لخّصلي

في الشتاء الممطر ، في نصف الليل،خرج الناس فرحين، يتبعون أصوات المطر ببهجة وحماس . وتعزف أجمل ألحان قطرات المطر المتساقط على الأرض وتتراقص قلوبهم، وتزول همومهم. وعندما يرفعون أيديهم في الدعاء، تلامس مياه المطر أيديهم فيجري فيها التفاؤل والحنان .جميع الناس كانوا فرحين، إلا رجلًا كان في بيته الخشبي المظلم ذو الرائحة النتنه الأشبه بالقمامة ، جالسًا في أريكته الممزقة ذات اللون البني. ينظر في نافذته المغلقة ، أصوات المطر تتعالى أكثر وأكثر.
كان شاحب البشرة ذو اللون الحنطي، تتلاشى الالوان الزاهية من وجهه، عيناه باهتة وغارقة بالهالات السوداء تعكس غياب الحيوية ، تحمل عبء الافكار الثقيلة كالغيوم المحملة بالمطر ، وجبين منخفض يعكس ثقل الأفكار ، والفم الخالي من الابتسامة ، والعضلات المتراخية والجسم الهزيل ،كان كالجسد بلا روح.

كان ينظر إلى المطر ، حيث انعكست قطرات المطر على زجاج النافذة كدموع صامتة ، انفتحت ذكريات الماضي المؤلمة ، من فقدان و موت أحبته. انتهت قطرات المطر اللطيفة ولكنه لا يزال غارقًا في أمواج الماضي.

وفي صباح غد ، أستيقظ وهو يشعر بالتعب ينظر إلى سطح غرفته المظلمة، تسللت اشعة الشمس الخفيفة ، وجلس يفكر وتشتت أفكاره ، كأنه أدرى بأن يومًا طويلًا ينتظره. تحدى نفسه وقام من السرير ، فذهب للمطبخ ووجده فارغًا ، لا يوجد حتى ماء يسد عطشه. جلس على الاريكة يفكر بالخروج أم لا ، فقرر أن يذهب ، فخرج وهو خائف ؛ لأنه لم يخرج من أسابيع ، ولكن عندما نظر إلى شروق الشمس الجميل وشم رائحة المخبوزات اللذيذة ، شعر بالأمان قليلاً ، فذهب إلى المتجر المعتاد ، التي تديره امرأة عجوز تقترب من السبعين تقريبًا، عندما رأته جاءت مسرعة وعينها ذرفت دموعًا خفيفة ، و ابتسامة رقيقة تشق جبينها. أمسكت بكتفه وقالت ببهجة :
"أين كنت؟ ظننتك ميتًا! لم أرك منذ مدة!"

لم يعبّر عن أي ردة فعل ؛ لانها ليست المرة الأولى التي يسمع منها هذا الكلام ، فأشار بإصبعه إلى الخضروات والفواكه ، ابتسمت العجوز ووضعتها في كيس ، ثم قالت بفرح :

"هل انت خجول لهذه الدرجة ؟ لم اسمع صوتك قط. تكلم يا بني ، فأنا بحسبة امك."

شكرها بصوتٍ خافت وأخذ الكيس ودفع مبلغه وذهب.

وهو يمشي للعودة إلى بيته قرر أن يسلك طريقًا مختصرًا ؛ ليعود إلى بيته في أسرع وقت .
وجد نفسه يسير في غابة جميلة المنظر ، بين إشراق الشمس الدافئ ، ورؤية الأشجار ترقص تحت لحن نسمات الهواء الذي يلامس وجهه برقة. تأمل صنع الخالق ، فسبحان الله الذي أبدع كل شي خلقه !
وهو يمشي مذهولًا من جمال الطبيعة وجد بئرًا ،

فتبسم إبتسامة تحمل آثار التعب وقال :
" لم أتوقع أبدًا أنني أصدق خرافة كتلك" ، حيث رمى قطعة ذهبية من المال ،وتمنى أن يعيش في سلامٍ وهدوء، حياة مليئة بالسعادة والسكينة ، حيث ينسى كل الذكريات المؤلمة ، نظر إلى البئر وكان عميقًا

ومخيف ،ضحك مستهزئًا من نفسه، قائلاً: "ماذا كنت أتوقع؟"، وهو يمشي لإكمال طريقه ،

سمع صوتًا مخيفًا صادر من البئر ومع انعكاس الصدى ويقول:"ستتحقق أمنيتك" سقط الرجل مذعورًا، يتنفس بصعوبة، ويصفع نفسه ظنًّا أنه في حلم. استعاد شجاعته ونظر إلى البئر ليجد الفراغ. صرخ يتساءل كيف ستحقق أمنيتي ؟؟؟ ،فانتظر الرد ولكن لم يأتِ. اندمج في لحظة من الصمت وأستدرك ماحدث لتو وأخذ يركض بلا هوادة، يتصادم مع أغصان الشجر ،خرج من الغابة مسرعًا . وفجأة ، جاءت سيارة مسرعة وصدمته، تجمع الناس حوله ، وتدفق الدم بغزارة من جسده ووكانت نظرته الأخيرة تأمل السماء والدموع تتساقط في الارض ، وابتسم برغم الألم، قائلاً: "كان صادقًا، لقد تحققت أمنيتي."