Lakhasly

بعد أن كان مقتصرًا على العيش في المدن. تتنوع وجهات النظر حول مفهوم الحضارة؛ يركز آخرون على الإنتاج المادي أو التقدم التكنولوجي. يقوم على تحقيق التوازن في العلاقة بين الإنسان والله، ويختتم النص بالتأكيد على أن الإسلام يمثل المقياس الحقيقي للحضارة، لكونه يجمع بين الروح،  الباب الأول \ الحضارة الإسلامية بين الحضارات السابقة أسهمت الحضارة الإسلامية في انتشال العالم من الجهل والتخلف، ومنفتحة على جميع الشعوب دون تمييز. التي تتناول حال الحضارات عند ظهور الإسلام،  الفصل الأول: الحضارات العالمية عند ظهور الإسلام شهد العالم قبل الإسلام حضارات متعددة، مما أدى إلى انهيارها. وتقدم نموذجًا إنسانيًا راقيًا عاش في ظله الجميع بأمان وسعادة. تميزت بالفلسفة والعلوم والفنون، أدى التحلل الأخلاقي والانغماس في الشهوات إلى تدهورها،  المبحث الثاني: حضارة الهند نشأت الحضارة الهندية في الألف الثالثة قبل الميلاد وازدهرت في العلوم، بينما حُرم الشودرا من أبسط الحقوق. عانت المرأة من أوضاع مأساوية، التي قدست النار حتى وصلت إلى عبادتها.  المبحث الرابع: حضارة الروم كانت الحضارة الرومانية من أعظم حضارات أوروبا، لكنها تدهورت بفعل الفساد والضعف، خاصة قبل البعثة النبوية. لكن الكنيسة استغلت الدين لقمع الفكر والعلم، حيث اعتُبر العبيد ممتلكات بلا حقوق، وعانت المرأة من الاضطهاد. أدى الفساد السياسي والديني والاجتماعي إلى انهيار الإمبراطورية كما وصفه المؤرخ جيبون.  المبحث الخامس: العرب قبل الإسلام شاعت الخمر والميسر والربا والعلاقات غير المشروعة. فغيَّر العقيدة والأخلاق والمجتمع جذريًا.  المبحث السادس: نظرة عامة على العالم قبل الإسلام فكان بحاجة ماسة إلى هدايته. تفشى التمييز بين السادة والعبيد، جاء الإسلام بنوره،  الفصل الثاني: أصول وروافد الحضارة الإسلامية والاقتصادية. وبذلك، اعتمدت الحضارة الإسلامية على أسس قوية ومصادر متنوعة، فيما يلي سنستعرض أبرز الأصول والمصادر التي أسهمت في بناء هذه الحضارة: • القرآن والسُّنة يشكل القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الأساس الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية، ويتضمن تعاليم في العقيدة والتشريع والاقتصاد. أما السُّنَّة، فهي التطبيق العملي لتلك التعاليم، إذ تفسر كيفية تنفيذها في الحياة اليومية من خلال أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم. قائم على الأخلاق والوحدة والتقدم. وساهمت في سعادة الإنسان والمجتمع. • الشعوب الإسلامية فجمع بين شعوب وأعراق مختلفة تحت راية واحدة، إذ تعلموا العربية وبرزوا في مجالات مثل الحديث والفقه والأدب. جاءت الحضارة الإسلامية نموذجًا فريدًا يجمع بين العلم والتسامح والتنوع الثقافي، • الانفتاح على الآخرين بعد انتشار الإسلام، وأضافوا إسهامات جديدة، مثل الطب الكيميائي والرياضيات، ساهم هذا الانفتاح الواعي في بناء حضارة إسلامية متجددة، تجمع بين الاستفادة من المعارف السابقة والإبداع في تطويرها.  الفصل الثالث: خصائص الحضارة الإسلامية وتتمثل أبرز خصائص الحضارة الإسلامية في: كما في قوله تعالى: "إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". فهي حضارة تتجاوز الحدود الجغرافية والعرقية، وتهدف إلى تحقيق العدل والمساواة للجميع. ترسِّخ هذه الحضارة قيم الحق والخير والرحمة، وقد جسَّد النبي صلى الله عليه وسلم هذه العالمية بإرسال رسائل إلى حكام العالم، تقوم الحضارة الإسلامية على عقيدة التوحيد المطلق، والحكم له وحده، مثل: دون تمييز عرقي أو قومي. • نبذ الوثنية: لا يُعبد إلا الله، تسهم عقيدة التوحيد في تحرير الإنسان من التسلط البشري، وترسيخ قيم العدل والحرية والعبودية لله وحده. تتميز الحضارة الإسلامية بالتوازن والوسطية، حيث تحقق العدالة بين الجوانب المختلفة لحياة الإنسان دون إفراط أو تفريط. أوجه التوازن في الحضارة الإسلامية:  بين الروح والمادة: تدمج بين متطلبات الجسد والروح، حيث يُعدّ العمل عبادة إذا كان في إطار الإيمان والأخلاق.  بين علوم الشرع وعلوم الحياة: تشجع على المعرفة في جميع المجالات، مما يسهم في بناء المجتمع وعمارة الأرض.  بين الحقوق والواجبات: توازن بين حقوق الأفراد والمسؤوليات تجاه المجتمع، تضمن الحضارة الإسلامية العدل والتناغم بين مختلف جوانب الحياة، مما يجعلها نموذجًا حضاريًا متكاملاً. • الصبغة الأخلاقية الأخلاق هي الركيزة الأساسية للحضارة الإسلامية، من السلوك الشخصي إلى السياسة والاقتصاد. سمات الأخلاق في الحضارة الإسلامية: • مصدرها الوحي الإلهي: مما يجعلها ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان. بخلاف الأخلاق الوضعية التي تعتمد على الضمير أو القوانين. بل تشمل الجميع. • التوازن والوسطية: تضمن العدل والاستمرارية. بهذه المبادئ، تُعدّ الأخلاق حجر الأساس الذي يحفظ الحضارة الإسلامية ويضمن استمراريتها عبر الزمن. يفقد الإنسان الدفء المعنوي، مما يؤدي إلى ضعف الضمير وسيطرة النزعة المادية. مما أدى إلى اختلال التوازن بين القوة والقيم، على العكس من ذلك، وليس كنتيجة لتطور فكري بشري. وقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم لإتمام مكارم الأخلاق، ستتناول هذه الدراسة إسهامات المسلمين في مجال الأخلاق والقيم، مع التركيز على جوانب محددة، منها: قامت فلسفة الإسلام على القيم والأخلاق، وفرض العقوبات على من ينتهكها. أبرز الحقوق في الإسلام: • حقوق الإنسان حقوق الإنسان في الإسلام تعكس رؤية سامية تجاه كرامة الإنسان، الإسلام يركز على حماية هذه الحقوق من أي انتهاك، مما يعكس قيم العدل والرحمة. من الحقوق الأساسية التي يضمنها الإسلام حق الحياة، حيث يُحرم القتل والاعتداء على النفس. كما يُعزز مبدأ المساواة، يُشدد على حق الكفاية، مما يضمن توفير مقومات الحياة الكريمة لكل فرد. حيث يُحظر قتل الأطفال والنساء والشيوخ. هذه المبادئ تعكس التزام الإسلام بالإنسانية وتضمن حقوق الإنسان في جميع جوانب الحياة، مما يسهم في تعزيز قيم الرحمة والتعاطف بين الأفراد. • حقوق المرأة الإسلام كرَّم المرأة وأعطاها حقوقًا تضمن لها مكانة رفيعة، الإسلام أمر بالإحسان إلى المرأة منذ ولادتها، كما حثَّ على المعاملة الحسنة للزوجة، • حقوق العمال والخدم • حثَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحاب الأعمال على معاملة خدمهم معاملة إنسانية كريمة، محذرًا من تكليفهم بما لا يطيقون. الإسلام حذر من ظلم العمال والخدم، وأوصى بعدم إرهاقهم بما يضر بصحتهم. فقد كانت سيرته شاملة في إظهار الاحترام والتقدير لهم، وقد أظهر النبي اهتمامه حتى بحياة خدمه الشخصية، كما في حالة ربيعة بن كعب الأسلمي. • حقوق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قدوة في زيارة المرضى والاهتمام بهم، وكان النبي يواسي المرضى ويخفف عنهم أزماتهم، كما في حالة سعد بن عبادة، حيث بكى النبي عندما علم بمرضه وأكد أن الله لا يعذب بالدمع أو الحزن، فأمره النبي بالتيمم بدلًا من الاغتسال الذي أدى إلى وفاته. كما كان النبي يُلبي احتياجات المرضى ويسير معهم حتى يقضوا حاجاتهم، كما في حادثة المرأة التي طلبت منه حاجة. الإسلام يقر حق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة في التداوي، كما كان النبي يشجع على العلاج وكان يسمح للنساء بمعالجة الرجال في حال الضرورة. النبي صلى الله عليه وسلم أظهر أيضًا معاملة رائعة تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة مثل عمرو بن الجموح، وأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد استشهاده. وتعكس الرحمة والرعاية التي أكدها الإسلام في رعاية جميع أفراد المجتمع. • حقوق الأيتام والمساكين والأرامل الشريعة الإسلامية تولي اهتمامًا خاصًا بحقوق اليتامى والمساكين والأرامل، فقد أمر الله عز وجل بالرحمة باليتيم وحث على إعطاء المسكين حقه، كما ورد في القرآن: "فَأَمَّا اليتيم فَلَا تَقْهَرْ" و "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ". فقد حث النبي على مسح رأس اليتيم وإطعامه لكي يلين القلب. أكد على أهمية الإنفاق على اليتيم والمسكين، مشيرًا إلى أن المال إذا تم إنفاقه على هؤلاء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يولي اليتامى والمحتاجين رعايته الشخصية، ويعلن مسؤوليته عنهم قائلاً: "أنا أولى الناس بالمؤمنين" وكان يذهب بنفسه لقضاء حاجاتهم، الإسلام بهذا الشكل يضمن لليتامى والمساكين والأرامل حقوقًا مادية ومعنوية، • حقوق الأقليات تمتعت الأقلية غير المسلمة في المجتمع المسلم بحقوق وامتيازات لم تحصل عليها أقلية في أي قانون آخر. العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في الإسلام تقوم على أساس القسط والبر، كما ورد في قوله تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ". مؤكدًا أن من يظلمهم أو ينتقص حقوقهم سيكون خصمًا للنبي يوم القيامة. حيث كانت الدولة مسؤولة عن رعاياها جميعًا، واحدة من أعظم مواقف النبي في هذا المجال كانت عندما قام للنبي صلى الله عليه وسلم من أجل جنازة يهودي وقال: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا"، تركز القاعدة الأساسية في التعامل مع الأقليات في الإسلام على احترام كل إنسان طالما لم يظلم أو يعاد. • حقوق الحيوان ينظر الإسلام إلى الحيوانات نظرة واقعية، مما يدل على تقدير الإسلام للحيوان. من أبرز حقوق الحيوانات التي أصَّلها التشريع الإسلامي: • تحريم إيذاء الحيوانات: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من يوسم الحيوان في وجهه أو يعذبه. • تحريم تجويع وحبس الحيوان: كما ورد في حديث النبي عن المرأة التي عذبت هرة بحبسها عن الطعام والشراب. مثل إبعاد السكين عن أعين الحيوانات قبل ذبحها. • حقوق البيئة أقر الإسلام أن المحافظة على البيئة تحقق فائدة للإنسان في الدنيا والآخرة. ومن أبرز التشريعات الإسلامية التي تعزز حماية البيئة: • النظافة وحماية البيئة من التلوث: حذر النبي من تلويث البيئة، كما ربط بين الأجر والمحافظة على البيئة، • تشجيع على الجمال: الإسلام يقدّر الجمال في البيئة ويحث على الحفاظ عليه، مثل العناية بالملابس والروائح الطيبة التي تساهم في تحسين البيئة. • الزراعة واستنبات الأرض: حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزراعة، كما نهى عن تلويث المياه. الإسلام يشدد على أن البيئة جزء من النظام الكوني المتكامل، مقدمًا نموذجًا متكاملًا لرعاية الحقوق في جميع جوانب الحياة.  الحريات لم تكن الحريات يومًا نتيجة لتطور اجتماعي أو ثمرة ثورة مطالب بها من المحرومين منها، ويظهر هذا المفهوم من خلال المباحث التالية: • المبحث الأول: حرية العقيدة حيث قال الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). وتوضح الآية الكريمة أنه لا يجوز فرض الدين على الآخرين. وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يملك السلطة لإكراه الناس على الإيمان، الحرية الدينية في الإسلام تعني أيضًا قبول التعددية الدينية. مثلما حدث في أول دستور للمدينة، حين اعترف النبي باليهود كجزء من الأمة الإسلامية. لم يفرض الرسول على قريش اعتناق الإسلام بل قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". كما أن الخليفة عمر بن الخطاب منح الأمان للنصارى في القدس. وحث على الحوار البناء باستخدام الحكمة والموعظة الحسنة، كما جاء في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). ووجه القرآن دعوة للحوار مع أهل الكتاب في قوله: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم). يبقى لكل شخص دينه الذي يقتنع به، كما ورد في سورة الكافرون: (لكم دينكم ولي دين). • المبحث الثاني: حرية التفكير كفل الإسلام حرية التفكير بشكل واضح، حيث دعا إلى استخدام العقل والتفكير في جميع جوانب الكون، حيث قال: (هُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَهُمْ أَغْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا). اعتمد الإسلام في إثبات العقيدة الإسلامية على الأدلّة العقلية، حيث يُعتبر العقل أساسًا للنقل، التفكير في الإسلام هو فريضة دينية لا يمكن للمسلم التخلي عنها، وقد فتح الإسلام المجال للتفكير في الأمور الدينية وإيجاد حلول شرعية للمستجدات، وهو ما يُعرف بالاجتهاد. • المبحث الثالث: حرية الرأي حرية الرأي في الإسلام هي حق الفرد في اختيار الرأي الذي يراه مناسبًا في المسائل العامة أو الخاصة، وهذا لا يمكن القيام به دون حق التعبير عن الرأي. الإسلام أجاز حرية الرأي في الأمور الدنيوية والاجتماعية، حرية الرأي تتضمن أيضًا المشاورة والتمتع بحق التعبير عن الرأي في شؤون الأمة، مع اعترافه بصواب رأيها. حرية الرأي في الإسلام تعتبر وسيلة هامة لتحقيق التقدم الحضاري والتعبير عن الذات. • المبحث الرابع: حرية النفس الإسلام دعا إلى تحرير العبيد وأعطى مكانًا كبيرًا لعتقهم. وقد أكَّد على أهمية العتق كعمل صالح، كما جَعَلَ الإسلام طرقًا لتسهيل عتق العبيد، مثل جعل عتق المملوك كفارة للذنوب، وأمر بمساعدة الأرقاء الذين يريدون أن يُكتَتبوا. ووسع من فرص تحرير العبيد بعد عتقهم. كما حثَّ على المعاملة الحسنة مع العبيد، مثل توفير الطعام واللباس المناسب لهم، واعتُبر ضرب العبيد تعذيبًا يجب أن يُعاقب عليه بتحرير العبد. كما جعل الإسلام عتق العبيد وسيلة للتكفير عن الخطايا، يمكن للعبيد أن يُعتَقوا من أموال الزكاة، • المبحث الخامس: حرية التملك يعترف بحرية التملك الفردي والجماعي بشكل معتدل ومتوازن. وسمح الإسلام للناس بالتعامل بالمال من خلال البيع والشراء،

المقدمة
يقدم النص رؤية شاملة للحضارة الإسلامية، مسلطًا الضوء على دورها البارز في تطور الإنسانية علميًا وثقافيًا. كما يوضح أهمية دراستها لفهم أسباب ازدهار المسلمين في الماضي، مما يساعد في معالجة التحديات المعاصرة. يواجه الباحثون في هذا المجال تحديات مثل اختلاف تعريفات الحضارة، واتساع نطاقها الزمني، وتعدد مجالات إسهام المسلمين فيها. ويشير الكاتب إلى أن مفهوم الحضارة تطور عبر الزمن، ليشمل العلم، والفكر، والأخلاق، بعد أن كان مقتصرًا على العيش في المدن. تتنوع وجهات النظر حول مفهوم الحضارة؛ فبينما يربطها البعض بالقيم والأخلاق، يركز آخرون على الإنتاج المادي أو التقدم التكنولوجي. ويطرح الكاتب تعريفًا خاصًا لها، يقوم على تحقيق التوازن في العلاقة بين الإنسان والله، وبين البشر، وبين البيئة، معتبرًا أن الحضارة الإسلامية هي النموذج الأمثل لهذا التوازن، على عكس غيرها من الحضارات. ويختتم النص بالتأكيد على أن الإسلام يمثل المقياس الحقيقي للحضارة، لكونه يجمع بين الروح، والأخلاق، والعلم، والتقدم المادي، مما جعله أساسًا لبناء أمة قوية ومزدهرة.
 الباب الأول \ الحضارة الإسلامية بين الحضارات السابقة
أسهمت الحضارة الإسلامية في انتشال العالم من الجهل والتخلف، مستمدة أسسها من القرآن والسنة، ومنفتحة على جميع الشعوب دون تمييز. وبفضل خصائصها الفريدة، احتلت موقع الريادة عالميًا، مقدمة الخير للبشرية. وسيتم استعراض ملامحها في الفصول القادمة، التي تتناول حال الحضارات عند ظهور الإسلام، وأصولها، وخصائصها.
 الفصل الأول: الحضارات العالمية عند ظهور الإسلام
شهد العالم قبل الإسلام حضارات متعددة، أسهمت كل منها في تقدم الإنسانية، لكنها انحرفت وراء الشهوات والملذات، مما أدى إلى انهيارها. ثم جاءت الحضارة الإسلامية، لترث أفضل ما في تلك الحضارات، وتقدم نموذجًا إنسانيًا راقيًا عاش في ظله الجميع بأمان وسعادة.
 المبحث الأول: حضارة اليونان
كانت الحضارة اليونانية من أعظم الحضارات، تميزت بالفلسفة والعلوم والفنون، وبرز فيها فلاسفة مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو. رغم تقدمها الفكري، انحدرت بسبب التمييز الطبقي والرق، حيث طرح أفلاطون نظامًا صارمًا في "المدينة الفاضلة"، واعتبر أرسطو الرق أمرًا طبيعيًا. أدى التحلل الأخلاقي والانغماس في الشهوات إلى تدهورها، مما جعل انهيارها حتميًا.

 المبحث الثاني: حضارة الهند
نشأت الحضارة الهندية في الألف الثالثة قبل الميلاد وازدهرت في العلوم، خاصة الرياضيات والفلك والطب. لكن منذ القرن السادس الميلادي، بدأت في الانحدار، متأثرة بالنظام الطبقي الصارم الذي منح البراهمة امتيازات مطلقة، بينما حُرم الشودرا من أبسط الحقوق. عانت المرأة من أوضاع مأساوية، حيث تعرضت للإهانة والتمييز الشديد. وصف العلماء، مثل البيروني، هذا الظلم الاجتماعي، مما يعكس حالة الفوضى التي كانت سائدة في الهند قبل الإسلام.

 المبحث الثالث: حضارة الفرس
أقام الفرس إمبراطورية قوية، وبلغت حضارتهم أوجها في عهد الساسانيين، حيث تفوقوا في السياسة والإدارة والحروب. اعتنقوا الزرادشتية، التي قدست النار حتى وصلت إلى عبادتها. عانى المجتمع الفارسي من اضطرابات أخلاقية، مثل زواج المحارم، ودعا بعض المفكرين، كماني ومزدك، إلى أفكار متطرفة زادت الفوضى. ادّعى ملوك الفرس أنهم آلهة، وعززوا التمييز الطبقي، مما أدى إلى انغماس الحضارة في الترف والانحلال.
 المبحث الرابع: حضارة الروم
كانت الحضارة الرومانية من أعظم حضارات أوروبا، لكنها تدهورت بفعل الفساد والضعف، خاصة قبل البعثة النبوية. رغم توسعها الجغرافي، لم تصبح مركزًا فكريًا مؤثرًا. دعم قسطنطين المسيحية، لكن الكنيسة استغلت الدين لقمع الفكر والعلم، مما أدى إلى عصور الظلام. ساد التمييز الطبقي، حيث اعتُبر العبيد ممتلكات بلا حقوق، وعانت المرأة من الاضطهاد. أدى الفساد السياسي والديني والاجتماعي إلى انهيار الإمبراطورية كما وصفه المؤرخ جيبون.

 المبحث الخامس: العرب قبل الإسلام
سُمِّي العصر السابق للإسلام بـ"الجاهلية" لانتشار التخلف والعزلة رغم امتلاك العرب لمواهب مثل الفصاحة والشجاعة. دينيًا، انتشرت عبادة الأصنام والملائكة والجن، مع وجود يهودية ونصرانية محرفتين. أخلاقيًا، شاعت الخمر والميسر والربا والعلاقات غير المشروعة. أما المرأة، فكانت بلا حقوق، تُورث ولا ترث، وتعرضت لوأد البنات. استمر هذا الوضع حتى جاء الإسلام، فغيَّر العقيدة والأخلاق والمجتمع جذريًا.

 المبحث السادس: نظرة عامة على العالم قبل الإسلام
قبل الإسلام، عمَّ الفساد والانحطاط العالم، فكان بحاجة ماسة إلى هدايته. سادت الجاهلية، وانتشرت عبادة الأصنام والكواكب والنار، وسط فوضى وظلم. اجتماعيًا، تفشى التمييز بين السادة والعبيد، والفواحش وقطع الأرحام. سياسيًا، غابت العدالة، وسادت العصبيات والحروب. دينيًا، ضاعت التعاليم السماوية، وحلَّت الخرافات. وسط هذا الظلام، جاء الإسلام بنوره، ليُحدث تحولًا حضاريًا شاملًا ورحمةً للبشرية.
 الفصل الثاني: أصول وروافد الحضارة الإسلامية
مثَّل ظهور الإسلام نقطة تحوُّل في تاريخ البشرية، حيث أزال ظلمات الجاهلية وأحدث تغييرات جوهرية في مختلف المجالات الفكرية، السياسية، التشريعية، الاجتماعية، والاقتصادية. وبذلك، أصبح الإسلام منهج حياة يجمع بين الدين والدولة والثقافة. اعتمدت الحضارة الإسلامية على أسس قوية ومصادر متنوعة، مما منحها طابعًا فريدًا يميزها عن الحضارات السابقة. وقد أشار المؤرخ جوستاف لوبون إلى السرعة التي أنشأ بها العرب حضارتهم، والتي كانت مختلفة عن غيرها.
فيما يلي سنستعرض أبرز الأصول والمصادر التي أسهمت في بناء هذه الحضارة:
• القرآن والسُّنة
يشكل القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الأساس الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية، حيث يعدُّ القرآن مرجعًا شاملًا ينظم علاقة الإنسان بربه ونفسه والمجتمع، ويتضمن تعاليم في العقيدة والتشريع والاقتصاد. أما السُّنَّة، فهي التطبيق العملي لتلك التعاليم، إذ تفسر كيفية تنفيذها في الحياة اليومية من خلال أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم. أسهمت هذه المصادر في بناء مجتمع إسلامي متماسك، قائم على الأخلاق والوحدة والتقدم. فقد أحدث الإسلام تحولًا جذريًا في حياة العرب، نقلهم من الجهل إلى الازدهار في مختلف المجالات، مما جعل القرآن والسُّنَّة الركيزتين الأساسيتين لحضارة شاملة أثرت في العلم، السياسة، الاقتصاد، والأخلاق، وساهمت في سعادة الإنسان والمجتمع.
• الشعوب الإسلامية
رسَّخ الإسلام مبدأ الوحدة الإنسانية، فجمع بين شعوب وأعراق مختلفة تحت راية واحدة، ما عزز التعاون والتعارف بينهم. ومع الفتوحات الإسلامية، نشأت حضارة غنية بتعدد الثقافات، حيث أسهم الفرس والترك والهنود وغيرهم في تطورها من خلال نقل علومهم ومعارفهم. كان للفرس دور بارز في الحركة العلمية الإسلامية، إذ تعلموا العربية وبرزوا في مجالات مثل الحديث والفقه والأدب. كما أثرت معارف الهنود في الطب والفلك والجبر، وأسهم علماء كابن سينا والخوارزمي والبيروني في النهضة العلمية الإسلامية. جاءت الحضارة الإسلامية نموذجًا فريدًا يجمع بين العلم والتسامح والتنوع الثقافي، حيث تضافرت جهود مختلف الشعوب في بنائها وازدهارها.
• الانفتاح على الآخرين
كان الانفتاح على الحضارات السابقة من أهم عوامل ازدهار الحضارة الإسلامية، حيث استفاد المسلمون من علوم الأمم الأخرى دون التخلي عن مبادئهم. وقد بدأ هذا النهج منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي شجع على الاستفادة من المعرفة بغض النظر عن مصدرها. بعد انتشار الإسلام، درس المسلمون الحضارات اليونانية والفارسية والهندية، فترجموا علومها وطوروها. بدأت حركة الترجمة مبكرًا على يد خالد بن يزيد الأموي، وبلغت أوجها في العصر العباسي، خاصة في عهد هارون الرشيد والمأمون، حيث تأسس "بيت الحكمة" كمركز للترجمة والبحث. استفاد المسلمون من الطب والفلسفة والعلوم اليونانية والفارسية، وأضافوا إسهامات جديدة، مثل الطب الكيميائي والرياضيات، مع تجنب الأفكار المخالفة للإسلام. ساهم هذا الانفتاح الواعي في بناء حضارة إسلامية متجددة، تجمع بين الاستفادة من المعارف السابقة والإبداع في تطويرها.

 الفصل الثالث: خصائص الحضارة الإسلامية
تمتاز الحضارة الإسلامية بخصائص فريدة تميزها عن غيرها من الحضارات. فقد نشأت بناءً على رسالة الإسلام التي تتسم بالإنسانية والعالمية، بالإضافة إلى الوحدانية المطلقة في العقيدة. وتتمثل أبرز خصائص الحضارة الإسلامية في:
• العالمية
تتميز الحضارة الإسلامية بعالميتها، حيث أكد القرآن الكريم على وحدة الإنسانية رغم تنوع الأعراق، كما في قوله تعالى: "إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". فهي حضارة تتجاوز الحدود الجغرافية والعرقية، وتهدف إلى تحقيق العدل والمساواة للجميع. ترسِّخ هذه الحضارة قيم الحق والخير والرحمة، كما جاء في قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ". وقد جسَّد النبي صلى الله عليه وسلم هذه العالمية بإرسال رسائل إلى حكام العالم، داعيًا إلى رسالة الإسلام التي تشمل جميع البشر دون تمييز.
• الوحدانية
تقوم الحضارة الإسلامية على عقيدة التوحيد المطلق، حيث الله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد، والحكم له وحده، دون وسيط بينه وبين الإنسان. هذه العقيدة تعزز كرامة الإنسان، وتمنحه حرية التفكير والعمل وفق شريعة الله.
يظهر تأثير التوحيد في المجتمع الإسلامي من خلال مبادئ أساسية، مثل:
• عدم تأليه الحاكم: الحاكم بشر خاضع للمحاسبة، وليس معصومًا.
• المساواة بين البشر: لا تفاضل إلا بالتقوى، دون تمييز عرقي أو قومي.
• نبذ الوثنية: لا يُعبد إلا الله، مما يحمي المجتمع من الشرك.
• التصور الصحيح للحياة: يوجه الإنسان إلى الإيمان بالله والآخرة، مع السعي لإعمار الأرض.
بذلك، تسهم عقيدة التوحيد في تحرير الإنسان من التسلط البشري، وترسيخ قيم العدل والحرية والعبودية لله وحده.

• التوازن والوسطية
تتميز الحضارة الإسلامية بالتوازن والوسطية، حيث تحقق العدالة بين الجوانب المختلفة لحياة الإنسان دون إفراط أو تفريط.
أوجه التوازن في الحضارة الإسلامية:
 بين الروح والمادة: تدمج بين متطلبات الجسد والروح، حيث يُعدّ العمل عبادة إذا كان في إطار الإيمان والأخلاق.
 بين علوم الشرع وعلوم الحياة: تشجع على المعرفة في جميع المجالات، مما يسهم في بناء المجتمع وعمارة الأرض.
 بين الدنيا والآخرة: تدعو إلى السعي للرزق والعمل دون إغفال العبادة والاستعداد للآخرة.
 بين المثالية والواقعية: تحفّز الإنسان على السعي للكمال مع مراعاة ظروفه وحدوده الطبيعية.
 بين الحقوق والواجبات: توازن بين حقوق الأفراد والمسؤوليات تجاه المجتمع، مما يحقق الانسجام والاستقرار.
بهذا التوازن الشامل، تضمن الحضارة الإسلامية العدل والتناغم بين مختلف جوانب الحياة، مما يجعلها نموذجًا حضاريًا متكاملاً.
• الصبغة الأخلاقية
الأخلاق هي الركيزة الأساسية للحضارة الإسلامية، حيث تتداخل في جميع جوانب الحياة، من السلوك الشخصي إلى السياسة والاقتصاد. وقد كان الهدف من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إتمام مكارم الأخلاق، مما يجعلها أعلى من أي قانون وضعي.
سمات الأخلاق في الحضارة الإسلامية:
• مصدرها الوحي الإلهي: مما يجعلها ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان.
• الإلزام الذاتي: نابع من مراقبة الله، بخلاف الأخلاق الوضعية التي تعتمد على الضمير أو القوانين.
• التكريم الإنساني: تؤكد على كرامة الإنسان، وحقوقه في الحرية والأمان.
• العالمية: ليست قومية أو عنصرية، بل تشمل الجميع.
• التوازن والوسطية: تضمن العدل والاستمرارية.
بهذه المبادئ، تُعدّ الأخلاق حجر الأساس الذي يحفظ الحضارة الإسلامية ويضمن استمراريتها عبر الزمن.
 الباب الثاني \ اسهامات المسلمين في جانب الاخلاق والقيم
تمثل الأخلاق والقيم الركيزة الأساسية في الحضارات الإنسانية، إذ تمنح الإنسان بعده الروحي والمعنوي. بدونها، يفقد الإنسان الدفء المعنوي، مما يؤدي إلى ضعف الضمير وسيطرة النزعة المادية. ورغم دور العلوم في التطور، فإن العديد من الحضارات القديمة والمعاصرة أهملت البعد الأخلاقي، مما أدى إلى اختلال التوازن بين القوة والقيم، كما أشار العديد من المفكرين الغربيين. على العكس من ذلك، قامت الحضارة الإسلامية على أساس الأخلاق والقيم المستمدة من التشريع الإلهي، وليس كنتيجة لتطور فكري بشري. وقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم لإتمام مكارم الأخلاق، مما جعل الأخلاق محورًا أساسيًا في بناء الحضارة الإسلامية.
ستتناول هذه الدراسة إسهامات المسلمين في مجال الأخلاق والقيم، مع التركيز على جوانب محددة، منها:
 الحقوق
بينما دعا نيتشه إلى القضاء على الضعفاء باعتباره مبدأً إنسانيًا، قامت فلسفة الإسلام على القيم والأخلاق، حيث أقرَّ حقوقًا شاملة لجميع البشر دون تمييز، بل امتدت هذه الحقوق لتشمل البيئة والمحيط الذي يعيش فيه الإنسان. حرص الإسلام على حماية هذه الحقوق من خلال الشريعة، وفرض العقوبات على من ينتهكها.
أبرز الحقوق في الإسلام:
• حقوق الإنسان
حقوق الإنسان في الإسلام تعكس رؤية سامية تجاه كرامة الإنسان، حيث يضمن القرآن الكريم حقوقًا شاملة تشمل جميع جوانب الحياة. الإسلام يركز على حماية هذه الحقوق من أي انتهاك، ويؤكد على المساواة بين البشر دون تمييز، مما يعكس قيم العدل والرحمة. من الحقوق الأساسية التي يضمنها الإسلام حق الحياة، حيث يُحرم القتل والاعتداء على النفس. كما يُعزز مبدأ المساواة، حيث يُعتبر التفاضل بين الأفراد قائمًا على التقوى وليس على العرق أو اللون. بالإضافة إلى ذلك، يُشدد على حق الكفاية، مما يضمن توفير مقومات الحياة الكريمة لكل فرد. الإسلام أيضًا يولي أهمية خاصة لحقوق المدنيين والأسرى خلال الحروب، حيث يُحظر قتل الأطفال والنساء والشيوخ. هذه المبادئ تعكس التزام الإسلام بالإنسانية وتضمن حقوق الإنسان في جميع جوانب الحياة، مما يسهم في تعزيز قيم الرحمة والتعاطف بين الأفراد.
• حقوق المرأة
الإسلام كرَّم المرأة وأعطاها حقوقًا تضمن لها مكانة رفيعة، مُحاربًا عادات الجاهلية التي كانت تحرم المرأة حق الحياة، الإسلام أمر بالإحسان إلى المرأة منذ ولادتها، كما حثَّ على المعاملة الحسنة للزوجة، كما منح الإسلام المرأة ذمة مالية مستقلة تمامًا،
• حقوق العمال والخدم
• حثَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحاب الأعمال على معاملة خدمهم معاملة إنسانية كريمة، محذرًا من تكليفهم بما لا يطيقون. الإسلام حذر من ظلم العمال والخدم، وأوصى بعدم إرهاقهم بما يضر بصحتهم. الرسول صلى الله عليه وسلم كان مثالًا حيًّا في معاملته لخدمه، فقد كانت سيرته شاملة في إظهار الاحترام والتقدير لهم، وقد أظهر النبي اهتمامه حتى بحياة خدمه الشخصية، كما في حالة ربيعة بن كعب الأسلمي.

• حقوق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة
النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قدوة في زيارة المرضى والاهتمام بهم، وكان النبي يواسي المرضى ويخفف عنهم أزماتهم، كما في حالة سعد بن عبادة، حيث بكى النبي عندما علم بمرضه وأكد أن الله لا يعذب بالدمع أو الحزن، كان النبي صلى الله عليه وسلم يُبشِّر المرضى بالأجر والثواب، وقد كان حريصًا على تيسير الأمور على المرضى، فأمره النبي بالتيمم بدلًا من الاغتسال الذي أدى إلى وفاته. كما كان النبي يُلبي احتياجات المرضى ويسير معهم حتى يقضوا حاجاتهم، كما في حادثة المرأة التي طلبت منه حاجة. الإسلام يقر حق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة في التداوي، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تَدَاوَوْا عِبَادَ اللّهِ". كما كان النبي يشجع على العلاج وكان يسمح للنساء بمعالجة الرجال في حال الضرورة. النبي صلى الله عليه وسلم أظهر أيضًا معاملة رائعة تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة مثل عمرو بن الجموح، وأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد استشهاده. وتعكس الرحمة والرعاية التي أكدها الإسلام في رعاية جميع أفراد المجتمع.

• حقوق الأيتام والمساكين والأرامل
الشريعة الإسلامية تولي اهتمامًا خاصًا بحقوق اليتامى والمساكين والأرامل، فقد أمر الله عز وجل بالرحمة باليتيم وحث على إعطاء المسكين حقه، كما ورد في القرآن: "فَأَمَّا اليتيم فَلَا تَقْهَرْ" و "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ". كما وعد النبي صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم بجزاء عظيم في الجنة، فقد حث النبي على مسح رأس اليتيم وإطعامه لكي يلين القلب. أكد على أهمية الإنفاق على اليتيم والمسكين، مشيرًا إلى أن المال إذا تم إنفاقه على هؤلاء، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعارض الطعام الذي يُعقد في الولائم ويُترك فيها الفقراء والمساكين، كان النبي صلى الله عليه وسلم يولي اليتامى والمحتاجين رعايته الشخصية، ويعلن مسؤوليته عنهم قائلاً: "أنا أولى الناس بالمؤمنين" وكان يذهب بنفسه لقضاء حاجاتهم، الإسلام بهذا الشكل يضمن لليتامى والمساكين والأرامل حقوقًا مادية ومعنوية،

• حقوق الأقليات
تمتعت الأقلية غير المسلمة في المجتمع المسلم بحقوق وامتيازات لم تحصل عليها أقلية في أي قانون آخر. العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في الإسلام تقوم على أساس القسط والبر، كما ورد في قوله تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ". الإسلام كفل للأقليات غير المسلمة حقوقًا مثل حرية الاعتقاد، حيث قال تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ". مؤكدًا أن من يظلمهم أو ينتقص حقوقهم سيكون خصمًا للنبي يوم القيامة. \كان من حقوق الأقليات غير المسلمة أن تكفلها الدولة الإسلامية إذا تعرضت للعجز أو الفقر، حيث كانت الدولة مسؤولة عن رعاياها جميعًا، واحدة من أعظم مواقف النبي في هذا المجال كانت عندما قام للنبي صلى الله عليه وسلم من أجل جنازة يهودي وقال: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا"، تركز القاعدة الأساسية في التعامل مع الأقليات في الإسلام على احترام كل إنسان طالما لم يظلم أو يعاد.
• حقوق الحيوان
ينظر الإسلام إلى الحيوانات نظرة واقعية، مما يدل على تقدير الإسلام للحيوان. من أبرز حقوق الحيوانات التي أصَّلها التشريع الإسلامي: • تحريم إيذاء الحيوانات: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من يوسم الحيوان في وجهه أو يعذبه. • تحريم تجويع وحبس الحيوان: كما ورد في حديث النبي عن المرأة التي عذبت هرة بحبسها عن الطعام والشراب. • استخدام الحيوان بما خلق له: أشار النبي إلى ضرورة استخدام الدواب في الغرض الذي خلقت له، • الابتعاد عن تعذيب الحيوانات أثناء الذبح: الإسلام نهى عن تعذيب الحيوانات أثناء ذبحها، مثل إبعاد السكين عن أعين الحيوانات قبل ذبحها. كما أكدت الشريعة الإسلامية على أهمية اختيار أماكن الرعي المناسبة للحيوانات، كفل الإسلام حقوقًا واسعة للحيوانات.
• حقوق البيئة
أقر الإسلام أن المحافظة على البيئة تحقق فائدة للإنسان في الدنيا والآخرة. ومن أبرز التشريعات الإسلامية التي تعزز حماية البيئة:
• النظافة وحماية البيئة من التلوث: حذر النبي من تلويث البيئة، كما ربط بين الأجر والمحافظة على البيئة،
• تشجيع على الجمال: الإسلام يقدّر الجمال في البيئة ويحث على الحفاظ عليه، مثل العناية بالملابس والروائح الطيبة التي تساهم في تحسين البيئة.
• الزراعة واستنبات الأرض: حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزراعة، • المحافظة على الماء: أوصى الإسلام بالاستخدام الرشيد للماء، كما نهى عن تلويث المياه. الإسلام يشدد على أن البيئة جزء من النظام الكوني المتكامل، ويجب على المسلمين المحافظة عليها لضمان استمرارها وجمالها بما يعود بالنفع على الإنسان والكائنات الأخرى.
بهذا، يؤكد الإسلام على العدالة والرحمة، مقدمًا نموذجًا متكاملًا لرعاية الحقوق في جميع جوانب الحياة.

 الحريات
تم إقرار الحريات كمبدأ سماوي منذ نزول الإسلام، وذلك بهدف رفع شأن أهل الأرض ورفع مستوى الإنسانية. لم تكن الحريات يومًا نتيجة لتطور اجتماعي أو ثمرة ثورة مطالب بها من المحرومين منها، كما هو الحال في العديد من الأمم المعاصرة.
ويظهر هذا المفهوم من خلال المباحث التالية:
• المبحث الأول: حرية العقيدة
حيث قال الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). وتوضح الآية الكريمة أنه لا يجوز فرض الدين على الآخرين. وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يملك السلطة لإكراه الناس على الإيمان، الحرية الدينية في الإسلام تعني أيضًا قبول التعددية الدينية. مثلما حدث في أول دستور للمدينة، حين اعترف النبي باليهود كجزء من الأمة الإسلامية. لم يفرض الرسول على قريش اعتناق الإسلام بل قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". كما أن الخليفة عمر بن الخطاب منح الأمان للنصارى في القدس. وحث على الحوار البناء باستخدام الحكمة والموعظة الحسنة، كما جاء في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). ووجه القرآن دعوة للحوار مع أهل الكتاب في قوله: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم). فإن الحوار بين الأديان يجب أن يكون قائمًا على الاحترام المتبادل، يبقى لكل شخص دينه الذي يقتنع به، كما ورد في سورة الكافرون: (لكم دينكم ولي دين).
• المبحث الثاني: حرية التفكير
كفل الإسلام حرية التفكير بشكل واضح، حيث دعا إلى استخدام العقل والتفكير في جميع جوانب الكون، حيث قال: (هُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَهُمْ أَغْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا). اعتمد الإسلام في إثبات العقيدة الإسلامية على الأدلّة العقلية، حيث يُعتبر العقل أساسًا للنقل، التفكير في الإسلام هو فريضة دينية لا يمكن للمسلم التخلي عنها، وقد فتح الإسلام المجال للتفكير في الأمور الدينية وإيجاد حلول شرعية للمستجدات، وهو ما يُعرف بالاجتهاد.
• المبحث الثالث: حرية الرأي
حرية الرأي في الإسلام هي حق الفرد في اختيار الرأي الذي يراه مناسبًا في المسائل العامة أو الخاصة، يُعتبر إبداء الرأي واجبًا على المسلم، وهذا لا يمكن القيام به دون حق التعبير عن الرأي. الإسلام أجاز حرية الرأي في الأمور الدنيوية والاجتماعية، حرية الرأي تتضمن أيضًا المشاورة والتمتع بحق التعبير عن الرأي في شؤون الأمة، كما أقر الإسلام حق الشخص في إبداء رأيه حتى أمام السلطة، مثل رد امرأة على عمر بن الخطاب بشأن المهر، مع اعترافه بصواب رأيها. وأن يتجنب الرياء أو التشويش. حرية الرأي في الإسلام تعتبر وسيلة هامة لتحقيق التقدم الحضاري والتعبير عن الذات.

• المبحث الرابع: حرية النفس
أعلن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن التفاضل بين الناس يكون بالتقوى فقط، الإسلام دعا إلى تحرير العبيد وأعطى مكانًا كبيرًا لعتقهم. وقد أكَّد على أهمية العتق كعمل صالح، كما جَعَلَ الإسلام طرقًا لتسهيل عتق العبيد، مثل جعل عتق المملوك كفارة للذنوب، وأمر بمساعدة الأرقاء الذين يريدون أن يُكتَتبوا. ووسع من فرص تحرير العبيد بعد عتقهم. كما حثَّ على المعاملة الحسنة مع العبيد، مثل توفير الطعام واللباس المناسب لهم، واعتُبر ضرب العبيد تعذيبًا يجب أن يُعاقب عليه بتحرير العبد. كما جعل الإسلام عتق العبيد وسيلة للتكفير عن الخطايا، يمكن للعبيد أن يُعتَقوا من أموال الزكاة، على مر العصور الإسلامية،
• المبحث الخامس: حرية التملك
والرأسمالية التي تتيح للأفراد التملك المطلق دون قيود. يعترف بحرية التملك الفردي والجماعي بشكل معتدل ومتوازن. الإسلام أقرّ حق الفرد في التملك، وسمح الإسلام للناس بالتعامل بالمال من خلال البيع والشراء، كما وضع قيودًا على حرية التملك لضمان عدم الإضرار بحقوق الآخرين، الإسلام أيضًا أقرّ التملك الجماعي للمرافق العامة مثل المساجد، في حين حرّم تملك الأموال بطرق غير شرعية كالسرقة والغصب. كما أوجب الإسلام على المسلمين أداء الزكاة من أموالهم عند بلوغ النصاب وحال عليها الحول، وضبط الإنفاق بتوجيهات الإسلام ليكون معتدلًا وغير مُسرف. حدد الإسلام أيضًا حقوق الملكية في حالات الضرورة العامة، ولكن يجب أن تتوازن مع المصلحة العامة ولا تُلحق ضررًا بالآخرين.
بهذا، يتضح دور الأخلاق في تشكيل الحضارة الإسلامية واستمرارها، مما يميزها عن غيرها من الحضارات.