لخّصلي

إن القيادة عملية سلوكية وتفاعل اجتماعي، فهي رعاية ومسؤولية نحو الاجتماع والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة والأهداف المحددة من خلال حسن التخطيط ورسم السياسات وتنسيق الجهود الفردية وحث المرؤوسين على المشاركة والمساهمة. ويتطلب ذلك من القائد قدرة التأثير على أفراد الجماعة وحسن إدارتهم وتوجيههم وضمان طاعتهم وولائهم نحو تحقيق الهدف المنشود، وأن يعرف كيف يثير حماستهم وكيف يستثمرها. ولا بد من أن يتوافر في القائد حب الاستطلاع والابتكار مما يؤدي إلى الفهم التام لدقائق بيئة العمل والأشخاص، حيث يؤثر كل ذلك على مدى نجاح الخطط المتوخاة، كما ينبغي أن تكون لدية خبرة ودراية وتعمق في مجال عمله كي يتمتع بثقة الأفراد، ويقدم حلولاً مناسبة مبتكرة وناجعة، ويخطط للتطوير المستمر. وهناك قادة يستعملون معرفتهم لحل مشكلات الأفراد، بيد أن هنالك آخرين يساعدون الأفراد على تحسين أدائهم ويدفعونهم الى التعلم.
في الواقع عندما ننظر للتطور وزيادة التعقيد في أساليب التسليح المعاصرة فسنجد أن هذا قد أثر بشكل طردي على تطوير أساليب التدريب من أجل مواكبة هذه التطورات والتعقيدات، ومن واقع النظر لبرامج التدريب نجد أنه قد تطورت التدريبات على استخدام التكنولوجيا واستخدم أسلوب الدمج في الحاسبات بين المعلومات المتوفرة من مصادر مختلفة، مع تمثيل أسلوب التدريب المتكامل، بما فيه التقييم وتصحيح الأخطاء . ومن هنا نجد الحاجة المستمرة للتدريب المستمر وتطبيق العلوم الحديثة في مجالات نظم المعلومات والحاسبات والنظم الخبيرة ، والذكاء الاصطناعي، وتحليل النظم وهندسة الاتصالات، وعلوم الإدارة الحديثة وعلم النفس.ولما كان التدريب هاما جدا للجنود والعاملين في القطاعات العسكرية ، فإنه بناء على هذا يكون تأهيل وتدريب القيادات العسكرية العليا من الأهمية بمكان في منظومة القوات المسلحة حيث إن القادة العسكريين هم العماد الأول والأساس المتين للسير بعمليات القوات المسلحة نحو تحقيق أهدافها المرجوة على الوجه الأكمل ولذلك تم استحداث برامج لتأهيل وتدريب هؤلاء القادة العسكريين للارتقاء بمستوى القيادة العسكرية ومسايرة التقدم الحادث يوميا في هذا المجال .
لقد تطورت الحروب الحديثة بشكل متسارع خلال هذا القرن والقرن الماضي وتطورت معها وسائل القيادة والتدريب للقادة , فتفوق الجيوش اليوم لا يقاس بقوة نيرانها، بمقدار ما يقاس بتداول المعلومات فيما بينها، وبقدرتها على الاندماج في نظام أوسع, فقد تغيّر مسرح المعركة، بحيث أصبح الجندي، والطائرة العسكرية، والسفينة الحربية، والقمر الاصطناعي، وطائرة الاستطلاع بدون طيار، يتصل بعضها ببعض، وتتصل كلها بالقيادة بواسطة شبكة معلوماتية مشفّرة، ترمي إلى استفادة الجميع من شبكة المستشعرات، وإلى تقصير سلسلة الرصد والقرار والتنفيذ بين أنظمة الأسلحة والقادة . ترتبط هذه الثورة بتحوّل الجيوش المتسارع منذ نهاية الحرب الباردة، وتشكيلها في وحدات تجمع المرونة إلى خفة الحركة والانتشار السريع، وتوفّر للقائد الاستراتيجي المعلومات عن الأصدقاء والأعداء، وتمكن للقادة رؤية الميدان، ومعرفة أماكن تواجد القوات الصديقة والقوات المعادية، وذلك بفضل تقنيات نقل المعلومات من المستشعرات المحمولة جواً وبحراً وبراً إلى القادة ولذلك تم تطوير طرق حديثة لتأهيل القادة حتى يتمكنوا من مسايرة هذا التقدم الكبير .
إن العمل على مواصلة التدريب والتأهيل لا تقف عند حد معين فالمستجدات المتسارعة في شتى مجالات الحياة وخصوصاً المجال العسكري, تتطلب تطوير سبل التعليم والتدريب على مختلف المستويات وخصوصاً للقادة العسكريين الذين من المتوقع وصولهم إلى مناصب عليا داخل المؤسسة العسكرية, وهذا الإعداد يحتاج إلى الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة , والى آخر ما توصل إليه العلم الحديث في هذا المجال. وإنشاء أكاديمية عسكرية عليا يعتبر مطلباً ضرورياً حتى يمكن الوصول بتأهيل القيادات العليا إلى مستوى عالي من التخطيط الإستراتيجي والعملياتي, بما يتناسب مع ما وصلت إليه مستجدات العمل والعلم العسكري.