقة،
والكردينالية والشهداء والأساقفة،
وعجائبهم،
والدعاة املبشرين وصبرهم،
والرهبنات ورؤسائها،
وحالة الأديرة وبادريتها.
والرهبنات ورسومها والحمية وتوقيتها،
وتميزهم في ألبستهم وشعورهم،
ولبس املسابح في الرقاب،
في الرقص على أنغام الناي والتغالي في تطييب املوتى والاحتفال الزائد في الجنائز
وتسريح الذبائح معها وتكليلها وتكليل القبور بالزهور.
وزينتها،
والبيع واحتفالاتها،
والترنحات ووزنها،
والترنمات وأصولها،
على القبور،
وشد الرحال لزيارتها،
والإسراج عليها،
والخضوع لديها،
بسكانها.
و(أخذوا) التبرك بالآثار: كالقدح والحربة والدستار،
العكاز،
وكذلك إمرار اليد على الصدر عند ذكر الصالحني،
الصليب.
و(انتزعوا) الحقيقة من السر،
ووحدة الوجود من الحلول،
والخلافة من الرسم،
والسقيا من تناول القربان،
واملولد من امليلاد،
وحفلته من الأعياد،
الصلبان،
وتعليق ألواح الأسماء املصدرة بالنداء على الجدران من تعليق الصور والتماثيل،
والاستفاضة واملراقبة من التوجه بالقلوب انحناءً أمام الأصنام و(منعوا) الاستهداء من
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
نصوص الكتاب والسنة كحظر الكاثوليك التفهم من الإنجيل،
عن إقامة الدليل من التوراة في الأحكام.
الفلك،
وبخشية أوضاع الكواكب وباتخاذ أشكالها شعارا للملك،
وباحترام النار ومواقدها.
و(قلدوا) البوذيني حرفا بحرف في الطريق والرياضة وتعذيب الجسم بالنار والسلاح،
واللعب بالحيات والعقارب وشرب السموم،
الأدعية والأناشيد والأحزاب،
واعتقاد تأثري العزائم ونداء الأسماء وحمل التمائم،
ذلك مما هو مشاهد في بوذيي الهند ومجوس فارس والسند إلى يومنا هذا.
نقله إلى الإسلامية أمثال جون وست وسلطان علي منلا والبغدادي وحاشية فلان الشيخ
وفلان الفارسي،
على أن إسناد ذلك إلى أشخاص معينني يحتاج إلى تثبيت.
الأساطري والإسرائيليات أنواعا من القربات،
وعلوما سموها لدنيات.
وكذلك يقال عن مبتدعي النصارى من أن أكثر ما اعتبره املتأخرون منهم من
الشعائر الدينية حتى مشكلة التثليث لا أصل له فيماه ورد عن نفس املسيح عليه السلام؛
إنما هو مزيدات وترتيبات قليلها مبتدع،
وكثريها متبع.
من الصفائح الحفرية الهندية والآشورية ومن الصحف التي وجدت في نواويس املصريني
املضافة إلى أصول عامة الأديان في الشرق الأدنى مقتبسة من الوضعيات املنسوبة لنحل
وعيسى عليهما السلام،
كما شوش الاستبداد في املسلمني تاريخ آل البيت عليهم الرضوان؛
الأمر الذي تولد عنه ظهور الفرق التي تشيعت لهم كالإمامية والإسماعيلية والزيدية
والخلاصة أن البدع التي شوشت الإيمان وشوهت الأديان تكاد كلها تتسلل بعضها
من بعض وتتولد جميعها من غرض واحد هو املراد،
ألا وهو الاستعباد.
والناظر املدقق في تاريخ الإسلام يجد للمستبدين من الخلفاء وامللوك الأولني وبعض
العلماء الأعاجم وبعض مقلديهم من العرب املتأخرين أقوالا افتروها على الله ورسوله
تضليلا للأمة عن سبيل الحكمة،
يريدون بها إطفاء نور العلم وإطفاء نور الله،
ْك َر َوإِنَّا لَ
أن تمسه يد التحريف وهي إحدى معجزاته لأنه قال فيه: ﴿إِنَّا نَ
َح ِاف ُظ َون﴾ فما مسه املنافقون إلا بالتأويل وهذا أيضا من معجزاته؛
ِبُع َون َما تَ َشابََه ِمنْ
ِذ َين ِفي قُ
وإني أمثل للمطالعني ما فعله الاستبداد في الإسلام بما حجر على العلماء الحكماء من
أن يفسروا قسمي الآلاء والأخلاق من القرآن تفسريا مدققا لأنهم كانوا يخافون مخالفة
رأي بعض الغفل السالفني،
أو بعض املنافقني املقربني املعاصرين،
فيكفَّرون فيقتلون.
وهذه مسألة إعجاز القرآن وهي أهم مسألة في الدين لم يقدروا أن يوفوها حقها من
الإتيان بمثله في فصاحته وبلاغته،
وأنه أخبر عن أن الروم من بعد غلبهم سيغلبون.
أنه لو فتح للعلماء ميدان التدقيق وحرية الرأي والتأليف كما أطلق عنان التخريف لأهل
التأويل والحكم لأظهروا في ألوف من آيات القرآن ألوف آيات من الإعجاز،
َر ْط ٍب َولاَ يَ
َ يوم آية تتجدد مع الزمان والحدثان تبرهن إعجازه بصدق قوله: ﴿ولاَ
ٍ اب ُّمِب ٍني﴾،
ولجعلوا الأمة تؤمن بإعجازه عن برهان وعيان لا مجرد تسليم وإذعان.
ومثال ذلك أن العلم كشف في هذه القرون الأخرية حقائق وطبائع كثرية تعزى
لكاشفيها ومخترعيها من علماء أوروبا وأمريكا؛
التصريح أو التلميح في القرآن منذ ثلاثة عشر قرنا؛
الخفاء إلا لتكون عند ظهورها معجزة للقرآن شاهدة بأنه كلام رب لا يعلم الغيب سواه؛
ومن ذلك أنهم قد كشفوا أن مادة الكون هي الأثري،
َلى َّ السَم َ اءِ وِه َي ُد َخ ٌ ان﴾.
ٍك يَ ْسبَ ُح َون﴾.
ْحيَيْنَ َ اه َ ا﴾ إلى أن يقول: ﴿و ُك ٌّل ِفي فَ
َّن َّ السَم َ او ِ ات َوالأَ
وحققوا أن الأرض منفتقة في النظام الشمسي والقرآن يقول: ﴿أ
َ ا رتْقً ا فَ
وحققوا أن القمر منشق من الأرض والقرآن يقول: ﴿أ
َو َ انشَّق الْقَ
ُصَه ِ ا م ْن أ
ِذ َي خلَ َق َسبْ َع َسَم َ او ٍ ات َوِم َن
وحققوا أن طبقات الأرض سبع والقرآن يقول: ﴿اللهُ الَّ
وحققوا أنه لولا الجبال لاقتضى الثقل النوعي أن تميد الأرض أي ترتج في دورتها
ِم َيد ِب ُك ْم﴾.
ْر ِض َر َو ِ َ اسي أ
َ والقرآن يقول: ﴿وأ
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
وكشفوا أن سر التركيب الكيماوي بل واملعنوي هو تخالف نسبة املقادير وضبطها
ُ والقرآن يقول: ﴿ك ُّل َشيْ ِءٍ عنْ
َم ُ اءِ ك َّل
ِ ا م َن الْ
َ وكشفوا أن للجمادات حياة قائمة بماء التبلور والقرآن يقول: ﴿و َجَعلْ
َشيْ َ ءٍ ح
َ وحققوا أن العالم العضوي ومنه الإنسان ترقى من الجماد والقرآن يقول: ﴿ولَقَ
ٍة ِّم ِ ن ط ٍني﴾.
َس َ ان ِم ُ ن سلاَلَ
َه ِ ا مَّما تُ
َ وكشفوا ناموس اللقاح العام في النبات والقرآن يقول: ﴿خلَ َق ْ الأز َو َ اج ُكلَّ
بَ ٍ ات َشتَّ ْ ى﴾ ويقول: ﴿اهتَ َّز ْت َو َربَ ْت َوأ
ْز َو ً اج ِّ ا من نَّ
ِ ا بِه أ
ْر ُض﴾ ويقول: ﴿فَ
َمَر ِ ات َجَع َل ِف َيه َ ا ز ْو َجْنيِ اثْ
ِم ُ ن ك ِّل َز ْو
وكشفوا طريقة إمساك الظل أي التصوير الشمسي والقرآن يقول: ﴿أ
نَ َّ ا الشْم َس َعلَ
ُه َس ِ اكنًا ثُ
َف َمَّد ِّ الظ َّل َولَ
وكشفوا تسيري السفن واملركبات بالبخار والكهرباء والقرآن يقول،
ُه ِّم م ِّن مثْ
َ والجواري بالريح: ﴿و َخلَقْ
وكشفوا وجود املكروب وتأثريه والجدري وغريه من الأمراض،
ْرِم ِيه ِ م ب ِح َج َ ارٍة ِّم ِ ن س ِّج ٍيل﴾
ِاب َيل﴾ أي متتابعة مجتمعة ﴿تَ
ِه ْم َطْريًا أ
ْر َس َل َعلَ
سينكشف سرها في املستقبل في وقتها املرهون تجديدا لإعجازه بإخباره عما في الغيب ما
َّ دام الزمان وما كر الجديدان،
نَ َ ا ز ْو َجْنيِ﴾.
َ تنمو باللقاح كما تشري إلى ذلك آية ﴿وِم ُ ن ك ِّل َشيْ


Original text

الاستبداد والدين
تضافرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السياسي
متولد من الاستبداد الديني، والبعض يقول إن لم يكن هناك توليد فهما أخوان أبوهما
التغلب وأمهما الرياسة، أو هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة على التعاون لتذليل
الإنسان، واملشاكلة بينهما أنهما حاكمان أحدهما في مملكة الأجسام والآخر في عالم القلوب.
والفريقان مصيبان في حكمهما بالنظر إلى مغزى أساطري الأولني، والقسم التاريخي من
التوراة والرسائل املضافة إلى الإنجيل، ومخطئون في حق الأقسام التعليمية الأخلاقية
فيهما، كما هم مخطئون إذا نظروا إلى أن القرآن جاء مؤيدا للاستبداد السياسي، وليس
من العذر شيء أن يقولوا نحن لا ندرك دقائق القرآن نظرا لخفائها علينا في طي بلاغته
ووراء العلم بأسباب نزول آياته، وإنما نبني نتيجتنا على مقدمات ما نشاهد عليه املسلمني
منذ قرون إلى الآن من استعانة مستبديهم بالدين.
يقول هؤلاء املحررون إن التعاليم الدينية ومنها الكتب السماوية تدعو البشر إلى
خشية قوة عظيمة هائلة لا تدرك العقول كنهها، قوة تتهدد الإنسان بكل مصيبة في الحياة
فقط كما عند البوذية واليهودية، أو في الحياة وبعد املمات كما عند النصارى والإسلام،
تهديدا ترتعد منه الفرائص فتخور القوى وتنذهل منه العقول فتستسلم للخبل والخمول،
ثم تفتح هذه التعاليم أبوابا للنجاة من تلك املخاوف نجاة وراءها نعيم مقيم، ولكن على
تلك الأبواب حجاب من البراهمة والكهنة والقسوس وأمثالهم الذين لا يأذنون للناس
بالدخول ما لم يعظموهم مع التذلل والصغار ويرزقوهم باسم نذر أو ثمن غفران، حتى
إن أولئك الحجاب في بعض الأديان يحجزون فيما يزعمون لقاء الأرواح بربها ما لم يأخذوا
عنها مكوس املرور إلى القبور وفدية الخلاص من مطهر الأعراف. وهؤلاء املهيمنون على
الأديان كم يرهبون الناس من غضب الله وينذرونهم بحلول مصائبه وعذابه عليهم ثم
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
يرشدونهم إلى أن لا خلاص ولا مناص لهم إلا بالالتجاء إلى سكان القبور الذين لهم دالة
بل سطوة على الله فيحمونهم من غضبه.
ويقولون إن السياسيني يبنون كذلك استبدادهم على أساس من هذا القبيل، فهم
يسترهبون الناس بالتعالي الشخصي والتشامخ الحسي، ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب
الأموال حتى يجعلوهم خاضعني لهم عاملني لأجلهم يتمتعون بهم كأنهم نوع من الأنعام
التي يشربون ألبانها ويأكلون لحومها ويركبون ظهورها وبها يتفاخرون.
ويرون أن هذا التشاكل في بناء ونتائج الاستبدادين الديني والسياسي جعلهما في مثل
فرنسا خارج باريس مشتركني في العمل كأنهما يدان متعاونتان، وجعلهما في مثل روسيا
مشتبكني في الوظيفة كأنهما اللوح والقلم يسجلان الشقاء على الأمم.
ويقررون أن هذا التشاكل بني القوتني ينجر بعوام البشر وهم السواد الأعظم إلى
نقطة أن يلتبس عليهم الفرق بني الإله املعبود بحق وبني املستبد املطاع بالقهر، فيختلطان
في مضايق أذهانهم من حيث التشابه في استحقاق مزيد التعظيم، والرفعة عن السؤال
وعدم املؤاخذة على الأفعال، بناء عليه لا يرون لأنفسهم حقا في مراقبة املستبد لانتفاء
النسبة بني عظمته ودناءتهم، وبعبارة أخرى يجد العوام معبودهم وجبّارهم مشتركني
في كثري من الحالات والأسماء والصفات، وهم هم، ليس من شأنهم أن يفرقوا مثلا بني
ّ (الفعال املطلق)، والحاكم بأمره، وبني (لا يُسأل عما يفعل) وغري مسئول، وبني (املنعم)
وولي النعم، وبني (جل شأنه) وجليل الشأن. وبناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم هلل،
ويزيدون تعظيمهم على التعظيم هلل لأنه حليم كريم ولأن عذابه آجل غائب، وأما انتقام
الجبار فعاجل حاضر. والعوام كما يقال عقولهم في عيونهم، يكاد لا يتجاوز فعلهم
املحسوس املشاهد، حتى يصح أن يقال فيهم: لولا رجاؤهم باهلل وخوفهم منه فيما يتعلق
بحياتهم الدنيا ملا صلوا ولا صاموا، ولولا أملهم العاجل ملا رجحوا قراءة الدلائل والأوراد
على قراءة القرآن، ولا رجحوا اليمني بالأولياء املقربني كما يعتقدون على اليمني باهلل.
وهذه الحال هي التي سهلت في الأمم الغابرة املنحطة دعوى بعضاملستبدين الألوهية
على مراتب مختلفة حسب استعداد أذهان الرعية، حتى يقال إنه ما من مستبد سياسي
َ إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله.
ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله، وأقل ما
يعنون به الاستبداد تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضا فتتهاتر
قوة الأمة ويذهب ريحها فيخلو الجو للاستبداد ليبيض ويفرخ، وهذه سياسة الإنكليز في
22
الاستبداد والدين
املستعمرات لا يؤيدها شيء مثل انقسام الأهالي على أنفسهم وإفنائهم بأسهم بينهم بسبب
اختلافهم في الأديان واملذاهب.
ويعللون أن قيام املستبدين من أمثال (أبناء داود) و(قسطنطني) في نشر الدين بني
رعاياهم، وانتصار مثل (فيليب الثاني) الإسباني و(هنري الثامن) الإنكليزي للدين حتى
1 وقيام الحاكم الفاطمي والسلاطني الأعاجم في الإسلام
بتشكيل مجالس (إنكليزيسيون)
بالانتصار لغلاة الصوفية وبنائهم لهم التكايا لم يكن إلا بقصد الاستعانة بممسوخ الدين
وببعض أهله املغفلني على ظلم املساكني، وأعظم ما يلائم مصلحة املستبد ويؤيدها أن
الناس يتلقون قواعده وأحكامه بإذعان بدون بحث أو جدال فيودون تأليف الأمة على
تلقي أوامرهم بمثل ذلك، ولهذا القصد عينه كثريا ما يحاولون بناء أوامرهم أو تفريعها
على شيء من قواعد الدين.
ُ ويحكمون بأن بني الاستبدادين السياسي والديني مقارنة لا تنفك متى وجد أحدهما
في أمة جر الآخر إليه أو متى زال رفيقه، وإن صلح، أي ضعف، أحدهما صلح، أي ضعف،
الثاني. ويقولون إن شواهد ذلك كثرية جدا لا يخلو منها زمان ولا مكان. ويبرهنون على
أن الدين أقوى تأثريا من السياسة إصلاحا وإفسادا، ويمثلون بالسكسون أي الإنكليز
والهولنديني والأمريكان والأملان الذين قبلوا البروتستنتية، فأثر التحرير الديني في الإصلاح
السياسي والأخلاق أكثر من تأثري الحرية املطلقة السياسية في جمهور اللاتني أي الفرنسيني
والطليان والإسبانيول والبرتغال. وقد أجمع الكتاب السياسيون املدققون، بالاستناد على
التاريخ والاستقراء، على أن ما من أمة أو عائلة أو شخص تنطع في الدين أي تشدد فيه
إلا واختل نظام دنياه وخسر أولاه وعقباه.
والحاصل أن كل املدققني السياسيني يرون أن السياسة والدين يمشيان متكاتفني،
ويعتبرون أن إصلاح الدين هو أسهل وأقوى وأقرب طريق للإصلاح السياسي.
وربما كان أول من سلك هذا املسلك أي استخدم الدين في الإصلاح السياسي هم
حكماء اليونان، حيث تحيلوا على ملوكهم املستبدين في حملهم على قبول الاشتراك في
السياسة بإحيائهم عقيدة الاشتراك في الألوهية، أخذوها عن الآشوريني ومزجوها بأساطري
بصورة تخصيص العدالة بإله، والحرب بإله، والأمطار بإله، إلى غري ذلك من التوزيع،
وجعلوا لإله الآلهة حق النظارة عليهم، وحق الترجيح عند وقوع الاختلاف بينهم. ثم بعد
1 محاكم ملعاقبة املتهمني بالزندقة أو مخالفة بعض أحكام الدين وفيها أنواع العذاب (محاكم التفتيش).
23
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
تمكن هذه العقيدة في الأذهان ملا ألبست من جلالة املظاهر وسحر البيان سهل على أولئك
الحكماء دفعهم الناس إلى مطالبة جبابرتهم بالنزول من مقام الانفراد، وبأن تكون إدارة
الأرض كإدارة السماء، فانصاع ملوكهم إلى ذلك مكرهني. وهذه هي الوسيلة العظمى التي
مكنت اليونان أخريا من إقامة جمهوريات أثينا وإسبارطة. وكذلك فعل الرومان. وهذا
الأصل لم يزل املثال القديم لأصول توزيع الإدارة في الحكومات امللكية والجمهوريات على
أنواعها إلى هذا العهد.
إنما هذه الوسيلة أي التشريك، فضلا عن كونها باطلة في ذاتها، نتج عنها أخريا رد
فعل أضر كثريا، وذلك أنها فتحت ملشعوذين من سائر طبقات الناس بابا واسعا لدعوى
شيء من خصائص الألوهية كالصفات القدسية والتصرفات الروحية، وكان قبل ذلك لا
يتهجم على مثلها غري أفراد من الجبابرة كنمرود إبراهيم وفرعون موسى ثم صار يدعيها
البرهمي والبادري والصوفي. ومللاءمة هذه املفسدة لطباع البشر من وجوه كثرية، ليس
بحثنا هذا محلها، انتشرت وعمت وجندت جيشا عرمرما يخدم املستبدين.
وقد جاءت التوراة بالنشاط، فخلصتهم من خمول الاتكال بعد أن بلغ فيهم أن يكلفوا
الله ونبيه يقاتلان عنهم، وجاءتهم بالنظام بعد فوضى الأحلام، ورفعت عقيدة التشريك
مستبدلة مثلا أسماء الآلهة املتعددة بامللائكة، ولكن لم يرض ملوك آل كوهني بالتوحيد
فأفسدوه. ثم جاء الإنجيل بسلسبيل الدعة والحلم فصادف أفئدة محروقة بنار القساوة
والاستبداد، وكان أيضا مؤيدا لناموس التوحيد، ولكن لم يقو دعاته الأولون على تفهيم
ّ تلك الأقوام املنحطة، الذين بادروا لقبول النصرانية قبل الأمم املترقية، أن الأبوة والبنوة
صفتان مجازيتان يعبر بهما عن معنى لا يقبله العقل إلا تسليما، كمسألة القدر التي
ورثت الإسلامية التفلسف فيها عن أديان الهنود وأوهام اليونان. ولهذا تلقت الأمم الأبوة
والبنوة بمعنى توالد حقيقي لأنه أقرب إلى مداركهم البسيطة التي يصعب عليها تناول
ما فوق املحسوسات، ولأنهم كانوا قد ألفوا الاعتقاد في بعض جبابرتهم الأولني أنهم أبناء
الله، فكبر عليهم أن يعتقدوا في عيسى عليه السلام صفة هي دون مقام أولئك امللوك.
ثم ملا انتشرت النصرانية ودخلها أقوام مختلفون، تلبست ثوبا غري ثوبها، كما هو شأن
سائر الأديان التي سلفتها، فتوسعت برسائل بولس ونحوها فامتزجت بأزياء وشعائر
وثنية للرومان واملصريني مضافة على شعائر الإسرائيليني وأشياء من الأساطري وغريها،
وأشياء من مظاهر امللوك ونحوها. وهكذا صارت النصرانية تعظم رجال الكهنوت إلى
درجة اعتقاد النيابة عن الله والعصمة عن الخطأ وقوة التشريع، ونحو ذلك مما رفضه
أخريا البروتستان أي الراجعون في الأحكام لأصل الإنجيل.
24
الاستبداد والدين
ثم جاء الإسلام مهذبً ً ا لليهودية والنصرانية مؤسسا على الحكمة والعزم هادما
للتشريك بالكلية، ومحكما لقواعد الحرية السياسية املتوسطة بني الديموقراطية
والأريستقراطية، فأسس التوحيد ونزع كل سلطة دينية أو تغلبية تتحكم في النفوس أو
في الأجسام، ووضع شريعة حكمه إجمالية صالحة لكل زمان وقوم ومكان، وأوجد مدينة
فطرية سامية، وأظهر للوجود حكومة كحكومة الخلفاء الراشدين التي لم يسمح الزمان
بمثال لها بني البشر حتى ولم يخلفهم فيها بني املسلمني أنفسهم خلف، إلا بعض شواذ
كعمر بن عبد العزيز واملهتدي العباسي ونور الدين الشهيد. فإن هؤلاء الخلفاء الراشدين
فهموا معنى ومغزى القرآن النازل بلغتهم وعملوا به واتخذوه إماما، فأنشئوا حكومة
قضت بالتساوي حتى بينهم أنفسهم وبني فقراء الأمة في نعيم الحياة وشظفها، وأحدثوا
في املسلمني عواطف أخوة وروابط هيئة اجتماعية اشتراكية لا تكاد توجد بني أشقاء
يعيشون بإعالة أب واحد وفي حضانة أم واحدة، لكل منهم وظيفة شخصية، ووظيفة
عائلية، ووظيفة قومية. على أن هذا الطراز السامي من الرياسة هو الطراز النبوي
املحمدي لم يخلفه فيه حقا غري أبي بكر وعمر ثم أخذ بالتناقص، وصارت الأمة تطلبه
وتبكيه من عهد عثمان إلى الآن، وسيدوم بكاؤها إلى يوم الدين إذا لم تنتبه لاستعواضه
بطراز سياسي شوري؛ ذلك الطراز الذي اهتدت إليه بعض أمم الغرب؛ تلك الأمم التي
لربما صح أن نقول: قد استفادت من الإسلام أكثر مما استفاده املسلمون.
وهذا القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوي حتى
بَّع تخاطب أشراف قومها:
في القصص منه؛ ومن جملتها قول بلقيس ملكة سبأ من عرب تُ
ْح ُن
ِون * قَالُوا نَ
ٰى تَ ْشَه ُد
ْم ًر َ ا حتَّ
َ
أ
ِ اطَعةً
ْمِر َي م ُ ا ك ُ نت قَ
َ
تُونِ ِي في أ
فْ
َ
أ
َمَلأُ
َُّها الْ
ي
َ
﴿قَالَ ْت يَا أ
َ ا د َخلُوا
ُملُ َوك إِذَ
ُمِر َين * قَالَ ْت إِ َّن الْ
ْ
أ
يْ ِك فَ ُ انظِر َي ماذَا تَ
ْم ُر إِلَ
ٍس َشِد ٍيد َو ْالأَ
ْ
ُولُو بَأ
َّوٍة َوأ
ُولُو قُ
أ
َعلُ َون﴾.
ِل َك يَفْ
َ
َۖ و َكذٰ
ِذلَّةً
َ
ْهِلَها أ
َ
أ
ِع َّزةَ
َ
َسُد َوه َ ا و َجَعلُوا أ
فْ
َ
أ
ْريَةً
قَ
فهذه القصة تُعلم كيف ينبغي أن يستشري امللوك امللأ أي أشراف الرعية، وأن لا
يقطعوا أمرا إلا برأيهم، وتشري إلى لزوم أن تحفظ القوة والبأس في يد الرعية، وأن
يخصص امللوك بالتنفيذ فقط، وأن يكرموا بنسبة الأمر إليهم توقريا، وتقبح شأن امللوك
املستبدين.
ومن هذا الباب أيضا ما ورد في قصة موسى عليه السلام مع فرعون في قوله تعالى:
ا
َماذَ
ْر ِض ُك ْم فَ
َ
ْخِر َج ُك ِّ م م ْن أ
ُّ
َن ي
ِر ُيد أ
َس ِ احٌر َعِل ٌيم يُ
ْوِم ِفْرَع ْوَن إِ َّن َهذَا لَ
ِمن قَ
َملأُ
َ ال الْ
﴿قَ
ُم ُر َون﴾ أي قال الأشراف بعضهم لبعض: ماذا رأيكم؟ (قالوا) خطابا لفرعون وهو
ْ
أ
تَ
25
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
ٍ﴾2 ثم وصف
تُ َوك ِب ُك ِّل َس ِ احٍر َعِليم
ْ
َين يَأ
َمَد ِائِن َح ِ اشرِ
ْرِس ْل ِفي الْ
َ
َخ ُ اه َوأ
َ
ْر ِجْه َوأ
َ
قرارهم: ﴿أ
ْجَوى﴾ أي
سروا النَّ
َ ُّ
َ
ُه ْم َوأ
ْم َرُه ْم﴾ أي رأيهم ﴿بَيْنَ
َ
نَ َ از ُعوا أ
تَ
مذاكرتهم بقوله تعالى: ﴿فَ
أفضت مذاكراتهم العلنية إلى النزاع فأجروا مذاكرة سرية طبق ما يجري إلى الآن في
مجالس الشورى العمومية.
بناء على ما تقدم لا مجال لرمي الإسلامية بتأييد الاستبداد مع تأسيسها على مئات
َ من أمثال هذه الآيات البينات التي منها قوله تعالى ﴿و َش ِاو ْر ُه ْم ِفي ْ الأمِر﴾ أي في الشأن،
ِولي ْ الأمِر ِمنْ ُك ْم﴾
ُ
ِط ُيع َّ وا الرُس َول َوأ
َ
ِط ُيعوا اللهَ َوأ
َ
ِذ َين َ آمنُوا أ
َُّها الَّ
ي
َ
ومن قوله تعالى: ﴿يَا أ
أي أصحاب الرأي والشأن منكم، وهم العلماء والرؤساء على ما اتفق عليه أكثر املفسرين،
ْم ُر
َ
َ وهم الأشراف في اصطلاح السياسيني. ومما يؤيد هذا املعنى أيضا قوله تعالى: ﴿وَما أ
ِفْرَع ْوَن﴾ أي ما شأنه، وحديث «أمريي من امللائكة جبريل» أي مشاوري.
وليس بالأمر الغريب ضياع معنى (أولي الأمر) على كثري من الأفهام بتضليل علماء
الاستبداد الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وقد أغفلوا معنى قيد (منكم) أي املؤمنني
منعا لتطرق أفكار املسلمني إلى التفكر بأن الظاملني لا يحكمونهم بما أنزل الله، ثم التدرج
ْح ُك ُموا
َن تَ
ِ اس أ
ْم بَْ َني النَّ
َ ا ح َك ْمتُ
َع ْدِل َ ﴾ أي التساوي، ﴿وإِذَ
ُم ُر ِبالْ
ْ
إلى معنى آية ﴿إِ َّن اللهَ يَأ
ِئ َك ُه ُم
ُولَ
أ
نَْز َل اللهُ فَ
َ
ْم يَ ْح ُك ْم ِبَما أ
َع ْدِل َ ﴾ أي التساوي؛ ثم ينتقل إلى معنى آية ﴿وَمن لَّ
ِبالْ
الْ َك ِافُر َون﴾. ثم يستنتج عدم وجوب طاعة الظاملني وإن قال بوجوبها بعض الفقهاء
املمالئني دفعا للفتنة التي تحصد أمثالهم حصدا. والأغرب من هذا جسارتهم على تضليل
َحَّق
ِوا ف َيها فَ
َسقُ
فَ
ُ ا مْترَِف َيها فَ
َم ْرنَ
َ
أ
ْريَةً
ْهِل َك قَ
ُّ
َن ن
َر ْدنَا أ
َ
َ الأفهام في معنى (أمر) في آية: ﴿وإِذَا أ
ْدِمريًا﴾؛ فإنهم لم يبالوا أن ينسبوا إلى الله الأمر بالفسق ... تعالى
َدَّم ْرنَ َ اها تَ
ْو ُل فَ
يَْها الْقَ
َعلَ
الله عن ذلك علوا كبريا ... والحقيقة في معنى (أمرنا هنا أنه بمعنى أمرنا — بكسر امليم
أو تشديدها — أي جعلنا أمراءها مترفيها ففسقوا فيها (أي ظلموا أهلها) فحق عليهم
العذاب أي (نزل بهم العذاب).
والأغرب من هذا وذاك أنهم جعلوا للفظة العدل معنى عرفيا وهو الحكم بمقتضى
ما قاله الفقهاء حتى أصبحت لفظة العدل لا تدل على غري هذا املعنى، مع أن العدل
لغة التسوية؛ فالعدل بني الناس هو التسوية بينهم، وهذا هو املراد في آية: ﴿إِ َّن اللهَ
2 الساحر هو الداهية املقتدر على التمويه والخداع.
26
الاستبداد والدين
ِق َص ِ اص َحيَاةٌ﴾ املتواردة مطلقا، لا
َع ْدِل َ ﴾، وكذلك القصاص في آية: ﴿ولَ ُك ْم ِفي الْ
ُم ُر ِبالْ
ْ
يَأ
املعاقبة باملثل فقط على ما يتبادر إلى أذهان الأسراء الذين لا يعرفون للتساوي موقعا في
الدين غري الوقوف بني يدي القضاة.
وقد عدد الفقهاء من لا تقبل شهادتهم لسقوط عدالتهم فذكروا حتى من يأكل ماشيا
ِّ في الأسواق؛ ولكن شيطان الاستبداد أنساهم أن يفس ّ قوا الأمراء الظاملني فريدوا شهادتهم.
ولعل الفقهاء يُعذرون بسكوتهم هنا مع تشنيعهم على الظاملني في مواقع أخرى؛ ولكن ما
َمْع ُر ِوف
ُم ُر َون ِبالْ
ْ
َلى الْ َخْريِ َويَأ
يَ ْدُع َون إِ
َّمةٌ
ُ
تَ ُك ِّ ن منْ ُك ْم أ
َ عذرهم في تحويل معنى الآية: ﴿ولْ
ُمنْ َكِر﴾ إلى أن هذا الفرض هو فرض كفاية لا فرض عني؟ واملراد منه
َه ْوَن َعِن الْ
َويَنْ
سيطرة أفراد املسلمني بعضهم على بعض؛ لا إقامة فئة تسيطر على حكامهم كما اهتدت
إلى ذلك الأمم املوفقة للخري؛ فخصصت منها جماعات باسم مجالس نواب وظيفتها
السيطرة والاحتساب على الإدارة العمومية: السياسية واملالية والتشريعية، فتخلصوا بذلك
من شآمة الاستبداد. أليست هذه السيطرة وهذا الاحتساب بأهم من السيطرة على الأفراد؟
ومن يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام عن املسئولية حتى أوجبوا لهم
الحمد إذا عدلوا، وأوجبوا الصبر عليهم إذا ظلموا، وعدوا كل معارضة لهم بغيا يبيح دماء
املعارضني؟!
اللهم إن املستبدين وشركاءهم قد جعلوا دينك غري الدين الذي أنزلت فلا حول ولا
قوة إلا بك!
كذلك ما عذر أولئك الصوفية الذين جعلتهم الإنعامات على زاوياتهم أن يقولوا: لا
يكون الأمري الأعظم إلا وليا من أولياء الله، ولا يأتي أمرا إلا بإلهام من الله، وإنه يتصرف
في الأمور ظاهرا، ويتصرف فيها قطب الغوث باطنا! ألا سبحان الله ما أحلمه!
نعم، لولا حلم الله لخسف الأرض بالعرب؛ حيث أرسل لهم رسولا من أنفسهم، أسس
ٍ لهم أفضل حكومة أسست في الناس، جعل قاعدتها قوله: «كلكم راع وكلكم مسئول عن
رعيته» أي كل منكم سلطان عام ومسئول عن الأمة. وهذه الجملة التي هي أسمى وأبلغ
ما قاله مشرع سياسي من الأولني والآخرين، فجاء من املنافقني من حرف املعنى عن
ٍ ظاهره وعموميته إلى أن املسلم راع ّ على عائلته ومسئول عنها فقط. كما حرفوا معنى الآية:
ْولِيَاءُ بَ ْع ٍض﴾ إلى ولاية الشهادة دون الولاية العامة.
َ
ُمْؤِمنَ ُ ات بَ ْع ُضُه ْم أ
ُمْؤِمنُ َون َوالْ
َ﴿والْ
ّ وهكذا غريوا مفهوم اللغة، وبدلوا الدين، وطمسوا على العقول حتى جعلوا الناس ينسون
27
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
لذة الاستقلال، وعزة الحرية؛ بل جعلوهم لا يعقلون كيف تحكم أمة نفسها بنفسها دون
سلطان قاهر.
وكأن املسلمني لم يسمعوا بقول النبي عليه السلام: «الناس سواسية كأسنان املشط،
لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى». وهذا الحديث من أصح الأحاديث ملطابقته
ُ اك ْم﴾ فإن الله جل شأنه ساوى بني
تْقَ
َ
َد ِالله أ
ْك َرَم ُك ْم ِعنْ
َ
للحكمة ومجيئه مفسرا الآية ﴿إِ َّن أ
ْد َك َّرْمنَا بَنِ َ ي آد َم﴾ ثم جعل الأفضلية في
َ عباده مؤمنني وكافرين في املكرمة بقوله: ﴿ولَقَ
الكرامة للمتقني فقط. ومعنى التقوى لغةً ليس كثرة العبادة كما صار ذلك حقيقة عرفية
غرسها علماء الاستبداد القائلني في تفسري (عند الله) أي في الآخرة دون الدنيا؛ بل التقوى
ْك َرَم ُك ْم
َ
لغةً هي الاتقاء أي الابتعاد عن رذائل الأعمال احترازا من عقوبة الله. فقوله ﴿إِ َّن أ
ُ اك ْم﴾ كقوله إن أفضل الناس أكثرهم ابتعادا عن الآثام وسوء عواقبها.
تْقَ
َ
َد ِالله أ
ِعنْ
وقد ظهر مما تقدم أن الإسلامية مؤسسة على أصول الحرية برفعها كل سيطرة
وتحكم بأمرها بالعدل واملساواة والقسط والإخاء، بحضها على الإحسان والتحابب. وقد
جعلت أصول حكومتها: الشورى الأرستقراطية أي شورى أهل الحل والعقد في الأمة
بعقولهم لا بسيوفهم. وجعل أصول إدارة الأمة: التشريع الديمقراطي أي الاشتراكي
حسبما يأتي فيما بعد. وقد مضى عهد النبي عليه السلام وعهد الخلفاء الراشدين على
هذه الأصول بأتم وأكمل صورها. ومن املعلوم أنه لا يوجد في الإسلامية نفوذ ديني
مطلقا في غري مسائل إقامة شعائر الدين ومنها القواعد العامة التشريعية التي لا تبلغ
مائة قاعدة وحكم، كلها من أجل وأحسن ما اهتدى إليه املشرعون من قبل ومن بعد.
ولكن وا أسفاه على هذا الدين الحر، الحكيم، السهل، السمح، الظاهرة فيه آثار الرقي
على غريه من سوابقه، الدين الذي رفع الإصر والأغلال، وأباد امليزة والاستبداد، الدين
الذي ظلمه الجاهلون فهجروا حكمة القرآن ودفنوها في قبور الهوان، الدين الذي فقد
الأنصار الأبرار والحكماء الأخيار فسطا عليه املستبدون واملترشحون للاستبداد، واتخذوه
وسيلة لتفريق الكلمة وتقسيم الأمة شيعا، وجعلوه آلة لأهوائهم السياسية فضيعوا مزاياه
وحريوا أهله بالتفريع والتوسيع، والتشديد والتشويش، وإدخال ما ليس منه فيه كما فعل
ّ قبلهم أصحاب الأديان السائرة، حتى جعلوه دينا حرجا يتوهم الناس فيه أن كل ما دونه
املتفننون بني دفتي كتاب ينسب لاسم إسلامي هو من الدين، وبمقتضاها أن لا يقوى على
القيام بواجباته وآدابه ومزيداته، إلا من لا علاقة له بالحياة الدنيا؛ بل أصبحت بمقتضاها
حياة الإنسان الطويل العمر، العاطل عن كل عمل، لا تفي بتعلم ما هي الإسلامية عجزا
28
الاستبداد والدين
عن تمييز الصحيح من الباطل من تلك الآراء املتشعبة التي أطال أهلها فيها الجدال
واملناظرة؛ وما افترقوا إلا وكل منهم في موقفه الأول يظهر أنه ألزم خصمه الحجة وأسكته
بالبرهان؛ والحقيقة أن كلا منهم قد سكت تعبا وكلالا من املشاغبة.
وبهذا التشديد الذي أدخله على الدين منافسو املجوس، انفتح على الأمة باب التلوم
على النفس، واعتقاد التقصري املطلق، وأن لا نجاة ولا مخرج ولا إمكان ملحاسبة النفس
فضلا عن محاسبة الحكام املنوط بهم قيام العدل والنظام. وهذا الإهمال للمراقبة،
وهو إهمال الأمر باملعروف والنهي عن املنكر، قد أوسع لأمراء الإسلام مجال الاستبداد
وتجاوز الحدود. وبهذا وذاك ظهر حكم حديث: «لتأمرن باملعروف ولتنهون عن املنكر أو
ليستعملن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب». وإذا تتبعنا سرية أبي بكر وعمر
رضي الله عنهما مع الأمة، نجد أنهما مع كونهما مفطورين خري فطرة، ونائلني التربية
النبوية لم تترك الأمة معهما املراقبة واملحاسبة ولم تطعهما طاعة عمياء.
وقد جمع بعضهم جملة مما اقتبسه وأخذه املسلمون عن غريهم وليس هو من دينهم
بالنظر إلى القرآن واملتواترات من الحديث وإجماع السلف الأول فقال:
(اقتبسوا) من النصرانية مقام البابوية باسم الغوثية و(ضاهوا) في الأوصاف والأعداد
أوصاف وأعداد البطارقة، والكردينالية والشهداء والأساقفة، و(حاكوا) مظاهر القديسني
وعجائبهم، والدعاة املبشرين وصبرهم، والرهبنات ورؤسائها، وحالة الأديرة وبادريتها.
والرهبنات ورسومها والحمية وتوقيتها، (وقلدوا) رجال الكهنوت والبراهمة في مراتبهم
وتميزهم في ألبستهم وشعورهم، ولبس املسابح في الرقاب، (وقلدوا) الوثنيني الرومانيني
في الرقص على أنغام الناي والتغالي في تطييب املوتى والاحتفال الزائد في الجنائز
وتسريح الذبائح معها وتكليلها وتكليل القبور بالزهور. (وشاكلوا) مراسم الكنائس
وزينتها، والبيع واحتفالاتها، والترنحات ووزنها، والترنمات وأصولها، وإقامة الكنائس
على القبور، وشد الرحال لزيارتها، والإسراج عليها، والخضوع لديها، وتعليق الآمال
بسكانها. و(أخذوا) التبرك بالآثار: كالقدح والحربة والدستار، من احترام الذخرية وقدسية
العكاز، وكذلك إمرار اليد على الصدر عند ذكر الصالحني، من إمرارها على الصدر لإشارة
الصليب. و(انتزعوا) الحقيقة من السر، ووحدة الوجود من الحلول، والخلافة من الرسم،
والسقيا من تناول القربان، واملولد من امليلاد، وحفلته من الأعياد، ورفع الأعلام من حمل
الصلبان، وتعليق ألواح الأسماء املصدرة بالنداء على الجدران من تعليق الصور والتماثيل،
والاستفاضة واملراقبة من التوجه بالقلوب انحناءً أمام الأصنام و(منعوا) الاستهداء من
29
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
نصوص الكتاب والسنة كحظر الكاثوليك التفهم من الإنجيل، وامتناع أحبار اليهود
عن إقامة الدليل من التوراة في الأحكام. و(جاءوا) من املجوسية باستطلاع الغيب من
الفلك، وبخشية أوضاع الكواكب وباتخاذ أشكالها شعارا للملك، وباحترام النار ومواقدها.
و(قلدوا) البوذيني حرفا بحرف في الطريق والرياضة وتعذيب الجسم بالنار والسلاح،
واللعب بالحيات والعقارب وشرب السموم، ودق الطبول والصنوج وجعل رواتب من
الأدعية والأناشيد والأحزاب، واعتقاد تأثري العزائم ونداء الأسماء وحمل التمائم، إلى غري
ذلك مما هو مشاهد في بوذيي الهند ومجوس فارس والسند إلى يومنا هذا. وقد قيل إنه
نقله إلى الإسلامية أمثال جون وست وسلطان علي منلا والبغدادي وحاشية فلان الشيخ
وفلان الفارسي، على أن إسناد ذلك إلى أشخاص معينني يحتاج إلى تثبيت. (ولفقوا) من
الأساطري والإسرائيليات أنواعا من القربات، وعلوما سموها لدنيات.
وكذلك يقال عن مبتدعي النصارى من أن أكثر ما اعتبره املتأخرون منهم من
الشعائر الدينية حتى مشكلة التثليث لا أصل له فيماه ورد عن نفس املسيح عليه السلام؛
إنما هو مزيدات وترتيبات قليلها مبتدع، وكثريها متبع. وقد اكتشف العلماء الآثاريون
من الصفائح الحفرية الهندية والآشورية ومن الصحف التي وجدت في نواويس املصريني
الأقدمني على مآخذ أكثرها. وكذلك وجدوا ملزيدات التلمود وبدع الأحبار أصولا في الأساطري
والآثار والألواح الآشورية، وترقوا في التطبيق والتدقيق إلى أن وجدوا معظم الخرافات
املضافة إلى أصول عامة الأديان في الشرق الأدنى مقتبسة من الوضعيات املنسوبة لنحل
الشرق الأقصى، وقد كشفت الآثار أن الاستبداد أخفى تاريخ الأديان وجعل أخبار منشئها
في ظلام مطبق، حتى إن أعداء الأديان املتأخرين أمكنهم أن ينكروا أساسا وجود موسى
وعيسى عليهما السلام، كما شوش الاستبداد في املسلمني تاريخ آل البيت عليهم الرضوان؛
الأمر الذي تولد عنه ظهور الفرق التي تشيعت لهم كالإمامية والإسماعيلية والزيدية
والحاكمية وغريهم.
والخلاصة أن البدع التي شوشت الإيمان وشوهت الأديان تكاد كلها تتسلل بعضها
من بعض وتتولد جميعها من غرض واحد هو املراد، ألا وهو الاستعباد.
والناظر املدقق في تاريخ الإسلام يجد للمستبدين من الخلفاء وامللوك الأولني وبعض
العلماء الأعاجم وبعض مقلديهم من العرب املتأخرين أقوالا افتروها على الله ورسوله
تضليلا للأمة عن سبيل الحكمة، يريدون بها إطفاء نور العلم وإطفاء نور الله، ولكن أبى
الله إلا أن يتم نوره؛ فحفظ للمسلمني كتابه الكريم الذي هو شمس العلوم وكنز الحكم من
30
الاستبداد والدين
ُه
ْك َر َوإِنَّا لَ
نَا الذِّ
ْح ُن نََّزلْ
أن تمسه يد التحريف وهي إحدى معجزاته لأنه قال فيه: ﴿إِنَّا نَ
َح ِاف ُظ َون﴾ فما مسه املنافقون إلا بالتأويل وهذا أيضا من معجزاته؛ لأن أخبر عن ذلك في
لَ
ِويلِِه﴾.
ْ
أ
َغاءَ تَ
ِة َوابْتِ
نَ
ِفتْ
َغاءَ الْ
ُه ابْتِ
ِبُع َون َما تَ َشابََه ِمنْ
يَتَّ
ٌغ فَ
ِوبِه ْم َزيْ
لُ
ِذ َين ِفي قُ
َّما الَّ
َ
أ
قوله: ﴿فَ
وإني أمثل للمطالعني ما فعله الاستبداد في الإسلام بما حجر على العلماء الحكماء من
أن يفسروا قسمي الآلاء والأخلاق من القرآن تفسريا مدققا لأنهم كانوا يخافون مخالفة
رأي بعض الغفل السالفني، أو بعض املنافقني املقربني املعاصرين، فيكفَّرون فيقتلون.
وهذه مسألة إعجاز القرآن وهي أهم مسألة في الدين لم يقدروا أن يوفوها حقها من
البحث، واقتصروا على ما قاله فيها بعض السلف قولا مجملا من أنها قصور الطاقة عن
الإتيان بمثله في فصاحته وبلاغته، وأنه أخبر عن أن الروم من بعد غلبهم سيغلبون. مع
أنه لو فتح للعلماء ميدان التدقيق وحرية الرأي والتأليف كما أطلق عنان التخريف لأهل
التأويل والحكم لأظهروا في ألوف من آيات القرآن ألوف آيات من الإعجاز، ولرأوا فيه كل
ِابٍس إِلاَّ
َر ْط ٍب َولاَ يَ
َ يوم آية تتجدد مع الزمان والحدثان تبرهن إعجازه بصدق قوله: ﴿ولاَ
ٍ اب ُّمِب ٍني﴾، ولجعلوا الأمة تؤمن بإعجازه عن برهان وعيان لا مجرد تسليم وإذعان.
ِفي ِكتَ
ومثال ذلك أن العلم كشف في هذه القرون الأخرية حقائق وطبائع كثرية تعزى
لكاشفيها ومخترعيها من علماء أوروبا وأمريكا؛ واملدقق في القرآن يجد أكثرها ورد به
التصريح أو التلميح في القرآن منذ ثلاثة عشر قرنا؛ وما بقيت مستورة تحت غشاء من
الخفاء إلا لتكون عند ظهورها معجزة للقرآن شاهدة بأنه كلام رب لا يعلم الغيب سواه؛
ومن ذلك أنهم قد كشفوا أن مادة الكون هي الأثري، وقد وصف القرآن بدء التكوين فقال:
َلى َّ السَم َ اءِ وِه َي ُد َخ ٌ ان﴾. وكشفوا أن الكائنات في حركة دائمة دائبة والقرآن
َوى إِ
َّم ْ استَ
﴿ثُ
ٍك يَ ْسبَ ُح َون﴾.
لَ
ْحيَيْنَ َ اه َ ا﴾ إلى أن يقول: ﴿و ُك ٌّل ِفي فَ
َ
أ
َميْتَةُ
ْر ُض الْ
ُه ُم الأَ
لَّ
َ يقول: ﴿وآيَةٌ
ْر َض
َّن َّ السَم َ او ِ ات َوالأَ
َ
وحققوا أن الأرض منفتقة في النظام الشمسي والقرآن يقول: ﴿أ
نَ ُ اهَما﴾.
تَقْ
فَ
َ ا رتْقً ا فَ
تَ
َكانَ
ْر َض
ِتي الأَ
ْ
أ
نَّا نَ
َ
َرْو َن أ
فَلاَ يَ
َ
وحققوا أن القمر منشق من الأرض والقرآن يقول: ﴿أ
َمُر﴾.
َو َ انشَّق الْقَ
ْطَرِافَها﴾. ويقول: ﴿اقْ َترَبَ ِت َّ الس َ اعةُ
َ
ُصَه ِ ا م ْن أ
نَنقُ
ِذ َي خلَ َق َسبْ َع َسَم َ او ٍ ات َوِم َن
وحققوا أن طبقات الأرض سبع والقرآن يقول: ﴿اللهُ الَّ
ُه َّن﴾.
لَ
ْر ِض ِمثْ
الأَ
وحققوا أنه لولا الجبال لاقتضى الثقل النوعي أن تميد الأرض أي ترتج في دورتها
ِم َيد ِب ُك ْم﴾.
َن تَ
ْر ِض َر َو ِ َ اسي أ
ِى في الأَ
لْقَ
َ
َ والقرآن يقول: ﴿وأ
31
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
وكشفوا أن سر التركيب الكيماوي بل واملعنوي هو تخالف نسبة املقادير وضبطها
َد ٍار﴾.
َدُه ِبِمقْ
ُ والقرآن يقول: ﴿ك ُّل َشيْ ِءٍ عنْ
َم ُ اءِ ك َّل
ِ ا م َن الْ
نَ
َ وكشفوا أن للجمادات حياة قائمة بماء التبلور والقرآن يقول: ﴿و َجَعلْ
ي﴾.
ٍّ
َشيْ َ ءٍ ح
ْد
َ وحققوا أن العالم العضوي ومنه الإنسان ترقى من الجماد والقرآن يقول: ﴿ولَقَ
ٍة ِّم ِ ن ط ٍني﴾.
َس َ ان ِم ُ ن سلاَلَ
ِ ا الإنْ
نَ
َخلَقْ
ِب ُت
نْ
َه ِ ا مَّما تُ
َ وكشفوا ناموس اللقاح العام في النبات والقرآن يقول: ﴿خلَ َق ْ الأز َو َ اج ُكلَّ
بَتَ ْت
نْ
َ
بَ ٍ ات َشتَّ ْ ى﴾ ويقول: ﴿اهتَ َّز ْت َو َربَ ْت َوأ
ْز َو ً اج ِّ ا من نَّ
َ
ِ ا بِه أ
ْخَر ْجنَ
َ
أ
ْر ُض﴾ ويقول: ﴿فَ
الأَ
ْنيِ﴾.
نَ
َمَر ِ ات َجَع َل ِف َيه َ ا ز ْو َجْنيِ اثْ
ٍيج َ ﴾. ويقول: ﴿وِم ُ ن ك ِّل الثَّ
ِه
ٍج بَ
ِم ُ ن ك ِّل َز ْو
َلى َربِّ َك
َر إِ
ْم تَ
لَ
َ
وكشفوا طريقة إمساك الظل أي التصوير الشمسي والقرآن يقول: ﴿أ
يِْه َدِل ًيلا﴾.
نَ َّ ا الشْم َس َعلَ
َّم َجَعلْ
ُه َس ِ اكنًا ثُ
َجَعلَ
ْو َشاءَ لَ
َف َمَّد ِّ الظ َّل َولَ
َكيْ
وكشفوا تسيري السفن واملركبات بالبخار والكهرباء والقرآن يقول، بعد ذكره الدواب
ْرَكبُ َون﴾.
ِلِه َما يَ
ُه ِّم م ِّن مثْ
نَا لَ
َ والجواري بالريح: ﴿و َخلَقْ
وكشفوا وجود املكروب وتأثريه والجدري وغريه من الأمراض، والقرآن يقول:
ْرِم ِيه ِ م ب ِح َج َ ارٍة ِّم ِ ن س ِّج ٍيل﴾
ِاب َيل﴾ أي متتابعة مجتمعة ﴿تَ
بَ
َ
ِه ْم َطْريًا أ
يْ
ْر َس َل َعلَ
َ
َ﴿وأ
أي من طني املستنقعات اليابس. إلى غري ذلك من الآيات الكثرية املحققة لبعض مكتشفات
علم الهيئة والنواميس الطبيعية. وبالقياس على ما تقدم ذكره يقتضي أن كثريا من آياته
سينكشف سرها في املستقبل في وقتها املرهون تجديدا لإعجازه بإخباره عما في الغيب ما
َّ دام الزمان وما كر الجديدان، فلا بد أن يأتي يوم يكشف العلم فيه أن الجمادات أيضا
نَ َ ا ز ْو َجْنيِ﴾.
َ ءٍ خلَقْ
َ تنمو باللقاح كما تشري إلى ذلك آية ﴿وِم ُ ن ك ِّل َشيْ


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

بسم الله الرحمن...

بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل الصلاة على حبيبنا رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. سوف أقوم في ...

II- Skin I. Pul...

II- Skin I. Pulsation: (Clockwise distribution) - Apical pulsation - Epigastric pulsation - Right pa...

7 - القراءة الم...

7 - القراءة المضاعفة: المقصود بالقراءة المضاعفة هنا، المراوحة بين الإنتاجات النظرية الأجنبية والكتا...

2) أهمية الاتصا...

2) أهمية الاتصال التنظيمي : -1- المساهمة في خلق وعي جماعي متماسك ومتوافق داخل البيئة التنظيمية الوا...

محتويات ١ العنف...

محتويات ١ العنف الأسري ٢ دوافع العنف الأسري ٣ ضحايا العنف الأسري ٤ أنواع العنف الأسري ٥ آثار العنف ا...

تلخيص عن مكانة ...

تلخيص عن مكانة السنة النبوية من كتاب "الثقافة الإسلامية 201"٠٠ مقدمة: تعد السنة النبوية جزءا لا يت...

المخاليط الغروي...

المخاليط الغروية لأن أحجام جسيمات المخلوط المعلق أكبر كثيرا من أحجام جسيمات الوسط فإنها قد تترسب في ...

Results - Proje...

Results - Projected Outcomes "We anticipate a significant improvement in operational metrics. The a...

إن التعديلات ال...

إن التعديلات القانونية التي أتت استجابة لمتطلبات التجارة الإلكترونية، والتي أقرها القانون رقم 53.05 ...

تعريف جريمة الر...

تعريف جريمة الرشوة : الشة تعى اتار الف أعال الفة أو المة الي عه إله القام بها للالح العام، وذل ك لق...

السادة الأفاضل،...

السادة الأفاضل، تحية طيبة وبعد، مرفق لكم مع هذه الرسالة ملاحظاتي وتعديلاتي على عقد منصة عقود، مع الأ...

3. ان مستوى الت...

3. ان مستوى التدريب والتعليم من وجهة نظر عينة الدراسة كان متوسطاً في شركات صناعة الأدوية كان متوسطاً...