لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

هو أيضاً يشبه أن يصافح نظام الإقطاعيات كما كانت رفقة إيني في الزمن الغابر تحيي إيطاليا، ويغتبط بأنه أتم كتاب الإقطاعيات الذي بدأه معظم المؤلفين». ولا يسعنا ألا أن نعترف بأنه على رغم ما قد يستفيد القارئ من هذه الدراسة الطويلة على هدى مثل هذا العقل ربما يحب هو أيضاً أن يرسو على الميناء لكنه يدهش من أن مثل هذا الشوط الطويل يوصل إلى أرض جديبة. لقد بدئ ذلك الكتاب ببراعة المطلع ولكن تلك الأنهاج الجميلة لم تؤد البتة إلى معبد. بين أن المؤلف لم يكن قد ألم به دفعة واحدة وأن مونتسكيو لم يدرك منذ بدء السير السبيل التي يملكها. اشتغل به عشرين عاماً كما يخبرنا هو نفسه. لكن المؤلف كلما كان فسيح الجهات كان من الضروري أن يحد بالتحرج وبالنمط الواضح ومع أن المؤلف قد رسم لنفسه من قبل حدوداً ثابتة وعميقة كان يستطيع أن يحتفظ بلا عناء بحدة رواء مذهبه وبأثر طرائفه المقدرة من قبل. يدين مونتسكيو بكثير الأسلافه الذين يسدي إليهم أحياناً ثناء جميلاً ولكن هيهات أن يعلم بالضبط كل ما يدين لهم به، وتحقيقه الذي كثر ما يخطئ فيه ليس ها هنا بعد بالغاً غاية التمام، لقد استعار أرسطو كثيراً من أفلاطون من دون أن يذكره في الغالب، وزد على ذلك أنه لم يكن ليضع مؤلف تحقيق. وأما مونتسكيو فقد استعار مثل ذلك من أفلاطون ومن أرسطو وإذا لم يكن قد ذكرهما فلأنه يجهل في الغالب الينابيع التي استمد منها، ينبغي أن يضاف إلى ذلك، إنه لم يكن ليفهمها حق الفهم، حق أن المرء ليجد شيئاً من التردد عندما يصدر مثل هذا الحكم القاسي، لكن ما للحق من القدسية ما هو أجمل من حقوق العبقري. وإن مونتسكيو نفسه ليقر هذه الصراحة
فلنأخذ مثلاً نظرية الحكومات الثلاث. إذ ليس ما هو أهم منها لا من حيث العلم على العموم فحسب بل من حيث كتاب مونتسكيو كما قدره المؤلف نفسه. هذه النظرية واضحة تمام الوضوح في أفلاطون، وأنها أوسع شرحاً وابسط بساطة أيضاً في أرسطو الذي جعلها كلحمة لكتابه ونقل هذا المثل الخصب إلى خلفائه. هذا لا يمكن أن يخدع امرؤ عنه فيما يظهر. في السيادة واحد وعدة والجميع تلك هي الحدود الثلاثة الممكنة من دون سواها. ومع ذلك ماذا يصنع مؤلف روح القوانين؟ هو يمايز بين حكومات ثلاث ممايزة يظنه أنه تلقاها من أيدي التقاليد. لكنها هي الجمهورية وحكومة الفرد والحكومة المستبدة، ولا يرى منسكيو في ذلك ما يرتكبه من ضروب النسيان والتخليط. فمبدئياً الحكومة الاستبدادية تلتبس بحكومة الفرد وسيضطر مونتسكيو نفسه إلى الاعتراف به أكثر من مرة ك٣ ، ب ۱۰] فالفرد الملك لا يختلف عن المستبد إلا بمباشرة السلطان وحدها. والطغيان نوع من حكومة الفرد فسدت وزاغت كما قال ساسة الإغريق فأحسنوا. لكن في الواقع ليستا حكومتين متميزتين. وكثير من الأمثلة يشهد لنا من دون أن نخرج عن تاريخنا الخاص، إلى طغيان، ولا شيء يفصل بينها وبين الاستبداد على المعنى الخاص إلا أخلاق الشعوب التي تطبق علها ودرجتها من التنور. غير أن له من النتائج ذات الخطر ما لم يروه. فهو ليس خطأ ضد النظرية، وساسة الإغريق، الذين طالما مدحهم بحق، قد اجتنبوا أن يؤتوا الطغيان مثلها. يلزم بلا شك أن يمتهن الطغيان كما قد فعلوا وكما فعل مونتسكيو. ولكن إذا كان الاستبداد هو مع الأسف النظام الذي إليه يخضع جزء عظيم من الأرض فإن الشعوب التي تنوء بحمله والتي هو يجردها من كرامتها لا تستحق التفات الفيلسوف. إنهم كل المستوحشين تقريباً الذين ليس لهم تقاليد ولا تاريخ وأن مصائرهم، مع التسليم بأننا عرفناهم حق المعرفة، يجب أن تثير في أنفسنا الرجفة أو الرحمة لكن لا نتعلم منها. ومن هنا جاءت في كتاب مونتسكيو هذه الاعتبارات الكثيرة الورود والقليلة المتانة متعلقة بمستبدي الشرق. ومن هنا تلك الشواهد المبهمة وغير المحققة التي أقل ما يقال عنها أنها مشكوك فيها أن لم تكن هزؤاً. وكان يجب على مونتسكيو أن يتذكر القاعدة السامية التي قررها أرسطو في سياسته ينبغي أن تدرس الطبيعة نامية تبعاً لقوانينها المنتظمة لا في الكائنات ذوات المراتب الدنيا، وإن هلفسيوس قد كان أحكم وأجدى عملياً من العقل الكبير الذي قام بتفسيره حين يستهين بدراسة مثل تلك الحكومة ويتنكر لها. لا يمايز مونتسكيو فقط بين حكومتين من مبدأ واحد ، بل هو ينسى حكومة ذات مبدأ خاص. لأن التقليد الذي يسلم به والذي يزعم أنه لا يغيره لا يتكلم إلا عن ثلاث حكومات. بسبب الاسم الذي تحمله، لكن بما أن الأرستقراطية، ولو أنها تكاد تكون غير موجودة في تاريخ المجتمعات تحل مع ذلك منه مكاناً كبيراً في الصورة الفاسدة للأوليغرشية، فكان على مونتسكيو بعد أن قرر عدد الحكومات الثلاث، ليكون دقيقاً إذا لم يك منتجاً مع نفسه أن يحلل رابعة وأن يدخل هذا العنصر الجديد في كل نظرياته. فهكذا يبحث في الأرستقراطية كما يبحث في الديمقراطية وحكومة الفرد والاستبداد عما هي طبيعتها ومبدأها وقوانينها وفسادها. لكن لا ينبغي تغييرها إلا لتجعل أتم مما كانت. فالأرستقراطية بعيدة من أن تكون نوعاً من الديمقراطية حتى أن الشعوب تبغضها بغضاً منكراً وأن معظم الثورات الديمقراطية قد تولدت من الأوليغرشية التي هي بلا شك بغيضة عنده فيما يظهر، لكنها مع ذلك جوهرية عند العلم لأن قوة الأوليغرشية ما زال انتشارها يربى على الأسف لوجودها. فعدم التكلم عليها محو لجزء كبير من التاريخ بواسطة الطي غير الممدوح. ولم يك بأفلاطون ولا بأرسطو شيء من هذا التحفظ الذي لا تنتفع به الحكومات الخبيثة والذي لا يضر إلا الحق. نظرية تكاد تكون لمونتسكيو خاصة وهي نظرية الحكومات الثلاثة. إنه يميز بين طباع الحكومة الذي يجعلها هي ما هي وبين المبدأ الذي يجعلها تفعل أو المحرك الذي يحركها. وعلى هذا فمبدأ الديمقراطية هو الفضيلة ومبدأ حكومة الفرد هو الشرف ومبدأ الاستبداد هو الخوف، كما أن طباع الديمقراطية إنما هو أن تديرها الأمة أو بجزء منها، وطباع حكومة الاستبداد ألا يكون له من قاعدة
إلا إرادة السيد مهما كان على غير نظام وكانت له من الأهواء أشنعها. نظرية مبدأ الحكومات هذه قد أثارت أشد الانتقادات حدة ورأى مونتسكيو أنه مضطر لتفسير فكرته. فإن نزع الفضيلة عن حكومة الفرد كان للحكومة التي كان يعيش في ظلها اتهاماً خطيراً لم يكن المؤلف ليتعمده، فصرح أنه ما كان يعني بالفضيلة إلا الفضيلة السياسية أي حب الوطن والمساواة. ولم يكد هذا التفسير يكون مرضياً. لأن إنكار حب الوطن على الدول الملوكية إنما هو سبة جديدة يلصقها بها. وإن الملك يشبه أن يدعي دائماً أن خدمته خدمة للدولة. وكلمة لويس الرابع عشر : ((الدولة هي أنا )) مهما كان بها من كبرياء هي أيضاً تحية
لمبدأ الوطنية هذا الذي كان مونتسكيو ينازع حكومة الفرد إياه
لا ينكر مع ذلك أن لهذه النظرية ظاهراً من الحق. ولقد نبه أفلاطون وأرسطو منذ زمان طويل على أن الطاغية يملك على رغم إرادة رعاياه في حين أن الملك لا يملك إلا وفقا لهذه الإرادة. ونظرا إلى أن العنف المسلح بالقوة يلقي بالضرورة الرعب في القلوب فلم يك مونتسكيو ليزيد على أن ترجم فكرة حقة عريقة في القدم بأن جعل الخوف مبدأ للاستبداد في هذه النقطة كانت النظرية قابلة للتأييد. غير أن الرهبة تكره الناس في الغالب من الأمر على أعمالهم في الحكومات الديمقراطية والملوكيات. وفوق ذلك فإن الديمقراطية لا تأبي الشرف والملوكية لا تأبى الفضيلة حتى بالمعنى الضيق الذي يقصرها عليه
مونتسكيو، فالنظرية حينئذ كانت صادقة وكاذبة معاً. ذلك ما لم ينتبه إليه مونتسكيو إلا عندما ظن أنه يدرس الملوكية على العموم فلم يدرس منها في الواقع إلا ملوكية لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر. حق إنه كان للشرف عمل في كثير من الأشياء في عهد هذين الملكين. غير أن الفضيلة السياسية لم تكن مجهولة في ذلك الزمان الذي أخرج فوبان وفابير وكاتينا وفينيلون ومنتوزيبي وكثيراً غيرهم. وإن الشرف بما به من دقائق قوية وتافهة يقود أحياناً المعيات التي رسم منها مونتسكيو صورة غير مرضية وليست المعيات معروفة إلا في حكومات الأفراد. غير أن الملوكية الفرنسية كانت قد عاشت قرابة ألف عام من دون أن يكون لهذا المبدأ فيها نماء. فلم يكن هذا المبدأ ليؤثر البتة في الدولة الأثر الحاسم الذي كان يسنده إليه مونتسكيو حتى حينما ساد فيها هذا المبدأ سيادة وقتية، ماذا عسى أن يقول ساسة اليونان إذا كان قد حدثهم محدث بعدة مبادئ في الدولة؟ فافتراض أنه يمكن أن يقاد الناس المواطنون بوسائل على نحو من هذه الضعة ومن هذا العبث وافتراض أنه يمكن أن ينقل من الدولة إلى فرد كل الإحساسات التي تجعل القوة والسعادة في المدينة، وأنه يمكن أن يفرد ملك بالإخلاص الذي لا ينبغي إلا للوطن وأن يحس الناس بين يدي مستبد هذا الخوف النافع الذي لا ينبغي أن يحسه المرء إلا بين يدي العدل والفضيلة، كل هذه الفروض من شأنها أن تدهش لها أرسطو وأفلاطون وألا يكون فهمها إياها إلا بشيء من العناء. في الواقع ليس للدولة إلا مبدأ واحد كما أنه ليس للفرد إلا مبدأ واحد : ذلك هو مبدأ الخير، مبدأ العدل، مبدأ العقل الذي ينبغي أن يخضع له المواطنون والحكام الطغاة والرعايا، وإليه يؤدون على الأقل ظاهراً من الإجلال. لكن الفيلسوف يجب عليه ألا يلتفت إلى ذلك إلا ليعيبه، وأن يخشى إذا هو وقف على جهة المحاباة عند تفحص هذه الرذائل السياسية، أن يتنكر
من هذه النظريات المزعومة اثنتان تكادان لا تستحقان التفات الحكيم إلى حد أنهما على التحقيق هما اللتان تذهبان بالدول التي كان ينبغي مع ذلك أن تنهضا بها وتكفلا بقاءها. فالشرف، كما يعنيه مونتسكيو قد عجل بخراب المملكة الفرنسية: «فإن الوهم الذي يقوم بكل شخص وبكل ظرف قد شارك في تراخي الروابط السياسية وفي إفساد العلاقات الحقة بين الملك ورعاياه، وقامت فجاءة ملوكية محفوفة بمعية مخلصة لكنها عاجزة بمعزل من الأمة التي لم تكن تعرفها والتي لم تلبث أن أصابتها بالضربة القاضية. وهذا الجو المفتعل، الذي لم يكن لسائر الدولة به يدان لم يلبث أن خنق أولئك الذين كانوا يظنون أنفسهم يتنفسونه. وإذا كان الشرف مضيعة للملوكيات فلا يكاد الخوف يكون أجدى منه على المستبد، لا شك في أنه يفرضه على الأغيار فرضاً لكنه يتأثر به هو نفسه وكثيراً ما وقع في أحبولة مؤامرات شعوبه بل مؤامرات الأثيرين عنده. ولم يك أرسطو ليخدع نفسه البتة حين كان يعلن، وفاقاً للتاريخ، أن أقل الحكومات ثباتاً حكومة الطغيان على رغم احتياطاته ومكائده. هذا هو أدخل ما يكون في باب الحق. غير أن مونتسكيو كان يجب عليه أن يرى أن هذا المبدأ ما كان ليطبق على الديمقراطية فقط فإن الفضيلة السياسية، أعني حب المواطنين الحكومة التي تدير شؤونهم هي الركن الضروري لبقاء كل الحكومات بلا استثناء، تلك مقولة كررها الساسة الإغريق بكل الصيغ، حتى أن فولتير (۱) بسلامة ذوقه قد أعلنها كما أعلنوها، وهي تدين حتماً، ولو على درجات مختلفة الاستبداد، لأن لا أحد يحب الظلم، وتدين الشرف لأن قواعده الدقيقة كثيراً ما تناقض العقل الذي هو وحده.
خليق بأن يحبه الإنسان . غير أن نظرية مبدأ الحكومات هذه هي في ذاتها باطلة كان ينبغي فوق ذلك أن تحمل نتائج ليست اقل منها بطلاناً. كذلك مونتسكيو خصص كتاباً من مؤلفه لهذا الموضوع الجوهري. ولكن مذهبه قد جره إلى أن يضع بادئ ذي بدء قاعدة هي أن قوانين التربية يجب أن تكون تابعة لمبدأ الحكومة، ولم يتردد في أن يستنتج من ذلك أن هذه القوانين في حكومات الفرد ينبغي أن يكون موضوعها الشرف، وفي الجمهوريات الفضيلة وفي الاستبداد الخوف. وفي الحق أن مونتسكيو قد قال أقوالاً ملؤها الدقة والرشاقة على التربية في لاملوكية. وفوق ذلك انصف تربية الفحولة التي فرضتها الدول القديمة على الأولاد. بل أحياناً، في إعجابه بإغريقيا وبروما، لكن أليس أنه غلط في موضوع التربية الشريف هذا، حين يصوغ في قالب مبادئ ضرورية ونافعة تلك الضروب من الإسراف الأعمى الذي يفسد التربية ويشوهها ؟ ألم يكن لهلفسيوس الحق ألف مرة حينما يستغرب أن في روح القوانين يعلم ما يلزم أن يعمل لتثبيت ما هو شر». وأنه يستطاع أن يتصور أن في مادة الحكومة والتربية توجد مسألة أخرى غير معرفة ما هو الأوفق لتحقيق سعادة الناس. وعندما درج مونتسكيو على هذا المنزلق وصل إلى أن يطري حكومة الجزويت في باراخواي بأن جعلهم هم وغليوم بن في مستوى لوقرغس. تلك مطاوعة عمياء للمنطق. هذه نتائج باطلة أضلته إلى هذا المدي
وهاك خطأ ليس بأقل خطراً وهو نتيجة الأخطاء السابقة يملأ الكتاب التالي كله، وهو أن القوانين التي يسنها الشارع في جميع المواد يجب أن تكون، كقوانين التربية، تابعة لمبدأ الحكومة. فالقوانين لأجل أن يجوز تشريعها ينبغي أن تشعر في الجمهوريات بالفضيلة أي حب المساواة والكفاف، الملوكيات أن تتعلق بالشرف ابن النبل وأبيه وأخيراً في الدول الاستبدادية وهي فيها مع ذلك غير كثيرة أن يمسك الرعايا أبداً على الرهبوت, يعلق مونتسكيو على كل هذا من الأهمية إلى حد أن اعتباراته فيما يتعلق بالاستبداد أطول مما اختص به الديمقراطية والملوكية. ولما أنه لا يسع المرء في مثل هذا السبيل إلا العثار فمن هاهنا جاء تصريحه بأنه نصير بيع الوظائف بيع السلع. ولأجل أن يبرر هذا الخرف المحزن بلغ به الحال أن يؤثر رأي سويداس وأنستاس على رأي أفلاطون. يقول : لكن أفلاطون يتحدث عن جمهورية مؤسسه على الفضيلة ونحن نتكلم على ملوكية. وإذاً ففي مثل هذه الحكومة متى دفع العوز والشره بطانة الملك إلى بيع الوظائف خلافاً للقانون تجيء المصادفة برعايا خير من اختيار الملك». ومعلوم أي الوظائف يعني مونتسكيو بهذا القول. ولقد حبا به العرف الجاري إلى أنه لا يتردد في ان يقر هذا السحث الشنيع الذي يجر وراءه ما هو أشنع منه. وأن رجلاً فاسد الخلق اشترى وظيفة بثمن غال لا يريد أن يثرى. فقد كان فلاسفة الإغريق يعلمون من هذه النقطة الدقيقة أجل بكثير مما يعلم كاتب القرن الثامن عشر، المظالم والمخزيات. ضلالات أخرى تفيض من الينبوع عينه. ذلك أن مونتسكيو يطالب، ولو على استحياء، بإلغاء التعذيب ولا يجرؤ أن يذهب إلى أبعد من هذا التصريح إنه بطبعه غير ضروري ما دام أن أمة متمدنة جداً وهي الأمة الانكليزية استطاعت أن تقضي عليه من دون ضرر». لكن لما أن القسوة في العقوبات تناسب بالبداهة الحكومة الاستبدادية التي مبدأها هو الرهبة فقد شاء مونتسكيو أن يبقي على
التعذيب في هذه الحكومة.


النص الأصلي

هو أيضاً يشبه أن يصافح نظام الإقطاعيات كما كانت رفقة إيني في الزمن الغابر تحيي إيطاليا، ويغتبط بأنه أتم كتاب الإقطاعيات الذي بدأه معظم المؤلفين». ولا يسعنا ألا أن نعترف بأنه على رغم ما قد يستفيد القارئ من هذه الدراسة الطويلة على هدى مثل هذا العقل ربما يحب هو أيضاً أن يرسو على الميناء لكنه يدهش من أن مثل هذا الشوط الطويل يوصل إلى أرض جديبة. لقد بدئ ذلك الكتاب ببراعة المطلع ولكن تلك الأنهاج الجميلة لم تؤد البتة إلى معبد. بين أن المؤلف لم يكن قد ألم به دفعة واحدة وأن مونتسكيو لم يدرك منذ بدء السير السبيل التي يملكها. اشتغل به عشرين عاماً كما يخبرنا هو نفسه. وهذا في الحق ليس كثيراً على مثل هذا المؤلف. لكن المؤلف كلما كان فسيح الجهات كان من الضروري أن يحد بالتحرج وبالنمط الواضح ومع أن المؤلف قد رسم لنفسه من قبل حدوداً ثابتة وعميقة كان يستطيع أن يحتفظ بلا عناء بحدة رواء مذهبه وبأثر طرائفه المقدرة من قبل.
يدين مونتسكيو بكثير الأسلافه الذين يسدي إليهم أحياناً ثناء جميلاً ولكن هيهات أن يعلم بالضبط كل ما يدين لهم به، وتحقيقه الذي كثر ما يخطئ فيه ليس ها هنا بعد بالغاً غاية التمام، لقد استعار أرسطو كثيراً من أفلاطون من دون أن يذكره في الغالب، لكنه كان تلميذه، وزد على ذلك أنه لم يكن ليضع مؤلف تحقيق. وأما مونتسكيو فقد استعار مثل ذلك من أفلاطون ومن أرسطو وإذا لم يكن قد ذكرهما فلأنه يجهل في الغالب الينابيع التي استمد منها، ينبغي أن يضاف إلى ذلك، على وجه الإنصاف، إنه لم يكن ليفهمها حق الفهم، حق أن المرء ليجد شيئاً من التردد عندما يصدر مثل هذا الحكم القاسي، لكن ما للحق من القدسية ما هو أجمل من حقوق العبقري. وإن مونتسكيو نفسه ليقر هذه الصراحة


فلنأخذ مثلاً نظرية الحكومات الثلاث. إذ ليس ما هو أهم منها لا من حيث العلم على العموم فحسب بل من حيث كتاب مونتسكيو كما قدره المؤلف نفسه. هذه النظرية واضحة تمام الوضوح في أفلاطون، وأنها أوسع شرحاً وابسط بساطة أيضاً في أرسطو الذي جعلها كلحمة لكتابه ونقل هذا المثل الخصب إلى خلفائه. هذا لا يمكن أن يخدع امرؤ عنه فيما يظهر. في السيادة واحد وعدة والجميع تلك هي الحدود الثلاثة الممكنة من دون سواها. ومع ذلك ماذا يصنع مؤلف روح القوانين؟ هو يمايز بين حكومات ثلاث ممايزة يظنه أنه تلقاها من أيدي التقاليد. لكنها هي الجمهورية وحكومة الفرد والحكومة المستبدة، ولا يرى منسكيو في ذلك ما يرتكبه من ضروب النسيان والتخليط. فمبدئياً الحكومة الاستبدادية تلتبس بحكومة الفرد وسيضطر مونتسكيو نفسه إلى الاعتراف به أكثر من مرة ك٣ ، ب ۱۰] فالفرد الملك لا يختلف عن المستبد إلا بمباشرة السلطان وحدها. والطغيان نوع من حكومة الفرد فسدت وزاغت كما قال ساسة الإغريق فأحسنوا. لكن في الواقع ليستا حكومتين متميزتين. وكثير من الأمثلة يشهد لنا من دون أن نخرج عن تاريخنا الخاص، بأن حكومة الفرد المطلقة تتغير، كلما شاءت ذلك، إلى طغيان، ولا شيء يفصل بينها وبين الاستبداد على المعنى الخاص إلا أخلاق الشعوب التي تطبق علها ودرجتها من التنور. ولقد نبه هلفسيوس وفولتير فريد يريك ويتربسي (1888 - 1821 Dieterici) على هذا التخطيط الغريب. غير أن له من النتائج ذات الخطر ما لم يروه. فهو ليس خطأ ضد النظرية، بل هو قد جر مونتسكيو إلى أن يؤتي الاستبداد أهمية مبالغاً فيها، وساسة الإغريق، الذين طالما مدحهم بحق، قد اجتنبوا أن يؤتوا الطغيان مثلها. يلزم بلا شك أن يمتهن الطغيان كما قد فعلوا وكما فعل مونتسكيو. ولكن إذا كان الاستبداد هو مع الأسف النظام الذي إليه يخضع جزء عظيم من الأرض فإن الشعوب التي تنوء بحمله والتي هو يجردها من كرامتها لا تستحق التفات الفيلسوف. إنهم كل المستوحشين تقريباً الذين ليس لهم تقاليد ولا تاريخ وأن مصائرهم، مع التسليم بأننا عرفناهم حق المعرفة، يجب أن تثير في أنفسنا الرجفة أو الرحمة لكن لا نتعلم منها. ومن هنا جاءت في كتاب مونتسكيو هذه الاعتبارات الكثيرة الورود والقليلة المتانة متعلقة بمستبدي الشرق. ومن هنا تلك الشواهد المبهمة وغير المحققة التي أقل ما يقال عنها أنها مشكوك فيها أن لم تكن هزؤاً. وكان يجب على مونتسكيو أن يتذكر القاعدة السامية التي قررها أرسطو في سياسته ينبغي أن تدرس الطبيعة نامية تبعاً لقوانينها المنتظمة لا في الكائنات ذوات المراتب الدنيا، وإن هلفسيوس قد كان أحكم وأجدى عملياً من العقل الكبير الذي قام بتفسيره حين يستهين بدراسة مثل تلك الحكومة ويتنكر لها.لا يمايز مونتسكيو فقط بين حكومتين من مبدأ واحد ، بل هو ينسى حكومة ذات مبدأ خاص. لأن التقليد الذي يسلم به والذي يزعم أنه لا يغيره لا يتكلم إلا عن ثلاث حكومات. هذه الحكومة المنسية في التعداد العام هي الارستقراطية، إحدى الثلاث التي هي على الأقل، بسبب الاسم الذي تحمله، يجب أن تستدعي الفحص الجدي. لكن بما أن الأرستقراطية، ولو أنها تكاد تكون غير موجودة في تاريخ المجتمعات تحل مع ذلك منه مكاناً كبيراً في الصورة الفاسدة للأوليغرشية، فكان على مونتسكيو بعد أن قرر عدد الحكومات الثلاث، ليكون دقيقاً إذا لم يك منتجاً مع نفسه أن يحلل رابعة وأن يدخل هذا العنصر الجديد في كل نظرياته. فهكذا يبحث في الأرستقراطية كما يبحث في الديمقراطية وحكومة الفرد والاستبداد عما هي طبيعتها ومبدأها وقوانينها وفسادها. لا شك في أن الحدود التي نقلت إلى العلم بواسطة التقليد ليست غير قابلة للتغير. لكن لا ينبغي تغييرها إلا لتجعل أتم مما كانت. فالأرستقراطية بعيدة من أن تكون نوعاً من الديمقراطية حتى أن الشعوب تبغضها بغضاً منكراً وأن معظم الثورات الديمقراطية قد تولدت من الأوليغرشية التي هي بلا شك بغيضة عنده فيما يظهر، لكنها مع ذلك جوهرية عند العلم لأن قوة الأوليغرشية ما زال انتشارها يربى على الأسف لوجودها. فعدم التكلم عليها محو لجزء كبير من التاريخ بواسطة الطي غير الممدوح. ولم يك بأفلاطون ولا بأرسطو شيء من هذا التحفظ الذي لا تنتفع به الحكومات الخبيثة والذي لا يضر إلا الحق.


نظرية تكاد تكون لمونتسكيو خاصة وهي نظرية الحكومات الثلاثة. إنه يميز بين طباع الحكومة الذي يجعلها هي ما هي وبين المبدأ الذي يجعلها تفعل أو المحرك الذي يحركها. وعلى هذا فمبدأ الديمقراطية هو الفضيلة ومبدأ حكومة الفرد هو الشرف ومبدأ الاستبداد هو الخوف، كما أن طباع الديمقراطية إنما هو أن تديرها الأمة أو بجزء منها، وطباع حكومة الاستبداد ألا يكون له من قاعدة
إلا إرادة السيد مهما كان على غير نظام وكانت له من الأهواء أشنعها. نظرية مبدأ الحكومات هذه قد أثارت أشد الانتقادات حدة ورأى مونتسكيو أنه مضطر لتفسير فكرته. فإن نزع الفضيلة عن حكومة الفرد كان للحكومة التي كان يعيش في ظلها اتهاماً خطيراً لم يكن المؤلف ليتعمده، فصرح أنه ما كان يعني بالفضيلة إلا الفضيلة السياسية أي حب الوطن والمساواة. ولم يكد هذا التفسير يكون مرضياً. لأن إنكار حب الوطن على الدول الملوكية إنما هو سبة جديدة يلصقها بها. وإن الملك يشبه أن يدعي دائماً أن خدمته خدمة للدولة. وكلمة لويس الرابع عشر : ((الدولة هي أنا )) مهما كان بها من كبرياء هي أيضاً تحية
لمبدأ الوطنية هذا الذي كان مونتسكيو ينازع حكومة الفرد إياه


لا ينكر مع ذلك أن لهذه النظرية ظاهراً من الحق. ولقد نبه أفلاطون وأرسطو منذ زمان طويل على أن الطاغية يملك على رغم إرادة رعاياه في حين أن الملك لا يملك إلا وفقا لهذه الإرادة. ونظرا إلى أن العنف المسلح بالقوة يلقي بالضرورة الرعب في القلوب فلم يك مونتسكيو ليزيد على أن ترجم فكرة حقة عريقة في القدم بأن جعل الخوف مبدأ للاستبداد في هذه النقطة كانت النظرية قابلة للتأييد. غير أن الرهبة تكره الناس في الغالب من الأمر على أعمالهم في الحكومات الديمقراطية والملوكيات. وفوق ذلك فإن الديمقراطية لا تأبي الشرف والملوكية لا تأبى الفضيلة حتى بالمعنى الضيق الذي يقصرها عليه

مونتسكيو، فالنظرية حينئذ كانت صادقة وكاذبة معاً. ذلك ما لم ينتبه إليه مونتسكيو إلا عندما ظن أنه يدرس الملوكية على العموم فلم يدرس منها في الواقع إلا ملوكية لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر. حق إنه كان للشرف عمل في كثير من الأشياء في عهد هذين الملكين. غير أن الفضيلة السياسية لم تكن مجهولة في ذلك الزمان الذي أخرج فوبان وفابير وكاتينا وفينيلون ومنتوزيبي وكثيراً غيرهم. وإن الشرف بما به من دقائق قوية وتافهة يقود أحياناً المعيات التي رسم منها مونتسكيو صورة غير مرضية وليست المعيات معروفة إلا في حكومات الأفراد. غير أن الملوكية الفرنسية كانت قد عاشت قرابة ألف عام من دون أن يكون لهذا المبدأ فيها نماء. فلم يكن هذا المبدأ ليؤثر البتة في الدولة الأثر الحاسم الذي كان يسنده إليه مونتسكيو حتى حينما ساد فيها هذا المبدأ سيادة وقتية، في حين أن العلم لا يستمسك إلا بما هو جوهري ولا متغير. ماذا عسى أن يقول ساسة اليونان إذا كان قد حدثهم محدث بعدة مبادئ في الدولة؟ فافتراض أنه يمكن أن يقاد الناس المواطنون بوسائل على نحو من هذه الضعة ومن هذا العبث وافتراض أنه يمكن أن ينقل من الدولة إلى فرد كل الإحساسات التي تجعل القوة والسعادة في المدينة، وأنه يمكن أن يفرد ملك بالإخلاص الذي لا ينبغي إلا للوطن وأن يحس الناس بين يدي مستبد هذا الخوف النافع الذي لا ينبغي أن يحسه المرء إلا بين يدي العدل والفضيلة، كل هذه الفروض من شأنها أن تدهش لها أرسطو وأفلاطون وألا يكون فهمها إياها إلا بشيء من العناء. في الواقع ليس للدولة إلا مبدأ واحد كما أنه ليس للفرد إلا مبدأ واحد : ذلك هو مبدأ الخير، مبدأ العدل، مبدأ العقل الذي ينبغي أن يخضع له المواطنون والحكام الطغاة والرعايا، وإليه يؤدون على الأقل ظاهراً من الإجلال. فلأن يقع مع ذلك في غالب الأحيان ألا يكون لهذا المبدأ الشريف القوي فعله كله ويستبدل به إجراءات وضعية فذلك ما هو في الواقع أظهر من أن ينكر. لكن الفيلسوف يجب عليه ألا يلتفت إلى ذلك إلا ليعيبه، وأن يخشى إذا هو وقف على جهة المحاباة عند تفحص هذه الرذائل السياسية، أن يتنكر
للإنسانية ويشجع ضلالاتها.
من هذه النظريات المزعومة اثنتان تكادان لا تستحقان التفات الحكيم إلى حد أنهما على التحقيق هما اللتان تذهبان بالدول التي كان ينبغي مع ذلك أن تنهضا بها وتكفلا بقاءها. فالشرف، كما يعنيه مونتسكيو قد عجل بخراب المملكة الفرنسية: «فإن الوهم الذي يقوم بكل شخص وبكل ظرف قد شارك في تراخي الروابط السياسية وفي إفساد العلاقات الحقة بين الملك ورعاياه، وقامت فجاءة ملوكية محفوفة بمعية مخلصة لكنها عاجزة بمعزل من الأمة التي لم تكن تعرفها والتي لم تلبث أن أصابتها بالضربة القاضية. الشرف بما له من إيثارات وامتياز كان قد أوجد فراغاً فسيحاً حوالى الملك، وهذا الجو المفتعل، الذي لم يكن لسائر الدولة به يدان لم يلبث أن خنق أولئك الذين كانوا يظنون أنفسهم يتنفسونه. وإذا كان الشرف مضيعة للملوكيات فلا يكاد الخوف يكون أجدى منه على المستبد، لا شك في أنه يفرضه على الأغيار فرضاً لكنه يتأثر به هو نفسه وكثيراً ما وقع في أحبولة مؤامرات شعوبه بل مؤامرات الأثيرين عنده. ولم يك أرسطو ليخدع نفسه البتة حين كان يعلن، وفاقاً للتاريخ، أن أقل الحكومات ثباتاً حكومة الطغيان على رغم احتياطاته ومكائده. وأخيراً يبقى مبدأ الفضيلة في الديمقراطية. هذا هو أدخل ما يكون في باب الحق. غير أن مونتسكيو كان يجب عليه أن يرى أن هذا المبدأ ما كان ليطبق على الديمقراطية فقط فإن الفضيلة السياسية، أعني حب المواطنين الحكومة التي تدير شؤونهم هي الركن الضروري لبقاء كل الحكومات بلا استثناء، تلك مقولة كررها الساسة الإغريق بكل الصيغ، حتى أن فولتير (۱) بسلامة ذوقه قد أعلنها كما أعلنوها، وهي تدين حتماً، ولو على درجات مختلفة الاستبداد، لأن لا أحد يحب الظلم، وتدين الشرف لأن قواعده الدقيقة كثيراً ما تناقض العقل الذي هو وحده.

خليق بأن يحبه الإنسان .
غير أن نظرية مبدأ الحكومات هذه هي في ذاتها باطلة كان ينبغي فوق ذلك أن تحمل نتائج ليست اقل منها بطلاناً. فقد كان أفلاطون وأرسطو يجعلان للتربية أهمية ليس فيها من الغلو شيء مهما كانت كبيرة. كذلك مونتسكيو خصص كتاباً من مؤلفه لهذا الموضوع الجوهري. ولكن مذهبه قد جره إلى أن يضع بادئ ذي بدء قاعدة هي أن قوانين التربية يجب أن تكون تابعة لمبدأ الحكومة، ولم يتردد في أن يستنتج من ذلك أن هذه القوانين في حكومات الفرد ينبغي أن يكون موضوعها الشرف، وفي الجمهوريات الفضيلة وفي الاستبداد الخوف. وفي الحق أن مونتسكيو قد قال أقوالاً ملؤها الدقة والرشاقة على التربية في لاملوكية. وفوق ذلك انصف تربية الفحولة التي فرضتها الدول القديمة على الأولاد. بل أحياناً، في إعجابه بإغريقيا وبروما، لم يكن منصفاً نحو زمانه الذي على رأيه ما كاد يكون إلا للنفوس الصغيرة. لكن أليس أنه غلط في موضوع التربية الشريف هذا، حين يصوغ في قالب مبادئ ضرورية ونافعة تلك الضروب من الإسراف الأعمى الذي يفسد التربية ويشوهها ؟ ألم يكن لهلفسيوس الحق ألف مرة حينما يستغرب أن في روح القوانين يعلم ما يلزم أن يعمل لتثبيت ما هو شر». وأنه يستطاع أن يتصور أن في مادة الحكومة والتربية توجد مسألة أخرى غير معرفة ما هو الأوفق لتحقيق سعادة الناس. وعندما درج مونتسكيو على هذا المنزلق وصل إلى أن يطري حكومة الجزويت في باراخواي بأن جعلهم هم وغليوم بن في مستوى لوقرغس. وقد يصل من هذا إلى أن يوصي بشيوعية الأموال التي اقترحها أفلاطون، والقضاء على التجارة مع الأجانب وعلى كل علاقة معهم. تلك مطاوعة عمياء للمنطق. وإن المبادئ التي تدفع مثل هذا العقل إلى أمثال
هذه نتائج باطلة أضلته إلى هذا المدي
وهاك خطأ ليس بأقل خطراً وهو نتيجة الأخطاء السابقة يملأ الكتاب التالي كله، وهو أن القوانين التي يسنها الشارع في جميع المواد يجب أن تكون، كقوانين التربية، تابعة لمبدأ الحكومة. فالقوانين لأجل أن يجوز تشريعها ينبغي أن تشعر في الجمهوريات بالفضيلة أي حب المساواة والكفاف، وفي
الملوكيات أن تتعلق بالشرف ابن النبل وأبيه وأخيراً في الدول الاستبدادية وهي فيها مع ذلك غير كثيرة أن يمسك الرعايا أبداً على الرهبوت, يعلق مونتسكيو على كل هذا من الأهمية إلى حد أن اعتباراته فيما يتعلق بالاستبداد أطول مما اختص به الديمقراطية والملوكية. ولما أنه لا يسع المرء في مثل هذا السبيل إلا العثار فمن هاهنا جاء تصريحه بأنه نصير بيع الوظائف بيع السلع. ولأجل أن يبرر هذا الخرف المحزن بلغ به الحال أن يؤثر رأي سويداس وأنستاس على رأي أفلاطون. يقول : لكن أفلاطون يتحدث عن جمهورية مؤسسه على الفضيلة ونحن نتكلم على ملوكية. وإذاً ففي مثل هذه الحكومة متى دفع العوز والشره بطانة الملك إلى بيع الوظائف خلافاً للقانون تجيء المصادفة برعايا خير من اختيار الملك». ومعلوم أي الوظائف يعني مونتسكيو بهذا القول. لم يكن الأمر قاصراً على وظائف الأعباء المالية بل يتعداها إلى وظائف القضاء، ولقد حبا به العرف الجاري إلى أنه لا يتردد في ان يقر هذا السحث الشنيع الذي يجر وراءه ما هو أشنع منه. وفي هذا ينبغي الرجوع إلى المبادئ التي كان يضعها أرسطو حين كان يعيب بيع الوظائف في قرطاجنة طبيعي أن أولئك الذين اشتروا وظائفهم يجهدون في أن يعوضوا على أنفسهم خسارتهم بواسطتها ما داموا قد وصلوا إلى السلطان بقوة المال. ومن السخف أن يفترض أن رجلاً فقيراً لكنه شريف يريد أن يثرى، وأن رجلاً فاسد الخلق اشترى وظيفة بثمن غال لا يريد أن يثرى. فقد كان فلاسفة الإغريق يعلمون من هذه النقطة الدقيقة أجل بكثير مما يعلم كاتب القرن الثامن عشر، ولم يكن تحت أعينهم كثير من
المظالم والمخزيات.
ضلالات أخرى تفيض من الينبوع عينه. ذلك أن مونتسكيو يطالب، ولو على استحياء، بإلغاء التعذيب ولا يجرؤ أن يذهب إلى أبعد من هذا التصريح إنه بطبعه غير ضروري ما دام أن أمة متمدنة جداً وهي الأمة الانكليزية استطاعت أن تقضي عليه من دون ضرر». لكن لما أن القسوة في العقوبات تناسب بالبداهة الحكومة الاستبدادية التي مبدأها هو الرهبة فقد شاء مونتسكيو أن يبقي على
التعذيب في هذه الحكومة. إنه يجده لها مناسبا بل يكاد يذهب إلى تبرير ما ارتكب الإغريق والرومان من الفظائع في العبيد، غير أنه يسمع صوت الطبع يصيح به فيقف في هذا السبيل المحزن حيث ساقه إليه تكلف مذهب باطل
وحيث صوت الحكماء قبل صوت الطبع لم يكن استطاع أن يقفه. وعليأثر ذلك أيضاً يضطر مونتسكيو إذ يدرس الأسباب التي تفسد المبادئ المختلفة للحكومات إلى تقرير أن الحكومة الاستبدادية تفسد بأن تصير خيراً مما هي. لكنه يتقهقر أمام هذا التناقض الذي لا يمكن تأييده فيقتصر على أن ينبه إلى أن مبدأ الحكومة الاستبدادية يميل دوماً إلى أن يفسد. تناقض يكاد يكون صارخاً أيضاً. ومع ذلك فقد صرح بأن مبدأ أي حكومة هو ذلك الذي يسيرها، وهاك مبدأ الحكومة وهو على التحقيق ذلك الذي يقتلها !


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

ألنصار المذهب ا...

ألنصار المذهب المادي أو الموضوعي، نكون بصدد البدء في تنفيذ الجريمة، بالشروع في ارتكاب الركن المادي ...

تعد اضطرابات ال...

تعد اضطرابات التغذيه خطر كبير من الناحيه الطبية والنفسية وتسبب كثير من حالات انقطاع الطمث عند الرياض...

تعتبر المملكة ا...

تعتبر المملكة العربية السعودية من كبرى الدول المساهمة على مستوى العالم في برامج مكافحة الجوع. حيث تع...

عند تزاحم المرض...

عند تزاحم المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد و قبل البدء بالمفاضلة بينهم في أولوية العلاج يجب الت...

فوق الأصدقاء -...

فوق الأصدقاء - كل هذا خطأك! لن أسامحك أبدًا، أبدًا! صاحت بيس مارفن لابن عمها جورج. كان لدى بيس دمو...

Bareminerals Ge...

Bareminerals Gen Nude Pa lipstick, an indispensable addition to your makeup collection. This lip lac...

اولاً : المغرب ...

اولاً : المغرب المراد بلفظ المغرب هو كل ما يقابل المشرق من بلاد . وقد اختلف. الجغرافيون والمؤرخون ال...

یأتي یوم یستفید...

یأتي یوم یستفید منھا الآخرون إن لم یكن في جیلنا فقد تستفید منھا الأجیال القادمة. التفكیر الناقد و...

Body image appr...

Body image appreciation was high among our sample of females attending gyms in Tulkarm and Jenin. ...

أساسیات التعلم ...

أساسیات التعلم یمتد التعلم على امتداد حیاة الإنسان من المھد إلى اللحد، وھو في كل مرحلة من مراحلھ الن...

إن السيدة (زهرا...

إن السيدة (زهراء حسن عبود) مدرسة اللغة الإنكليزية في ث. الرباب للبنات هي من طلاب الدراسات العليا (ال...

this most impor...

this most important thing to achieve this goal is to manage your time effectvely i have divid my day...