Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (48%)

هذا ما يصرح به السارد المتكلّم في رواية باسم خنذقجي "قناع بلون السماء" التي تتناول قضية شائكة، شرطه الفني الأول هو انسحاب الأيديولوجية لصالح الفن، الرواية تتناول صراع الهويتين العربية والإسرائيلية فوق أرض فلسطين، وتختلف عن تلك الروايات التي ناصرت الحق الفلسطيني دون أن تتو ّغل في مجت َمع الآ َخر، وكاتبها أسير فلسطيني يعاني الأسر في سجن جلبوع، وقد سبق لي أن قرأت له رواية بعنوان "مسك الكفاية". على أن وجود الكاتب في سجن المحتل لا يش ّكل قيمة مضافة للرواية، لك ّن الذي يه ّم القارئ هو هذا النص الروائي، وقدرته على الدفاع عن أنبل قضية إنسانية في التاريخ الحديث، فهل أعدّ باسم خندقجي العُدّة الفن ّية ليدخل هذا المحراب المقدّس؟ يقسم الروائي روايته إلى ثلاثة فصول: نور، وسماء: نتعرف في الفصل الأول إلى نور الذي يعيش في مخيم من مخيمات رام الله، ويعمل على كتابة رواية حول مريم المجدلية، ساعياً من خلال تخصصه في علوم الآثار إلى جمع أكبر قدر من المعلومات التاريخية حول الشخصية الرئيسية وزمنها وبيئتها؛ وإذ يشتري معطفاً من أسواق الثياب المستعملة يجد في جيب من جيوبه هوية إسرائيلية لشاب اسمه أور، ليجد نفسه أمام فرصة نادرة لخوض مغامرة الدخول إلى المستوطنات والكيبوتسات مع بعثة أثرية، مستفيداً من سحنته ولون عينيه ولونه الذي يشبه يهود أوروبا "الأشكناز"، غايتها البحث الأثري حول الفيلق الروماني السادس، وهناك يتعرف إلى "أيالا شرعابي" اليهودية، بينما يبدأ الفصل الثالث مع ظهور سماء إسماعيل الفلسطينية الحيفاوية التي تحمل هوية إسرائيلية، وصراع بين أور (نور) وسماء التي ترفض سعيه إلى تهدئتها، بالإضافة إلى صراع داخلي يعانيه البطل بين أصله (نور)، ولكنها بعد ذلك تقبلها حين تتأكد من أنه ابن جلدتها، بينما يؤكد لها في نهاية السرد تمسكه بخيار الهوية الفلسطينية لديه، " يقدّم الكاتب هذه الحكاية في حلة فنية قشيبة، فيلجأ إلى تسجيل مجموعة من البطاقات الصوتية التي يوجهها إلى صديقه الأسير مراد، ولكنها تفيد الكاتب في جعلها مشجباً يعلّق عليه تناقضات شخصية نور وحواراتها؛ لتقوم مقام مجموعة تداعيات طويلة للبطل قد تربك البناء الروائي. إضافة إلى البطاقات الصوتية، ثمة رسائل يرسلها نور إلى صديقه مراد، ومن الإشارات الطريفة حول تلك الرسائل بيا ُن خوف المحت ّل منها، كما يلجأ الكاتب إلى حيلة سردية ليست جديدة، تتجلى في أن يكتب البطل رواية داخل الرواية، أو يتحدّث عن صناعة الرواية داخل السرد؛ إذ يخبرنا السارد نور في مفتتح القسم الأول بأنه سيصنع عالمه الروائي الخاص، وسيكتب رواية يواجه بها الرواية المضادة؛ يبتدعه الروائي من خياله. وقد أفاد الروائي من هذه الحيلة الميتاسرية في البداية، إذ كان يربك القارئ في الانتقالات بين أزمنة الرواية المتداخلة، كما كان يربكه باستخدامه لغة ذهنية تبتعد كثيراً عن الشعرية لصالح الأيديولوجية، وتمتدّ على صفحات تغوص عميقاً في تفاصيل حياة مريم المجدلية وشياطينها السبعة وعلاقتها بالمسيح، )2(ـ البنية الإطارية للسرد: يمكن في الزمن السردي لهذه الرواية أن نجد بنية واضحة المعالم، بخلاف الزمن السردي في رواية الظ ّل التي تتناول حكاية مريم المجدلية، والفرق بينهما أن هناك بيئة زمنية حيوية سلسة تملأ العين والقلب، تمتد مكانياً بين القدس ورام والله والمخيم والمستوطنة والكيبوتس، وفي مفهوم الفضاء الروائي يمكن أن نتتبع مكاناً أليفاً، من مثل غرفة نور ورفوفها الخشبية التي تتراكم فوقها كتب جديدة وأخرى عتيقة، تق ّرب السرد إلى القلب، على الرغم من أن نافذتها تط ّل على غابة، أ ّي إ ّن الروائي يبدو لنا أكثر قدرة على صياغة المكان الأليف، وأكثر قدرة على الالتحام به سردياً، ولتجلية الأمر فإن السلاسة الحيوية، والتصنيف المصطنع يظهران حتى على مستوى وصف الشخصيات، بعينين سوداوين واسعتين، بالمقابل فإ ّن شخصية سماء تبدو على العكس تماماً نابضة بالحيوية في ظهورها الأول، حيث كان أور يتعرف إلى أفراد البعثة، إذ تع ّرف سماء نفسها: "سماء إسماعيل طالبة دراسات عليا في حقل الآثار من حيفا، انبعث عن يساره من فتاة متشحة بحرير شعرها وملابسها السوداء"، وبحيوية (بنت البلاد)، هذا المكان الذي ترجح بين الأليف والمنفّر، يستند إلى دراية واسعة بالمهاد الروائي بصنفيه، وقد أثثه الروائي بما يمتلك من خبرة فنية، صوتياً من خلال التسجيلات
وبصرياً من خلال الأشياء التي وزعها عليه بمهارة، فقد أثث باسم خندقجي المدن والمخيمات بشوارعها ومكتباتها، إذ "ليس ثمة معنى لاسم المخيم الفلسطيني إلا عندما ترتكب فيه المجزرة"ص16، على نحو ما فعله حين أفاد من الصندوق في بدابة الرواية وفي ربعها الأخير، أو على قارورة عطر الناردين الفاخر الذي سكبته على يسوع، وقد يحتوي الصندوق أيضاً على ضفائرها التي مسحت بها قدمي يسوع"، عندما لمحته خفق قلبي، فقد جاء الغلاف مع ّبراً عن المحتوى إلى حدّ كبير: ثمة شاب وفتاة يقفان في أسفل يسار الصورة هما نور وسماء، وعلى يمينهما ظلال قضبان ترمز للأرض الأسيرة، بينما تطير ثلاثة بالونات نحو السماء، وأ ّما العنوان (قناع بلون السماء) الذي قيل إنه يرمز إلى الهوية الإسرائيلية الزرقاء التي تسربل بها نور عندما كان مع البعثة الأثرية، وقد حلّق نور وسماء خارج المستوطنة معاً في نهاية الرواية، ما يجعل الازرقاق في رمز الهوية الإسرائيلية الزرقاء غير صالح لاستثماره دلالياً على هذا النحو التفسيري الساذج؛ )3(ـ أور على مذبح نور ال ّشهدي: يشغل نور الشهدي دور السارد البطل، م ّسته الأرض ببوحها الس ّري "عندما عثر في خباياها على قطع فخارية وأختام ومجسمات وعملات دفنت في التراب منذً آلاف السنين"، حتى إ ّن أهل المخ ّيم لقبوه بالأمريكي والأجنبي والسكناجي، وقد عمل على إعالة نفسه وأسرته كادحاً في ورش البناء، فقد "كانت العربية لغة قلبه، وقد بدأ فصامه الشكلي حين وجد في جيب المعطف المستعمل الذي اشتراه بطاقة هوية زرقاء اللون لشاب اسمه أور شابيرا، سعياً إلى البحث عن جذور روايته الحقيقية: "شعرت أ ّن هذه الهوية ذات غواية تدفعني نحو الاتحاد بها وعدم التنازل عنها، كن ُت أشعر بتشبثها بي. بشعري الطويل المج ّعد وعيني الزرقاوين ولغتي العبرية ذات اللكنة الأشكنازية. إذ إن أور شابيرا الأصلي لن يعيش بلا هوية، ودفعه إلى مواجهة أور في عدة مواقف. فعندما رحب به البروفيسور برايان في معهد الآثار طلب منه أن يناديه بـ "بريان" بلا ألقاب، ما دفع أور (نور) إلى أن يقول في نفسه: "هل هما اسمي العبري ونجمة داوود من دفعاك إلى هذا الاحتفاء المرح؟ لو قلت لك الآن إن اسمي هو نور الشهدي هل كنت ستعاملني بالمثل؟"، وفي مكتبة المعهد يترك البروفيسور لأور حرية الحركة، فيتساءل نور المسجون في داخله: "لو أنني نور، كما يبلغ الصراع داخل نفس البطل أشدّه على مستوى المشهد الجنسي، فعندما يرى أور (نور) أيالا بين الفتاتين المثليتين يستفزه العري الثلاثي، وقد تجلى الصراع بين نور الغائب/ بقوة الاحتلال، وأور الحاضر/ بقوة الهوية الزرقاء في عدة مونولوجات حوارية جرت بينهما، من مثل ذلك الحوار الذي جرى عند مدخل الكيبوتس، وقد أفرزت هذه الثنائية التي انتقل نور وأور بين طرفيها حوارات طريفة أسهمت في رفع مستوى الذرى الدرامية. فيكون الحوار التالي: "ـ أتود التطوع؟ همس نور بأذن أور: ـ لا توافق. أجاب أور بريان بكل ثقة: ـ نعم. بكل سرور" ص101ـ 102. ومن ذلك أيضاً الحوار الذي جرى بينهما في أثناء عملهما (موح َدين في جسد واحد) مع البعثة الأثرية، حيث يص ّرح نور باسم القرية العربية، فيعدّل له نظيره أور التسمية التي تصبح في نفس البطل صراعاً على مستوى اللغة: "ـ كيف سنبلغ اللجون؟ ـ بل قل كيف سنبلغ كيبوتس مجدّو. ـ بل اللجون قرية بأكملها مدفونة تحت أقدامكم"، ولعلنا نشير إلى هذا الحوار بين أسامة الكرمي والمحقق الإسرائيلي في رواية "الصبار" لسحر خليفة، وماتالوالد فانتقلت أمي إلى نابلس: ـ ولماذا انتقلت أ ّمك إلى شخيم؟ ـ تُعجبها نابلس. ـولماذاعد َتمندولالبترولإلىشخيم؟ عدت إلى نابلس لأن الوالد مات. وبذلك كان على قدر كلمته التي قالها لأور ذات مونولوج: "ـ أنا أرتديك كما أشاء، )4(ـ مدارات نور الشهدي: دارت في فلك نور الشهدي شخصيات كثيرة، والده مهدي الذي واجه المحتل، أمه البديلة/ والدة صديقه الأسير مراد، وكانتا على اقتراب شديد منه عند توتّر الحكاية هما شخصيتا أيالا شرعابي الإسرائيلية اليهودية وسماء إسماعيل الفلسطينية الحيفاوية. أيالا شرعابي التي تخرجت في كلية الآثار في الجامعة العبرية يقدّم السرد صفاتها الجسدية دفعة واحدة، فهي تحدّث أور/ نور عن نصب تذكاري نال منه الدمار داخل الكيبوتس:
أما الدمار الذي أل ّم به فهو بسبب قذيفة أصابته خلال معركة همشمار هعيمق التي وقعت ما بيننا وبين العرب أثناء حرب الاستقلال عام 1948"، كما إنها تضع في عنقها قلادة تستفز نور المختبئ في إهاب أور: "أخذتني تلك القلادة المتمددة فوق مفرق نهديها اللذين كانا ينفجران
على أنّه حين حاول (نور) الانضمام إلى مجموعة سماء في التنقيب، واستسلم لرغبة أيالا في لانضمام إلى مجموعتها: "أما نور فقد كان في سرة يسعى لضبط إيقاع قلبه الصاخب
أنتم من أحلتم التوراة دليلاً أثرياً سياحياً"، وعلى الرغم من أ ّن أيالا سعت دائماً إلى مواجهة سماء، في أحد حوارات سماء ونور تتقدم أيالا نحوهما، وتقول: "ـ هل ثمة خطب ما؟ ـ لا ي و ج د ه ن ا خ ط ب س و ا ِك . وسط تخبط أور ونور معاً: ـ إنها ليست ترهات، وفي حوار آخر بينهما تتهم أيالا نقيضتها سماء بالحقد: "ـ أيتها الحاقدة كيف تتهمين إسرائيل بممارسة هولوكوست بحقكم! لقد سمعتك وأنت تفترين علينا أمام هؤلاء الأجانب. )5(ـ حول لغة السرد: يمكن للقارئ أن يلاحظ على مدى صفحات الرواية مستويين مختلفين للغة: مستوى أدبي يحتفي بالثقافة وتناصاتها الجمالية، ومستوى ذهني أيديولوجي يربك السرد والقارئ في آن معاً. وصخرتها قلبها النابض بالقداسة ودماء الأرض والسماء معاً"، " •كان الشيخ مرسي يقبض بيده سبحة حباتها من عقيق، " •لم يتنازل في أوقات الاستراحة عن استراق النظر إلى سماء إسماعيل، أنا أنتظر عمراً بأكمله من أجل الخلاص من هذه الهوية، وقد كان حرياً برواية تقتحم هذا الحقل المهم أن تتجنّب الأمرين، بعد الجهد البنائي والفكري الذي بذله الروائي في تأليفها، وما زال حارساً أميناً مع إنني رأيت فيها مادة دسمة للمخيلة الاستمنائية الخاصة بي"، ويدافع عن نفسه في مواجهة عتاب مراد الذي يراه مشغولاً برواية المجدلية على حساب البحوث التاريخية والاقتصادية: "أنا أتج ّرع أكاذيب وأساطير ملعوباً بأسفل سافلها، أترعها ثم ألفظها بمناعتي وحصانتي وعزمي على مواجهة الاغتصاب التاريخي الذي نتعرض له منذ نكبتنا على الأقل". "فما مآلاته؟ كيف انقلبت أحواله وأقداره التي أدت به إلى الاغتراب التام عن
يمكن أن نخلص في النهاية إلى أ ّن رواية "قناع بلون السماء" لباسم خندقجي رواية مشغولة بأناة على مستوى البناء، والقدرة على التشويق وبناء الذرى الدرامية من جهة، وقد نجحت في السير بين الخطوط المستحيلة، وربما كان من الأفضل أن يتخلص الروائي من عبء اللغة المثقلة بالمصطلحات التاريخية والأيديولوجية ليزيد روايته


Original text

هذا ما يصرح به السارد المتكلّم في رواية باسم خنذقجي "قناع بلون السماء" التي تتناول قضية شائكة، سكت عنها كثيرون، وج ّربها آخرون، فحام بعضهم حول الحمى، ووقع بعضهم فيه؛ إذ ليس من السهل أن تعالج صراع قضيتين ورؤيتين وأيديولوجيتين متناقضتين في سياق سردي، شرطه الفني الأول هو انسحاب الأيديولوجية لصالح الفن، وتقنُّعها بقناع المجاز الذي لا يفت ّض بكارة اللغة الأدبية. الرواية تتناول صراع الهويتين العربية والإسرائيلية فوق أرض فلسطين، وتختلف عن تلك الروايات التي ناصرت الحق الفلسطيني دون أن تتو ّغل في مجت َمع الآ َخر، وشخصياته ورؤاه، وكاتبها أسير فلسطيني يعاني الأسر في سجن جلبوع، وقد سبق لي أن قرأت له رواية بعنوان "مسك الكفاية". على أن وجود الكاتب في سجن المحتل لا يش ّكل قيمة مضافة للرواية، بل للكاتب نفسه، فهو رجل وطني لا يحتاج إلى تزكية من رجل مثلي؛ ذلك أن القاعد لا يُفتي للقائم، لك ّن الذي يه ّم القارئ هو هذا النص الروائي، وشروطه الفنية، وقدرته على الدفاع عن أنبل قضية إنسانية في التاريخ الحديث، فهل أعدّ باسم خندقجي العُدّة الفن ّية ليدخل هذا المحراب المقدّس؟ يقسم الروائي روايته إلى ثلاثة فصول: نور، وأور، وسماء: نتعرف في الفصل الأول إلى نور الذي يعيش في مخيم من مخيمات رام الله، ويعمل على كتابة رواية حول مريم المجدلية، ساعياً من خلال تخصصه في علوم الآثار إلى جمع أكبر قدر من المعلومات التاريخية حول الشخصية الرئيسية وزمنها وبيئتها؛ وإذ يشتري معطفاً من أسواق الثياب المستعملة يجد في جيب من جيوبه هوية إسرائيلية لشاب اسمه أور، ليجد نفسه أمام فرصة نادرة لخوض مغامرة الدخول إلى المستوطنات والكيبوتسات مع بعثة أثرية، بصفته أور، مستفيداً من سحنته ولون عينيه ولونه الذي يشبه يهود أوروبا "الأشكناز"، ليبدأ معه القسم الثاني الذي يتمكن فيه، بصفته أور لا نور، من الانضمام إلى بعثة أثرية تنقيبية، غايتها البحث الأثري حول الفيلق الروماني السادس، وهناك يتعرف إلى "أيالا شرعابي" اليهودية، بينما يبدأ الفصل الثالث مع ظهور سماء إسماعيل الفلسطينية الحيفاوية التي تحمل هوية إسرائيلية، لتبلغ الصراعات ذروتها: صراع أيالا مع سماء التي لا تتورع عن التعريف بحقيقة قضيتها العادلة أمام أفراد البعثة الأجانب، وصراع بين أور (نور) وسماء التي ترفض سعيه إلى تهدئتها، بالإضافة إلى صراع داخلي يعانيه البطل بين أصله (نور)، وهويته المؤقتة (أور)، حتى يقرر الاعتراف لسماء بحقيقته التي ترفضها في البداية، ولكنها بعد ذلك تقبلها حين تتأكد من أنه ابن جلدتها، وابن قضيتها، وحليفها في الرؤية؛ بينما يؤكد لها في نهاية السرد تمسكه بخيار الهوية الفلسطينية لديه، حين يقول: "أن ِت هو ّيتي ومآلي." يقدّم الكاتب هذه الحكاية في حلة فنية قشيبة، يحاول في صناعتها الإفادة من بعض مظاهر التجديد الشكلي، فيلجأ إلى تسجيل مجموعة من البطاقات الصوتية التي يوجهها إلى صديقه الأسير مراد، وهي رسائل لن يتلقاها مراد القابع في سجنه، ولكنها تفيد الكاتب في جعلها مشجباً يعلّق عليه تناقضات شخصية نور وحواراتها؛ إذ لا بد من وجود مثل هذه الشخصية، لتقوم مقام مجموعة تداعيات طويلة للبطل قد تربك البناء الروائي. إضافة إلى البطاقات الصوتية، ثمة رسائل يرسلها نور إلى صديقه مراد، يشرح له فيها مشاعره وتوجساته واضطراب الهوية الطارئ الذي يصيبه، وأهمية الكتابة الروائية، ودورها الفاعل في الوعي، شأنها في ذلك
شأن البحوث التي يكتبها، ومن الإشارات الطريفة حول تلك الرسائل بيا ُن خوف المحت ّل منها، إذ يفتش ال ّسجان الكتب ليتأكد من خلوها "من أ ّي خطر وجودي قد يزلزل أمن كيانه"، ص22. كما يلجأ الكاتب إلى حيلة سردية ليست جديدة، تتجلى في أن يكتب البطل رواية داخل الرواية، أو يتحدّث عن صناعة الرواية داخل السرد؛ إذ يخبرنا السارد نور في مفتتح القسم الأول بأنه سيصنع عالمه الروائي الخاص، وسيكتب رواية يواجه بها الرواية المضادة؛ مح ِدّداً في تخطيط سردي واعٍ زمنين: زمن حاضر، بطلُه فلسطيني اسمه نسيم شاكر، وزمن ماض، بطلتُه مريم المجدلية، وحولها بعض التلاميذ والرسل، ورجل اسمه سمعان، يبتدعه الروائي من خياله. وقد أفاد الروائي من هذه الحيلة الميتاسرية في البداية، فأثار التشويق ورغبة متابعة الخطوط المتداخلة لدى القارئ، غير أنها شكلت لاحقاً عبئاً على الكاتب في بناء الحبكة وفي لغتها أيضاً، إذ كان يربك القارئ في الانتقالات بين أزمنة الرواية المتداخلة، كما كان يربكه باستخدامه لغة ذهنية تبتعد كثيراً عن الشعرية لصالح الأيديولوجية، وتمتدّ على صفحات تغوص عميقاً في تفاصيل حياة مريم المجدلية وشياطينها السبعة وعلاقتها بالمسيح، وفي نظريات تاريخية دينية وتنقضها، وتدافع ذهنياً عن رؤية خاصة، يواجه بها المؤلف رؤية دان براون في "شيفرة دافنشي"، وغير ذلك من المساجلات الذهنية أو الفكرية حول الاغتراب والغنوصية، وغيرهما. )2(ـ البنية الإطارية للسرد: يمكن في الزمن السردي لهذه الرواية أن نجد بنية واضحة المعالم، تتعلق بالحكاية الرئيسية، بخلاف الزمن السردي في رواية الظ ّل التي تتناول حكاية مريم المجدلية، والفرق بينهما أن هناك بيئة زمنية حيوية سلسة تملأ العين والقلب، تمتد مكانياً بين القدس ورام والله والمخيم والمستوطنة والكيبوتس، في مقابل بنية زمنية صناعية تتوغل في التاريخ الذهني للشخصية (زمن صلب يسوع)، وتلاحقها في أماكن وجودها الافتراضية بجهد ذهني تعوزه العفوية. وفي مفهوم الفضاء الروائي يمكن أن نتتبع مكاناً أليفاً، مصطبغاً بالمشاعر، من مثل غرفة نور ورفوفها الخشبية التي تتراكم فوقها كتب جديدة وأخرى عتيقة، وضعت بطريقة عشوائية، تق ّرب السرد إلى القلب، وتق ّربه إلى القلب أيضاً "قطع فخارية وأسرجة زيتية آثارية قد عثر عليها في دروب مشاركته في الحفريات الأثرية منذ أيام دراسته الجامعية." أما حجرة الكيبوتس، بوصفها مكاناً منفّراً لنور، فقد جاء وصفها تصنيفياً، على الرغم من أن نافذتها تط ّل على غابة، "أما أثاثها فهو مكون من مكتب خشبي صغير، وكرسي بلاستيكي ومقابله سرير حديدي مكون من طابقين، بجانبه دولاب لحفظ الملابس وأغراض أخرى"، ص154. أ ّي إ ّن الروائي يبدو لنا أكثر قدرة على صياغة المكان الأليف، وأكثر قدرة على الالتحام به سردياً، ولتجلية الأمر فإن السلاسة الحيوية، والتصنيف المصطنع يظهران حتى على مستوى وصف الشخصيات، أو تأثيث المكان بالشخصيات، فالشخصية المنفّرة (أيالا) تبدو صفاتها خارج حياة السرد وغير مقترنة بفعل سردي في ظهورها الافتتاحي: "متوسطة الطول بشعر أسود قصير عبثت به بضع خصلات شقراء فوق وجهها الدائري الأبيض الممتلئ قليلاً، بعينين سوداوين واسعتين، وأنف لا يجافي بحجمه غلاظة شفتيها المكتنزتين... إلخ"، ص104. بالمقابل فإ ّن شخصية سماء تبدو على العكس تماماً نابضة بالحيوية في ظهورها الأول، حيث كان أور يتعرف إلى أفراد البعثة، إذ تع ّرف سماء نفسها: "سماء إسماعيل طالبة دراسات عليا في حقل الآثار من حيفا، من هذه البلاد، جاء الصوت الأنثوي المبحوح من جانبه، انبعث عن يساره من فتاة متشحة بحرير شعرها وملابسها السوداء"، ص160. وبالطبع فإن القارئ يعرف جيداً الفرق بين "فتاة متوسطة الطول بشعر أسود قصير"، وبين "فتاة متشحة بحريري شعرها"، فالوصف الأول خارج الفعل السردي والثاني جزء منه، تقّدم الشخصية الثانية نفسها داخل الفعل، وبحيوية (بنت البلاد)، حيث لم تقل إنها من (إسرائيل)، ولم تقل إنها فتاة فلسطينية تعيش في (إسرائيل)، بل من هذه البلاد، ما يخفي (أو يص ّرح في الحقيقة) اعتزازها بفلسطينيتها، وإيمانها بعروبة الأرض التي تقف عليها. هذا المكان الذي ترجح بين الأليف والمنفّر، والذي انتقلت عدواه إلى الشخصيات، يستند إلى دراية واسعة بالمهاد الروائي بصنفيه، وقد أثثه الروائي بما يمتلك من خبرة فنية، صوتياً من خلال التسجيلات
والحوارات، وبصرياً من خلال الأشياء التي وزعها عليه بمهارة، فقد أثث باسم خندقجي المدن والمخيمات بشوارعها ومكتباتها، وحتى بمجازرها؛ إذ "ليس ثمة معنى لاسم المخيم الفلسطيني إلا عندما ترتكب فيه المجزرة"ص16، كما أفاد في التأثيث من حيل سردية معروفة للعب على ثنائية المفتوح والمغلق، على نحو ما فعله حين أفاد من الصندوق في بدابة الرواية وفي ربعها الأخير، حين أشار إلى كنز المجدلية المتخ ّيل، هو "صندوق عاجي صغير الحجم يحتوي على تماثيل صغيرة لشياطين المجدلية السبعة، أو على قارورة عطر الناردين الفاخر الذي سكبته على يسوع، وقد يحتوي الصندوق أيضاً على ضفائرها التي مسحت بها قدمي يسوع"، ص36، وقد أفاد الإفادة نفسها في سياق سردي لاحق: "عثرنا على صندوق حديدي متوسط الحجم، عندما لمحته خفق قلبي، شعرت للحظة أن ما أتخيله واقعي، وحقيقي تماماً، تسبب
العثور على الصندوق بهرج ومرج مصحوبين بالتصفيق والهتاف"، ص190. فيما يتعلّق بالفضاء الطباعي، فقد جاء الغلاف مع ّبراً عن المحتوى إلى حدّ كبير: ثمة شاب وفتاة يقفان في أسفل يسار الصورة هما نور وسماء، وعلى يمينهما ظلال قضبان ترمز للأرض الأسيرة، وللأسرى في المعتقلات الإسرائيلية، ويحت ّل مسجد قبة الصخرة بتاريخه الجليل خلفية الصورة، بينما تطير ثلاثة بالونات نحو السماء، وأ ّما العنوان (قناع بلون السماء) الذي قيل إنه يرمز إلى الهوية الإسرائيلية الزرقاء التي تسربل بها نور عندما كان مع البعثة الأثرية، فإن هذا الافتراض يبدو بعيداً جداً، فالزرقة التي يتقنع بها البطل ليست الهوية الزرقاء، بل هي القناع الذي ارتداه، ليحلّق في سماء الدفاع عن قضيته، وعلينا أن نتذكر أيضاً أن الشخصية الفلسطينية كانت تحمل اسم سماء، وقد حلّق نور وسماء خارج المستوطنة معاً في نهاية الرواية، ما يجعل الازرقاق في رمز الهوية الإسرائيلية الزرقاء غير صالح لاستثماره دلالياً على هذا النحو التفسيري الساذج؛ لأن الأزرق هو لون الصفاء والعمق والاتساع والتفاؤل، وهذا ما لا ينطبق على ذلك الافتراض.. إن الازرقاق ها هنا هو الحياة في مواجهة الموت، ولع ّل ذلك ما يفسر اختيار العتبة النصية للفصل الأول التي اختارها الروائي من جدارية الشاعر محمود درويش التي كتبها الشاعر الراحل انتصاراً للحياة. )3(ـ أور على مذبح نور ال ّشهدي: يشغل نور الشهدي دور السارد البطل، وهو باحث فلسطيني متخصص في التاريخ والآثار، م ّسته الأرض ببوحها الس ّري "عندما عثر في خباياها على قطع فخارية وأختام ومجسمات وعملات دفنت في التراب منذً آلاف السنين"، هذا الفتى الذي ولد في المخ ّيم، ورث عن أ ّمه بياضها وزرقة عينيها وجمالها، فنشأ وسيما كالأجانب، حتى إ ّن أهل المخ ّيم لقبوه بالأمريكي والأجنبي والسكناجي، وقد عمل على إعالة نفسه وأسرته كادحاً في ورش البناء، ومرشداً سياحياً، وقد تعلّم العبرية والإنجليزية، فقد "كانت العربية لغة قلبه، والإنجليزية لغة عقله، والعبرية لغة ظله وملامحه الأشكنازية"، وقد بدأ فصامه الشكلي حين وجد في جيب المعطف المستعمل الذي اشتراه بطاقة هوية زرقاء اللون لشاب اسمه أور شابيرا، فتمسك بهذه الهوية التي تمكنه من دخول أماكن محظورة عليه، سعياً إلى البحث عن جذور روايته الحقيقية: "شعرت أ ّن هذه الهوية ذات غواية تدفعني نحو الاتحاد بها وعدم التنازل عنها، كن ُت أشعر بتشبثها بي.. بشعري الطويل المج ّعد وعيني الزرقاوين ولغتي العبرية ذات اللكنة الأشكنازية." تبدو حكاية الهوية المنسية في المعطف ساذجة تماماً، إذ إن أور شابيرا الأصلي لن يعيش بلا هوية، وإنه لو استخرج هوية بديلة، فسوف يتم تعطيل الهوية الضائعة إلكترونياً في بلد يعطي أهمية قصوى للأمن، وعلى الرغم من ذلك فإنها تنجح في تمويه (نور)، مثلما تنجح في وضعه أمام أسئلة وجودية صعبة، ودفعه إلى مواجهة أور في عدة مواقف. فعندما رحب به البروفيسور برايان في معهد الآثار طلب منه أن يناديه بـ "بريان" بلا ألقاب، ما دفع أور (نور) إلى أن يقول في نفسه: "هل هما اسمي العبري ونجمة داوود من دفعاك إلى هذا الاحتفاء المرح؟ لو قلت لك الآن إن اسمي هو نور الشهدي هل كنت ستعاملني بالمثل؟"، ص101. وفي مكتبة المعهد يترك البروفيسور لأور حرية الحركة، فيتساءل نور المسجون في داخله: "لو أنني نور، فهل كان ليخلّفني وحدي هنا دون مراقبة وحراسة". كما يبلغ الصراع داخل نفس البطل أشدّه على مستوى المشهد الجنسي، فعندما يرى أور (نور) أيالا بين الفتاتين المثليتين يستفزه العري الثلاثي، وتستفزه دعوة أيالا: "هيا تعال وأرحني من طنين النحل بين فخذ ّي.. يدنو منها، يكاد ينتزع ملابسه متأثراً بفحشها، يكاد
يهم بها، فيلتفت بغتةً نحو النافذة، فإذا بسماء تتكئ على جذع شجرة صنوبر ضخمة تحدّق به بأسف"، ص1ّ92. وقد تجلى الصراع بين نور الغائب/ بقوة الاحتلال، وأور الحاضر/ بقوة الهوية الزرقاء في عدة مونولوجات حوارية جرت بينهما، من مثل ذلك الحوار الذي جرى عند مدخل الكيبوتس، ص ص148ـ149، ومنه: "اللعبة بدأت منذ أكثر من سبعين عاماً، حين زرع أجدادك هذا الجبل بالجثث والأشجار، لإخفاء بقايا معالم قرية أبو شوشة"، ص149. وقد أفرزت هذه الثنائية التي انتقل نور وأور بين طرفيها حوارات طريفة أسهمت في رفع مستوى الذرى الدرامية. في أحد المفترقات السردية يطلب بريان من أور أن يتطوع مع مجموعة من المتطوعين لتنظيف اللقى الأثرية، فيكون الحوار التالي: "ـ أتود التطوع؟ همس نور بأذن أور: ـ لا توافق.. لا توافق.. ستكشف أمرنا. أجاب أور بريان بكل ثقة: ـ نعم.. بكل سرور" ص101ـ 102. ومن ذلك أيضاً الحوار الذي جرى بينهما في أثناء عملهما (موح َدين في جسد واحد) مع البعثة الأثرية، حيث يص ّرح نور باسم القرية العربية، فيعدّل له نظيره أور التسمية التي تصبح في نفس البطل صراعاً على مستوى اللغة: "ـ كيف سنبلغ اللجون؟ ـ بل قل كيف سنبلغ كيبوتس مجدّو. ـ بل اللجون قرية بأكملها مدفونة تحت أقدامكم"، ص179. نذ ّكر هنا أن مثل هذا الصراع اللغوي كان قد تجلى في الأدبيات الفلسطينية بأكثر من شكل، ولعلنا نشير إلى هذا الحوار بين أسامة الكرمي والمحقق الإسرائيلي في رواية "الصبار" لسحر خليفة، حيث تصبح اللغة تحدّياً من تحدّيات المواجهة: "غادر ُتإلىدولالبترولمنذخمسسنوات،بعدالاحتلالبثلاثةأشهر،كنّانسكنطولكرم،وماتالوالد فانتقلت أمي إلى نابلس: ـ ولماذا انتقلت أ ّمك إلى شخيم؟ ـ تُعجبها نابلس. ـ ولماذا تعجبها شخيم؟ ـ نابلس تعجبها لأنها مليئة بالأقارب. ـولماذاعد َتمندولالبترولإلىشخيم؟ عدت إلى نابلس لأن الوالد مات." وعلى الرغم من تح ّكم (أور) بـ (نور) في خلال عمل البعثة الأثرية، فقد استطاع أن يتفلت منه غير مرة، خاصة حين لحق بسماء، وأخبرها بحقيقته، وبذلك كان على قدر كلمته التي قالها لأور ذات مونولوج: "ـ أنا أرتديك كما أشاء، لا كما تشاء أنت"، ص107. )4(ـ مدارات نور الشهدي: دارت في فلك نور الشهدي شخصيات كثيرة، والده مهدي الذي واجه المحتل، ثم ضاع بعد أن ضاعت قيمته في مهب عاصفة السلام، وأمه نورا التي ولدته وماتت، وأم عدلي، أمه البديلة/ والدة صديقه الأسير مراد، والشيخ مرسي، وآخرون ممن ش ّكلوا إطاراً بيئياً جاذباً ودافئاً له، غير أن الشخصيتين اللتين ه ّزتا مدار هذا الفلك، وكانتا على اقتراب شديد منه عند توتّر الحكاية هما شخصيتا أيالا شرعابي الإسرائيلية اليهودية وسماء إسماعيل الفلسطينية الحيفاوية. أيالا شرعابي التي تخرجت في كلية الآثار في الجامعة العبرية يقدّم السرد صفاتها الجسدية دفعة واحدة، كما أشرنا سابقاً، وقد برزت ابنة وفية للنظرية التي نشأت عليها، فهي تحدّث أور/ نور عن نصب تذكاري نال منه الدمار داخل الكيبوتس:
"هذا نصب "زاوية المنفى" ُش ّيد تخليداً لذكرى الأطفال اليهود الذين قضوا في معسكرات الإبادة النازية إبان الحرب العالمية الثانية، أما الدمار الذي أل ّم به فهو بسبب قذيفة أصابته خلال معركة همشمار هعيمق التي وقعت ما بيننا وبين العرب أثناء حرب الاستقلال عام 1948"، ص151. كما إنها تضع في عنقها قلادة تستفز نور المختبئ في إهاب أور: "أخذتني تلك القلادة المتمددة فوق مفرق نهديها اللذين كانا ينفجران
بوجهي رغبة وفتنة (...) كدت أنتزعها من عنقها صارخاً هذه لي، هذه البلاد لي"، ص119. على أنّه حين حاول (نور) الانضمام إلى مجموعة سماء في التنقيب، أص َّم أذنيه عن سماع نداء قلبه، واستسلم لرغبة أيالا في لانضمام إلى مجموعتها: "أما نور فقد كان في سرة يسعى لضبط إيقاع قلبه الصاخب
المطالب بانضمامه لمجموعة سماء إسماعيل"، ص161. أ ّما سماء فقد كانت واضحة، مو ّحدة أمام شكلها وقلبها، لذلك كانت قادرة على مجابهة الجميع، حتى نور نفسه، الذي حاول التقرب منها في صورته الأشكنازية: "دعينا من السياسة.. نحن هنا في بعثة علمية آثارية. ـ ألا تعلم أن الآثار سياسة. أنتم من أحلتم التوراة دليلاً أثرياً سياحياً"، ص194. كما استطاعت أن تجابه أيالا، وأن تشرح مأساتها على هذه الأرض للأجانب الذين يشاركونها التنقيب، وعلى الرغم من أ ّن أيالا سعت دائماً إلى مواجهة سماء، فإن سماء لم تخسر المواجهة ولو مرة واحدة، في أحد حوارات سماء ونور تتقدم أيالا نحوهما، وتقول: "ـ هل ثمة خطب ما؟ ـ لا ي و ج د ه ن ا خ ط ب س و ا ِك . تسبب هذا التهكم بانفجار أيالا بوجهها غضبا: ـ ألا تسأمين أنت من ترداد الترهات أمام الطلبة الأجانب؟ دائماً أنتم الضحايا ونحن الجلادين [الجلادون]؟ أجابتها سماء ببرود، وسط تخبط أور ونور معاً: ـ إنها ليست ترهات، بل حقائق"، ص194. وفي حوار آخر بينهما تتهم أيالا نقيضتها سماء بالحقد: "ـ أيتها الحاقدة كيف تتهمين إسرائيل بممارسة هولوكوست بحقكم! لقد سمعتك وأنت تفترين علينا أمام هؤلاء الأجانب. أجابتها سماء بسخط: ـ أليس التطهير العرقي الذي اقترفتموه بحقنا هو الهولوكوست؟"، ص ص222ـ 223. )5(ـ حول لغة السرد: يمكن للقارئ أن يلاحظ على مدى صفحات الرواية مستويين مختلفين للغة: مستوى أدبي يحتفي بالثقافة وتناصاتها الجمالية، وتترجح فيه اللغة بين الإخبارية المباشرة والشعرية السردية، ومستوى ذهني أيديولوجي يربك السرد والقارئ في آن معاً. تحلّق اللغة أحياناً في سماوات الدهشة من مثل ما نلاحظ في السياقات التالية: " •القبة طرحة القدس ومسجدها هذا الهائم في اللازود والفيروز، وصخرتها قلبها النابض بالقداسة ودماء الأرض والسماء معاً"، ص84. " •كان الشيخ مرسي يقبض بيده سبحة حباتها من عقيق، خاشعاً بتسبيح الله واستغفاره، إلى أن حان موعد الأذان، فما إن وقف منتصباً في الجانب الآخر من الصالة لإقامة الصلاة حتى قامت قبيلته الصغيرة بأسرها لتصطف وراءه"، ص92. " •لم يتنازل في أوقات الاستراحة عن استراق النظر إلى سماء إسماعيل، كان مجرد النظر إليها يريحه مستمداً طهره منها"، ص186. " •أيها المغفل، أنا أنتظر عمراً بأكمله من أجل الخلاص من هذه الهوية، وأما أنت فقد خسرت عمرك كله لترتدي هذا القناع"، ص225. وفي المقابل ترهق القارئ صفحات تلاحق التاريخ ملاحقة إيديولوجية مباشرة، وتستفزه كلمات تخدش حياء السرد، أو مصطلحات تربك سلاسته، وقد كان حرياً برواية تقتحم هذا الحقل المهم أن تتجنّب الأمرين،
ً
لتحافظ على تم ّيزها، بعد الجهد البنائي والفكري الذي بذله الروائي في تأليفها، يقول نور لصديقه مراد عن أيالا مستخدماً مفردات تجرح حياء اللغة: "إنها غزالة بحق يا صديقي، وأرجو ألا تسئ [تُس ْي َء] فهمي في هذا الجانب، فأنا كما عهدتني أنت، لم أزل ممسوحاً بطهر منيع لطالما اختبرته، وما زال حارساً أميناً مع إنني رأيت فيها مادة دسمة للمخيلة الاستمنائية الخاصة بي"، ص118. ويدافع عن نفسه في مواجهة عتاب مراد الذي يراه مشغولاً برواية المجدلية على حساب البحوث التاريخية والاقتصادية: "أنا أتج ّرع أكاذيب وأساطير ملعوباً بأسفل سافلها، أترعها ثم ألفظها بمناعتي وحصانتي وعزمي على مواجهة الاغتصاب التاريخي الذي نتعرض له منذ نكبتنا على الأقل". كما يتساءل في لغة ذهنية عن اغترابه في مواجهة شخصيته الجديدة متسائلاً، "فما مآلاته؟ كيف انقلبت أحواله وأقداره التي أدت به إلى الاغتراب التام عن
واقعه الزقاقي." )6(ـ خاتمة:
يمكن أن نخلص في النهاية إلى أ ّن رواية "قناع بلون السماء" لباسم خندقجي رواية مشغولة بأناة على مستوى البناء، والقدرة على التشويق وبناء الذرى الدرامية من جهة، ومن جهة أخرى على مستوى الرؤية الواضحة الناصعة التي تنتصر للحق الفلسطيني في مواجهة زيف الدعاية الإسرائيلية، وقد نجحت في السير بين الخطوط المستحيلة، حيث حاورت الآخر دون أن تسقط في فخه، كما سقط آخرون، وربما كان من الأفضل أن يتخلص الروائي من عبء اللغة المثقلة بالمصطلحات التاريخية والأيديولوجية ليزيد روايته
تألقاً وبها ًء.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

The adsorption ...

The adsorption capacity of HCAV was obtained by adsorption of MO from above The concentration of MO ...

باح يوم سبت من ...

باح يوم سبت من شهر أكتوبر ، وكانت آن منتشية لتو دعوة آن ماريلا ، التي ستخرج بعد الظهر ، اقترحت ل . إ...

إن هذا التعليل ...

إن هذا التعليل لا يدفع مجيئها للشك، لأن الشك - أيضا - معنى يقصد إفهامه بأن " يخبر المتكلمُ المخاطب ب...

Internet of Thi...

Internet of Things (IoT) reveales the profound integration of wearable technology into our daily liv...

بالاطلاع على تا...

بالاطلاع على تاريخ رياضة الكاراتيه على المستوى المحلي نجد أن هذه الرياضة أدخلت إلى المملكة العربية ا...

1. Principle of...

1. Principle of Proximate Cause in Insurance Law The principle of proximate cause is fundamental in...

سرطان الرئة: سر...

سرطان الرئة: سرطان الرئة هو السبب الرئيسي لحالات الوفاة بالسرطان حول العالم يسبب سرطان الرئة من خلال...

This recognitio...

This recognition led to the convening of the World Assembly on Aging in 2002 with the participation ...

مطلوب! شاب ذكي ...

مطلوب! شاب ذكي يريد أن يصبح غنيا! يجب أن يكون على استعداد لإطاعة الأوامر دون طرح الأسئلة. إذا كنت مه...

التركيب الضوئي ...

التركيب الضوئي إنتاج المادة العضوية من طرف النباتات الية امتصاص الماء و الاملاح المعدنية عند النبات...

ﺇﻥ التدريس عملي...

ﺇﻥ التدريس عملية ﻟﻴﺴﺕ ﺴﻬﻠﺔ ﻜﻐﻴﺭﻫﺎ ﻤﻥ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﺍﻷﺨﺭى ﻭﻤﻊ ﺫﻟﻙ ﻓﻬﻲ ﻤﻬﻤﺔ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﻴﻘﻭﻡ ﺒﻬﺎ ﻜل ﻤﻥ ﺍﺴﺘﻬﻭﺍﻫﺎ ﻭ...

Evaluates each ...

Evaluates each market segment’s attractiveness and selects one or more segments to serveA group of p...