لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
معنى غض البصر:
أطرق بصره، إما أن تحوله إلى الأرض، أو أن تطبق الجفن على الجفن، أو في مركبة خاصة، ولم تكن أنت الذي تقود هذه المركبة، فإذا بدت لك امرأة بإمكانك أن تطبق جفنك الأعلى، وتبتعد بنفسك عن هذا المنظر، فإذا كنت محتاجا إلى عينيك في قيادة مركبة، أو في السير عندئذ تنظر إلى الأرض، أو تحول بصرك من جهة إلى أخرى إن كانت المرأة على الرصيف الأيمن، فلك أن تحوله إلى الرصيف الأيسر، فغض البصر إما منع الرؤية، أي إطباق الجفن على الجفن، أو توجيه النظر إلى جهة غير الجهة التي فيها المرأة، هذا من معاني غض البصر، طبعا غض البصر هذا المصطلح ورد في الشعر الجاهلي، يقول عنترة العبسي، وهو في الجاهلية:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وغض البصر مما يزيد المرأة كمالا، فأحد الشعراء يصف امرأة فيقول:
و ما سعاد غداة البين إذا رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
***
غضيض الطرف، هذا من لوازم الحياء. أو تحويل النظر من جهة إلى جهة، فلم يقل الله عز وجل: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ولم يقل: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا من فروجهم، بل قال:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾
لماذا ؟ لأن ( مِنْ ) حرف جر أصلي يفيد التبعيض، أعطني مما عندك، أيْ أعطني بعض الذي عندك، فمن تفيد التبعيض، أي أن الله سبحانه وتعالى يقول: إن المؤمنين يغضون أبصارهم عن بعض المبصرات التي حرمها الله عز وجل، فلك أن تنظر إلى زوجتك، ولك أن تنظر إلى أختك، ولك أن تنظر إلى خالتك، ولك أن تنظر إلى بنت أخيك، ولك أن تنظر إلى بنت أختك، ولك أن تنظر إلى أم زوجتك، أي ليس كل النظر إلى النساء محرما، بل إلى صنف من نساء أجنبيات عنك، لا يحللن لك. فهذه ( مِنْ ) للتبعيض. فإذا أحلّ الله لك النظر إلى أمك، أو إلى أختك، أو إلى ابنتك، أو إذا نظرت إلى اللواتي يحللن لك فلا ينبغي أن تنظر إليهن بملء النظر، بملء العين، المعنى الثالث: ابتداء الغاية:
مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ))
أبو داود ]
وأيديهم، أن يغضوا بدءا من أعينهم، منها: التبعيض، أي لك أن تنظر إلى بعض النساء، والخالة، والبنت، وأم الزوجة، فلا تنظر إليهن بملء العين، ولا تكرر النظر، ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
والمعنى الثالث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ))
البخاري مسلم واللفظ له، أبو داود]
أي قل للمؤمنين أن يغضوا أعينهم، وآذانهم، وأيديهم، المعنى الرابع لـ ( مِن ) يؤكدها حديثُ بُرَيْدَةَِ رَفَعَهُ قَالَ:
( يَا عَلِيُّ، لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرةَ، الترمذي، أحمد]
فهنا ( مِنْ ) للتبعيض، هذه المعاني الأربعة المستفادة من كلمة ( من ) في قوله تعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
هذا الذي يؤكد المعنى الرابع من قوله تعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
الحكمة مِن مخاطبة الله للنبي مباشرة دون المؤمنين:
وأن يأمرهم بغض البصر، هذه الطريقة في الخطاب تشعر أن فعل النظر إلى النساء الأجنبيات فعل قبيح، لأن هذا الفعل قبيح يقتضي أن توسط إنسانا ثالثا كي يأمره ألاّ يفعل كذا وكذا، فطريقة الخطاب هذه:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
لكن الله سبحانه وتعالى رحمة بالخلق جعل النهي مشفوعا بـ (مِنْ)، ولكن حفظ الفرج لم يكن كذلك، لأنّ النظر أوسع، وهناك نساء يجب أن تنظر إليهن كالمحارم، وهناك حالات يمكن أن تنظر فيها إلى المرأة الأجنبية، وبعض الحالات الأخرى، الأمر بحفظ الفرج كاملا: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
لكن الفرج لا يحتمل أن يقول الله عز وجل: ويحفظوا من فروجهم، كلية. من المعاني والحِكم المستفادة من قوله: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ:
وأما المراد من حفظ الفرج فهو أن يتجنب الإنسان الزنى، وما يشبه الزنى، هذا كله يجب أن يحفظ الإنسان فرجه منه:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6) ﴾
وهي أن طريق حفظ الفرج هو غض البصر، فمن أطلق عينيه في الحرام فأغلب الظن أنه لابد أن ينزلق في الزنى، يقول بعض العلماء: إن النظر إلى المحرم من أقوى الدواعي إلى فعله، لذلك هناك قاعدة تقول: ما حرم فعله حرم النظر إليه، وحرم استماعه، وحرمت قراءته، وحرم الحديث به، والاستماع، والقراءة، والحديث من أقوى الدوافع إلى فعل هذا الشيء المحرم، لكن لئلا يكون هناك حرج على المؤمن فهناك فرق بين النظرة الفجائية، وبين النظرة الآثمة، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
الترمذي]
فهذا الذي يدّعي أن هذه النظرة التي يديمها الرجل للمرأة الأجنبية إذا ظن أن هذه النظرة هي النظرة الأولى فقد وقع في غلط كبير، النظرة الأولى ينبغي ألا تدوم أكثر من معشار الثانية، أما من يدعي أن هذه النظرة المستديمة هي النظرة الأولى فهذا غلط كبير. يقول ربنا سبحانه وتعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾
المعنى الثالث: الابتعاد عمّا هو أَقَلُّ مِن الزنا:
وعما هو مشابه للزنى، وفضلا عن ذلك فمن حفظ الفرج أيضا ستره، فيحرم أن يرتدي الإنسان ثيابا رقيقة تشف عنه، ويحرم أن يرتدي ثيابا ضيقة تحد خطوطه، هذا من لوازم حفظ الفرج. ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
أما قوله تعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾
وأنقى لدينهم، إذا توهم متوهم أن في هذه النظرة استمتاعا، أو نفعا فإنه واهم إلى أبعد الحدود. أيْ أزكى لنفوسهم من هذه اللذة التي يحققونها من النظر، ذلك أنفع لقلوبهم من هذه المنفعة التي يحققونها بالنظر، فهل نحن مصدقون كلام الله عز وجل ؟ هذا الذي يجد في النظرة لذة تفوق طاعة الله عز وجل، والذي يجد في النظرة متعة تفوق متعته بطاعة الله هو إنسان جاهل، يقول الله عز وجل:
﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾
الأمر بغض البصر عن كل شيء محرم:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
ليس المقصود ألا تنظر إلى المرأة الأجنبية فقط، هناك شيء آخر ؛ ألا تنظر إلى المرأة الأجنبية، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( الْفَخِذُ عَوْرَةٌ ))
البخاري، والترمذي، أبو داود، أحمد]
بل عن المرأة، وإضافة إلى عورات الرجال التي لا ينبغي أن يراها الرجال أيضا، فأي منظر فاحش، أي عمل فني فاحش، فلا يحل للرجل أن ينظر إلى امرأة غير امرأته، أو إحدى محارمه، وكلكم يعلم الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال]
واليد تزني حينما تصافح، هذه الرجل تزني، والأذن، واللسان، وفي النهاية إما أن يقع في الفاحشة الكبيرة، وإما ألاّ يقع، وفي الحديث الصحيح عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ))
مسلم، الترمذي]
ابنة سيدنا شعيب ما الذي جعلها تمتلئ إعجابا بسيدنا موسى:
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾
سورة القصص: الآية 26)
﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾
لأنه كان عفيفا، تروي الكتب أن سيدنا موسى حينما جاءته إحداهما تمشي على استحياء، فأطرق بصره في الأرض، ودليني على الطريق، رأت منه عفة ما بعدها عفة، شهامة ما بعدها شهامة، فلذلك يقال: إن الذي يعجب المرأة في الرجل عفته، وقوته، وأمانته. ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾
سورة القصص: الآية 26)
والذي يعجب الرجل في المرأة حياؤها، قال تعالى:
﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾
سورة القصص: من الآية 25)
ومن علامات آخر الزمان أن يرفع الحياء من وجوه النساء، وتذهب النخوة من رؤوس الرجال، فلا حياء في وجوه النساء، ولا نخوة في رؤوس الرجال. هو أنّ حياء المرأة نصف جمالها، والذي يعبر عنه بعض علماء النفس بالأنوثة، الذي يسهم إسهاما كبيرا في أنوثة المرأة حياؤها، فإذا رفع الحياء من وجوه النساء، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ ))
البخاري، ابن ماجه، إذا كان أغنياؤكم سمحاءَكم، وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أغنياؤكم بخلاءكم، وأمركم إلى نسائكم - هنا بيت القصيد - فبطن الأرض خير لكم من ظهرها. إياكم والديوث، إياكم والسهام المسمومة:
( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ))
النسائي، الديوث هو الذي لا يغار على عرضه، فهو بنص الحديث الشريف ديوث. وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٍ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانً يَجِدُ حَلاَوََهُ فِي قَلْبِهِ ))
الحاكم في المستدرك ]
لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: النظرة سهم من سهام إبليس، لأن السهم غير المسموم إذا أصاب جسدا أصاب موضعا بعينه، لكن السهم المسموم إذا أصاب جسدا سرى السم في كل الجسد، وهذا من أروع ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في غض البصر، فالذي ينظر إلى المرأة الأجنبية التي لا تحل له فحياته كلها يصيبها التسمم، ولا هو في تجارته كما ينبغي، ولا هو في وظيفته كما ينبغي، ولا هو في بيته كما ينبغي، وكان أمره فرطا. ( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٍ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانً يَجِدُ حَلاَوََهُ فِي قَلْبِهِ ))
أي إذا صرفت بصرك عن امرأة لا تحل لك فلا يمكن أن يفسر هذا إلا أنك مخلص لله عز وجل، أو خوفا أن يعرف الناس ذلك، ولكنك إذا غضضت بصرك عن محارم الله من دون أن يكون هذا العمل رياء أمام الناس فاعلم علم اليقين أن هذا الغض يؤكد إخلاصك لله عز وجل. وأن تشعر بحلاوة لا تعدلها حلاوة، إذا غضضت بصرك عن محارم الله، وكأن الله سبحانه وتعالى جعلك تقبل عليه في كل يوم آلاف المرات، كلما غضضت بصرك عن امرأة لا تحل لك فهذه قربة إلى الله عز وجل. روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ، لكن من الاستنباطات السخيفة التي سمعتها مرة: أن غض البصر يقتضي أن يكون الوجه سافرا، وإلا فلا معنى لغض البصر، والدليل على أن الوجه يجب أن يكون مستورا أحاديث كثيرة، وآيات سوف نصل إليها بعد قليل في سورة النور، ولكن من هذه النصوص أن السيدة عائشة في حديث الإفك رضي الله عنها قالت:
( وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ ))


النص الأصلي

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


معنى غض البصر:
الآن معنى غض البصر إطباق الجفن على الجفن لمنع الرؤية، ومعنى غض البصر أن يطرق الإنسان بصره نحو الأرض، أطرق بصره، أي حوّله إلى الأرض، أو أن يحوله إلى جهة أخرى، إما أن تحوله إلى الأرض، أو أن تحوله إلى جهة أخرى، أو أن تطبق الجفن على الجفن، وترتاح من هذا المنظر، فإذا كنت راكبا مركبة عامة، أو في مركبة خاصة، ولم تكن أنت الذي تقود هذه المركبة، فإذا بدت لك امرأة بإمكانك أن تطبق جفنك الأعلى، وتبتعد بنفسك عن هذا المنظر، فإذا كنت محتاجا إلى عينيك في قيادة مركبة، أو في السير عندئذ تنظر إلى الأرض، أو تحول بصرك من جهة إلى أخرى إن كانت المرأة على الرصيف الأيمن، فلك أن تحوله إلى الرصيف الأيسر، فغض البصر إما منع الرؤية، أي إطباق الجفن على الجفن، أو توجيه النظر إلى الأرض، أو توجيه النظر إلى جهة غير الجهة التي فيها المرأة، هذا من معاني غض البصر، طبعا غض البصر هذا المصطلح ورد في الشعر الجاهلي، يقول عنترة العبسي، وهو في الجاهلية:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وفي بيت آخر:


فغض الطرف إنك من نميـــر فلا كعبا بلغت ولا كــلابا




وغض البصر مما يزيد المرأة كمالا، فأحد الشعراء يصف امرأة فيقول:


و ما سعاد غداة البين إذا رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول




غضيض الطرف، أي أن يكون الطرف نحو الأسفل، هذا من لوازم الحياء.
إذاً غض البصر إطباق الجفن الأعلى على الجفن الأسفل، أو تحويل النظر من جهة إلى جهة، أو توجيه النظر إلى الأرض.


المعاني المستفادة من كلمة ( مِنْ ):


المعنى الأول: التبعيض:
لكن الشيء الذي يلفت النظر أن كلمة ( مِنْ ) تفيد التبعيض، فلم يقل الله عز وجل: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ولم يقل: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا من فروجهم، بل قال:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾


لماذا ؟ لأن ( مِنْ ) حرف جر أصلي يفيد التبعيض، أعطني مما عندك، أيْ أعطني بعض الذي عندك، أعطني من هذه القطع قطعة، فمن تفيد التبعيض، أي أن الله سبحانه وتعالى يقول: إن المؤمنين يغضون أبصارهم عن بعض المبصرات التي حرمها الله عز وجل، فلك أن تنظر إلى زوجتك، ولك أن تنظر إلى أختك، ولك أن تنظر إلى عمتك، ولك أن تنظر إلى خالتك، ولك أن تنظر إلى بنت أخيك، ولك أن تنظر إلى بنت أختك، ولك أن تنظر إلى أم زوجتك، ولك أن تنظر إلى الفروع مهما دنوا، وإلى الأصول مهما علوا، لكن الذي حرم عليك أن تنظر إلى امرأة أجنبية لا تحل لك.


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


مِن هنا جاءت ( من ) للتبعيض، أي ليس كل النظر إلى النساء محرما، بل إلى صنف من نساء أجنبيات عنك، لا يحللن لك.


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


فهذه ( مِنْ ) للتبعيض.


المعنى الثاني: غض البصر بملء العين عما أحل الله:


معنى آخر، أي أن المؤمنين يغضون بعض أبصارهم عن المبصرات التي أحلها الله لهم، فإذا أحلّ الله لك النظر إلى أمك، أو إلى أختك، أو إلى ابنتك، أو إلى زوجة ابنك، أو إلى عمتك، أو إلى خالتك، أو إلى أم زوجتك فلا ينبغي أن تنظر إلى هؤلاء النساء اللاتي يحل لك أن تنظر إليهن بملء العين، وأن تكرر النظر فهذه (مِنْ) للتبعيض، فعليك ألاّ تنظر إلى بعض النساء، وهن الأجنبيات اللواتي لا يحللن لك، أو إذا نظرت إلى اللواتي يحللن لك فلا ينبغي أن تنظر إليهن بملء النظر، بملء العين، ولا أن تديم النظر، ولا أن تكرر النظر، هذا المعنى الثاني المستفاد من كلمة ( مِنْ ).


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


المعنى الثالث: ابتداء الغاية:
المعنى الثالث المستفاد من كلمة ( مِنْ ) أنها هنا لابتداء الغاية، يؤكد هذا المعنى ما ورد في حديث صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


(( كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ))


[البخاري مسلم واللفظ له، أبو داود ]


هناك الاستماع، والنطق، وهناك اللمس، وهناك الحركة، وهناك الانتقال.


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا﴾


أعينهم، وآذانهم، وأيديهم، وأرجلهم، أن يغضوا بدءا من أعينهم، وما تلا ذلك، فهذه ثلاثة معان مستفادة من كلمة (مِنْ) في هذه الآية.
منها: التبعيض، أي لك أن تنظر إلى بعض النساء، وعليك ألا تنظر إلى بعضهم الآخر، فالنساء اللواتي أحل الله لك أن تنظر إليهن هؤلاء المحارم لك أن تنظر إليهن، أما النساء الأجنبيات فلا يحل لك أن تنظر إليهن، هذا المعنى الأول.
والمعنى الثاني: إذا سمح لك أن تنظر إلى المرأة التي أحلها الله لك كالأم، والأخت، والعمة، والخالة، والبنت، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وزوجة الابن، وأم الزوجة، إن سمح لك بالنظر إلى هؤلاء النسوة فلا ينبغي أن تنظر إليهن بملء العين، بل غض بصرك، فلا تنظر إليهن بملء العين، ولا تدم النظر، ولا تكرر النظر، هذا هو المعنى الثاني المستفاد من كلمة (مِنْ) في قوله تعالى:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


والمعنى الثالث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


(( كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ))


[البخاري مسلم واللفظ له، أبو داود]


أي قل للمؤمنين أن يغضوا أعينهم، وألسنتهم، وآذانهم، وأيديهم، وأرجلهم عما لا يحل لهم، أي بدءا من العين، وما تلا ذلك.


المعنى الرابع: عدم اتباع النظرة بنظرة أخرى:
المعنى الرابع لـ ( مِن ) يؤكدها حديثُ بُرَيْدَةَِ رَفَعَهُ قَالَ:


(( يَا عَلِيُّ، لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ))


[الترمذي، أبو داود، أحمد]


فهنا ( مِنْ ) للتبعيض، فإذا نظرت إلى امرأة أجنبية لا تحل لك فغض البصر، وغض البصر يكون في النظرة الثانية، لأن الأُولى ليس لك إرادة في وقوعها.
هذه المعاني الأربعة المستفادة من كلمة ( من ) في قوله تعالى:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


هذا الذي يؤكد المعنى الرابع من قوله تعالى:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


الحكمة مِن مخاطبة الله للنبي مباشرة دون المؤمنين:
شيء آخر يستفاد من هذه الآية ؛ هو أن طريق الخطاب لم يقل الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا غضوا أبصاركم، بل خاطب النبي عليه الصلاة والسلام فقال له:


((قل يا محمد للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ))


طريقة الخطاب التوجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأمره أن يخاطب المؤمنين، وأن يأمرهم بغض البصر، هذه الطريقة في الخطاب تشعر أن فعل النظر إلى النساء الأجنبيات فعل قبيح، أيْ قل له: ألا يفعل هذا، لأن هذا الفعل قبيح يقتضي أن توسط إنسانا ثالثا كي يأمره ألاّ يفعل كذا وكذا، فطريقة الخطاب هذه:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


تشعر أن إطلاق البصر إلى النساء اللواتي لا يحل النظر إليهن فعل قبيح ينبغي الابتعاد عنه، لكن الله سبحانه وتعالى رحمة بالخلق جعل النهي مشفوعا بـ (مِنْ)، ولكن حفظ الفرج لم يكن كذلك، لأنّ النظر أوسع، وهناك نساء يجب أن تنظر إليهن كالمحارم، وهناك حالات يمكن أن تنظر فيها إلى المرأة الأجنبية، كالطبيب، والقاضي، والمحقق، وبعض الحالات الأخرى، لذلك جاءت ( مِنْ ).


الأمر بحفظ الفرج كاملا: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ


لكن الفرج لا يحتمل أن يقول الله عز وجل: ويحفظوا من فروجهم، ليس هناك حالات يمكن أن تكون مشروعة في موضوع الزنى، الزنى كله محرم، لذلك جاءت ( مِنْ ) قبل غض البصر، ولم تأت قبل حفظ الفرج.


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾


كلية.


من المعاني والحِكم المستفادة من قوله: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ:


المعنى الأول: حقيقة حفظ الفرج:
وأما المراد من حفظ الفرج فهو أن يتجنب الإنسان الزنى، وما هو أخف من الزنى، وما هو أخطر من الزنى، وما يشبه الزنى، هذا كله يجب أن يحفظ الإنسان فرجه منه:


﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6) ﴾


(سورة المؤمنون: الآيات5-6)


المعنى الثاني: الحكمة من الجمع بين غض البصر وحفظ الفرج:
لكن الجمع بين غض البصر وحفظ الفرج فيه حكمة بالغة، وهي أن طريق حفظ الفرج هو غض البصر، فمن أطلق عينيه في الحرام فأغلب الظن أنه لابد أن ينزلق في الزنى، يقول بعض العلماء: إن النظر إلى المحرم من أقوى الدواعي إلى فعله، لذلك هناك قاعدة تقول: ما حرم فعله حرم النظر إليه، وحرم استماعه، وحرمت قراءته، وحرم الحديث به، لأن النظر، والاستماع، والقراءة، والحديث من أقوى الدوافع إلى فعل هذا الشيء المحرم، لكن لئلا يكون هناك حرج على المؤمن فهناك فرق بين النظرة الفجائية، وبين النظرة الآثمة، فنظرة الفجأة ليست داخلة في هذا التحريم، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:


(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ))


[مسلم، الترمذي]


فهذا الذي يدّعي أن هذه النظرة التي يديمها الرجل للمرأة الأجنبية إذا ظن أن هذه النظرة هي النظرة الأولى فقد وقع في غلط كبير، أو كان في تجاهل كبير، النظرة الأولى ينبغي ألا تدوم أكثر من معشار الثانية، بمجرد أن تنظر اصرف بصرك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، أما من يدعي أن هذه النظرة المستديمة هي النظرة الأولى فهذا غلط كبير.
يقول ربنا سبحانه وتعالى:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾


المعنى الثالث: الابتعاد عمّا هو أَقَلُّ مِن الزنا:
شيء آخر نعود إليه، وهو أنه من حفظ الفرج الابتعاد عن الزنى، وعما هو أقل من الزنى، وعما هو أخطر من الزنى، وعما هو مشابه للزنى، وفضلا عن ذلك فمن حفظ الفرج أيضا ستره، وعدم إظهاره لأي إنسان، فيحرم أن يرتدي الإنسان ثيابا رقيقة تشف عنه، ويحرم أن يرتدي ثيابا ضيقة تحد خطوطه، هذا كله من حفظ الفرج، فضلا عن أن يبتعد الإنسان عن الزنى، وعما هو أقلّ منه، وعما هو أخطر منه، وعما هو مشابه له، يجب أن يستر فرجه من أن ينظر إليه أحد، ويجب أن يرتدي ثيابا لا تشف ولا تصف، هذا من لوازم حفظ الفرج.


ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
أما قوله تعالى:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾


فذلك أطهر لقلوبهم، وأنقى لدينهم، وأبعد عن الريبة، لكن كلمة ( أزكى ) اسم تفضيل يفيد أن هذا أزكى من هذا، وكأن المعصية شيء يوازن مع الطاعة، قال بعض العلماء: قد يتوهم الإنسان أنه إذا نظر إلى امرأة لا تحل له ربما حقق في هذا النظر نفعاً، استمتع بجمالها، أو استوفى لذة من هذه النظرة، إذا توهم متوهم أن في هذه النظرة استمتاعا، أو نفعا فإنه واهم إلى أبعد الحدود.


﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾


أيْ أزكى لنفوسهم من هذه اللذة التي يحققونها من النظر، ذلك أطهر لقلوبهم من هذه اللذة التي يحققونها بالنظر، ذلك أنفع لقلوبهم من هذه المنفعة التي يحققونها بالنظر، والخبير العليم علام الغيوب الخالق الرب الإله يقول لك: ذلك أزكى وأطهر، فهل نحن مصدقون كلام الله عز وجل ؟ هذا الذي يجد في النظرة لذة تفوق طاعة الله عز وجل، والذي يجد في النظرة متعة تفوق متعته بطاعة الله هو إنسان جاهل، لا يعرف الله أبدا.
يقول الله عز وجل:


﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾


الأمر بغض البصر عن كل شيء محرم:
ويظن الإنسان أن في النظرة متعة ينبغي ألا تفوت، إن الذي حرمه الله عز وجل في قوله تعالى:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾


ليس المقصود ألا تنظر إلى المرأة الأجنبية فقط، هناك شيء آخر ؛ ألا تنظر إلى المرأة الأجنبية، وألا تنظر إلى عورات الرجال، ولا إلى الفخذ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(( الْفَخِذُ عَوْرَةٌ ))


[البخاري، والترمذي، أبو داود، أحمد]


لذلك هؤلاء الذين يرتادون أماكن تتكشف فيها الأرجل مما حرم الله عز وجل هؤلاء يخالفون هذه الآية، لا تنظر إلى فخذ أخيك حيا أو ميتا، فالفخذ عورة، فليس غض البصر عن المرأة فحسب، بل عن المرأة، وعن عورة الرِّجل التي لا يحل لرجل آخر أن ينظر إليها، وإضافة إلى النساء الأجنبيات اللواتي لا يحللن للرجل، وإضافة إلى عورات الرجال التي لا ينبغي أن يراها الرجال أيضا، إضافة إلى هذا وذاك ينبغي أن يكون غض البصر عن المناظر الفاحشة، فأي منظر فاحش، أي عرض فاحش، أية صورة فاحشة، أي عمل فني فاحش، فهذا أيضا مما يدخل في نطاق هذه الآية الكريمة، فلا يحل للرجل أن ينظر إلى امرأة غير امرأته، أو إحدى محارمه، أما النظرة المفاجئة كما قلت قبل قليل فلا مؤاخذة عليها، وكلكم يعلم الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


(( كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ))


[البخاري مسلم واللفظ له، أبو داود ]


وقوله عليه الصلاة والسلام:


(( من استمع إلى صوت قينة صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ))


[الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال]


واليد تزني حينما تصافح، وحينما تضغط على يد المرأة هذا زنى، والذهاب إلى الأماكن الموبوءة، هذه الرجل تزني، فالزنى يشمل العين، والأذن، واللسان، واليد، والرجل، وفي النهاية إما أن يقع في الفاحشة الكبيرة، وإما ألاّ يقع، وفي الحديث الصحيح عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:


(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ))


[مسلم، الترمذي]


أعظَمُ خُلُقٍِ في المرأة الحياءُ:
ابنة سيدنا شعيب ما الذي جعلها تمتلئ إعجابا بسيدنا موسى:


﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾


(سورة القصص: الآية 26)


لشدة حيائها عبرت عن رغبتها في سيدنا موسى بقولها:


﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾


فهم عليها أبوها بأن قلبها امتلأ إعجابا به، لأنه كان عفيفا، ومن صفات المؤمن عفته عن المطامع، وعفته عن المحارم، تروي الكتب أن سيدنا موسى حينما جاءته إحداهما تمشي على استحياء، فأطرق بصره في الأرض، فلما سارت أمامه كي تدله على الطريق، وكانت الرياح شديدة قال: سيري خلفي، ودليني على الطريق، رأت منه عفة ما بعدها عفة، شهامة ما بعدها شهامة، فلذلك يقال: إن الذي يعجب المرأة في الرجل عفته، وقوته، وأمانته.


﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾


(سورة القصص: الآية 26)


والذي يعجب الرجل في المرأة حياؤها، قال تعالى:


﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾


(سورة القصص: من الآية 25)


ومن علامات آخر الزمان أن يرفع الحياء من وجوه النساء، وتذهب النخوة من رؤوس الرجال، فلا حياء في وجوه النساء، ولا نخوة في رؤوس الرجال.
شيء آخر، هو أنّ حياء المرأة نصف جمالها، والذي يعبر عنه بعض علماء النفس بالأنوثة، الذي يسهم إسهاما كبيرا في أنوثة المرأة حياؤها، فإذا رفع الحياء من وجوه النساء، وذهبت النخوة من رؤوس الرجال عندئذ فاقرأ على الناس السلام، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ ))


[البخاري، أبو داود، ابن ماجه، أحمد]


إذا كان أغنياؤكم سمحاءَكم، وأمراؤكم خياركم، وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أغنياؤكم بخلاءكم، وأمراؤكم شراركم، وأمركم إلى نسائكم - هنا بيت القصيد - فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.


إياكم والديوث، إياكم والسهام المسمومة:


وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ))


[النسائي، أحمد]


الديوث هو الذي لا يغار على عرضه، أو يرضى الفاحشة في أهله، فهو بنص الحديث الشريف ديوث.
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٍ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانً يَجِدُ حَلاَوََهُ فِي قَلْبِهِ ))


[الحاكم في المستدرك ]


لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: النظرة سهم من سهام إبليس، لأن السهم غير المسموم إذا أصاب جسدا أصاب موضعا بعينه، لكن السهم المسموم إذا أصاب جسدا سرى السم في كل الجسد، وهذا من أروع ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في غض البصر، فالذي ينظر إلى المرأة الأجنبية التي لا تحل له فحياته كلها يصيبها التسمم، فلا هو في دراسته كما ينبغي، أصبح شارد الذهن، ولا هو في تجارته كما ينبغي، ولا هو في وظيفته كما ينبغي، ولا هو في بيته كما ينبغي، وكان أمره فرطا.


(( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٍ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانً يَجِدُ حَلاَوََهُ فِي قَلْبِهِ ))


[الحاكم في المستدرك]


أي إذا صرفت بصرك عن امرأة لا تحل لك فلا يمكن أن يفسر هذا إلا أنك مخلص لله عز وجل، لو تركت السرقة فربما كان تركك للسرقة خوفا من قسوة القانون، أو خوفا من الفضيحة، أو خوفا أن يعرف الناس ذلك، ولكنك إذا غضضت بصرك عن محارم الله من دون أن يكون هذا العمل رياء أمام الناس فاعلم علم اليقين أن هذا الغض يؤكد إخلاصك لله عز وجل.


(( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٍ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانً يَجِدُ حَلاَوََهُ فِي قَلْبِهِ ))


[الحاكم في المستدرك ]


فلابد أن تشعر بلذة لا تعدلها لذة، وأن تشعر بحلاوة لا تعدلها حلاوة، إذا غضضت بصرك عن محارم الله، مخلصا بهذا الغض، وكأن الله سبحانه وتعالى جعلك تقبل عليه في كل يوم آلاف المرات، بعدد كل امرأة غضضت بصرك عنها، كلما غضضت بصرك عن امرأة لا تحل لك فهذه قربة إلى الله عز وجل.
روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


(( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلاوَتَهَا ))


[أحمد]


إياكم والاستنباطات السخيفة: كشف وجه المرأة:
لكن من الاستنباطات السخيفة التي سمعتها مرة: أن غض البصر يقتضي أن يكون الوجه سافرا، وإلا فلا معنى لغض البصر، هذا استنباط لم يقله أحد، والدليل على أن الوجه يجب أن يكون مستورا أحاديث كثيرة، وآيات سوف نصل إليها بعد قليل في سورة النور، ولكن من هذه النصوص أن السيدة عائشة في حديث الإفك رضي الله عنها قالت:


(( وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَ وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ ))


[ البخاري، مسلم وغيرهما]


و عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ:


(( جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ خَلَّادٍ، وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ تَسْأَلُ عَنْ ابْنِهَا، وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنْ ابْنِكِ، وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ ؟! فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ ))


[أبو داود]


وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ:


(( مَدَّتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ بِيَدِهَا كِتَابًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَوْ يَدُ امْرَأَةٍ ؟ فَقَالَتْ: بَلْ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً غَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنَّاءِ ))


[أحمد، الطبراني في الأوسط ]


لا يستنبط من آيات غض البصر أن الوجه يجب أن يبقى مكشوفا، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:


(( كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ))


[أبو داود، أحمد ]


استثناءات النظر جواز النظر إلى المرأة الأجنبية:
لكن هناك استثنائات، ألم يقل الله عز وجل:


﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾


هناك استثناءات، حيث إنه يجوز في بعض الحالات النظر إلى وجه المرأة الأجنبية:


الحالة الأولى: النظر من أجل النكاح:
فمن هذه الحالات حالة النكاح، فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(( انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا ))


[الترمذي، النسائي، ابن ماجه]


أي أن يوفق بينكما.
وفي حديث آخر في مسند الإمام أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يُطَارِدُ امْرَأَةً بِبَصَرِهِ، فَقُلْتُ: تَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:


(( إِذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةً لامْرَأَةٍ فلا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا ))


[انظر سنن البيهقي ]


وفي حديث ثالث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ، قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا، وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا))


[أبو داود، أحمد]


فأن تنظر إلى امرأة أجنبية بنية أن تخطبها من أهلها فهذا شيء أباحه الشرع، هذا من استثناءات غض البصر.


الحالة الثانية: القاضي ومَن في حُكمِه للقضاء وردِّ الحقوق:
شيء آخر، المحقق، أو القاضي لا يدري ما إذا كانت هذه المرأة هي المعنية في هذه الدعوة، أو ليست كذلك، فله الحق أن ينظر إلى وجهها.


الحالة الثالثة: الطبيب للمعالجة:
والطبيب أيضا له الحق أن ينظر إلى وجه المرأة إذا كان يقتضي ذلك أن يعالجها.
هذه بعض الأحكام الشرعية المستنبطة من هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:


﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾


احذروا فـ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
لكن قول الله عز وجل:


﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾


يعلم خائنة الأعين، فقد يفحص الطبيب امرأة، وينظر إلى موضع الألم، وهذا مباح له، فإذا اختلس نظرة إلى موقع آخر لا تشكو منه، فمن يعلم هذه النظرة الخائنة ؟ لا يعلمها إلا الله، لذلك جاء قوله تعالى:


﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾


(سورة غافر: الآية 19)


وإذا نظر القاضي إلى وجه المرأة، ثم انتقل إلى مكان آخر لا يحل له فهذا مما يعلمه الله عز وجل، وكذلك المحقق، وكذلك من يباح له أن ينظر إلى النساء، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى:


﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾


معنى خبير أيْ يعلم علما دقيقا، يعلم حقيقة الأمر، هذه النظرة ماذا أردت بها ؟ هل تجاوزت الحد المفروض إلى حد لا يحل لك ؟


﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾


في غض البصر توخِّي حفظ الفرج، يعلم الإنسان علم اليقين أين هو من هذه الآية.


نصائح نبوية احترازا من الوقوع في الحرام:


نتابع تفسير هذه الآية.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(( لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، ولا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ))


[رواه مسلم، والترمذي]


وعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


(( لا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، ولا تَنْظُرَنَّ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ ))


[رواه أبو داود، ابن ماجه]


وعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:


(( كَانَ جَرْهَدٌ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ))


[البخاري، والترمذي، أبو داود، أحمد]


هذه كلها أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


(( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لا يُفَارِقُكُمْ إِلا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ ))


[الترمذي]


لذلك النبي عليه الصلاة والسلام استأجر أجيرا فرآه يغتسل عريانا، فقال عليه الصلاة والسلام:


(( خذ أجارتك، لا حاجة لنا بك، فإني أراك لا تستحيي من الله ))


وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


(( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ))


[البخاري، مسلم ]


فالذي له محل تجاري على قارعة الطريق في الطابق الأرضي، وأمامه الناس يذهبون ويروحون هذا الحديث من لوازم من يجلس على الطرقات:


(( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ))


أما هذا الذي يجلس على مقهى الرصيف لينظر إلى الناس فهذا بعيد جدا على أن يكون من أهل الإيمان، لأنه من تنزّه في الطرقات، من تحدث عن النساء فقد جرحت عدالته، لكنّ المضطر، كمَن له محل تجاري في شارع مزدحم فما آداب الجلوس في هذا المحل التجاري، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(( فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ))


يقول الإمام ابن كثير في تفسيره الشهير: " وقد قال كثير من السلف: إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل نظره إلى الأمرد، وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك، وحرمه طائفة من أهل العلم لما فيه من الافتتان، وشدد آخرون في ذلك كثيرا جدا ".


[تفسير ابن كثير(3/283)]


هذا بالنسبة للنظر إلى الأمرد، أي إلى الشاب الذي لم تنبت لحيته بعد.
وعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَسَمِعَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يَقُولُ:


(( حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، قَالَ: وَقَالَ الثَّالِثَةَ ؟ فَنَسِيتُهَا، قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَاكَ: حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، أَوْ عَيْنٍ فُقِئَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))


[النسائي ]


بعض الحِكَم والأقوال في خطورة النظر إلى الحرام:
بعض الأقوال الحكيمة في هذا الموضوع:


كل المصائب مبداها من النظـر ومعظم النار من مستصغر الشـرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بالقوس و لا وتـــر




وفي الأثر:


((...أَلاَ رُبَّ شَهْوَةِ سَاعَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلاً.... ))


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

ﯾﻌﺗﺑر اﻟﻘطﺎع اﻟ...

ﯾﻌﺗﺑر اﻟﻘطﺎع اﻟزراﻋﻲ ﻣن أﻛﺛر اﻟﻘطﺎﻋﺎت اﺳﺗﮭﻼﻛﺎً ﻟﻠﻣﯾﺎه، ﻣﻣﺎ ﺟﻌل ﺗﻌزﯾز اﻟﺟﮭود اﻟﻣﺑذوﻟﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﻘطﺎع ﻟ...

روى لنا أبو حيا...

روى لنا أبو حيان التوحيدي في كتابه المقابسات)، أنه سمع يوماً أستاذه سليمان المنطقي السجستاني يقول : ...

بدلا من ذلك، تم...

بدلا من ذلك، تم تحويل الوحدات التي تم استخدامها أو مهجورا أو مهجورا لرعاية كوفي، على سبيل المثال، في...

نظام الحكم بدول...

نظام الحكم بدولة الكويت ، هو نظام وراثي دستوري، يستمد شرعيته من الدستور، فلدولة الكويت سيادة ودستور...

مقارنة أثر التش...

مقارنة أثر التشابه في الاتجاهات والتشابه في القدرات أجرى میلر و سولز تجارب مشابهة لتجارب بايرن مع إض...

مث نظر اىل يده ...

مث نظر اىل يده ابمشزئاز ، وقال اي نوع من اليد هذه ، امل تنهتيي من التش نج صرب قليل وقال توجد مسكة هن...

الجبهة الشرقية ...

الجبهة الشرقية للحرب العالمية الثانية هي مسرح الحرب الرئيسي الذي شهد العديد من المعارك بين دول المحو...

إنّ الشّعرَ مِن...

إنّ الشّعرَ مِنَ الفُنون العربيّة الأولى عند العرب، فقد برزَ هذا الفنُ في التّاريخ الأدبيّ العربيّ م...

حتى يتسنى للمؤس...

حتى يتسنى للمؤسسة تحقيق أهدافها الاقتصادية تقوم باستعمال العديد من الوسائل والتقنيات الخاصة بالتسيي...

يرجع مفهوم الرق...

يرجع مفهوم الرقمنة إلى تطورات تاريخية عديدة في مرافق ومؤسسات المعلومات، لتسير بعض الأنشطة المكتبية ب...

الذكاء الاصطناع...

الذكاء الاصطناعي: يشير الذكاء الاصطناعي إلى تطوير الأنظمة أو الآلات التي يمكنها أداء المهام التي تتط...

التعريف اللغوي ...

التعريف اللغوي للدولة : الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها ، ىي العاقبة في الدال وا...