لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (49%)

وهكذا انتهى عصر «الفيلم ـ النجم»، انبثق هؤلاء النجوم الجدد من شخصياتهم كأبطال يحددونها بدورهم: ففي العام 1914 يرفض تيبو ماري أن يتبرج كابوتزي دور القديس بولس على هذا النحو ولد النجوم الأوائل. من 1913 ـ 1914 حتى 1919 يتبلور النجم بشكل متواز في الولايات المتحدة وأوروبا على السواء. كانت محط أولى عمليات الإسقاط - التماهي التي قام بها المتفرج. في الوقت عينه ظهرت«الديفا» (diva) الإيطالية: فرانسيسكا برتيني، أما شخصية «الغولة» الدانمركية التي استوردت إلى الولايات فهي التي أدخلت القبلة على الفم ـ ولا أعني قبلة المسرح التي في فيلم ـ راف وغامون ـ لكنها كانت قبلة اتحاد طويل تعمد فيها الغولة إلى امتصاص روح عشيقها. دو ميل تلك الفتاة الجميلة الحادة المثيرة التي سوف تفرض على هوليوود مثلث الجمال والشباب والدعوة الجنسية. المتحدة في الوقت عينه، يفرض النجوم الأوائل الذكور أنفسهم، لكنهم يشكلون امتداداً لأول نجوم أفلام المسلسلات من رياضيين بهلوانيين ومقاتلين. أن يجعلوا أسماءهم تلمع من وهج الانتصار. دار محتوى الأفلام وإخراجها ودعايتها في فلك اسم النجم. وارتبط نظام النجوم بلب الصناعة السينمائية. حينئذ انفتح العصر المجيد، الذي امتد من العام 1920 إلى العام واستقطب الشاشة كلها عدد من النماذج الكبيرة : والشفتين نصف المفتوحتين أو الساخرتين بتهذيب (ماري بيكفورد وليليان غيش في الولايات المتحدة، والغولة المتحدرة من الأساطير الشمالية، من الأساطير المتوسطية : العذراء والغولة والمومس تتمايز أحياناًوتتطابق أحياناً أخرى عبر نموذج كبير هو نموذج المرأة المفتنة. هانايغي نموذج الغولة إلى السينما اليابانية. على غرار غموض وتسلط المرأة المفتنة، للعذراء الشابة الموعودة بالألم. في كتابه نظرية الفيلم إن غريتا غاربو تجسد «جمال الألم» وإنها «ألم الوحدة». نظرتها المتأملة تأتي من بعيد» إنها ضائعة في حلمها المرتبط بمكان آخر يصعب الوصول ومن هنا سرها الإلهي. التي لا تستجلب العبادة أي الحب. وبدأت النماذج الذكورية الكبرى تزدهر بدورها. فالبطل الهزلي فرض نفسه في الفيلم الطويل. الذين كانوا أحفاد تيزي وهرقل ولانسلو، بدأت تتبلور الأصناف الملحمية الكبرى. وإلى أبطال المغامرة يضاف بطل الغرام، والنظرة النارية. وبين هذين النموذجين، صنع رودولف فالنتينو نوعاً من التوليفة الكاملة. بطل مآثر لا تحصى، بهم. بسموهم وغرابتهم، مليئة بأحواض من المرمر، يتوافر فيها تجهيزات كاملة وسكك حديدية خاصة كانوا يعيشون بعيدين جداً، يحبون بعضهم بعضاً ويمزقون بعضهم وتداخلت غرامياتهم القاتلة في الحياة كما على الشاشة. ما عرفوا الزواج إلا إذا كان زواجاً من أمير أو أرستقراطية : بولا نيغري أعطت يدها على التوالي للكونت أوجين دومسكي وللأمير سيرج ميديفاني. وعليه فقد أحاطهم نوع من العبادة المجيدة. شكل موت رودولف فالنتينو نقطة الذروة في عهد النجوم الكبير. فقد انتحرت امرأتان أمام العيادة التي أسلم فالنتينو الروح فيها. ولم تتوار الزهور عن قبره لسنوات عديدة. غريتا غاربو، الحاضرة الغائبة بيننا، وهي بالكاد رضيت، بين وقت وآخر، أن تنغلق على صمتها. تحديد درجة التطور الذي أنجز. فكشارة حداد، وكما لو أنها ترغبفي النأي بنفسها عن محدودية العالم والزمن. ها هي الآن تخفيملامحها تحت قبعة كبيرة ونظارات سميكة سوداء. فتأتي بأفلام أكثر تعقيداً، أكثر «بسيكولوجية»، الفيلم البوليسي والفيلم الهزلي. فبعض الموضوعات، كالحب، من قريب أو بعيد، أي نحى إلى أن يجمع داخل كل فيلم ما كان قد نجح في الأنواع المتخصصة. وارتبط هذا الواقع، ولقد عززه السعي إلى أقصى درجات الربح : كان بتكثيف الموضوعات (الحب، المغامرات، الهزل) داخل الفيلم الواحد بمثابة أما ازدياد كنتيجة للتحسينات التقنية ولدخول السينما الناطقة، وتقلص عدد جمهور الأفلام، بفعل سحر الأصـوات، والأغنيات ، والموسيقى، فقد حددا مناخاً «واقعياً»، وهكذا صارت «النهاية السعيدة» مطلباً، بل معتقداً جامداً. وبعد فيلم نيويورك ـ ميامي لفرانك كابرا، سوف يكون النصر من نصيب نوع جديد هو «الكوميديا المرحة». ساعدت البني التفاؤلية الجديدة على «هروب» المتفرج من التشاؤم أو من الواقعية. وبدفع من التيارات التقدمية الكبرى، إلخ). التي كانت في أصلها عرضاً للعامة، سر الولادة، موت البطل كتضحية وفداء. والـنـهـايـة الـسـعـيـدة والمرح، فقد كشفت تـحـديـداً عـن الـتـحـول البورجوازي الذي طرأ على تلك المخيلة. وعمليات الإسقاط ـ التماهي، دلائل الصدق والمصداقية. أو يمحو، البني الميلودرامية لكي يستبدلها بحبكات تجهد لتمرير استساغتها. ومن هنا ما يطلق عليه عادة اسم «الواقعية». والحركة نفسها، التي تقرب المتخيل من الواقعي، هي تقرب الواقعي من المتخيل. بل وتزداد ضخامة داخل الفردانية البورجوازية. إن الروح هي بالتحديد مكمن التوحد حيث يتطابق الواقعي والمتخيل ويغتذيان من بعضهما بعضاً، بالتخيل بحميمية أكبر. ويتسم الرباط العاطفي، بين المتفرج والبطل، بالمعنى الأكثر أنانية للكلمة. ويتراجع الموت والقدرية أمام عناية إلهية تفاؤلية. هي التي ومعنى هذا أن الفيلم أخذ، يوسع من دائرة جمهوره ليشمل كل الأعمار، وكل شرائح المجتمع. ومعنى ذلك أن الفترة التالية للعام 1930، قد شهدت تسريعاً في حركة صعود الجماهير الشعبية إلى المستويات بسيكولوجية للفردانية البورجوازية. إن الارتقاء الاجتماعي للطبقات الشعبية، كظاهرة أساسية من ظواهر القرن العشرين، وعلى صعيد الحياة العاطفية اليومية، تتترجم عبر تأكيدات جديدة وعبر إسهامات جديدة لها. لقد سبق لنا أن قلنا إن الحياة العاطفية هي حياة وهمية وعملية في آن. إنهم ينحون الآن إلى عيش أحلامهم بأكبر قدر ممكن من الكثافة والدقة والتجسد، بل هم يمزجون تلك الأحلام بحياتهم الغرامية. بمعنى أنهم على محدوديتها والحاجات الجديدة، تجعل من ذلك المطلب الأساسي، إنها حركة طبيعية تمكن الجماهير من بلوغ المستوى العاطفي الذي تعيشه الشخصية البورجوازية. ويحدث لاحتياجات تلك الجماهير أن تتقولب في نماذج أساسية مهيمنة، هي نماذج الثقافة أي نماذج ووسطاء، بشكل حميمي ومتنوع، الاستثنائي والعادي المثالي واليومي، لقد كان لهذه الحركة ولهذه الرمية ، تلتها حركات مضحكة مليئة بالصراخ، لكن واقعية نحت باتجاه إلغاء النجمكلياً. غير أن هذه الحدود القصوى نادراً ما تم الوصول اليها. وذلك بالتحديد لأن الفيلم لايزال ضمن إطارات التخييل البورجوازي. ومثال «النهاية السعيدة» له دلالته في هذا المجال. التطهيرية الناتجة من موت البطل وهو ما يهيمن على مفهوم الإسقاط، هذا المتفرج إنما يقيم عبر هذا التفضيل أسطورة خلود لكن هذا الخلود الاصطناعي، التي تحيط بالنجم الجديد، فإنه لا يعطيه أي ميزة ترجحه على نجم العصر الذهبي. بل بالعكس، فالخلود ما هو إلا إشارة إلى هشاشة النجم الإله الجديد. إذن فإن النجوم - الآلهة، يميلون إلى اكتساب «بعد دنيوي» بطريقة ما، ولكن دون خسارة صـفـاتـهـم الأسطورية الأساسية. إن «الجمال والشباب»، صار أكثر مرونة. فبعد العام 1930، البورجوازي الفرنسي الناضجون (فيكتور فرانسن، وجان مورا)، ظهر كلارك غيبل، أما البطلة التي غمرت أدوات ماكس فاكتور وجهها، فسيصبح بإمكانها أن تصل إلى سن الأربعين. من الآن وصاعداً، جمال غير مثالي أو قباحة مهمة تفرض سحرها الخاص وتنهار النماذج القديمة تاركة المجال لنماذج ثانوية متعددة، فهي لا تكف عن الولادة من جديد ضمن الإطار الجديد «الواقعي» للعذراء البريئة ميشال مورغان في فيلم غريبوي، وإيتشيكا شورو في فيلم أطفال الحب، والبطل التراجيدي الذي يموت جان غابان في فيلم رصيف الضباب. ولكن في الوقت تتحول العذراء البريئة والخطيبة الصغيرة المتمردة إلى «فتاة أنيقة»، الفتاة الأنثى ـ الذكر، ومع انهيار العذراء هذا يتماشى انهيار المرأة الغولة، وهو انهيار أكثر ظهوراً بكثير. لم يعد بإمكانها أن تتكيف مع المناخ الواقعي الجديد دون أن تبدو سخيفة. فكان أن تحولت إلى شخصية ثانوية وتافهة، وواكب هذا التغيير صورة بطل الغرب الأقصى النقي في عدالته والمنزه عن الجنس، الذي بات ذا حساسية جنسية، واستسلم أمام الضعف الغرامي. والبطل البهلوان أصبح رياضياً. و«أخيل» و«تيزي» و«هرقل» أصبحوا فتياناً صغاراً، متيني البنية لا يحتفظون بقوتهم القديمة الجبارة والرائعة إلا بفضل استخدامهم لمسدسهم. وتميز الأبطال الشبان المخنثون بروح رياضية ومرحة. فقد تمكن أن يدعي القدرة على إغواء البطلة. غير أن هذا التفتت وهذا التنوع النمطيين، في انهيارها، طاقة شبقية طاولت كل أنماط النجوم الأخرى. فالفتاة الأنيقة الجريئة، سواء أكانت مغنية في كاباريه، أو راقصة استعراضات، بدأت تجذب ناحيتها جزءاً من سمات الغولة الجنسية. ولكن نوعاً من التوليف بين الغولة والعاشقة والعذراء خلق في الأفلام المرحة لكي يعطينا صورة البنت -الطيبة - الشريرة. بسبب ظهورها بسمات المرأة وتصرفات جريئة وحافلة بالمعاني المبطنة، ومهنة مبهمة، والقلب الكري وبالأسلوب ذاته يأتي الولد ـ الطيب - الشرير ليقيم توليفة تجمع بين الوحش الضاري القديم والعادل الطيب. وولاس بيري، وهامفري بوغارت، رجولة، لكنهم إنسانيون في أعماقهم. وهم على عكس الفتيان الأبطال السابقين، وصار غاري كوبر المغامر المتهكم في فيلم النفس الضاري، وروبرت تايلور الجندي الروماني القاسي في فيلم الرداء، لكنهم جميعاً ظلوا يحتفظون بروح طيبة تحت مظهرهم الوحشي واللئيم. في فيلم الصقر المالطي (1941)، أول من يجسّد التوليفة الجديدة التي سيبثها الفيلم الأسود (الفيلم البوليسي)، فالفيلم الأسود يلغي التعارض بين اللص السابق الكريه وبين الشرطي العادل الطيب ، وذلك لحساب النمط الجديد: نمط التحري في روايات الكاتب. والخارج عن القانون ذي النزعة الإنسانية في حكايات ر. .. كان أولئك الأولاد ـ الـطـيـبـون ـ هنا وهناك ففي مجرى اللقاء الكيميائي بين الطيب والشرير، وفي الوقت الذي يتبلور فيه مركب. وتستقر بخاصة على الوجوه والثياب . . . إلخ. وهو كذلك إن كل النجوم الجدد نجوم شبقيون، أو مدمر للجنسية. أنسنة «واقعية»، تعددية جديدة، وتوليفات نموذجية جديدة في شخصية النجوم. على أي حال، أن نلحظ خط رجعة جلي أحدثه الفيلم الناطق، فهذا الفيلم، وبنفس الحركة التي تحدد فيه واقعية جديدة ، فعلى هذا النحو رأينا نجوم كبينغ كروسبي ولويس ماريانو، كان صوتهما الحنون يبدو وكأنه المعادل لعذوبة جمال أبطال الغرام أيام السينما الصامتة. ولقد استثار أولئك المغنون الساحرون، صنمية صافية وإن أشرنا إلى هذا الاستثناء الملحوظ، فقد نقول إن نظام النجوم بدا وكأنه قد ثبت أطره الجديدة غداة الحرب العالمية الثانية. كان ملكوت النجم يبدو وكأنه قد تحول إلى ملكية دستورية : فنوعية الأفلام، وأسماء المخرجين، من غير أن يعني هذا أن نظام النجوم كان عرضة للخطر بالمطلق. في العام 1947، أزمة ارتياد خطيرة أصابت الولايات المتحدة وإنجلترا، وإن لم تكن منافسة التلفزيون للسينما، للعثور على وسائل تجاوز أزمتها، وهكذا أتت روما القديمة، وأتى فرسان المائدة المستديرة . إلخ، ولكن ضمن حدود ما يمكن تصديقه : إن التاريخ والجغرافيا هما اختباران للصدق، كما أنهما في الوقت نفسه مصدران للروعة. إذن فالسينما لن تهرب في الخيال وإنما ستهرب في الزمان والمكان عبر «التكنيكلور» و«السينما حدثت اندفاعة جديدة ولقد أدت هاتان الاندفاعتان إلى تجديد هالة النجوم. وزادت الأفلام من وصلات «الـتـعـري»، التي تقوم بها النجمات، ثم لحقتها موجة من البراءة الضالة، لتحمل إلى الصفوف الأولى، ولسلي كارون، ومارينا فلادي، للعام 1945، سرعان ما وضعت آلة صنع النجوم يدها عليها لما تمثله من تركيبة تجمع بين قطبي البراءة والشبقية : كانت بريجيت باردو «الأكثر إثارة جنسية بين النجمات الأطفال، والأكثر طفولية بين النجمات المثيرات» . الواقع أن وجهها، وجه القطة الصغيرة، منفتح في آن على الطفولة وعلى الملعنة : وشعرها الطويل والمنسدل على ظهرها إنما هو رمز العري المباح، شفتها السفلى المتهدلة تبدو وكأنها ثغاء طفل صغير لكنها في الوقت نفسه دعوة إلى التقبيل. ففي فيلم الضوء المواجه، هناك الاستحمام العاري في النهر. وفي إجازات نيرون يعتبر حمام حليب الاتان، الذي تستحم فيه واحدة من مواطن الفيلم الرئيسية. تشترك أنييس - ومارلين مونرو، الغولة الباردة، في فيلم نياغارا، جنساً ملتهباً، ووجهاً قاتلاً، غير أن عملها السينمائي في الحقبة اللاحقة لفيلم نياغارا ، «المونروية» كان عليها بالضرورة أن تذوب في شخصية البنت - الطيبة وهكذا في نهر بلا عودة، تتحول مارلين مونرو إلى مغنية كاباريه كبيرة القلب : ومنذ صور الفيلم الأولى نراها، صنماً للرفاه، كذلك نراها أماً نموذجية بالتبني لصبي صغير لا أسرة له. فمن جهة، هناك دوراها الكوميديان المرحان في كيف تتزوجين مليونيراً وسبعة أعوام في التفكير حيث تلعب في الأول دور شابة. وفي الثاني، دور «دجاجة» ريفية صغيرة تبحث عن الثراء في نيويورك، فهذان الدوران جعلاها تصبح ومن جهة ثانية، وعبر قراءتها لدوستويفسكي وشكسبير، إذ حققت مارلين مونرو التوليف بين الصفات المتناقضة لنجمة الشاشة وللشابة، التي هي برسم الزواج والمخلوقة للحب وللروح الطيبة، وقبل الفاجعة النهائية التي التهمتها والتهمت هوليوود، حققت آخر إنجاز فخم لنظام النجوم. في فرنسا حققت بريجيت باردو كذلك، وبالتوازي، الحلقة نفسها. فهي بعد وخلق الله المرأة بدأت في آن واحد بالارتقاء نحو نزعة إنسانية يومية، التي وانطلاقاً من هنا، شهدت آخر انبثاق وازدهار لنظام النجوم. متعددتي الأبعاد، آلهتين للشاشة، وفتاتين كبيرتين بسيطتين، كانتا تشعان جنساً وروحاً، كانتا تبدوان متألقتين، ولكن الغريب في الأمر أنهما كانتا، معاً، اللتين حملتا السر الشرير الذي سوف يفتت أسطورة نظام النجوم النشوانة فالواقع أن النجم سرعان ما أصبح مألوفاً وجزءاً من العائلة. 1930، لم يكن النجم يعرف الزواج البورجوازي، من ممثلين ثانويين ومن صناعيين ومن صار النجم يعرض ببساطة حياته الداخلية البورجوازية :. وتجهز المدفأة، قبل العام 1930، لم يكن بوسع النجمة أن تحبل. وأما نموذجية. لم يعودوا كـواكـب بعيدة المنال، فتيات رائعات ، صرن محط عبادة حل فيها الإعجاب محل التبجيل. صرن أقل مرمرية ولكن أكثر إثارة، أقل سمواً، ولكن أكثر مدعاة للحب. على هذا النحو جاء التطور الذي أسقط ألوهية النجم، جاء ليعزز، بدلاً أن يحطم عبادة النجم، عززها. صار النجم أكثر حضوراً وأكثر حميمية، وقامت شبكة من الأقنية لتستفيد من ذلك الود الجماعي، من مسيرة تطور كبير، والإيطاليين والفرنسيين والإنجليز والأميركيين . والمصري)، الآنأكثر من أننا تلمسنا إرهاصات نمذجة تكوينية للنجوم. لكننا رأينا كيف أن تاريخ النجوم، على مستوى الظاهرة فقبل الآلهة وقبل النجوم، كان العالم الأسطوري، الشاشة، وتماماً كما أن بعض كبار آلهة العبادات القديمة، يتحولون إلى آلهة - أبطال ـ للخلاص، بل والتساوي معها إن كان هذا ممكناً. وبالتدريج صار المواطنون ثم العامة ثم العبيد الذين يتطلعون إلى هذه النزعة الفردانية، التي كان الناس في البداية يربطونها بقرائنهم، وبملوكهم. وما الاعتراف بالواحد كإنسان،


النص الأصلي

النجوم وأسمائها. وهكذا انتهى عصر «الفيلم ـ النجم»، وابتدأ عصر
«أفلام النجوم». انبثق هؤلاء النجوم الجدد من شخصياتهم كأبطال
وبطلات. وهم، إذ كانت تلك الشخصيات تـحـددهـم، صاروا
يحددونها بدورهم: ففي العام 1914 يرفض تيبو ماري أن يتبرج
باللحية لكي يلعب دور أتيلا، ولأسباب مماثلة يرفض ألبيرتو
كابوتزي دور القديس بولس على هذا النحو ولد النجوم الأوائل.
من 1913 ـ 1914 حتى 1919 يتبلور النجم بشكل متواز في الولايات المتحدة وأوروبا على السواء. وماري بيكفورد، ماري الصغيرة، كانت محط أولى عمليات الإسقاط - التماهي التي قام بها المتفرج. في الوقت عينه ظهرت«الديفا» (diva) الإيطالية: فرانسيسكا برتيني، ميلودرامية، مأخوذة بالحب، أما شخصية «الغولة» الدانمركية التي استوردت إلى الولايات
تیدا بارا، فهي التي أدخلت القبلة على الفم ـ ولا أعني قبلة المسرح التي في فيلم ـ راف وغامون ـ لكنها كانت قبلة اتحاد طويل تعمد فيها الغولة إلى امتصاص روح عشيقها. وبعد العام 1918
بفترة وجيزة يطلق سيسيل ب. دو ميل تلك الفتاة الجميلة الحادة
المثيرة التي سوف تفرض على هوليوود مثلث الجمال والشباب والدعوة الجنسية.
المتحدة في الوقت عينه، يفرض النجوم الأوائل الذكور أنفسهم، لم يكونوا، بعد، قد صاروا «أصنام الحب»، لكنهم يشكلون امتداداً لأول نجوم أفلام المسلسلات من رياضيين بهلوانيين ومقاتلين. وقد
استطاعوا، بفضل عزيمتهم الحماسية، شأن دوغلاس فيربانكس، أو ببطولاتهم ومآثرهم القيمة، شأن توم ميكس، أن يجعلوا أسماءهم تلمع من وهج الانتصار.
في العام 1919، دار محتوى الأفلام وإخراجها ودعايتها في فلك اسم النجم. وارتبط نظام النجوم بلب الصناعة السينمائية.حينئذ انفتح العصر المجيد، الذي امتد من العام 1920 إلى العام
1931 - 1932، واستقطب الشاشة كلها عدد من النماذج الكبيرة :
العذراء البريئة أو المتمردة، ذات العينين الكبيرتين المسبلتين،والشفتين نصف المفتوحتين أو الساخرتين بتهذيب (ماري بيكفورد وليليان غيش في الولايات المتحدة، سوزان غرانديه في فرنسا)،
والغولة المتحدرة من الأساطير الشمالية، والمومس الكبيرة المتحدرة
من الأساطير المتوسطية : العذراء والغولة والمومس تتمايز أحياناًوتتطابق أحياناً أخرى عبر نموذج كبير هو نموذج المرأة المفتنة.
وسرعان ما سيتعمم هذا النموذج. ففي العام 1922، تدخل شوهارو
هانايغي نموذج الغولة إلى السينما اليابانية.
وبين العذراء والمرأة المفتنة، انبثقت «الإلهة»، على غرار غموض وتسلط المرأة المفتنة، من جهة، وعلى النقاوة الداخلية
للعذراء الشابة الموعودة بالألم. الإلهة تتألم وتؤلم. ويقول بالاش،في كتابه نظرية الفيلم إن غريتا غاربو تجسد «جمال الألم» وإنها «ألم الوحدة». نظرتها المتأملة تأتي من بعيد» إنها ضائعة في حلمها المرتبط بمكان آخر يصعب الوصول
إليه. ومن هنا سرها الإلهي. والصنم المنفصم يتعارض المرأة الحاضرة كلياً، الصديقة، الأخت، التي لا تستجلب العبادة أي الحب. وتتجاوز المرأة المفتنة بفضل نقاوة روحها.
وبدأت النماذج الذكورية الكبرى تزدهر بدورها. فالبطل الهزلي فرض نفسه في الفيلم الطويل. ومن حول أبطال العدالة والمغامرة والعنف، الذين كانوا أحفاد تيزي وهرقل ولانسلو، بدأت تتبلور الأصناف الملحمية الكبرى. وإلى أبطال المغامرة يضاف بطل الغرام، النجم الشاب الفاتن ذو الملامح الأنثوية، والنظرة النارية. وبين هذين النموذجين، صنع رودولف فالنتينو نوعاً من التوليفة الكاملة. فهو كشيخ عربي، ونبيل
روماني، وطيار وإله، يموت ثم يولد من جديد، ويتحول كما أوزميريس وأتيس وديونيسوس، بطل مآثر لا تحصى، يبقى قبل أي شيء آخر «معبوداً» للحب. بهم. يرافق تألقهم على الشاشة تألق الحياة الأسطورية الحقيقية لنجوم هوليوود. فالنجوم، بسموهم وغرابتهم، بنوا لأنفسهم قصوراً تشبه قصور الإقطاعيين، ودارات تشبه المعابد القديمة، مليئة بأحواض من المرمر، يتوافر فيها تجهيزات كاملة وسكك حديدية خاصة كانوا يعيشون بعيدين جداً، فوق مستوى عباد الله الفانين، كانوا يحرقون
حياتهم في النزوات والقمار، يحبون بعضهم بعضاً ويمزقون بعضهم
بعضاً. وتداخلت غرامياتهم القاتلة في الحياة كما على الشاشة. ما
عرفوا الزواج إلا إذا كان زواجاً من أمير أو أرستقراطية : بولا نيغري
أعطت يدها على التوالي للكونت أوجين دومسكي وللأمير سيرج ميديفاني. وعليه فقد أحاطهم نوع من العبادة المجيدة. شكل موت رودولف فالنتينو نقطة الذروة في عهد النجوم الكبير. فقد انتحرت امرأتان أمام العيادة التي أسلم فالنتينو الروح فيها.
أما جنازته فجرت في مناخ من الهستيريا الجماعية. ولم تتوار الزهور عن قبره لسنوات عديدة.غريتا غاربو، الحاضرة الغائبة بيننا، أشبه بشهادة حية على عظمة النجوم الماضية. فكبرت كثيراً على سينما صارت صغيرة جداً. وهي بالكاد رضيت، بين وقت وآخر، بالتمثيل في بعض الأفلام قبل
أن تنغلق على صمتها.إنها الباقية من غروب الآلهة، وغموضها ووحدتها يمكناننا من
تحديد درجة التطور الذي أنجز. فكشارة حداد، وكما لو أنها ترغبفي النأي بنفسها عن محدودية العالم والزمن. ها هي الآن تخفيملامحها تحت قبعة كبيرة ونظارات سميكة سوداء. وليس سوى وجهها الخالد ما تراه ذاكرتنا متسعاً تحت حجابها.
وابتداء من العام 1930 تقريباً، ستعمد السينما المتحولة ابدأ إلى
تغيير حال النجوم.فتأتي بأفلام أكثر تعقيداً، أكثر «واقعية»، أكثر «بسيكولوجية»،وأكثر فرحاً.من المؤكد أن الأنواع السينمائية الكبرى الفيلم الغرائبي، فيلم الغرام، فيلم المغامرة، الفيلم البوليسي والفيلم الهزلي... إلخ -
كانت قد بدأت تغتني بعمليات تبادل وتداخل فيما بينهما، فبعض الموضوعات، كالحب، تداخلت في كل أنواع الأفلام، أضف إلى هذا أن كل نوع كان ينحى، من قريب أو بعيد، إلى إدخال ما كان
يمكن له أن يكون حجر العقد في نوع آخر، كموضوعة ثانوية له. أي
بكلمات أخرى، إن تطوراً طبيعياً تدريجياً، نحى إلى أن يجمع داخل كل فيلم ما كان قد نجح في الأنواع المتخصصة.
وارتبط هذا الواقع، كما سنرى، بتطور واتساع الـجـمـهـور السينمائي. ولقد عززه السعي إلى أقصى درجات الربح : كان بتكثيف الموضوعات (الحب، المغامرات، الهزل) داخل الفيلم الواحد بمثابة
استجابة إلى أكبر عدد ممكن من المتطلبات المتفرقة، بمعنى أنهاكانت تتوجه إلى جمهور شمولي. أما ازدياد كنتيجة للتحسينات التقنية ولدخول السينما الناطقة، وتقلص عدد
جمهور الأفلام، كنتيجة لأزمة العام 1929 الكبرى، فقد انعكس تأثيرهما باتجاه هذا التعقد الموضوعي الذي يتناوله حديثنا.
أضف أن السينما الناطقة قد أحدثت انقلاباً في توازن الواقعي واللاواقعي، الذي كانت السينما الصامتة قد أفرزته. إن الحقيقة الملموسة للضجيج، ودقة الكلام وفروقاته، على توازنها الجزئي،
كما سنشير إليه لاحقاً، بفعل سحر الأصـوات، والأغنيات ، والموسيقى، فقد حددا مناخاً «واقعياً»، كان مصدر الاحتقار الذي كنه السينمائيون للاختراع الجديد، الذي كان ينزع عن الأفلام سحرها على حد رأيهم.
ثم إن هوليوود جعلت التفاؤل شعاراً لها بأمل أن تنسي الناس آثار «الانهيار الكبير». وهكذا صارت «النهاية السعيدة»
مطلباً، بل معتقداً جامداً. وأخذت معظم الأفلام تتلون بتخيلات محبوبة. وبعد فيلم نيويورك ـ ميامي لفرانك كابرا، سوف يكون النصر من نصيب نوع جديد هو «الكوميديا المرحة». ساعدت البني
التفاؤلية الجديدة على «هروب» المتفرج من التشاؤم أو من الواقعية. إذ تفادت تلك البني كل واقعية، وصارت المحتويات الأسطورية للأفلام «دنيوية» غير ذي شأن.
وبتأثير فوري من الأزمة (خبزنا الـيـومي من إخراج كينغ فيدور)، وبدفع من التيارات التقدمية الكبرى، الناشئة
«الصفقة الجديدة»، أخذت الموضوعات الاجتماعية تنهمر على السينما الأميركية بنسغها الواقعي (فورة، السيد ديدس
وعناقيد الغضب . . . إلخ).
السينما، التي كانت في أصلها عرضاً للعامة، استولت على مواضيع الحكايات الشعبية والميلودراما أني وجدت، في حالة تكاد تكون غرائبية، نماذج التخيل الأولى: صدف غيبية، سحر القرين
(المتشابهون، التوأم)، المغامرات الاستثنائية، الصراعات الأوديبية
الأم أو مع الأب، اليتامى، سر الولادة، البراءة المضطهدة، موت البطل كتضحية وفداء. أما النزعة الواقعية والنزعة البسيكولوجية،والـنـهـايـة الـسـعـيـدة والمرح، فقد كشفت تـحـديـداً عـن الـتـحـول البورجوازي الذي طرأ على تلك المخيلة.وعمليات الإسقاط ـ التماهي، التي تسم الشخصية عند المستوى البورجوازي، تنحى إلى التقريب بين التخيلي والواقعي محاولة أن تغذيهما الواحد من الآخر. والتخييل البورجوازي يقترب من الواقعي عبر المضاعفة من
دلائل الصدق والمصداقية. وهو يقلص، أو يمحو، البني الميلودرامية لكي يستبدلها بحبكات تجهد لتمرير استساغتها. ومن هنا ما يطلق عليه عادة اسم «الواقعية». لم تعد مصادر الواقعية مجرد صدفة أو
سيادة قوة سحرية على البطل، بل اتخذت شكل دوافع «بسيكولوجية»
أكثر وأكثر.
والحركة نفسها، التي تقرب المتخيل من الواقعي، هي تقرب الواقعي من المتخيل. بمعنى أن حياة الروح تزداد رحابة
وغني، بل وتزداد ضخامة داخل الفردانية البورجوازية. إن الروح هي بالتحديد مكمن التوحد حيث يتطابق الواقعي والمتخيل ويغتذيان من بعضهما بعضاً، وهنا يصبح للحب أهمية متزايدة، بوصفه ظاهرة للروح، تأتي لتخلط بحميمية بين إسقاطاتنا - تماهياتنا الوهمية وبين حياتنا الحقيقية.
في هذا الإطار تتطور النزعة الروائية البورجوازية فيصبح المتخيل معنياً بالواقعي بصورة أكثر التصاقاً
به ، ويصبح الواقعي معنياً
بالتخيل بحميمية أكبر. ويتسم الرباط العاطفي، بين المتفرج والبطل،
بكونه رباطاً شخصياً، بالمعنى الأكثر أنانية للكلمة. فيطغى على المتفرج خوف مما كان يصبو إليه في السابق : موت البطل. وتحل النهاية السعيدة محل النهاية الفاجعة. ويتراجع الموت والقدرية أمام عناية إلهية تفاؤلية.
ان خطوط القوة الواقعية والبسيكولوجية والتفاؤلية .. إلخ، هي التي
تحدد تطور الفيلم بشكل واضح ابتداء من العام 1930. ومعنى هذا أن الفيلم أخذ، وبالتدريج، يوسع من دائرة جمهوره ليشمل كل الأعمار، وكل شرائح المجتمع. ومعنى ذلك أن الفترة التالية للعام
1930، قد شهدت تسريعاً في حركة صعود الجماهير الشعبية إلى المستويات بسيكولوجية للفردانية البورجوازية.
إن الارتقاء الاجتماعي للطبقات الشعبية، كظاهرة أساسية من ظواهر القرن العشرين، يجب أن ينظر إليه كظاهرة اجتماعية شاملة فعبر جدلية الصراع الطبقي والتطور التقني، تتمثل هذه الحركة عينها على الصعيدين السياسي والاجتماعي في الاشتراكية وفي الشيوعية. وعلى صعيد الحياة العاطفية اليومية، تتترجم عبر تأكيدات جديدة
للنزعة الفردانية، وعبر إسهامات جديدة لها.
لقد سبق لنا أن قلنا إن الحياة العاطفية هي حياة وهمية وعملية في آن. فالرجال والنساء المنتمون إلى شرائح اجتماعية صاعدة لم يعودوا يكتفون بمداعبة أحلام طيفية. إنهم ينحون الآن إلى عيش
أحلامهم بأكبر قدر ممكن من الكثافة والدقة والتجسد، بل هم يمزجون تلك الأحلام بحياتهم الغرامية. بمعنى أنهم
يصلون إلى حضارة الروح البورجوازية،
إن تحسين أوضاع العيش المادية، وتحقيق المكتسبات الاجتماعية، على محدوديتها والحاجات الجديدة، وأوقات الفراغ الجديدة، تجعل من ذلك
المطلب الأساسي، الذي يقوم على رغبة عيش الحياة بشكل يمكن الإنسان من عيش أحلامه وحلم حياته، أكثر إلحاحاً.
إنها حركة طبيعية تمكن الجماهير من بلوغ المستوى العاطفي الذي تعيشه الشخصية البورجوازية. ويحدث لاحتياجات تلك الجماهير أن تتقولب في نماذج أساسية مهيمنة، هي نماذج الثقافة
البورجوازية. إنها جماهير أثيرت وقولبت عن طريق أدوات اتصال تستحوذ البورجوازية عليها. ومن هنا تأتي برجزة المخيلة السينمائية لتتطابق مع برجزة البسيكولوجيا الشعبية.والنجوم يطيعون هذا التطور بقدر ما تقع احتياجات التماهي العاطفي في المقام الأول على أبطال الفيلم، صحيح أن الأبطال
يبقون أبطالاً، أي نماذج ووسطاء، ولكن بما أنهم يؤلفون، بشكل حميمي ومتنوع، الاستثنائي والعادي المثالي واليومي، نراهم يوفرون لعملية التماهي نقاط استناد أكثر واقعية. في العام 1931، رمى جيمس كاغني بحبة من الليمون الهندي
أصابت ماي كلارك في عينها. لقد كان لهذه الحركة ولهذه الرمية ، التي لا نبل فيها، أن استتبعت تصرفات مبتذلة، تلتها حركات مضحكة مليئة بالصراخ، وحركات خرقاء منذ ذلك الحين صار بإمكان المبتذل والهزلي أن يت تخفي تقاسيم الوجه تحت أقنعة من الجمال الخيالي ... لكن واقعية
الفيلم الحديث غيرت كل هذا. أما فن المبرج الحاذق فيتفادي اليوم
كل اصطناعية»إن الواقعية، إذ دفعت إلى حدودها القصوى، نحت باتجاه إلغاء
النجمكلياً. غير أن هذه الحدود
القصوى نادراً ما تم الوصول اليها. وذلك بالتحديد لأن الفيلم لايزال ضمن إطارات التخييل البورجوازي. ومثال «النهاية السعيدة» له دلالته في هذا المجال. فالمتفرج الذي يفضل المكتسبات التي تحمل سعادة العزاء هو ما يهيمن على مفهوم التماهي على المكتسبات
التطهيرية الناتجة من موت البطل وهو ما يهيمن على مفهوم الإسقاط، هذا المتفرج إنما يقيم عبر هذا التفضيل أسطورة خلود
مضمرة - حيث ينتهي الفيلم بقبلة منتشية ـ تجمد الزمن وتأسره تحت
طبقة من السيلوفان. إن تفاؤلية «النهاية السعيدة» هذه تخفي ألم من يكون هنا أكبر مما هو عند مستوى التخييل العامي.
أما زيادة حدة آلام الموت فإنها تميز الوعي البورجوازي، وهي تترجم، ضمن إطار الواقعية، بهروب خارج الواقع. لكن هذا الخلود الاصطناعي، إذا كان هو ما يخلق الهالة الأسطورية، التي تحيط
بالنجم الجديد، فإنه لا يعطيه أي ميزة ترجحه على نجم العصر الذهبي. بل بالعكس، فالنجم الـقـديـم لـم يكن يخشى أن يلاقي الموت. فالخلود ما هو إلا إشارة إلى هشاشة النجم الإله الجديد.موت
إذن فإن النجوم - الآلهة، يميلون إلى اكتساب «بعد دنيوي» بطريقة ما، ولكن دون خسارة صـفـاتـهـم الأسطورية الأساسية. وبالطريقة عينها وللأسباب ذاتها نجد أن النماذج الكبيرة، تخلي
مكانها لأبطال ـ آلهة ذوي حجم متوسط
إن «الجمال والشباب»، اللذين كانا يحددان السن المثالية للنجوم النساء ما بين 20 و25 سنة، وسن النجوم الرجال ما بين 25و30 سنة، صار أكثر مرونة. فبعد العام 1930، انبثق أبطال المسرح
البورجوازي الفرنسي الناضجون (فيكتور فرانسن، وجان مورا)، ثم بعد العام 1940، ظهر كلارك غيبل، وغاري كوبر وهامفري بوغارت وأشباههم، في هوليوود، ومعهم بدأت رحلة عمل جديدة «للرجل -الذي ـ عاش ـ كثيراً». أما البطلة التي غمرت أدوات ماكس فاكتور
وجهها، فسيصبح بإمكانها أن تصل إلى سن الأربعين. وفي الطرف الآخر من السلم سيظهر أبطال مـراهـقـون ومراهقات. بمعنى النجوم، من الآن وصاعداً، صاروا يغطون حيز أعمار أكثر امتداداً.
جمال غير مثالي أو قباحة مهمة تفرض سحرها الخاص
وتنهار النماذج القديمة تاركة المجال لنماذج ثانوية متعددة، أكثرإماتة للأنماط التجريبية. لكنها لم تختف تماماً، فهي لا تكف عن الولادة من جديد ضمن الإطار الجديد «الواقعي» للعذراء البريئة ميشال مورغان في فيلم غريبوي، وإيتشيكا شورو في فيلم أطفال الحب، ـ والبطل العادل ـ ألان لاد في فيلم شين، والبطل التراجيدي الذي يموت جان غابان في فيلم رصيف الضباب. ولكن في الوقت
عينه وبشكل تدريجي، تتحول العذراء البريئة والخطيبة الصغيرة المتمردة إلى «فتاة أنيقة»، الفتاة الأنثى ـ الذكر، التي هي في آن حبيبة ورفيقة.
ومع انهيار العذراء هذا يتماشى انهيار المرأة الغولة، وهو انهيار أكثر ظهوراً بكثير. فالغولة، نصف الخيالية في برودتها المدمرة، لم يعد بإمكانها أن تتكيف مع المناخ الواقعي الجديد دون أن تبدو
سخيفة. فكان أن تحولت إلى شخصية ثانوية وتافهة، بحيث إن «بز» سيجارتها الطويل، ونظراتها القاتلة، صارت مثيرة للضحك. أماالنجمات الغولات فقد غيّرن دورهن، مارلين ديتريش تأنسنت ووضعت نزعتها الجنسية في خدمة قلب كبير. وواكب هذا التغيير صورة بطل الغرب الأقصى النقي في عدالته والمنزه عن الجنس، الذي بات ذا حساسية جنسية، واستسلم أمام
الضعف الغرامي. هو بدوره تأنسن، ولكن على طريقته الخاصة. والبطل البهلوان أصبح رياضياً. لم يعد بطلاً ينازل الشياطين بل صار مقاتلاً صلباً. و«أخيل» و«تيزي» و«هرقل» أصبحوا فتياناً صغاراً، متيني البنية لا يحتفظون بقوتهم القديمة الجبارة والرائعة إلا بفضل استخدامهم لمسدسهم. صار لهم جميعاً
فؤاد معرض للغرام. وتميز الأبطال الشبان المخنثون بروح رياضية ومرحة. أما البطل الهزلي، ذو المظهر الطفولي والمنزه بدوره عن الجنس، فقد تمكن أن يدعي القدرة على إغواء البطلة. وهكذا تأتي
الرجولة لتنطبع فوق سمات الأبله الخجول. غير أن هذا التفتت وهذا التنوع النمطيين، هيمن عليهما، ابتداء من العام 1940، نموذجان تركيبيان ينحوان إلى تجديد هالة النجومية. اطلقت الغولة القديمة، في انهيارها، طاقة شبقية طاولت كل أنماط النجوم الأخرى. فالفتاة الأنيقة الجريئة، سواء أكانت مغنية في
كاباريه، أو راقصة استعراضات، بدأت تجذب ناحيتها جزءاً من سمات الغولة الجنسية. وهكذا تحولت الغولة القديمة نفسها إلى فتاة أنيقة تحت سماتها الاستفزازية. ولكن نوعاً من التوليف بين الغولة والعاشقة والعذراء خلق في الأفلام المرحة لكي يعطينا صورة البنت -الطيبة - الشريرة. وهذه البنت ـ الطيبة ـ الشريرة لديها من المظهر الجنسي قدر يساوي ما لدى الغولة، بسبب ظهورها بسمات المرأة
غير النقية من تبرج خفيف، وتصرفات جريئة وحافلة بالمعاني المبطنة، ومهنة مبهمة، واختلاط بالأوساط القذرة. غير أن نهاية
الفيلم ستكشف لنا عن احتفاظها في داخلها كل فضائل العذراء : الروح النقية، والطيبة الأصيلة، والقلب الكري وبالأسلوب ذاته يأتي الولد ـ الطيب - الشرير ليقيم توليفة تجمع بين الوحش الضاري القديم والعادل الطيب. وعلى هذا النحو تحول وليام بويل، وولاس بيري، وهامفري بوغارت، إلى أبطال ذوي
رجولة، على شيء من الإبهام، لكنهم إنسانيون في أعماقهم. وهم على عكس الفتيان الأبطال السابقين، الذين كانوا يتميزون بعذوبتهم وحيائهم، إذ صاروا يتصرفون تصرفات عاطلة. فصار كلارك غيبل «ريت باتلر» الساخر، في فيلم ذهب مع الريح، وصار غاري كوبر المغامر المتهكم في فيلم النفس الضاري، وروبرت تايلور الجندي الروماني القاسي في فيلم الرداء، لكنهم جميعاً ظلوا يحتفظون بروح
طيبة تحت مظهرهم الوحشي واللئيم.
كان هامفري بوغارت، في فيلم الصقر المالطي (1941)، أول من يجسّد التوليفة الجديدة التي سيبثها الفيلم الأسود (الفيلم البوليسي)، على الشاشة الأميركية كلها. فالفيلم الأسود يلغي التعارض بين اللص السابق الكريه وبين الشرطي العادل الطيب ،وذلك لحساب النمط الجديد: نمط التحري في روايات الكاتب. داشيل هامت، والخارج عن القانون ذي النزعة الإنسانية في حكايات ر. بارنت وهندرسون كلارك . .. كان أولئك الأولاد ـ الـطـيـبـون ـ
الأشرار قادرين على إلغاء النهاية السعيدة وإحياء البطل التراجيدي المتحدر الأساطير القديمة،هنا وهناك
لقد أدت التوليفة الجديدة التي تجمع بين الشرير والطيب على الشاشة إلى إحياء أصنام كبيرة جديدة، مسترجعة بذلك عملية تأليه
النجم والالتزام بالتيار الدنيوي الشائع في آن. ففي مجرى اللقاء الكيميائي بين الطيب والشرير، وفي الوقت الذي يتبلور فيه مركب. الطيب - الشرير - الجديد تتحرر، في الواقع، طاقة جنسية كبيرة
تنتشر على الشاشة كلها. الشبق هو السمة الجنسية التي تنتشر في كل أجزاء الجسد
الإنساني، وتستقر بخاصة على الوجوه والثياب . . . إلخ. وهو. وهو كذلك
الوهم «الصوفي»، الذي يلف كل مجال الجنسية. إن كل النجوم الجدد نجوم شبقيون، أما في الماضي فكانت العذراء والعادل يمتلكان صفاء مريمياً أو لوهنغرينياً»لفاغنر، وكانت الغولة أو الشرير يحيطانهما بنداء حيواني
أو مدمر للجنسية.
إذن فالتطور تطور معمم : نزعة شبقية أكبر، أنسنة «واقعية»،تعددية جديدة، وتوليفات نموذجية جديدة في شخصية النجوم. لكن علينا، على أي حال، أن نلحظ خط رجعة جلي أحدثه الفيلم الناطق، فهذا الفيلم، وبنفس الحركة التي تحدد فيه واقعية جديدة ،أثار سحراً جديداً هو سحر الغناء، فعلى هذا النحو رأينا نجوم
كبينغ كروسبي ولويس ماريانو، يظهران ويرتقيان إلى قمم لوائح أكثر الأفلام مدخولاً. كان صوتهما الحنون يبدو وكأنه المعادل لعذوبة جمال أبطال الغرام أيام السينما الصامتة. ولقد استثار أولئك المغنون الساحرون، بوصفهم أبطال أفلام موسيقية أو أوبراتات، صنمية صافية
وأنثوية تذكرنا بالعبادات الكبرى أيام الفيلم الصامت. وإن أشرنا إلى هذا الاستثناء الملحوظ، فقد نقول إن نظام
النجوم بدا وكأنه قد ثبت أطره الجديدة غداة الحرب العالمية الثانية.
بل وربما بهذا المعنى كان قد أفضى بدلائل على اللهاث خفيفة. كان
ملكوت النجم يبدو وكأنه قد تحول إلى ملكية دستورية : فنوعية الأفلام، وأسماء المخرجين، بدأت تكتسب أهمية متزايدة في أعين جمهور يتزايد عدده : بحيث أن بعض الأفلام عرفت كيف تستغني عن الممثلين النجوم وسجلت أفلاماً ناجحة، من غير أن يعني هذا أن نظام النجوم كان عرضة للخطر بالمطلق. وسط هذا المناخ من الشروط اندلعت، في العام 1947، أزمة ارتياد خطيرة أصابت الولايات المتحدة وإنجلترا، وفرنسا ودول البنلوكس.
وإن لم تكن منافسة التلفزيون للسينما، الأمر الذي استثار الأزمة، إلا أنها زادت من حدتها بحيث إن السينما، حين سعت
للعثور على وسائل تجاوز أزمتها، شنت هجوماً على التلفزيون. فعرضت من شاشتها وجعلت الفيلم الملون شيئاً نهائياً. فالسينما تبحث عن خلاصها، وتعثر عليه، في مجالي الإثارة والتاريخ، وهكذا أتت روما القديمة، وأتى فرسان المائدة المستديرة . .. إلخ،أتوا حاملين هالاتهم الأسطورية. ولكن ضمن حدود ما يمكن
تصديقه : إن التاريخ والجغرافيا هما اختباران للصدق، كما أنهما في الوقت نفسه مصدران للروعة. إذن فالسينما لن تهرب في الخيال وإنما ستهرب في الزمان والمكان عبر «التكنيكلور» و«السينما
سكوب .وجنباً إلى جنب مع الإثارة والتاريخ، حدثت اندفاعة جديدة
للمغامرة والعنف بالنسبة إلى الأبطال، واندفاعة جديدة للنزعةالجنسية بالنسبة إلى البطلات، ولقد أدت هاتان الاندفاعتان إلى تجديد هالة النجوم. والحقيقة أن الاندفاعة الجنسية لعبت دوراً أساسياً: فانبعاث النزعة الأمومية أدى إلى بعث نظام النجوم. وتيار «البريجيدية» أتى
لينشر موضة الكتفين العاريتين، وليكشف عن السحر المضخم لدى النساء النجمات على غرار جينا لولو بريجيدا وصوفيا لورين، ومارتين. كارول. وزادت الأفلام من وصلات «الـتـعـري»، التي تقوم بها
النجمات، ومـن مـشـاهـد الاستحمام، ومـشـاهـد خلع الثياب وارتدائها . . . إلخ. ثم لحقتها موجة من البراءة الضالة، لتحمل إلى الصفوف الأولى، فتيات شبقات من أمثال أودري هيبورن، ولسلي
كارون، وفرانسواز أرنول، ومارينا فلادي، وبريجيت باردو.
والحقيقة ان مجد بريجيت باردو كان من الفخامة إلى حد سبق عرض أفلامها. فهي إذ قدمت في مهرجان كان، للعام 1945، سرعان ما وضعت آلة صنع النجوم يدها عليها لما تمثله من تركيبة تجمع بين
قطبي البراءة والشبقية : كانت بريجيت باردو «الأكثر إثارة جنسية بين
النجمات الأطفال، والأكثر طفولية بين النجمات المثيرات» .الواقع أن وجهها، وجه القطة الصغيرة، منفتح في آن على
الطفولة وعلى الملعنة : وشعرها الطويل والمنسدل على ظهرها إنما هو رمز العري المباح، لكن خصلة من ذلك الشعر تنسدل بشكلمقصود فوق الجبين تعيدنا إلى التلميذة الثانوية. وأنفها الصغير والمتمرد يشدد في آن مما لديها من ولدنة وحيوانية، شفتها السفلى المتهدلة تبدو وكأنها ثغاء طفل صغير لكنها في الوقت نفسه دعوة إلى التقبيل. وثمة حركة خفيفة في الذقن تكمل ما لدى هذا الوجه من ولدنة ساحرة، إنه لمن الخطأ القول بأن ليس لدى بريجيت باردو سوى تعبير واحد، فالحقيقة أن لديها تعبيرين : الشبق والطفولة. ولقد عرفت السينما تماماً كيف تستخدم بريجيت باردو كما ينبغي : شخصية صغيرة عند حدود الطفولة والاغتصاب «والهوس الجنسي»، كل أدوارها تتحلق بالضرورة حول مشهد «ستربتيز» مركزي. ففي فيلم الضوء المواجه، هناك الاستحمام العاري في النهر.وفي إجازات نيرون يعتبر حمام حليب الاتان، الذي تستحم فيه واحدة من مواطن الفيلم الرئيسية. وفي فيلم انتزاع أوراق زهرة المارغريت، تشترك أنييس -
ب. ب في مسابقة للستربتيز. وفي وخلق الله المرأة، تصل مشاهد الستربتيز إلى ذروتها، ويصحبها إيقاع «المامبو الأكثر إثارة خلال العام» .
وهوليوود تتوغل أكثر وأكثر، فلن تكتفي بإطلاق نجمات جديدات ذوات أرداف مهتزة وصدور عدوانية، بل تسعى كذلك
للعثور على صنم حب جديد (آفا غاردنر)، مطعمة بشيء من الغولية. ومارلين مونرو، الغولة الباردة، في فيلم نياغارا، عارية تحت ردائها الأحمر، جنساً ملتهباً، ووجهاً قاتلاً، إنما هي رمز تلك الانطلاقة
الجديدة لنظام النجوم. غير أن عملها السينمائي في الحقبة اللاحقة لفيلم نياغارا ، يبرهن على أن الغولة التي ماتت لا يمكن إحياؤها : بمعنى أن الغولية
«المونروية» كان عليها بالضرورة أن تذوب في شخصية البنت - الطيبة
الشريرة. وهكذا في نهر بلا عودة، تتحول مارلين مونرو إلى مغنية كاباريه كبيرة القلب : ومنذ صور الفيلم الأولى نراها، صنماً للرفاه، تنشد الدولار الفضي بصوت غرامي، كذلك نراها أماً نموذجية بالتبني
لصبي صغير لا أسرة له. مارلين انتهى بها الأمر إلى الاندماج في الأنماط الأساسية لمفهوم النجمة. فمن جهة، هناك دوراها الكوميديان المرحان في كيف تتزوجين
مليونيراً وسبعة أعوام في التفكير حيث تلعب في الأول دور شابة. مصابة بقصر النظر تواقة للزواج، وفي الثاني، دور «دجاجة» ريفية صغيرة تبحث عن الثراء في نيويورك، فهذان الدوران جعلاها تصبح
شابة مثل غيرها من الشابات في الوقت ذاته الذي ظلت فيه مارلين مونرو. ومن جهة ثانية، وعبر قراءتها لدوستويفسكي وشكسبير، وعبر زواجها من آرثر ميللر، اكتسبت مارلين أعلى مراتب السمو الروحي. وعلى هذا النحو، إذ حققت مارلين مونرو التوليف بين الصفات
المتناقضة لنجمة الشاشة وللشابة، التي هي برسم الزواج والمخلوقة للحب وللروح الطيبة، إنما حققت، وقبل الفاجعة النهائية التي التهمتها والتهمت هوليوود، حققت آخر إنجاز فخم لنظام النجوم.
في فرنسا حققت بريجيت باردو كذلك، وبالتوازي، الحلقة نفسها. فهي بعد وخلق الله المرأة بدأت في آن واحد بالارتقاء نحو نزعة إنسانية يومية، والارتقاء نحو السمو الروحي في فيلمي الحقيقة وحياة خاصة. بمعنى أن الدمية الحسية تندمج في المرأة الشاملة والمتفوقة ، التي وانطلاقاً من هنا، تشكل الصورة المكتملة للنجمة الحديثة.
وهكذا شهدت الفترة بين 1950 و1960، وفي الوقت ذاته الذي شهدت فيه انهيار أعداد جمهور السينما، شهدت آخر انبثاق وازدهار لنظام النجوم. فمارلين مونرو وبريجيت باردو اللتان انطلقتا عاريتين
سرعان ما أصبحتا امرأتين شاملتين، متعددتي الأبعاد، آلهتين للشاشة، وفتاتين كبيرتين بسيطتين، كانتا تشعان جنساً وروحاً، كانتا تبدوان متألقتين، سعيدتين ومظفرتين في العيش وفي الحب. وعبرهما شعت أسطورة النجمة التي عاشت في الحقبة بين 1930 و1960.
ولكن الغريب في الأمر أنهما كانتا، معاً، اللتين حملتا السر الشرير الذي سوف يفتت أسطورة نظام النجوم النشوانة
خلال الفترة بين 1930 و1960، لم تـكـن صـورة النجم على هي وحدها، التي تغيرت بالنسبة إلى ما كان عليه الأمر خلال عهد السينما الصامتة، بل كذلك صورة الحياة الخاصة - العام للنجم.
فالواقع أن النجم سرعان ما أصبح مألوفاً وجزءاً من العائلة. قبل العام
1930، لم يكن النجم يعرف الزواج البورجوازي، ولم يكن النجوم يرتبطون إلا بنجوم من الصف نفسه. بعد ذلك صار بوسع النجوم أن. يتزوجوا، ودون تردد، من ممثلين ثانويين ومن صناعيين ومن
أطباء. والنجمة لم تعد تسكن في قصر شبيه بقصور الإقطاعيين أو في دارات تشبه المعابد الإغريقية، بل في شقة أو فيللا أو حتى في مزرعة. صار النجم يعرض ببساطة حياته الداخلية البورجوازية :. والنجمة أخذت تضع مريلة حول ثيابها، وتجهز المدفأة، وتقلي
البيض بالباكون.
قبل العام 1930، لم يكن بوسع النجمة أن تحبل. بعد العام 1930، صار بإمكانها أن تصبح أماً، وأما نموذجية.
مذاك صار النجوم يسهمون في الحياة اليومية لعباد الله الفانين. لم يعودوا كـواكـب بعيدة المنال، بل وسطاء بين سماء الشاشة والأرض. فتيات رائعات ، نساء عاصفات، صرن محط عبادة حل فيها الإعجاب محل التبجيل. صرن أقل مرمرية ولكن أكثر إثارة، أقل سمواً، ولكن أكثر مدعاة للحب.
على هذا النحو جاء التطور الذي أسقط ألوهية النجم، جاء ليعزز، ويزيد من نقاط التماس بين النجوم وعباد الله الصالحين. وهذا التطور، بدلاً أن يحطم عبادة النجم، عززها. صار النجم أكثر حضوراً وأكثر حميمية، وفي متناول عابديه إلى حد ما : ومن هنا ازدهار النوادي والمجلات والصور والمراسلات البريدية التي جاءت
جميعها لتعطي تلك العلاقة طابعها المؤسساتي. وقامت شبكة من الأقنية لتستفيد من ذلك الود الجماعي، ولترسل للمخلصين ألوف الأشياء والتمائم والتي صاروا يطلبونها.
وعلى هذه الصورة تنتهي المرحلة الثانية (1930 - 1960)، من مسيرة تطور كبير، متعدد الأشكال، معقد ومختلف تبعاً لكل بلد من البلدان. من هنا قد يكون من الأنسب لنا أن نحلل وضع النجوم الألمان، والإيطاليين والفرنسيين والإنجليز والأميركيين .. كل...على حدة ... وأن نقارن بالتالي بين التطور «الغربي» والـتـطـور«الشرقي» (الياباني والهندي، والمصري)، فنحن لم نفعل حتى
الآنأكثر من أننا تلمسنا إرهاصات نمذجة تكوينية للنجوم. لكننا رأينا كيف أن تاريخ النجوم، على مستوى الظاهرة
الجماعية، يبدأ من جديد تاريخ الآلهة وعلى طريقته الخاصة. فقبل الآلهة وقبل النجوم، كان العالم الأسطوري، الشاشة، مسكوناً بالأطياف أو بالأشباح التي تحمل هالة القرين. وتدريجياً اتخذت بعض ضروب الحضور تلك جسداً وجوهراً،
وعظمت وازدهرت على شكل آلهة وآلهات. وتماماً كما أن بعض كبار آلهة العبادات القديمة، يتحولون إلى آلهة - أبطال ـ للخلاص، كذلك يحدث للنجوم الآلهة أن يتأنسنوا، ويصبحوا وسطاء جدداً بین
عالم الأحلام الخيالي وبين الحياة الدنيا.
ويتوازى تطور الآلهة القدماء مع تطور سوسيولوجي عميقزالجذور. فالفردانية الإنسانية تؤكد ذاتها تبعاً لحركة يتداخل فيها التطلع إلى العيش على صورة الآلهة، بل والتساوي معها إن كان هذا ممكناً.
ولقـد كـان الـمـلـوك أول من وضعوا أنفسهم في مصاف الآلهة، واعتبروا أنفسهم أناساً كليين. وبالتدريج صار المواطنون ثم العامة ثم العبيد الذين يتطلعون إلى هذه النزعة الفردانية، التي كان الناس في البداية يربطونها بقرائنهم، بآلهتهم، وبملوكهم. وما الاعتراف
بالواحد كإنسان، سوى الاعتراف له بحقه في تقليد الآلهة. والنجوم الجدد «الذين يمكن التشبه بهم»، النجوم النماذج لحياة
يحتذى حذوها، يتماشون مع دعو شديدة وعميقة توجه للجماهير،زوتدعوها للبحث عن خلاص فردي تتجسّد المطالب فيه، عند هذا الحد من الفردانية، في منظومة جديدة للعلاقات بين الواقعي والوهمي. وهكذا يمكننا أن نفهم مغزى القول المتبصر الذي أطلقته
مارغريت ثورب في كتابها : أميركا في السينما
«إن الرغبة في جر النجوم إلى الارض
تشكل أحد أبرز التيارات في هذا الزمن


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

نكبة البرامكة :...

نكبة البرامكة : والبرامكة أيضا يمثلون مرحلة أخري من مراحل قضية المشاركة التي سار عليها خلفاء المنصو...

الصدفة أو الحظ ...

الصدفة أو الحظ فأنت حين تدرس فصلا أو موضوعا دراسيا دون غيره من أجزاء مادة الاختبار وصدف أن الفاحص قد...

המטרה: יותר טיפ...

המטרה: יותר טיפולי פוריות, יותר הריונות מוצלחים, יותר משפחות מאושרות Embie היא פלטפורמה חדשנית, מבוס...

مزايا اإلستقطاب...

مزايا اإلستقطاب الداخلي عيوب اإلستقطاب الداخلي ▪ إن قفل الباب عن التعيينات الخارجية قد يصيب المتقدمي...

توظيف الدرامي ل...

توظيف الدرامي للصوت مع الصورة في المنجز التلفزيوني مقدمة: تعتمد العلاقة بين الصوت و الصورة في المنجز...

إحداثُ تغييرٍ ج...

إحداثُ تغييرٍ جذريٍّ تعدُّديّـةُ النّظامِ، حيثُ يمكنُ لهذهِ الثّورةِ إحداثُ تغييرٍ جذريٍّ في العلاقا...

So today, I’m a...

So today, I’m asking you to invest in stylish, ethical, durable luggage. Choose quality. Choose comf...

This study reve...

This study revealed several limitations and challenges of AI for teachers’ use such as its limited r...

The words that ...

The words that are really difficult to translate are regularly the little, common words. For instanc...

أي مجلس المنافس...

أي مجلس المنافسة، الممارسات المقيدة للمنافسة، ومراقبة التجميعات الاقتصادية. لمبحث الأول: المبادئ الت...

What is time ma...

What is time management? Time management is the process of consciously planning and controlling time...

In recent years...

In recent years, working part-time job for student has considered one of the most debated and though...