Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

على الأقل تحت ضغط الدعم الشعبي
المتصاعد لموقف عبد الناصر، الذي أدى إلى تصاعد الضغط على ع َّمان والریاض. عدّلت ع ّمان والریاض المسار. وأعلن دعمھ الكامل للموقف المصري، بینما دعت الریاض العالم العربي كلھ إلى الاحتشاد خلف دمشق والقاھرة. حیث قال لكبار
وأن
ولكن قرار الحرب في ید السیاسیین. ھذا ما قالھ بن جوریون لرئیس الأركان رابین في اجتماع معھ في 21 مایو: "یجب أن یتحمل رئیس الوزراء والمجلس مسئولیة اتخاذ قرار الحرب، فھذا لیس أم ًرا یقرره الجیش. فنحن معزولون". كل ھذه الضغوط المتناقضة أثرت بشدة على رابین، المس ّجلین في كشوف الاحتیاط37. كان ھارمان، مدیر الموساد، قد عادا من واشنطن على الطائرة نفسھا. وصل الاثنان إلى منزل إشكول في منتصف لیل السبت، بل قد تدعمھا دبلوماسیًا. أتى ھذا التقدیر بنا ًء على تحلیلاتھما
التي قال فیھا إن أمریكا
بعد أن كان یفضل الانتظار. أن أمریكا لن تدعم إسرائیل من خلال عمل عسكري مشترك، ولكنھا ربما تقدم أسلحة وما ًلا ودع ًما سیاسیا بعد أن تندلع الحرب ووفقًا للتطورات، ورجالھ في البنتاجون. یمنحمصروقتًاأطولللتمترسفيسیناءوشّنالضربةالأولى، كان الاجتماع صغی ًرا وض ّم، كل من إیبان ودایان وآمیت ورابین ورئیس المخابرات الحربیة یارییف وآخرین، واضحة، ولم یتم تنغیمھا عملیاتیًا مع خطط الطیران "فھد" أو مع خطط السیطرة القطاعیة على غزة، ولم یكن ھناك تنسیق حقیقي بین السیاسیین والعسكریین )حتى بغض النظر عن أن معظم رجال السیاسة كانوا عسكریین ورجال مخابرات وأمن سابقین(؛ وأغلبھم من جنود الاحتیاط الذین
لم یتلقوا تدریبات جیدة ولم تتلق وحداتھم خط ًطا واضحة للتحرك أو القتال. مما أنھك
وأظھرت التطورات عدم وجود استراتیجیة عسكریة ثابتة "حیث أن التخطیط لم یتعد ردود الفعل لأعمال ومبادرات ومعلومات خداعیة یقوم بھا العدو ومن یسانده". مث ًلا أمر المشیر عامر یوم 25 مایو بتنفیذ الخطة الجویة "أسد" لعزل منطقة النقب الجنوبي عن باقي إسرائیل اعتبا ًرا من فجر 27 مایو، ولكنھ تراجع بعد ساعتین عقب لقاء طویل مع عبد الناصر. كانت معلومات قویة قد وصلت لإسرائیل عن ھذه الضربة الجویة، الذي أرسل بدوره برقیة عاجلة إلى القاھرة ینقل فیھا انزعاج واشنطن الشدید. عامر أفھماه أن معلومات إسرائیل صحیحة، وأنھ لم یكن یعلم بأمر ھذا الھجوم الجوي38. بل وكان بعضھا خاطئًا، فمث ًلا ادّعي جھاز المخابرات
بین خمس وسبع ألویة، لكن ھذا العدد لم یكن صحی ًحا وفقًا لصور عملیات الاستطلاع السوریة التي رآھا الفریق فوزي. ومث ًلا ادّعت المخابرات الحربیة یوم 17 مایو أن الروح المعنویة للشعب الإسرائیلي منخفضة دون تقدیم أي دلیل یدعم ھذا الاستنتاج وعلى عكس كل التقاریر الأخرى المتوفرة وذات المصداقیة بشأن الدعم الشعبي في إسرائیل لتحرك عسكري استباقي. ویخلص رئیس الأركان الفریق فوزي من كل ھذا إلى أن "جمیع المعلومات أو التقدیرات أو تحلیلھا عن العدو أو قوتھ أو مقدرتھ القتالیة أو أسلوب قتالھ وقدرات والنطاق الأقصى الفعّال لطائراتھ كانت خاطئة، الأمر الذي جعل تخطیط العملیات الحربیة التي أقرھا المشیر عامر بنا ًء على
معلومات وتقدیرات المخابرات الحربیة خاطئة كذلك"39. ادّعت فیھ أن لدى مصر من المشاة والمدرعات ثلاثة أضعاف ما لدى إسرائیل، وأكثر من 250% مما لدي مصر من طیارین. لفكرت مرتین في قرار الحرب، عندما أبلغ عبد الناصر المشیر عامر وكبار
الضباط أن إسرائیل قد تھجم یوم الرابع أو الخامس من یونیو، أمر المشیر بتوزیع تقریر من المخابرات الحربیة على كل القیادات العلیا والوسطى والدنیا، جاء فیھ أن إسرائیل لن تُقدم على أي ھجوم "وأن الصلابة العربیة الراھنة ستجبر العدو بلا شك على تقدیر العواقب المختلفة المترتبة
إسرائیل. فرغم أن قائد القوات الجویة الفریق صدقي محمود قدّر الخسائر المتوقعة ج ّراء تلقي الضربة بنحو 15% إلى 20% من الطائرات، "مما قد یؤدي إلى تكسیح قواتنا الجویة"، إلا ناصر أص ّر على تلقي الضربة لا توجیھھا، المتحدة. لم یكن المشیر عامر یأخذ تقدیرات ناصر وتحذیراتھ بجدیة. ومن أمثلة ذلك أنھ قرر مواصلة
رحلتھ المقررة إلى سیناء صباح الخامس من یونیو، مما یعني أن قوات الدفاع الجوي كلھا كانت ستكون عاجزة عن القصف طالما كانت طائرتھ في الجو، كما أن رحلتھ كانت تعني أنھ سیجمع 28 من كبار قادة الجیش في رحلتھ إلى سیناء، إما على الطائرة معھ أو في انتظاره على الأرض. وعندما و ّجھ البعض اللوم إلى عامر على إھمالھ تحذیرات عبد الناصر، قال إن "عبد الناصر لیس
أما القوات الجویة، فلم تفعل شیئًا یذكر لحمایة طائراتھا ومطاراتھا الرابضة على الأرض، عنب. عنب" ولا أحد یسمع
في الساعة الثامنة من صباح الخامس من یونیو أرسلت محطة عجلون للإنذار المبك ّر في
الأردن برقیة قصیرة عن توجھ مقاتلات إسرائیلیة نحو مصر. لم تتعامل القیادة العامة في مصر مع ھذه المعلومة المھمة، عنب" التي تعني أن ھناك طائرات إسرائیلیة أقلعت في طریقھا إلى مصر. القصف. بین الساعة 8:15 والساعة 8:30 صبا ًحا، أقلعت طائرتان من قاعدة ألماظة العسكریة في القاھرة، الأولي تق ّل المشیر عامر وقائد القوات الجویة صدقي محمود ورئیس ھیئة العملیات الفریق أنور القاضي وعددًا من كبار ضباطھم في طریقھم إلى بیر تمادة في سیناء، والثانیة تق ّل رئیس وزراء العراق ومعھ نائب رئیس الجمھوریة حسین الشافعي في طریقھا إلى قاعدة أبو صویر الجویة قرب الإسماعیلیة. ورغم ذلك، حیث إن أوامر التقیید لا تسري في حالة الھجوم المباشر والحاجة لصده. كانت
الطائرات الإسرائیلیة قد د ّكت بالفعل مطارات سیناء وبدأت ھجماتھا فوق الأجواء المصریة، فعاد الرجل وحاشیتھ إلى مطار القاھرة في حالة اضطراب شدیدة، على جانب آخر، وھكذا، قصفت إسرائیل مطارات سیناء الأربعة ومطارات القناة الثلاثة ومطار المنصورة قبل أن یصل المشیر إلى غرفة عملیاتھ. على رغم أن المخابرات
وبحلول الظھر كان قد
تم تدمیر كل قواعد مصر الجویة وكل قاذفات مصر الثقیلة والخفیفة و85% من سلاح الجو عمو ًما. ولم ترصد وحدات الاستطلاع والإنذار الجوي في قواعد ومطارات مصر اقتراب الطائرات الإسرائیلیة، معظمھا فرنسیة الصنع، وقبل الظھر، كانت مصر قد خسرت 286 طائرة حربیة، و23 محطة رادار وموقع دفاع جوي43. حرب بدأت وانتھت في 48 ساعة
الحدود، ثم تح ّصنت في منطقة أم بسیس على عمق 12 كیلومتر داخل مصر. لم ترد القیادة العامة للقوات المسلحة على الغزو، ظل البلاغ في مكتب العریش ثلاث ساعات، ثم أُرسل بعدھا مع فقرة تحلیلیة تدعو للحذر وتستخلص أن ھذه التحركات ھي تبدیل لقوات الاحتیاطي. وصلت الإشارة إلى مكتب وزیر الحربیة شمس بدران في السابعة، ولكنھا لم تغادره إلى قیادة العملیات، وعلى العموم، كانت نظم الاتصالات والقیادة والتحكم في حالة یرثى لھا، بد ًءا من الساعة 11 صبا ًحا توالت طلبات القوات البریة في سیناء بتوفیر الغطاء الجوي والمساعدة الجویة، الذین كانوا یتحركون
بعرباتھم على الطریق نفسھ، ولم یبلغوا حتى قیاداتھم بما یحدث. الأول من رفح والثاني من ناحیة أم القطف. واخترقت القوات على المحور الشمالي بسھولة نسبیة بعد تمھید من نیران المدفعیة
وتقدمت حتى العریش التي دخلتھا في الساعة 6:40 مسا ًء. ولم
الانسحاب: وصمة عار القیادة ونوط شجاعة الجنود
بل كذلك تخبط المؤسسة العسكریة المصریة بدایة من التعبئة السیئة التي قامت بھا للقوات، نھایة بالمأساة التي ستظل نقطة سوداء في تاریخ كل مسئول عنھا، لعشرات الآلاف من الجنود المصریین. وطالبھ بتنفیذ وعود موسكو لوزیر الدفاع شمس بدران بالتدخل عسكریًا إلى جانب مصر، فاستفسر السفیر عما إذا كانت ھناك أي أدلة على تدخل الولایات المتحدة إلى جانب إسرائیل، فرد عامر بالإیجاب ولكنھ لم یستطع تقدیم أي دلیل. لكن الحقیقة أنھ باستثناء بعض الحكایات المرسلة عن دور الأسطول السادس وعن التعاون في توجیھ الطائرات الإسرائیلیة، وكلھا حكایات من مصادر مصریة أو من كتاب ستیفن جرین "الانحیاز"45 الذي یستند إلى مصادر لم یسمھا ولكنھ یقدم معلومات تفصیلیة تستحق البحث، وإن كان من شبھ المؤكد أنھ كان ھناك
تبادل لتحلیلات مخابراتیة في الفترة السابقة على الحرب46. یسرد الفریق فوزي
كیف اتُخذ ھذا القرار: "طلبني المشیر بعد ظھر 6 یونیو 1967 قائ ًلا: عاوزك تحط لي خطة سریة لانسحاب القوات من سیناء إلى غرب قناة السویس، منھارة. "47
قدم فوزي خطة انسحاب تتم في أربعة أیام وثلاث لیال فرد علیھ المشیر عامر قائ ًلا "4 أیام
أنا أعطیت أمر الانسحاب خلاص"، محمر الوجھ". نفّذ القائد الأمر بالنسبة لشخصھ وفرقتھ فقط، دون أن یُخطر قیادتھ العلیا والقوات التي تجاوره، وھذا عمل من الأعمال التي تستوجب محاكمة
عسكریة في جمیع القوانین العسكریة، أما قائد الجبھة الفریق عبد المحسن مرتجي، المشیر عامر أو من رئیس الأركان، فلم یخطر، أما قائد الجیش المیداني، الفریق صلاح محسن، فاتصل رأ ًسا بالمشیر یوم 6 یونیو، قائد الفرقة الرابعة المدرعة، وأخبره أن المشیر عامر أصدر أوامره بالانسحاب إلى غرب القناة، ثم تنسحب الفرقة الرابعة بعد ذلك. كانت سیطرة الفریق صلاح محسن على قوات الجیش مفقودة أص ًلا، حتى الصغیرة منھا، وإصداره لأوامر كثیرة وصلت إلى حد نقل َسریة لدعم مكان آخر یحتاج إلى قوات، علاوة على التغییرات ذات الحجم الكبیر في الأعداد، ثم شلل
المواصلات الداخلیة بین تشكیلاتھ بل وقطعھا نھائیًا"48. لیكشف مدى تھاوي قیادة المؤسسة العسكریة وانعدام روح المبادرة والنقاش الصریح بین قیاداتھا: 1- في الساعة 11:30 صبا ًحا اقترح قائد الجبھة الفریق مرتجي أن تنسحب القوات من شرق سیناء وحتى خط المضایق؛ 2- في الساعة 4 مسا ًء أصدر المشیر عامر أم ًرا شفویًا بالانسحاب إلى غرب القناة، ولا یوجد أي مستند أو أثر لھذا الأمر، 3- في الساعة 4:30 مسا ًء كلّف المشیر عامر الفریق فوزي بوضع خطة انسحاب )بعد أن كان قد أصدر أمره بالانسحاب بالفعل(؛ 4- في الأربع وعشرین ساعة التالیة ع ّمت حالة من الفوضى والتضارب، 5- بحلول مساء السابع من یونیو كانت معظم القوات قد انسحبت، الجانب المصري. بعد ھذا الیوم العصیب بسنوات، برر وزیر الحربیة شمس بدران الانسحاب في حوار مع
وإن المشیر عامر اتصل ساعتئذ بالرئیس عبد الناصر وأبلغھ بتطورات الموقف، ثم أن ناصر طلب
من عامر بعد الانسحاب أن تعود الفرقة المدرعة الرابعة إلى شرق القناة حتى خط المضایق49. لا تتسق ھذه الشھادة مع روایات معظم الشھود الآخرین، وأھمھم أمین ھویدي )وزیر
الحربیة بعد الھزیمة( والفریق محمد فوزي )رئیس الأركان أثناء الھزیمة(. فمث ًلا یشیر الفریق فوزي إلى حدیث تلیفوني بین المشیر عامر والرئیس عبد الناصر یطلب فیھ الأول رأي الثاني في إمكانیة الصمود في المضایق بد ًلا من الانسحاب إلى غرب القناة، "فلم یتلق ردًا من الرئیس سوى جملة ُم ّرة وھي: یعني كنت أخدت رأیي في الانسحاب الأول، المضایق"50. وفقًا لفھمھم الخاص. وطرق انسحابھم، دون تحدید مكان معین، مرة إلى ھایكستب ومرة إلى دھشور، وكانت كل ھذه الأوامر صادرة من ضباط وضباط صف الشرطة العسكریة التي كانت تتلقاھا من ضباط وأفراد مكاتب المخابرات الحربیة، ووصل الحال إلى أن
"51
كل ھذه الفوضى لا تفسیر لھا سوى أن المشیر أصدر قرا ًرا شفویًا غیر محدد وغیر مف ّصل بسحب 120 ألف ضابط وجندي إلى غرب القناة، فسار معظمھم على الأقدام، وھو قراھم ومنازلھم. ھذا ما حدث لأكثر من 100 ألف فرد استمروا في السیر إلى قراھم نحو أسبوع بد ًءا من یوم السابع من یونیو1967، لكن بدون أي أسلحة. في ھذه الأثناء اكتمل انھیار عامر الذي لزم غرفة نومھ في مقر القیادة، عدا ثلاث مرات خرج فیھا لیتحدث إلى الرئیس عبد الناصر والسفارة السوفیتیة ووزارة الخارجیة، وتبین أنھا مستحیلة، للعودة إلى التمسك بالمضایق. إذ أن القوات كانت قد تشرذمت وبدأ بعضھا في عبور القناة غربًا، وكانت النھایة ساخرة و ّمرة، فاتصل الأخیر بالمشیر عامر، بھذه البساطة انتھى دور العسكریة
لماذا یضحي الجنود
ولكن القائد عجز عن أن یجد سائقین أو وقودًا، ولكن ضابط
وفي أثناء تنظیمھ لشئون الدفاع عن بورسعید، التقى نائب رئیس
قال لم یكن لدینا كضباط الدافع لبذل أي مجھود، المناصب، إذن فقد انھار الجیش المصري بشكل كامل، بینما ُسمح للجنود بعبور القناة في مراكب مدنیة بعد إلقاء أسلحتھم الشخصیة. وأن خطوط
الإمداد كانت یرثى لھا وفي حالة فوضى55. فمث ًلا یحكي نائب مدیر المخابرات الحربیة عبد الفتاح أبو الفضل عن زیارة قام بھا إلى محطة مدینة القنطرة أثناء عملیة التعبئة في أواخر مایو، یقول أبو الفضل: "فوجئت في المحطة بحالة من الفوضى لقوات الاحتیاط یعجز الإنسان عن وصفھا، كان الكل في ملابس مدنیة ومعظمھم بجلالیبھم الریفیة ویحملون بنادقھم، كانوا یتدافعون لشراء طعامھم من الباعة الجائلین بالمحطة في فوضى شاملة، لا یتعدى مظھرھم خفر الریف، حشد ھائل من الشباب والرجال الضائعین نتیجة إھمال واستھتار سلطات القوات المسلحة بآدمیتھم وإنسانیتھم، وسألت نفسي ھل ھذه ھي حالة قواتنا التي سنواجھ بھا
إذ أنھ لم یكن
یعرف حتى ذلك الوقت أن المشیر عامر أصدر أمر الانسحاب العاجل والسریع. ولذلك فقد كان ما زال یقود حربًا انتھت على الأرض، وھو ما ظھر خلال اجتماعھ مع وزیر الخارجیة الجزائري ھواري بومدین بعد ظھر الیوم نفسھ، حیث أكد لھذا الأخیر أن قوات مصریة ستعید التمركز في خط الدفاع الطبیعي عند الممرات شرق القناة وتوقف تقدم القوات الإسرائیلیة، سائرین إلى قراھم ومدنھم، ففي خ ّضم كل ھذا التخبط والسلبیة كانت ھناك نماذج لجنود وضباط تحلوا بشجاعة فائقة، زاد من عظمتھا أنھا أتت في مناخ لم یكن یكافئ الشجاعة بالضرورة. فمث ًلا أثناء الضربة الجویة تمكن 30 طیار من الإقلاع والاشتباك مع المقاتلات الإسرائیلیة، فاستشھد منھم 12 طیا ًرا، وكذلك لو لم یكن قادة الجیش وعامر ورئیس البلاد قد انھاروا سریعًا وفقدوا السیطرة، لكان من الممكن أن تتمسك القوات المصریة بالمضایق، ولكنھ رغم ذلك لم یكن مستحی ًلا، خاصة وأن الاتحاد السوفیتي كان قد بدأ في
لكن كل ھذه التضحیات ذھبت ھبا ًء، كان العدد
وھؤلاء تم قیدھم شھداء في 1971، أما الأسرى فقد وصل عددھم إلى 13600 فردًا، ھذا بینما استولت إسرائیل على حوالي 848 مدرعة دون قتال على أرض سیناء58، معظمھا على الأرض دون قتال، ذھل الإسرائیلیون من انسحاب مصر السریع، إذ كان یمكن للقوات المصریة مواصلة القتال
البري في سیناء لی ًلا عندما تعجز الطائرات الإسرائیلیة عن قصفھا بسھولة. لكن القاھرة قررت الانسحاب، حتى دون أن تمنح الدبلوماسیة الدولیة فرصة لطلب وقف إطلاق نار في نھایة یوم الخامس من یونیو أو خلال الیوم الذي یلیھ. حیث رفض المبعوث المصري في نیویورك السفیر محمد عوض القوني أن یتم فرض وقف لإطلاق النار، فساعد بذلك نظیره الإسرائیلي الذي كانت أوامره من القدس ھي التسویف
والمماطلة لمنح الجیش الإسرائیلي وقتًا لإنھاء خططھ في سیناء. كان ھدف الھجوم الإسرائیلي ھو قصم ظھر العسكریة المصریة وإذلالھا، تحقق الجزء العسكري من الھدف في الیوم الأول، وتأكد نجاحھ في الیوم الثاني مع قرار المشیر عامر المأساوي بالانسحاب والتنفیذ فائق الاضطراب لھ، وبعدھا التفتت إسرائیل إلى حلمھا القومي/ الدیني وجائزتھا المنشودة، فاستولت على القدس والضفة الغربیة، الذي بدأ كل الحرب من وجھة نظر البعض، وھكذا، التاسع من یونیو، صار مناسبًا لإسرائیل أن تقبل وقف إطلاق النار، فصدر قرار مجلس الأمن بإیقاف النار دون النص على عودة القوات المتحاربة
بل كان من اختیارھم وصنعھم، بفعل نظام سیاسي قائم على الثقة وأمن الحاكم وجماعتھ، نظام یفتقر إلى آلیات للمحاسبة والمساءلة، لا الوھمیة، لقد ُھزمت قیادة مصر ونظامھا بیدھا قبل أن تھزمھا إسرائیل. وقبل أن تترسخ ھذه الخسائر التاریخیة، فالمقارنة بین خسائر العرب وخسائر إسرائیل في الحرب أكثر من موجعة. كانت أرواح الجنود والضباط ھي أقسى الخسائر. أما إسرائیل فقد اعترفت بمقتل نحو 800 جندي وإصابة 2563 آخرین. معظمھم من المصریین، ومن جانبھ، قدّر الفریق محمد فوزي عدد الأسرى المصریین بنحو 13600 أسی ًرا. لكن المؤرخ والدبلوماسي الإسرائیلي السابق مایكل أورین، مستندًا على إحصاءات الحكومة الإسرائیلیة، وكان عدد الأسرى الإسرائیلیین خمسة عشر فقط. معظمھم مصریون. فقد فقدت مصر 85% من كل عتادھا تقریبًا، أما الأردن فخسر 179 دبابة و53 مدرعة و1062 مدفعًا و1366 عربة. وخسرت 18 طیا ًرا. ثلاث مرات ونصف. وبعد أن كانت المدن الإسرائیلیة في مرمى النیران العربیة، صارت دمشق وعمـّان والقاھرة كلھا على مسافة لا تزید عن مئة كیلومتر من الصواریخ والمدافع الإسرائیلیة. بنصف احتیاجاتھا من البترول. وھبطت احتیاطیات مصر من النقد الأجنبي إلى مئة ملیون دولار فقط، 5 ملیار دولار. توقفت ھجرة الیھود من إسرائیل. كذلك تدفقت على إسرائیل التبرعات المالیة والعینیة، وحدود الصراع حتى الیوم. فقد نقلت ھزیمة 1967 الصراع من طموح عربي للقضاء على دولة إسرائیل وتأسیس دولة فلسطینیة، إلى صیغة "الأرض مقابل السلام" التي ظھرت بوضوح للمرة الأولي في قرار مجلس الأمن 242. وصار من "حق" إسرائیل في عالم السیاسة الواقعیة، بعد أن انتصرت واحتلت كل ھذه الأراضي، أن تتضمن أي صیغة للتسویة بقائھا كدولة داخل حدود "آمنة" في مقابل إعادة الأرض، وكان أكبر الخاسرین ھو الشعب الفلسطیني، إذ صارت دول المواجھة العربیة معنیة أكثر -بغض النظر عن تصریحاتھا وخطب قادتھا السیاسیة- بعودة أراضیھا ھي ذاتھا، أو، وخصو ًصا في حالة سوریا، وبینما عملت دمشق على ألا تنطلق رصاصة واحدة عبر حدودھا نحو إسرائیل أو حتى نحو مرتفعات الجولان السوریة المحتلة، انتصرت إسرائیل عسكریًا وضمنت لعقود قادمة بقاء الدولة الیھودیة، لكنھا باحتلال قطاع
غزة والضفة الغربیة ح ّولت نفسھا من دولة تنازع دول الجوار على شرعیة قیامھا وحقوق السكان الأصلیین الذین ُھ ّجروا أو نزحوا أو باتوا یعیشون مواطنین من الدرجة الثانیة في ظل الدولة الجدیدة، إلى دولة احتلال فعلي )من وجھة نظر القانون الدولي( تسیطر على عدة ملایین من الفلسطینیین الذین لا تریدھم ولكن ترید الأرض التي یعیشون علیھا. صارت إسرائیل الجدیدة ربما أكثر أمنًا بسیطرتھا على 70 ألف كیلومتر مربع إضافیة، مجاورة، تمارس سیاسات التمییز والقمع والفصل العنصري ضد الفلسطینیین الخاضعین لسلطتھا وترفض إعادة الحقوق السلیبة لمن اضطروا للنزوح، إلى بقیة المملكة الھاشمیة شرق نھر الأردن )یصر الإسرائیلیون على أن العدد كان 175 ألف فقط(،


Original text

ظاھریًا تو ّحد الصف العربي في صیف 1967، على الأقل تحت ضغط الدعم الشعبي


المتصاعد لموقف عبد الناصر، الذي أدى إلى تصاعد الضغط على ع َّمان والریاض. ففي 21 مایو طردت دمشق اثنین من الدبلوماسیین السعودیین وسط اتھامات للرجعیة العربیة. ثم انفجرت سیارة مفخخة في الرمثا بالأردن قرب الحدود السوریة، فقتلت 21 أردنیًا وجرحت نحو 15 آخرین. اتھمت ع َّمان دمشق بالتورط المخابراتي في حادث الرمثا، وطردت السفیر السوري واستدعت القائم بالأعمال الأردني من دمشق. لكن سریعًا، وتحت الضغط، عدّلت ع ّمان والریاض المسار. حیث وصل الملك حسین إلى القاھرة في زیارة "مفاجئة" یوم 30 مایو، وأعلن دعمھ الكامل للموقف المصري، بینما دعت الریاض العالم العربي كلھ إلى الاحتشاد خلف دمشق والقاھرة. ساھم ھذا التوحد شبھ الإجباري )إذ لم تغیّر الأردن والسعودیة مواقفھما الأصلیة المعادیة لسیاسات عبد الناصر في الیمن وللعمل الفدائي الذي بات یھدد استقرار الأردن كدولة( في تعمیق حدة الانتقادات
الإسرائیلیة لرئیس الوزراء والضغط علیھ للتحرك عسكریًا لإجھاض الضربة المصریة المتوقعة.
ھنا بدأ رئیس الأركان رابین یمیل أكثر وأكثر نحو معسكر المؤیدین للحرب. حیث قال لكبار
ضباطھ في اجتماع یوم 19 مایو إن الدول الغربیة الكبرى رفضت تقدیم ضمانات أمنیة، وأن
الحكومة الإسرائیلیة ما زالت تسعى وراء حل دبلوماسي "ویجب أن نمكنّھم ]الساسة[ من استنفاد كل بدائل الحرب...]ولكن[ لو أغلق المصریون مضایق تیران لن یكون ھناك بدی ًلا عن الحرب".
ولكن قرار الحرب في ید السیاسیین. ھذا ما قالھ بن جوریون لرئیس الأركان رابین في اجتماع معھ في 21 مایو: "یجب أن یتحمل رئیس الوزراء والمجلس مسئولیة اتخاذ قرار الحرب، فھذا لیس أم ًرا یقرره الجیش." كان السیاسي الأكبر سنًا ومقا ًما في إسرائیل )81 عا ًما( یخشى عواقب الحرب ویردد "یجب ألا ندخل الحرب، فنحن معزولون". كل ھذه الضغوط المتناقضة أثرت بشدة على رابین، فقدم استقالتھ في 25 مایو لأنھ كان یخشى عواقب الأمور. ولكن رئیس الوزراء إشكول رفضھا وقرر رفع التعبئة إلى الحد الأقصى، أي استدعاء كل الـ140 ألف إسرائیلي
المس ّجلین في كشوف الاحتیاط37.
كان اجتماع مجلس الوزراء الإسرائیلي غیر الرسمي في الثالث من یونیو حاس ًما. استغرق الاجتماع ساعات طویلة، وتخللھ جدل ونقاشات عسیرة. كان ھارمان، سفیر إسرائیل في الولایات المتحدة، وآمیت، مدیر الموساد، قد عادا من واشنطن على الطائرة نفسھا. وصل الاثنان إلى منزل إشكول في منتصف لیل السبت، وقدما استعرا ًضا مو ّحدًا كان أھم ما جاء فیھ أنھ لو بادرت إسرائیل بالھجوم فلن توقفھا الولایات المتحدة، بل قد تدعمھا دبلوماسیًا. أتى ھذا التقدیر بنا ًء على تحلیلاتھما
ولیس وفقًا لتعھدات أمریكیة قاطعة.
من ناحیة أخرى، وبعد أن قرأ تصریحات وزیر الخارجیة راسك، التي قال فیھا إن أمریكا
لن تجبر أحدًا على ضبط النفس، غیّر وزیر الخارجیة إیبان موقفھ، بعد أن كان یفضل الانتظار. ھذا بینما أكد آمیت، رئیس الموساد، أن أمریكا لن تدعم إسرائیل من خلال عمل عسكري مشترك، ولكنھا ربما تقدم أسلحة وما ًلا ودع ًما سیاسیا بعد أن تندلع الحرب ووفقًا للتطورات، وذلك بنا ًء على تقدیره للموقف الأمریكي بعد اجتماعاتھ في أوائل یونیو في واشنطن مع ریتشارد ھلمز، رئیس
وكالة المخابرات المركزیة، وروبرت ماكنمارا، وزیر الدفاع، ورجالھ في البنتاجون.
حاول ھارمان أن یقنع المجلس بتأجیل الحرب أسبو ًعا آخر لتفادي إغضاب الرئیس
جونسون ومنحھ الوقت الذي طلبھ، ولكنھ فشل في وجھ إصرار دیان على إنھاء ما كان یراه انتظا ًرا عقیًما،یمنحمصروقتًاأطولللتمترسفيسیناءوشّنالضربةالأولى،خصو ًصاوقداتفق الحاضرون أن الاتحاد السوفیتي لن یتدخل عسكریًا إلى جانب مصر. كان الاجتماع صغی ًرا وض ّم،
بالإضافة إلى إشكول وھارمان، كل من إیبان ودایان وآمیت ورابین ورئیس المخابرات الحربیة یارییف وآخرین، واختُتم بالاتفاق على أن یصدر مجلس الوزراء قرا ًرا رسمیًا سریًا بخوض الحرب صباح الیوم التالي. وصدر القرار بأغلبیة 12 صوتًا ضد اثنین.
مصر: فوضى القیادة والمعلومات
في مصر، لم تكن ھناك رؤیة واضحة لاستراتیجیة العمل العسكري. فالخطة "قاھر" غیر
واضحة، ولم تُجر علیھا تدریبات فعلیة، ولم یتم تنغیمھا عملیاتیًا مع خطط الطیران "فھد" أو مع خطط السیطرة القطاعیة على غزة، ولم تتلق القوات أي تدریبات مناسبة على الأسلحة التي كان بعضھا في المخازن ومنھا طائرات في الصنادیق، كما لم یسع الجیش إلى رفع مھاراتھ العسكریة منذ سنوات، ولم یكن ھناك تنسیق حقیقي بین السیاسیین والعسكریین )حتى بغض النظر عن أن معظم رجال السیاسة كانوا عسكریین ورجال مخابرات وأمن سابقین(؛ الخلاصة: تضاربت مستویات القیادة وسیطرت حالة خوف وسلبیة على قوات الجیش، وأغلبھم من جنود الاحتیاط الذین
لم یتلقوا تدریبات جیدة ولم تتلق وحداتھم خط ًطا واضحة للتحرك أو القتال.
بین 15 مایو والخامس من یونیو غی َّر المشیر عامر خطط القتال أربع مرات، مما أنھك
القوات المیدانیة التي تح ّرك بعضھا عدة مرات شما ًلا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وباتت الرؤیة العسكریة والعملیاتیة غیر واضحة للجمیع. وأظھرت التطورات عدم وجود استراتیجیة عسكریة ثابتة "حیث أن التخطیط لم یتعد ردود الفعل لأعمال ومبادرات ومعلومات خداعیة یقوم بھا العدو ومن یسانده". مث ًلا أمر المشیر عامر یوم 25 مایو بتنفیذ الخطة الجویة "أسد" لعزل منطقة النقب الجنوبي عن باقي إسرائیل اعتبا ًرا من فجر 27 مایو، ولكنھ تراجع بعد ساعتین عقب لقاء طویل مع عبد الناصر. كانت معلومات قویة قد وصلت لإسرائیل عن ھذه الضربة الجویة، فنقلتھا إلى الولایات المتحدة، التي استدعت السفیر المصري، الذي أرسل بدوره برقیة عاجلة إلى القاھرة ینقل فیھا انزعاج واشنطن الشدید. كل ھذا لم یكن عبد الناصر یعلم عنھ شیئًا، لكن برقیة السفیر واجتماع
عامر أفھماه أن معلومات إسرائیل صحیحة، وأنھ لم یكن یعلم بأمر ھذا الھجوم الجوي38.
تضاربت التقاریر والمعلومات الواردة إلى قیادة الجیش المصري وإلى مكتب عبد الناصر، بل وكان بعضھا خاطئًا، وخصو ًصا من جھاز المخابرات الحربیة. فمث ًلا ادّعي جھاز المخابرات
الحربیة یوم 15 مایو أنھ ما زالت ھناك تجمعات عسكریة إسرائیلیة قرب الحدود مع سوریا، بین خمس وسبع ألویة، لكن ھذا العدد لم یكن صحی ًحا وفقًا لصور عملیات الاستطلاع السوریة التي رآھا الفریق فوزي. ومث ًلا ادّعت المخابرات الحربیة یوم 17 مایو أن الروح المعنویة للشعب الإسرائیلي منخفضة دون تقدیم أي دلیل یدعم ھذا الاستنتاج وعلى عكس كل التقاریر الأخرى المتوفرة وذات المصداقیة بشأن الدعم الشعبي في إسرائیل لتحرك عسكري استباقي. أی ًضا كان حجم القوات الإسرائیلیة ال ُمدّعى أنھا محتشدة قرب الحدود المصریة الوارد في تقریر المخابرات یوم 18 مایو غیر دقیق. ویخلص رئیس الأركان الفریق فوزي من كل ھذا إلى أن "جمیع المعلومات أو التقدیرات أو تحلیلھا عن العدو أو قوتھ أو مقدرتھ القتالیة أو أسلوب قتالھ وقدرات والنطاق الأقصى الفعّال لطائراتھ كانت خاطئة، الأمر الذي جعل تخطیط العملیات الحربیة التي أقرھا المشیر عامر بنا ًء على
معلومات وتقدیرات المخابرات الحربیة خاطئة كذلك"39.
في یوم 24 مایو قدّمت المخابرات الحربیة تقیی ًما قارنت فیھ القوات المصریة بالإسرائیلیة،
ادّعت فیھ أن لدى مصر من المشاة والمدرعات ثلاثة أضعاف ما لدى إسرائیل، وھو أمر خاطئ تما ًما. إذ كان لدي إسرائیل 1.7 ضعف ما لدي مصر من المشاة، وتقریبًا ضعف ما لدي مصر من المدرعات، وأكثر من 250% مما لدي مصر من طیارین. ربما لو كانت القیادة العسكریة والسیاسیة قد علمت بقوة إسرائیل الفعلیة بد ًلا من الھراء الوارد في تقاریر المخابرات الحربیة
لفكرت مرتین في قرار الحرب، أو لبادرت بھا قبل أن تكتمل الاستعدادات الإسرائیلیة.
لكن الھراء استمر. ففي الثاني من یونیو، عندما أبلغ عبد الناصر المشیر عامر وكبار
الضباط أن إسرائیل قد تھجم یوم الرابع أو الخامس من یونیو، أمر المشیر بتوزیع تقریر من المخابرات الحربیة على كل القیادات العلیا والوسطى والدنیا، جاء فیھ أن إسرائیل لن تُقدم على أي ھجوم "وأن الصلابة العربیة الراھنة ستجبر العدو بلا شك على تقدیر العواقب المختلفة المترتبة
على اندلاع شرارة الحرب في المنطقة"40.
من ناحیتھ، كان عبد الناصر متبنیًا لفكرة أن تمتص مصر الضربة الجویة الأولى من
إسرائیل. فرغم أن قائد القوات الجویة الفریق صدقي محمود قدّر الخسائر المتوقعة ج ّراء تلقي الضربة بنحو 15% إلى 20% من الطائرات، "مما قد یؤدي إلى تكسیح قواتنا الجویة"، إلا ناصر أص ّر على تلقي الضربة لا توجیھھا، حر ًصا على ضمان التعاطف العالمي وخصو ًصا من الولایات
المتحدة. من ھنا تم الاتفاق على اتخاذ الإجراءات الوقائیة للتقلیل من تأثیر الضربة الأولى، حیث إن خسارة 20% من القوات الجویة ثم "نحارب إسرائیل بعدھا أفضل من أن نبادر بالضرب فنحارب إسرائیل وأمریكا معًا".
لم یكن المشیر عامر یأخذ تقدیرات ناصر وتحذیراتھ بجدیة. ومن أمثلة ذلك أنھ قرر مواصلة
رحلتھ المقررة إلى سیناء صباح الخامس من یونیو، مما یعني أن قوات الدفاع الجوي كلھا كانت ستكون عاجزة عن القصف طالما كانت طائرتھ في الجو، كما أن رحلتھ كانت تعني أنھ سیجمع 28 من كبار قادة الجیش في رحلتھ إلى سیناء، إما على الطائرة معھ أو في انتظاره على الأرض. وعندما و ّجھ البعض اللوم إلى عامر على إھمالھ تحذیرات عبد الناصر، قال إن "عبد الناصر لیس
نبیًا یتلقى الوحي وتقدیراتھ في 1956 لم تكن سلیمة على أي حال"41.
أما القوات الجویة، فلم تفعل شیئًا یذكر لحمایة طائراتھا ومطاراتھا الرابضة على الأرض،
مكتفیة بتقییم للمخابرات الحربیة جاء فیھ أن مدى الطائرات الحربیة الإسرائیلیة لا یمكنھ أن یتعدى القناة، وبالتالي فالطائرات العسكریة المصریة في القواعد المنتشرة من الأقصر جنوبًا وحتى المنصورة شما ًلا آمنة. وكانت ھذه واحدة من سلسلة الأخطاء المریعة التي ارتكبتھا المخابرات
الحربیة.
"عنب.. عنب.. عنب" ولا أحد یسمع
في الساعة الثامنة من صباح الخامس من یونیو أرسلت محطة عجلون للإنذار المبك ّر في
الأردن برقیة قصیرة عن توجھ مقاتلات إسرائیلیة نحو مصر. لم تتعامل القیادة العامة في مصر مع ھذه المعلومة المھمة، لأن ع ّریف الإشارة أخطأ وغی َّر تردد الاستقبال أو الشفرة في الیوم السابق، فلم یفھم أو لم یتلق الرسالة المشفّرة "عنب، عنب، عنب" التي تعني أن ھناك طائرات إسرائیلیة أقلعت في طریقھا إلى مصر. تلقى مكتب الوزیر شمس بدران الرسالة في الوقت نفسھ وفھم معناھا، ولكن الوزیر لم یكن موجودًا في مكتبھ. وبعد نحو 45 دقیقة كان أحد ضباط المكتب یتحدث مع زمیلھ في قیادة الدفاع الجوي في الجیوشي وأبلغھ بالرسالة، فرد علیھ الضابط المناوب متھك ًما "عنب إیھ وبصل إیھ؟ دول فوق دماغنا". كانت الطائرات الإسرائیلیة قد بدأت بالفعل في عملیات
القصف.
بین الساعة 8:15 والساعة 8:30 صبا ًحا، وقبل أن تصل الطائرات الإسرائیلیة إلى لحظة ضرب المطارات والطائرات على الأرض، أقلعت طائرتان من قاعدة ألماظة العسكریة في القاھرة، الأولي تق ّل المشیر عامر وقائد القوات الجویة صدقي محمود ورئیس ھیئة العملیات الفریق أنور القاضي وعددًا من كبار ضباطھم في طریقھم إلى بیر تمادة في سیناء، والثانیة تق ّل رئیس وزراء العراق ومعھ نائب رئیس الجمھوریة حسین الشافعي في طریقھا إلى قاعدة أبو صویر الجویة قرب الإسماعیلیة. لھذا السبب أُمر بتقیید نیران أسلحة الدفاع الجوي وفي المطارات بین الثامنة والتاسعة صبا ًحا في ھذه المنطقة. ورغم ذلك، فمن غیر المفھوم لماذا لم ترد قوات الدفاع الجوي على
الغارات الإسرائیلیة. حیث إن أوامر التقیید لا تسري في حالة الھجوم المباشر والحاجة لصده.
وبینما طائرة المشیر )من طراز الیوشین 14 روسیة الصنع( تعبر قناة السویس، كانت
الطائرات الإسرائیلیة قد د ّكت بالفعل مطارات سیناء وبدأت ھجماتھا فوق الأجواء المصریة، فعاد الرجل وحاشیتھ إلى مطار القاھرة في حالة اضطراب شدیدة، حتى أنھ استقل سیارة تاكسي إلى غرفة العملیات الرئیسیة في مدینة نصر، فوصلھا في العاشرة والنصف صبا ًحا. على جانب آخر، كان رئیس وزراء العراق أقل ح ًظا. إذ وصلت القاذفات الإسرائیلیة بعد دقیقتین من ھبوط طائرتھ، فشاھد ھو والشافعي تدمیر صف كامل من طائرات الیوشن 28 على أرض المطار، دون أن تطلق أسلحة الدفاع الجوي في المطار، التي كانت الطائرات المغیرة في مداھا، طلقة واحدة، ربما بسبب ما یصفھ الفریق فوزي "بالذھول الذھني وعدم السیطرة". وھكذا، قصفت إسرائیل مطارات سیناء الأربعة ومطارات القناة الثلاثة ومطار المنصورة قبل أن یصل المشیر إلى غرفة عملیاتھ. ثم قضت الموجة الثانیة من الھجوم الجوي على باقي مطارات مصر العسكریة، على رغم أن المخابرات
الحربیة أكدت كما ذكرنا أن مدى الطیران الإسرائیلي لا یتعدى قناة السویس.
بدأ قصف الطائرات الإسرائیلیة في الساعة الثامنة و45 دقیقة تقریبًا. وبحلول الظھر كان قد
تم تدمیر كل قواعد مصر الجویة وكل قاذفات مصر الثقیلة والخفیفة و85% من سلاح الجو عمو ًما. ولم ترصد وحدات الاستطلاع والإنذار الجوي في قواعد ومطارات مصر اقتراب الطائرات الإسرائیلیة، لأنھا كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة، ولأن كثی ًرا من محطات الإنذار والرادار
ُضربت في أول الطلعات الجویة الإسرائیلیة42.
شاركت في الضربة الجویة 200 طائرة مقاتلة وقاذفة إسرائیلیة، معظمھا فرنسیة الصنع، انطلقت أولھا في الساعة 8:10 صبا ًحا من مطار ھاتزور، وقبل الظھر، كانت مصر قد خسرت 286 طائرة حربیة، من أصل 420 طائرة كان من المعتقد أنھا تملكھا، و ُعطلت 13 قاعدة جویة
و23 محطة رادار وموقع دفاع جوي43. حرب بدأت وانتھت في 48 ساعة
بدأ الھجوم البري الإسرائیلي نحو السابعة والربع صبا ًحا. عبرت المدرعات وجنود المشاة
الحدود، ثم تح ّصنت في منطقة أم بسیس على عمق 12 كیلومتر داخل مصر. لم ترد القیادة العامة للقوات المسلحة على الغزو، بالرغم أن وحدات مصریة في المنطقة أرسلت بلا ًغا في الرابعة صبا ًحا إلى العریش حول تحركات للعدو تشیر إلى استعدادات لھجوم بري. ظل البلاغ في مكتب العریش ثلاث ساعات، ثم أُرسل بعدھا مع فقرة تحلیلیة تدعو للحذر وتستخلص أن ھذه التحركات ھي تبدیل لقوات الاحتیاطي. وصلت الإشارة إلى مكتب وزیر الحربیة شمس بدران في السابعة، ولكنھا لم تغادره إلى قیادة العملیات، وھي الجھة القادرة على التحرك ورد الفعل، حتى الساعة التاسعة وأربعین دقیقة، أي بعد بدایة الھجوم الإسرائیلي الفعلي بساعتین ونصف تقریبًا. وعلى العموم، كانت نظم الاتصالات والقیادة والتحكم في حالة یرثى لھا، حتى أن القوات المصریة التي تعرضت للھجوم الإسرائیلي في السابعة والربع لم تبلغ القیادة العامة بالھجوم إلا حوالي الساعة
الثامنة والنصف.
بد ًءا من الساعة 11 صبا ًحا توالت طلبات القوات البریة في سیناء بتوفیر الغطاء الجوي والمساعدة الجویة، ولكن الاتصالات تقطعت وتباعدت مع مرور الوقت. حیث أن الإسرائیلیین تمكنوا في وقت مبكر من قطع خط الاتصالات الرئیسي إلى سیناء عن طریق طائرة ھلیكوبتر تحمل طاقم تدمیر نزلت في منطقة الخاتمیة، حیث یمر الكابل المحوري لكل نظم الاتصالات. ویقول الفریق فوزي إن طاقم التدمیر الإسرائیلي قام بعملھ "أمام نظر وأعین جنودنا، الذین كانوا یتحركون
بعرباتھم على الطریق نفسھ، ولم یبلغوا حتى قیاداتھم بما یحدث. أعتقد أنھ الجھل وعدم الفھم"44.
اخترق الھجوم الإسرائیلي سیناء على محورین رئیسیین، الأول من رفح والثاني من ناحیة أم القطف. واخترقت القوات على المحور الشمالي بسھولة نسبیة بعد تمھید من نیران المدفعیة
والطیران على كل المحاور مع التركیز على شمال سیناء. حیث وصلت الدبابات الإسرائیلیة إلى الشیخ زوید في التاسعة صبا ًحا، وتقدمت حتى العریش التي دخلتھا في الساعة 6:40 مسا ًء. وتكررت الھجمات الإسرائیلیة على كل المواقع المصریة في الأربع والعشرین ساعة التالیة، ولم
یصمد سوى موقع القسیمة في وسط شرق سیناء حتى صدرت لھ الأوامر من القاھرة بالانسحاب.
الانسحاب: وصمة عار القیادة ونوط شجاعة الجنود
لم یكن السبب الرئیسي وراء ھزیمة مصر الساحقة في1967 التخطیط الأفضل والتفوق النسبي في الأسلحة والمعدات على الجانب الإسرائیلي فحسب، بل كذلك تخبط المؤسسة العسكریة المصریة بدایة من التعبئة السیئة التي قامت بھا للقوات، إلى الخطط المتضاربة للقتال، نھایة بالمأساة التي ستظل نقطة سوداء في تاریخ كل مسئول عنھا، وھي الانسحاب غیر الضروري وغیر المنظم
لعشرات الآلاف من الجنود المصریین.
قام المشیر عامر بمحاولة أخیرة لإیقاف الھزیمة المر ّوعة عندما استدعى السفیر السوفیتي في القاھرة في السادس من یونیو، وطالبھ بتنفیذ وعود موسكو لوزیر الدفاع شمس بدران بالتدخل عسكریًا إلى جانب مصر، فاستفسر السفیر عما إذا كانت ھناك أي أدلة على تدخل الولایات المتحدة إلى جانب إسرائیل، فرد عامر بالإیجاب ولكنھ لم یستطع تقدیم أي دلیل. لكن الحقیقة أنھ باستثناء بعض الحكایات المرسلة عن دور الأسطول السادس وعن التعاون في توجیھ الطائرات الإسرائیلیة، وكلھا حكایات من مصادر مصریة أو من كتاب ستیفن جرین "الانحیاز"45 الذي یستند إلى مصادر لم یسمھا ولكنھ یقدم معلومات تفصیلیة تستحق البحث، فلا أدلة على نطاق وعمق المساعدات العسكریة الأمریكیة المباشرة إلى إسرائیل خلال الحرب، وإن كان من شبھ المؤكد أنھ كان ھناك
تبادل لتحلیلات مخابراتیة في الفترة السابقة على الحرب46.
بدأت مأساة سحب القوات المصریة بعد ظھر یوم السادس من یونیو. یسرد الفریق فوزي
كیف اتُخذ ھذا القرار: "طلبني المشیر بعد ظھر 6 یونیو 1967 قائ ًلا: عاوزك تحط لي خطة سریة لانسحاب القوات من سیناء إلى غرب قناة السویس، ثم أضاف: أمامك عشرین دقیقة فقط... فوجئت بھذا الطلب إذ أنھ أول أمر یصدر إل َّي شخصیًا من المشیر، الذي كانت حالتھ النفسیة والعصبیة
منھارة... كانت القوات البریة في سیناء عدا قوات الفرقة 7 مشاة متماسكة حتى ھذا الوقت ولم یكن ھناك ما یستدعي إطلاقًا التفكیر في انسحابھا."47
قدم فوزي خطة انسحاب تتم في أربعة أیام وثلاث لیال فرد علیھ المشیر عامر قائ ًلا "4 أیام
و3 لیالي إیھ یا فوزي، أنا أعطیت أمر الانسحاب خلاص"، ثم دخل إلى غرفة نومھ التي تقع خلف المكتب مباشرة "بطریقة ھیستیریة، محمر الوجھ".
وصلت الأخبار من سیناء أن المشیر قد أصدر أمره إلى قائد قوات العریش بسحب قواتھ إلى
غرب القناة، بأسلحتھا الشخصیة فقط، في لیلة واحدة. نفّذ القائد الأمر بالنسبة لشخصھ وفرقتھ فقط، دون أن یُخطر قیادتھ العلیا والقوات التي تجاوره، وھذا عمل من الأعمال التي تستوجب محاكمة
عسكریة في جمیع القوانین العسكریة، إذ أنھ یمس أمن وسلامة بقیة القوات م ًسا مباش ًرا.
أما قائد الجبھة الفریق عبد المحسن مرتجي، فھو لم یعلم بأمر الانسحاب من قیادتھ، أي من
المشیر عامر أو من رئیس الأركان، بل "من القوات المنسحبة نفسھا، فلم یخطر، لا من القیادة العلیا ولا من قیادة الجیش المیداني... أما قائد الجیش المیداني، الفریق صلاح محسن، فاتصل رأ ًسا بالمشیر یوم 6 یونیو، ثم في السابعة من مساء الیوم نفسھ اتصل باللواء صدقي الغول، قائد الفرقة الرابعة المدرعة، وأخبره أن المشیر عامر أصدر أوامره بالانسحاب إلى غرب القناة، وأنھ على الفرقة الرابعة المدرعة احتلال المضایق حتى الساعة 12 ظھ ًرا من یوم 7 یونیو لحمایة انسحاب القوات، ثم تنسحب الفرقة الرابعة بعد ذلك... كانت سیطرة الفریق صلاح محسن على قوات الجیش مفقودة أص ًلا، نتیجة تدخل المشیر في أعمالھ، حتى الصغیرة منھا، وإصداره لأوامر كثیرة وصلت إلى حد نقل َسریة لدعم مكان آخر یحتاج إلى قوات، علاوة على التغییرات ذات الحجم الكبیر في الأعداد، والتي كانت تتوالى علیھ یومیًا خلال الأیام العشرة الأخیرة قبل بدء المعركة، ثم شلل
المواصلات الداخلیة بین تشكیلاتھ بل وقطعھا نھائیًا"48.
یحاول الفریق فوزي وضع خط زمني معقول لما حدث في ذلك الیوم العصیب، السادس من
یونیو، لیكشف مدى تھاوي قیادة المؤسسة العسكریة وانعدام روح المبادرة والنقاش الصریح بین قیاداتھا: 1- في الساعة 11:30 صبا ًحا اقترح قائد الجبھة الفریق مرتجي أن تنسحب القوات من شرق سیناء وحتى خط المضایق؛ 2- في الساعة 4 مسا ًء أصدر المشیر عامر أم ًرا شفویًا بالانسحاب إلى غرب القناة، ولا یوجد أي مستند أو أثر لھذا الأمر، غیر أنھ وصل إلى بعض القادة
المیدانیین، وفقًا لمذكراتھم وأحادیثھم الصحفیة فیما بعد، ونفذوه فرادى؛ 3- في الساعة 4:30 مسا ًء كلّف المشیر عامر الفریق فوزي بوضع خطة انسحاب )بعد أن كان قد أصدر أمره بالانسحاب بالفعل(؛ 4- في الأربع وعشرین ساعة التالیة ع ّمت حالة من الفوضى والتضارب، بین قوات تنسحب دون إبلاغ المستویات الأعلى، وقوات تحاول العودة، وقوات تشتبك مع العدو منفردة؛ 5- بحلول مساء السابع من یونیو كانت معظم القوات قد انسحبت، وانتھت أي فرصة للقتال الفعلي من
الجانب المصري.
بعد ھذا الیوم العصیب بسنوات، برر وزیر الحربیة شمس بدران الانسحاب في حوار مع
صحیفة الحوادث اللبنانیة بقولھ إنھ بحلول السادس من یونیو كانت إسرائیل تسیطر على سماء الجبھة، وإن المشیر عامر اتصل ساعتئذ بالرئیس عبد الناصر وأبلغھ بتطورات الموقف، فاتفق الاثنان على سحب القوات إلى غرب القناة. ادّعى بدران أن عبد الناصر طلب من المشیر أن یستطلع رأي كبار القادة العسكریین وأعضاء مجلس قیادة الثورة المتاحین لھ قبل التنفیذ، وأن القادة الموجودین في مكتب عامر )لم یتذكر بدران كل أسمائھم( أیدوا سحب القوات، ثم أن ناصر طلب
من عامر بعد الانسحاب أن تعود الفرقة المدرعة الرابعة إلى شرق القناة حتى خط المضایق49.
لا تتسق ھذه الشھادة مع روایات معظم الشھود الآخرین، وأھمھم أمین ھویدي )وزیر
الحربیة بعد الھزیمة( والفریق محمد فوزي )رئیس الأركان أثناء الھزیمة(. فمث ًلا یشیر الفریق فوزي إلى حدیث تلیفوني بین المشیر عامر والرئیس عبد الناصر یطلب فیھ الأول رأي الثاني في إمكانیة الصمود في المضایق بد ًلا من الانسحاب إلى غرب القناة، "فلم یتلق ردًا من الرئیس سوى جملة ُم ّرة وھي: یعني كنت أخدت رأیي في الانسحاب الأول، جاي دلوقت تسألني رأیي في
المضایق"50.
ولأنھ لم یكن ھناك أمر مكتوب بالانسحاب ولا خطة موضوعة، فقد تصرف كبار القادة
ومرؤوسوھم، بل وكذلك الجنود، وفقًا لفھمھم الخاص. فكانت النتیجة بلبلة واسعة وانھیار في معنویات القوات، فانقلب الانسحاب غیر المنظم إلى فوضى: "فتعارضت أماكن تمركز المنسحبین، وطرق انسحابھم، مرة إلى غرب القناة ومرة إلى وسط الدلتا، دون تحدید مكان معین، مرة إلى ھایكستب ومرة إلى دھشور، وكانت كل ھذه الأوامر صادرة من ضباط وضباط صف الشرطة العسكریة التي كانت تتلقاھا من ضباط وأفراد مكاتب المخابرات الحربیة، ووصل الحال إلى أن
أصبح ع ّریف الشرطة العسكریة الواقع على مخرج المعبر رقم 6 بالإسماعیلیة المصدر الرئیسي للمعلومات عن عملیة انسحاب القوات من سیناء، أي التي عبرت قناة السویس."51
كل ھذه الفوضى لا تفسیر لھا سوى أن المشیر أصدر قرا ًرا شفویًا غیر محدد وغیر مف ّصل بسحب 120 ألف ضابط وجندي إلى غرب القناة، ففسر الجنود أمر الانسحاب بأسلحتھم الشخصیة بأنھ بغرض تأمین سلامتھم، لا لمقاتلة العدو، فسار معظمھم على الأقدام، أو بأي وسیلة مواصلات، في اتجاه واحد معین، وھو قراھم ومنازلھم. ھذا ما حدث لأكثر من 100 ألف فرد استمروا في السیر إلى قراھم نحو أسبوع بد ًءا من یوم السابع من یونیو1967، ثم بعد ذلك عادوا وانضموا إلى
وحداتھم، لكن بدون أي أسلحة.
في ھذه الأثناء اكتمل انھیار عامر الذي لزم غرفة نومھ في مقر القیادة، عدا ثلاث مرات خرج فیھا لیتحدث إلى الرئیس عبد الناصر والسفارة السوفیتیة ووزارة الخارجیة، وھي المكالمات التي أدت إلى محاولة لم تكتمل، وتبین أنھا مستحیلة، للعودة إلى التمسك بالمضایق. إذ أن القوات كانت قد تشرذمت وبدأ بعضھا في عبور القناة غربًا، والأھم أن القادة المجتمعین في معسكر الجلاء في الإسماعیلیة، الذین التقاھم الفریق فوزي بأوامر من المشیر، رفضوا بقاء أي جنود في سیناء
للتمسك بالمضایق.
وكانت النھایة ساخرة و ّمرة، تما ًما كمسار الأحداث من أولھ إلى آخره. إذ تجادل الفریق
فوزي مع الفریق مرتجي، فاتصل الأخیر بالمشیر عامر، وبعد حوار م ّرر الھاتف إلى الفریق فوزي الذي سمع أوامر عامر: "خلاص یا فوزي ارجع أنت القاھرة". بھذه البساطة انتھى دور العسكریة
المصریة تما ًما خلال أقل من 72 ساعة من بدایة الحرب دون مقاومة تذكر من جانب القادة52.
كانت الروح السلبیة عند الجنود انعكا ًسا لانعدام مسئولیة ومھنیة القادة. لماذا یضحي الجنود
وقد ف ّر الضباط؟ فخلال رحلتھ بالسیارة من الإسماعیلیة إلى السویس یوم السابع من یونیو، لم یجد الفریق فوزي في أي وحدة أو جماعة ضاب ًطا واحدًا بین مجموعة جنوده. وعندما شاھد خمس دبابات جدیدة طراز تي 55 تركھا الجنود المصریون أثناء انسحابھم المضطرب، طلب من قائد المنطقة استعادتھم، ولكن القائد عجز عن أن یجد سائقین أو وقودًا، فاقترح الفریق فوزي أن یتم تدمیر الدبابات بمدافع ھاون، خصو ًصا وأن جنودًا إسرائیلیین بدأوا یقتربون منھا، ولكن ضابط
المدفعیة رد على قائد المنطقة قائ ًلا: "بلاش یا فندم لحسن طیارات العدو تشوفنا وتضرب مواقعنا"53.
وفي أثناء تنظیمھ لشئون الدفاع عن بورسعید، عقب وقف إطلاق النار، التقى نائب رئیس
المخابرات الحربیة عبد الفتاح أبو الفضل مع أحد كبار الضباط "الذین حضروا شاردین من سیناء ولما سألتھ عن السبب في عدم التحامھم مع الجیش الإسرائیلي، قال لم یكن لدینا كضباط الدافع لبذل أي مجھود، لأننا لو انتصرنا كنا سننتصر لأجل أن یصل شمس بدران فتى القیادة المدلل لأعلى
المناصب، فھل كنت تریدنا أن ننتصر لأجل أن یصل الانتھازیون إلى أعلى المراكز"54؟
إذن فقد انھار الجیش المصري بشكل كامل، إلى حد أن القوات الإسرائیلیة توقفت عن أسر الجنود المصریین لأن أعدادھم كانت كبیرة ولم تكن ھناك وسائل نقل كافیة لنقلھم إلى الخطوط الخلفیة، فاكتفى الإسرائیلیون بأسر الضباط المتبقین في شرق القناة، بینما ُسمح للجنود بعبور القناة في مراكب مدنیة بعد إلقاء أسلحتھم الشخصیة. وقال أسرى مصریون عدیدون خلال استجوابھم إنھم وصلوا إلى سیناء دون أي فكرة واضحة عن المطلوب منھم وعن أماكن تمركزھم، وأن خطوط
الإمداد كانت یرثى لھا وفي حالة فوضى55.
ھذه الفوضى كانت امتدادًا طبیعیًا للأوضاع في الأسابیع السابقة على الحرب. فمث ًلا یحكي نائب مدیر المخابرات الحربیة عبد الفتاح أبو الفضل عن زیارة قام بھا إلى محطة مدینة القنطرة أثناء عملیة التعبئة في أواخر مایو، حیث وصل قطار یحمل الجنود المستدعین إلى خدمة الاحتیاط. یقول أبو الفضل: "فوجئت في المحطة بحالة من الفوضى لقوات الاحتیاط یعجز الإنسان عن وصفھا، والمفروض أنھا على وشك الاشتراك في القتال بالجبھة. كان الكل في ملابس مدنیة ومعظمھم بجلالیبھم الریفیة ویحملون بنادقھم، ولیس ھناك أي زي عسكري، ُجمعوا من قراھم على عجل ودون أي ترتیبات إداریة. وتسلموا أسلحتھم فقط وھم بجلالیبھم المدنیة و ُشحنوا في السكة الحدید كالدواب، دون أي تجھیز أو ترتیب إداري من مأكل أو مشرب أو راحة. كانوا یتدافعون لشراء طعامھم من الباعة الجائلین بالمحطة في فوضى شاملة، لا یتعدى مظھرھم خفر الریف، إن لم یكونوا أقل مستوى من ذلك. حشد ھائل من الشباب والرجال الضائعین نتیجة إھمال واستھتار سلطات القوات المسلحة بآدمیتھم وإنسانیتھم، وسألت نفسي ھل ھذه ھي حالة قواتنا التي سنواجھ بھا
جنود عدوتنا إسرائیل؟ وفي المقابل ھل عدوتنا إسرائیل عندما أعلنت التعبئة عاملت شبابھا بھذا الأسلوب غیر الآدمي"56؟
لم یكن عبد الناصر یدرك فداحة الھزیمة حتى بعد ظھر السابع من یونیو. إذ أنھ لم یكن
یعرف حتى ذلك الوقت أن المشیر عامر أصدر أمر الانسحاب العاجل والسریع. ولذلك فقد كان ما زال یقود حربًا انتھت على الأرض، وھو ما ظھر خلال اجتماعھ مع وزیر الخارجیة الجزائري ھواري بومدین بعد ظھر الیوم نفسھ، حیث أكد لھذا الأخیر أن قوات مصریة ستعید التمركز في خط الدفاع الطبیعي عند الممرات شرق القناة وتوقف تقدم القوات الإسرائیلیة، ھذا بینما كانت الحقیقة أن عشرات الآلاف من الجنود قد بدأوا مسیرتھم الصعبة على رمال سیناء، عابرین القناة في مراكب
مدنیة، سائرین إلى قراھم ومدنھم، عائدین من حرب لم یقاتلوا فیھا بالمعنى الحرفي للكلمة.
ھؤلاء الجنود كانوا أشجع وأنصع صفحة في كتاب العسكریة المصریة المھترئ بفعل قادتھ.
ففي خ ّضم كل ھذا التخبط والسلبیة كانت ھناك نماذج لجنود وضباط تحلوا بشجاعة فائقة، زاد من عظمتھا أنھا أتت في مناخ لم یكن یكافئ الشجاعة بالضرورة. فمث ًلا أثناء الضربة الجویة تمكن 30 طیار من الإقلاع والاشتباك مع المقاتلات الإسرائیلیة، فاستشھد منھم 12 طیا ًرا، وأی ًضا في مطار شرق القاھرة أمر قائد لواء طائرات النقل الروسیة الصنع طراز أنتینوف طائراتھ بالتوجھ إلى الخرطوم فور الھجوم الجوي مباشرة57، وكذلك لو لم یكن قادة الجیش وعامر ورئیس البلاد قد انھاروا سریعًا وفقدوا السیطرة، لكان من الممكن أن تتمسك القوات المصریة بالمضایق، حیث كانت قوات "الستارة" محصنة ولم تستعمل معداتھا، وإن كان الدفاع عن المضایق سیكون صعبًا ومكلفًا دون غطاء جوي، ولكنھ رغم ذلك لم یكن مستحی ًلا، خاصة وأن الاتحاد السوفیتي كان قد بدأ في
إرسال مقاتلات وذخائر بعد أیام من بدء الحرب.
لكن كل ھذه التضحیات ذھبت ھبا ًء، وانتھى الأمر بمجزرة للقوات المصریة. كان العدد
الإجمالي للشھداء المصریین وفق الحصر الذي قامت بھ القوات المسلحة 2000 فرد فقط، لكن الحصر قدّر عدد المفقودین بـ9800 فرد، وھؤلاء تم قیدھم شھداء في 1971، لیصبح عدد ضحایا مصر في ھذه الحرب التي لم تقاتل فیھا نحو 12 ألف قتی ًلا. أما الأسرى فقد وصل عددھم إلى 13600 فردًا، ھذا بینما استولت إسرائیل على حوالي 848 مدرعة دون قتال على أرض سیناء58، وفي حساب ختامي مفزع یمكننا القول إنھ لم یتم استخدام المدرعات والمدافع المصریة في أي قتال
یذكر في سیناء، إذ دمر معظمھا دون قتال، بینما دُمر 85% من القوات الجویة، معظمھا على الأرض دون قتال، وخسرت القوات البریة 17% من أفرادھا و85% من معداتھا.
خسائر العرب ومكاسب إسرائیل
ذھل الإسرائیلیون من انسحاب مصر السریع، إذ كان یمكن للقوات المصریة مواصلة القتال
البري في سیناء لی ًلا عندما تعجز الطائرات الإسرائیلیة عن قصفھا بسھولة. كذلك كانت ھناك تحصینات كثیرة یمكن التمترس بھا نھا ًرا. لكن القاھرة قررت الانسحاب، حتى دون أن تمنح الدبلوماسیة الدولیة فرصة لطلب وقف إطلاق نار في نھایة یوم الخامس من یونیو أو خلال الیوم الذي یلیھ. حیث رفض المبعوث المصري في نیویورك السفیر محمد عوض القوني أن یتم فرض وقف لإطلاق النار، فساعد بذلك نظیره الإسرائیلي الذي كانت أوامره من القدس ھي التسویف
والمماطلة لمنح الجیش الإسرائیلي وقتًا لإنھاء خططھ في سیناء.
كان ھدف الھجوم الإسرائیلي ھو قصم ظھر العسكریة المصریة وإذلالھا، ثم فرض حل سیاسي على مصر یؤدي إلى وضع نھایة لمشروع القومیة العربیة الثوریة المعادي لوجود إسرائیل. تحقق الجزء العسكري من الھدف في الیوم الأول، وتأكد نجاحھ في الیوم الثاني مع قرار المشیر عامر المأساوي بالانسحاب والتنفیذ فائق الاضطراب لھ، وبعدھا التفتت إسرائیل إلى حلمھا القومي/ الدیني وجائزتھا المنشودة، فاستولت على القدس والضفة الغربیة، وأخی ًرا في الیوم الخامس تخلصت من مصدر التنغیص، الذي بدأ كل الحرب من وجھة نظر البعض، وھو إطلال سوریا وتحكمھا في شمال إسرائیل من أعلى مرتفعات الجولان السوریة. كانت لدى إسرائیل خطة واضحة ومحددة ونفذتھا بنجاح. وھكذا، ففي الیوم الخامس للحرب، التاسع من یونیو، صار مناسبًا لإسرائیل أن تقبل وقف إطلاق النار، فصدر قرار مجلس الأمن بإیقاف النار دون النص على عودة القوات المتحاربة
إلى أماكنھا الأصلیة كما ھو متبع، وقبلتھ مصر.
لا شك أن رؤیة الأمور بعد 50 عا ًما قد تكون أوضح لنا مقارنة بمن كانوا في قلب ضباب الأحداث. لكن معظم الضباب لم یكن مفرو ًضا على مصر وقیادتھا، بل كان من اختیارھم وصنعھم، بفعل نظام سیاسي قائم على الثقة وأمن الحاكم وجماعتھ، نظام یفتقر إلى آلیات للمحاسبة والمساءلة، فاقد لفھم واضح ومدعوم شعبیًا لأولویات الأمن القومي وكیفیة دعمھا اعتمادًا على القدرات الفعلیة،
لا الوھمیة، للمؤسسات العسكریة والاقتصادیة. لقد ُھزمت قیادة مصر ونظامھا بیدھا قبل أن تھزمھا إسرائیل.
وقبل أن تترسخ ھذه الخسائر التاریخیة، كانت الخسائر المباشرة في أیام الحرب الستة
فادحة. فالمقارنة بین خسائر العرب وخسائر إسرائیل في الحرب أكثر من موجعة. كانت أرواح الجنود والضباط ھي أقسى الخسائر. إذ سقط منھم كما ذكرنا على الأقل 12 ألف قتیل من المصریین، بینما تكبد الأردن 700 قتیل و ُجرح 6000، وقُتل 450 عسكري سوري و ُجرح نحو 1800 آخرین. أما إسرائیل فقد اعترفت بمقتل نحو 800 جندي وإصابة 2563 آخرین. ویعني ھذا أن إسرائیل قتلت 15 جندیًا عربیًا، معظمھم من المصریین، مقابل كل جندي سقط في صفوفھا. ومن جانبھ، قدّر الفریق محمد فوزي عدد الأسرى المصریین بنحو 13600 أسی ًرا. لكن المؤرخ والدبلوماسي الإسرائیلي السابق مایكل أورین، مستندًا على إحصاءات الحكومة الإسرائیلیة، یدّعي أن إسرائیل أسرت خمسة آلاف جندي مصري فقط و365 سوري و550 أردني. وكان عدد الأسرى الإسرائیلیین خمسة عشر فقط. ویعني ھذا أنھ أمام كل أسیر إسرائیلي كان ھناك على الأقل أربعمئة
أسیر عربي، معظمھم مصریون.
قضت الحرب )مؤقتًا( على قدرة الدول العربیة المجاورة لإسرائیل على القتال. فقد فقدت مصر 85% من كل عتادھا تقریبًا، بقیمة قد تصل إلى ملیاري دولار بأسعار 1967، حیث استولت إسرائیل على أو دمرت نحو 450 دبابة )من أصل 900( ونحو 480 مدفعًا )من أصل ألف مدفع( وبطاریتي صواریخ سام وقرابة عشرة آلاف عربة. أما الأردن فخسر 179 دبابة و53 مدرعة و1062 مدفعًا و1366 عربة. وكانت خسائر الجیش السوري ھي الأقل، فلم یفقد سوى 470 مدفعًا و118 دبابة و1200 عربة، بینما غنم الإسرائیلیون 40 دبابة سوریة سلیمة. ودمر الإسرائیلیون 469 طائرة معظمھا مصریة، منھا 50 في اشتباكات جویة، بینما خسرت إسرائیل 36 طائرة
وخسرت 18 طیا ًرا.
وبنھایة یوم 11 یونیو كانت إسرائیل قد احتلت 42 ألف میل مربع، فتضاعفت مساحتھا نحو
ثلاث مرات ونصف. وبعد أن كانت المدن الإسرائیلیة في مرمى النیران العربیة، صارت دمشق وعمـّان والقاھرة كلھا على مسافة لا تزید عن مئة كیلومتر من الصواریخ والمدافع الإسرائیلیة. وعلى الصعید الاقتصادي خسرت مصر كل دخلھا من قناة السویس )وكان یقدر بنحو 250 ملیون
دولار سنویا(، كما باتت إسرائیل تسیطر على كل آبار البترول في سیناء، التي كانت تزود مصر ً ِّ
بنصف احتیاجاتھا من البترول. وھبطت احتیاطیات مصر من النقد الأجنبي إلى مئة ملیون دولار فقط، بینما ارتفعت دیونھا في الأشھر القلیلة التالیة إلى 1.5 ملیار دولار. وبینما نزح نحو ربع ملیون مصري من منطقة القناة إلى الداخل المصري، توقفت ھجرة الیھود من إسرائیل. كذلك تدفقت على إسرائیل التبرعات المالیة والعینیة، وبدأ نسج أسس العلاقات الاستراتیجیة بین إسرائیل
والولایات المتحدة59.
وأعمق بكثیر من الخسائر العسكریة المباشرة كانت الخسائر الاستراتیجیة التي خلقت آلیات
وحدود الصراع حتى الیوم. فقد نقلت ھزیمة 1967 الصراع من طموح عربي للقضاء على دولة إسرائیل وتأسیس دولة فلسطینیة، إلى صیغة "الأرض مقابل السلام" التي ظھرت بوضوح للمرة الأولي في قرار مجلس الأمن 242. وصار من "حق" إسرائیل في عالم السیاسة الواقعیة، بعد أن انتصرت واحتلت كل ھذه الأراضي، أن تتضمن أي صیغة للتسویة بقائھا كدولة داخل حدود "آمنة" في مقابل إعادة الأرض، وھو ما حدث خلال السنوات التالیة مع مصر والأردن. وكان أكبر الخاسرین ھو الشعب الفلسطیني، إذ صارت دول المواجھة العربیة معنیة أكثر -بغض النظر عن تصریحاتھا وخطب قادتھا السیاسیة- بعودة أراضیھا ھي ذاتھا، أو، وخصو ًصا في حالة سوریا، بالحفاظ على بقاء أنظمتھا السیاسیة الحاكمة دون حتى اھتمام كبیر بعودة أراضیھا المحتلة. ودفع لبنان ثمنًا باھ ًظا كونھ صار مع الوقت الدولة الوحیدة التي سمحت بنشاط فدائي مسلح ضد إسرائیل )أو التي عجزت عن إیقافھ(. وبینما عملت دمشق على ألا تنطلق رصاصة واحدة عبر حدودھا نحو إسرائیل أو حتى نحو مرتفعات الجولان السوریة المحتلة، دعم النظام البعثي جماعات فلسطینیة
وشیعیة مسلحة في لبنان واستغلھا في حروبھ الإقلیمیة بالوكالة.
انتصرت إسرائیل عسكریًا وضمنت لعقود قادمة بقاء الدولة الیھودیة، لكنھا باحتلال قطاع
غزة والضفة الغربیة ح ّولت نفسھا من دولة تنازع دول الجوار على شرعیة قیامھا وحقوق السكان الأصلیین الذین ُھ ّجروا أو نزحوا أو باتوا یعیشون مواطنین من الدرجة الثانیة في ظل الدولة الجدیدة، إلى دولة احتلال فعلي )من وجھة نظر القانون الدولي( تسیطر على عدة ملایین من الفلسطینیین الذین لا تریدھم ولكن ترید الأرض التي یعیشون علیھا. صارت إسرائیل الجدیدة ربما أكثر أمنًا بسیطرتھا على 70 ألف كیلومتر مربع إضافیة، ولكنھا تحولت من دولة بھا بعض الممارسات العنصریة في نظر القانون الدولي والأمم المتحدة، إلى دولة محتلة لأراضي دول
مجاورة، تمارس سیاسات التمییز والقمع والفصل العنصري ضد الفلسطینیین الخاضعین لسلطتھا وترفض إعادة الحقوق السلیبة لمن اضطروا للنزوح، ومنھم من أُجبر على الرحیل للمرة الثانیة في أقل من عشرین سنة. فقد تدفق ما یصل إلى 250 ألف لاجئ من الضفة الغربیة، التي صارت محتلة، إلى بقیة المملكة الھاشمیة شرق نھر الأردن )یصر الإسرائیلیون على أن العدد كان 175 ألف فقط(، بینما صار 1.2 ملیون فلسطیني في الضفة الغربیة وقطاع غزة خاضعین للاحتلال
الإسرائیلي


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

IV. Pharmacolog...

IV. Pharmacological Properties 2. Antiinflammatory Activity : Research has confirmed that the anti-...

Pictures Many ...

Pictures Many words are difficult to clarify by using objects. For example, words for items that a...

 مدرسة أوكسفور...

 مدرسة أوكسفورد: ابتدأت ملامح هذه المدرسة بتأثر مجموعة من الفلاسفة الشبان من كمبردج بأفكار الفيلسوف...

المدرسة النمساو...

المدرسة النمساوية للاقتصاد، المعروفة أيضًا بالمدرسة النمساوية أو مدرسة فيينا، هي التوجه الفكري الاقت...

حرم الإسلام سما...

حرم الإسلام سماع المعازف (الموسيقى)، وقد جاء في هذا الحديث عن ابي عامر وابي مالك الاشعري رضي الله عن...

ان اختياري لهذا...

ان اختياري لهذا الموضوع نابع من رغبة شخصية في اعداد ودراسة حول موضوع حديث يفتقر الى الدراسات السابقة...

المقدمة: ...

المقدمة: في زمن اتسم بالابتكار المالي والتحول الرقمي المستمر، شهد العالم خلال السنوات الاخيرة ...

شركة الادلاء: ب...

شركة الادلاء: بناءً على نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/111) وتاريخ 17/09/...

قال الجرجاني:"ه...

قال الجرجاني:"هي الائتمارُ بالتزام العبودية، وقيل الشريعة هي الطريق في الدِّين" وبهذا المعني تُصبح ...

بسم الله الرحمن...

بسم الله الرحمن الرحيم مقرر مهارات التفكير) 1001اصت( محاضرة التفكير الإبداع ي Creative thinking ...

في الختام، يمكن...

في الختام، يمكن القول إن الإفلاس يمثل تهديدًا كبيرًا للشركات والأفراد على حد سواء. يترتب على الإفلاس...

مصدرٌ غنيٌ بالأ...

مصدرٌ غنيٌ بالألياف: يُساعد تناوُل الألياف على أداء وظائف الجهاز الهضمي بشكلٍ أفضل وبخاصة مع استهلاك...