لخّصلي

مقدمة

يُتوقع من البحث الاجتماعي الالتزام بمبادئ ومعايير معينة على الرغم من التنوع والتعدد في طبيعته وبنيته وعمليته. وقد تتغيّر طبيعة هذه المبادئ والمعايير»
لكن وجودها وأهميتها أمر مسلّم به. ويعتبر معظم الباحثين أن ذلك يعكس طبيعة البحث الاجتماعي التي تتطلب أن يرتكز هذا البحث على معايير موثوقة ومعقولة.
لا يتردد الباحثون الكميّون في التعبير عن ولائهم لمبادئ يظهر أهمها في الإطار 1.4.

سوف نستكشف في هذا الفصل هذه المبادئ البحثية اقشهاء ونبيّن كيف يستخدمها الباحثون ويسوغونها. ومعظم هذه المبادئ سوف يُناقش في الفصول الأخرى مباشرةٌ و/ أو بصورة غير مباشرة وبمزيد من التكثيف. وتجدر بنا ملاحظة أن هذه المبادئ غالبًا ما يُشار إليها بأسماء أخرى؛ على سبيل المثال» يستخدم الباحثون النوعيون مفاهيم أخرى حين يتناولون مبادئ قالبهم البحثي.

أولا : القياس

تبدأ سيرورة البحث عادة بالإعداد النظري لموضوع البحث أو بصوغه (وهي خطوة معقدة ومتنوعة وهذا ما يضع الأسس لباقي أجزاء البحث، ولذلك فهو خطوة مهمة تستحق اهتماما خاصا وقبل الخوض في هذه المناقشة، لا بد لنا من أن نأخذ في الاعتبار عنصرًا آخر أساسا وعاما في عملية البحث وواحدا من مبادئ البحث الاجتماعي، ألا وهو القياس يُعد القياس عنصرا أساسيا في البحث الاجتماعي، كما أنه ضروري للإجراءات التي سنشرحها في الفصل الآتي، حيث تتناول خطوة الإعداد للبحث.

في الجزء الأول من هذا الفصل، سنقدم مفهوم القياس وطبيعته وأنواعه وعددا من القضايا المتعلقة به. وسننظر إلى القياس بصفته عنصرا من عناصر البحث الاجتماعي، وسنوضح طبيعته وأنواعه وأهم خصائصه.

يساعد القياس في تحقيق:

الإطار 2.4

الكفاية في الموصف والتقويم؛ إذ يتناول المفهوم تناولا كاملا.

الاتساق في الوصف والتقويم عبر الزمن وبين الباحثين.

المقارنة بين المفاهيم المعقدة وتحديد الفروق الدقيقة بينها.

الانسجام في تقويم المفاهيم عبر الزمن وبين الباحثين.

الدقة والإتقان في الإجراءات، من خلال الأخذ في الاعتبار جميع جوانب المفاهيم. . إعادة تطبيق البحث الاجتماعي في السياق نفسه أو في سياق مختلف من الباحث نفسه أو من آخرین.

2.1 طبيعة القياس

يتضمن البحث الاجتماعي، بغض النظر عن نوعه وطبيعته، درجة معينة من القياس تصنف بموجبها المفاهيم و / أو تُحدد قيمها. والقياس عملية متنوعة في طبيعتها ومستوى عملها. وهو إجراء مفيد جدا لأنه يضمن جودة عالية في البحث الاجتماعي. وبشكل عام يُجْرَى القياس ليساعد في تحقيق الكفاية والاتساق وإجراء المقارنات والانسجام والدقة والإتقان في وصف المفاهيم وتقويمها.

بشكل عام، قد يكون القياس كميا أو نوعيا. يركز القياس الكمي على القيم والصفات الرقمية، أما القياس النوعي فيُعنى بالتصنيفات والأسماء والصفات. يصف البحث النوعي الخصائص باستخدام مفاهيم أو رموز عامة، وقد يُدخل مفاهيم ورموزا جديدة؛ وهذا إجراء عام يتضمن وصف الفئات وتصنيفها. على سبيل المثال، يُعد تصنيف مكان الإقامة إلى حضري» و«ريفي» قياسا نوعيا. ويعتقد بعض الباحثين أن القياس النوعي لا يرقى إلى مستوى القياس لأنه لا يوضح المعايير الرئيسة للقياس مثل الدقة والثبات أو الموثوقية والصدق؛ فهو عملية تصنيف وتسمية ووصف. وعلى الرغم من ذلك فإن وجهة النظر هذه ليست مقبولة تماما.

3.1 المتغيرات

1.3.1 تعريفات

المتغيرات بناءات تجريبية تتخذ أكثر من قيمة أو شدة واحدة؛ مثل الجنس ذكر أو أنثى)، والحالة الاجتماعية عازب، متزوج، مطلق، أرمل، مهجور) والعمر والتعليم. وعكس المتغيرات هي الثوابت التي تتخذ قيمة أو شدة واحدة. في بداية الدراسة يحدد الباحث أي المفاهيم التي ستكون ثوابت وأيها ستكون متغيرات.

يتبع بناء المتغيرات إجراء منتظما يلتزم قواعد القياس. ويؤدي عدم التزام هذه المقتضيات إلى خلل وعدم دقة في القياس، وإلى نتائج زائفة تاليا. لذلك يجب أن تلبي المتغيرات شرطين بالغي الأهمية أن تتعلق بمفهوم واحد، وأن تكون قابلة للقياس
هناك أنواع كثيرة من المتغيرات. وهذه الأنواع تتغير وفقا لعدد من المعايير مثل : طبيعة المتغيرات (متغيرات جغرافية أو سكانية ... إلخ)، ومكانتها في البحث (متغيرات مستقلة أو تابعة)، إضافة إلى عوامل أخرى.

وأهم أنواع المتغيرات ما يلي:

المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة

المتغير المستقل هو المتغير الذي يُحْدِثُ تغييرات في متغير آخر أو يفسر متغيرا آخر، أما المتغير التابع فهو المتغير الذي يتأثر بمتغير آخر أو يُفسر به. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون المتغير المستقل في دراسة عن حال الأسرة والتحصيل الدراسي هو حال الأسرة، بينما يكون المتغير التابع هو التحصيل المدرسي.

لا يرتبط هذا التفريق بين المتغيرين بطبيعة المفاهيم بل بطبيعة تصميم البحث؛ إذ يكون المتغير نفسه (التحصيل الدراسي) هو المتغير المستقل في دراسة ما ( عندما نحاول الإجابة عن السؤال: هل يؤثر التحصيل الدراسي في استهلاك الكحول؟)، وقد يكون هو المتغير التابع في دراسة أخرى ( عندما نحاول الإجابة عن السؤال:

هل يؤثر الجندر في التحصيل الدراسي ؟).

المتغيرات الخارجية

هي متغيرات خارج سؤال البحث، أو حجاجه أو فرضيته؛ وتختلف عن المتغيرات المستقلة والتابعة فعلى سبيل المثال، في دراسة تتحرى صدق نظرية أن العرق (متغير مستقل) يرتبط بالتحصيل الدراسي (متغير تابع) (كأن يكون تحصيل البيض أعلى من تحصيل السود)، فإن السبب الحقيقي في التغيرات في التحصيل الدراسي قد لا يكون العرق المتغير المستقل) بل مستوى الدخل والتحيز كمتغيرين غير متوقعين ولم يوضعا في الحسبان أصلا وليسا جزءا من معادلة البحث التي وضعها المنظرون الأصليون في مثل هذه الحالة يكون الدخل والتحيز متغيرين خارجيين، لذلك فإن البحث عن وجود متغيرات خارجية محتملة أمر ضروري ومنطقي على الدوام في البحث الاجتماعي قبل تأكيد العلاقة بين المتغير المستقل والمتغير التابع.
المتغيرات المنفصلة والمتغيرات المتصلة

يختلف هذان النوعان من المتغيرات أحدهما عن الآخر من حيث استمرارية المقياس؛ فالمتغير المنفصل غير متصل بل يستخدم وحدات كاملة فحسب، في حين أن الآخر متصل ويمكن تجزئته إلى ما لا نهاية. يستخدم القياس في المتغيرات المنفصلة التي تدعى أيضًا ذات الحدين) وحدات كاملة، من دون قيم ممكنة بين الوحدات المتجاورة. فعلى سبيل المثال، الحالة الاجتماعية متغير منفصل، فقد تكون عازب» أو «منزوج» أو «مطلق» أو «أرمل» أو «يعيش بالمساكنة». والجندر أيضًا متغير منفصل، فقد يكون ذكر أو أنثى. وفي كلا المثالين لا توجد قيمة بين كل قيمتين في المقابل، فإن الوزن متغير متصل لأنه قد يستعمل زيادات صغيرة على الوحدات مثل 73.2 ، 78.1، 85.6 كلغ. إن المتغيرات المنفصلة تعد ولا تقاس، أما المتغيرات المتصلة فتقاس ولا تُعد. ومن المتغيرات المنفصلة متغير الإثنية العرق، الجنس، الحالة الاجتماعية، أسباب الموت أو نوع الدم. ومن الأمثلة على المتغيرات المتصلة: الطول المسافة الزمن العمر، درجة الحرارة أو درجات نسبة الذكاء.

المتغيرات السكانية "

تتعامل هذه المتغيرات مع البيانات السكانية مثل العمر ومكان الإقامة والدين والحالة الاجتماعية وحجم الأسرة والعرق والتعليم والتفضيل الجنسي. ويجدر بنا أن نتذكر بأن المتغير السكاني قد يكون مستقلا أو تابعا وقد يكون متصلا أو منفصلا وفقا لطبيعة تصميم البحث.

هناك تمييزات كثيرة بين أنواع المتغيرات معظمها شائع لدى استخدام الإحصاءات المتقدمة فهناك على سبيل المثال، متغيرات كمية» وأخرى نوعية». تستخدم المتغيرات النوعية المقياس الاسمي مثل الأصل العرقي الأصل الإثني، الانتماء الديني الجنس بينما تستخدم المتغيرات الكمية المقاييس المتربة والترتيبية. ويفرق أحيانًا بين المتغيرات الاسمية (المفهومية) والمتغيرات الإجرائية.

4.1 مستويات القياس

يمكن إجراء القياس على أربعة مستويات تختلف من بين أشياء أخرى وفقا لدرجة موافقتها خصائص نظام الأعداد الحقيقية. وهذه المستويات الموافقة الأربعة ومقاييسها الموافقة هي: القياس الاسمي، القياس الترتيبي، القياس الفتري والقياس النسبي. يمتاز القياس الاسمي بأقل درجة من الموافقة مع نظام الأعداد الحقيقية، بينما يمتاز القياس النسبي بأعلى مستوى من الموافقة.

القياس الاسمي:

الإطار 3.4

يتضمن فئات اسمية وهو قياس نوعي غير حسابي؛ فهو يسمي البيانات ويصنفها في فئات.

ليس له نقطة صفر.

لا يمكن ترتيبه في مقياس متصل من الأدنى إلى الأعلى.

يولد بيانات اسمية أو فئوية.

لا يفترض وجود وحدات متكافئة للقياس.

يفترض مبدأ التكافؤ جميع الوحدات في مجموعة محددة تعد متكافئة.

1.4.1 القياس الاسمي

بعد القياس الاسمي أبسط أنواع القياس وأدناها درجة وأكثرها بدائية. يشمل القياس في هذا المستوى تصنيف الحوادث إلى فئات يجب أن تكون واضحة ووحيدة الاتجاه وشاملة ولا يمكن استبدال فئة بأخرى، وتكون المقاييس الناتجة هي مقاييس تسمية». ويدل هذا القياس على وجود فرق بين الفئات التي تم تصنيفها.

تكمن هذه الفروق في طبيعة الفئات وليس في حجمها؛ فمثلا نقول إن حجم المنزل رقم 10 ليس أكبر من حجم المنزل رقم 5 بمرتين. كذلك فإن الأرقام المحددة للفئات ليس لها معنى حسابي، وتستخدم فحسب للتعريف ولا يمكن جمعها أو طرحها أو ضربها أو قسمتها أو التعامل معها بأي شكل حسابي. إن تصنيف المبحوثين إلى فئات مثل: ذكر - أنثى، أبيض - أسود، شاب - عجوز، عازب، متزوج، يعيش بالمساكنة منفصل، مطلق، متزوج مرة أخرى، أرمل، كاثوليكي، بروتستانتي، أنغليكاني أو أرثوذكسي يعتمد على القياس الاسمي.

ومن الأمثلة الأخرى على القياس الاسمي تصنيف أفراد الدراسة وفقا لمكان الولادة والدين والانتماء السياسي ونوع السيارة ومكان الإقامة والجنسية ونوع الحذاء ولون البشرة ونوع الموسيقى المفضلة وأنواع المشروبات.

من الجدير بالذكر هنا أنه لا يمكن أن يستخدم من المقاييس الإحصائية في هذا السياق سوى تلك التي صُممت للقياس الاسمي.

2.4.1 القياس الترتيبي

لا يقتصر القياس الترتيبي على تصنيف العناصر إلى فئات فحسب، بل يتضمن أيضًا ترتيب البيانات والمتغيرات في مقياس وفقا لحجمها، أي من الأقل إلى الأكبر (علاقة متعدية). وهنا توفر الأرقام معلومات أكثر لأنها لا توضح الفرق بين الفئات فحسب، بل ترتبها أيضًا؛ وعلى كل حال، لا تتيح الأرقام هنا إجراء عملیات حسابية كالجمع والطرح الإطار 4.4

القياس الترتيبي:

يشير إلى رتب وفقا لترتيب واضح يرتكز على الحجم الأصغر والأكبر، ما يدل على أن لبعض العناصر قيمة أعلى من قيم غيرها.

ينسب للأرقام معاني حسابية فعلية وخصائص تعريفية.

قياس كمي بشكل أساسي.

يبين الترتيب النسبي للقيم.

في ما يتعلق بالنقطة الأخيرة المتعلقة بالترتيب النسبي للقيم، فإن هذا القياس يسمح بترتيب الفئات بشكل يوضح ما هي الفئة الأولى والثانية والثالثة وهكذا) لكنه لا يبين مقدار الفرق بين المجموعات لا يحدد مسافة معينة بين الفئات).

لذلك فقد يكون الفرق بين الفئة الأولى والثانية مختلفا عنه بين الفئة السادسة والفئة السابعة. فالمسافات بين الفئات غير متساوية.

من الأمثلة على هذه الأشكال من المُتَّصِل المُستخدم في القياس الترتيبي ما يلي: المكانة متدنية متوسطة، عليا)؛ الحجم الأصغر، صغير، كبير، الأكبر)؛ النوعية (سيئ، جيد، جيد جدا ممتاز)؛ الطبقة (دنيا، متوسطة، عليا)؛ التحصيل (ضعیف، متوسط، عال)؛ الدخل متدن، متوسط، عال)، وهذا التصنيف ينطبق على المهن أيضًا.

3.4.1 القياس الفتري أو الفئوي القائم على وحدات متساوية

لا تتوافر في هذا القياس مواصفات القياس الترتيبي فحسب، بل يقدم أيضًا معلومات عن المسافة بين القيم، ويتضمن فترات متساوية يرتب فيها الموضوعات. تمكن هذه الطريقة الباحث من تقويم الفروق بين المبحوثين والحصول على مزيد من المعلومات المفصلة حول موضوع البحث.

الإطار 5.4

القياس الفتري أو الفئوي القائم على وحدات متساوية

يتضمن وحدات متساوية. قياس كمي في جوهره. يسهل التفريق والتصنيف يرتب الموضوعات. يحدد المسافة الرقمية بين الفئات.

يمكن القياس الفتري الباحث من تحديد ما إذا كانت قيمتان متشابهتين أو مختلفتين كما هو الحال في القياس الاسمي؛ تحديد ما إذا كانت قيمة ما أكبر أو أصغر من الأخرى ( كما في القياس الترتيبي)؛ تأكيد درجة الفرق بين القيمتين. وعلى الرغم من ذلك، لا توجد فيه نقطة الصفر الحقيقية، وإذا ما استخدم الصقر فهو يُحدد عشوائيا لتسهيل العمل فحسب ولا يعني الصفر غياب المتغير.
على سبيل المثال، إذا كان معدل الذكاء لطالبين هو 105 و 125 ، فهذا يعني وفقا للقياس الاسمي أن معدل ذكاء كل منهما مختلف عن الآخر. وفي القياس الترتيبي نقول إن معدل ذكاء الطالب الأول أقل من معدل ذكاء الطالب الثاني، وفي القياس الفتري نقول إن معدل ذكاء الثاني أعلى بعشرين نقطة من الأول، ولا نقول

مثلا إنه يفوق الأول بخمس (5/1) .

4.4.1 القياس النسبي أو القياس القائم على المعدل النسبي

يتضمن هذا القياس عند هذا المستوى جميع خصائص الأنواع السابقة، إضافة إلى احتوائه على خيار الصفر المطلق الحقيقي (0) كأدنى قيمة في هذا القياس، وهذا يعني غياب المتغير المعني. وببساطة فإن القياس النسبي هو قياس فتري مضاف إليه الصفر الحقيقي، وتاليا فإن جميع خصائص القياس الفتري تنطبق على القياس النسبي. وهذا القياس يمكن الباحث من وصف النسب والتناسب أي ربط قيمة بأخرى. فعلى سبيل المثال، إذا كانت سرعة استجابة طالبين المثير ما هي 10 ثوان و 20 ثانية. فإن الباحث يستطيع أن يستنتج بأن سرعة الأول ضعف سرعة الثاني.

يستخدم هذا القياس في العلوم الاجتماعية عند قياس متغيرات سكانية، لكنه يُعد غير ملائم لقياس الاتجاهات والآراء، لأن خيار الصفر في مقياس الاتجاهات وجود اتجاه أو رأي. وهذا أمر مضلل لأن عدم وجود رأي هو والآراء يعني عدم وجود ا رأي بحد ذاته.

من ناحية حسابية، تدل الأرقام التي نتوصل إليها بوساطة القياس النسبي على العد والترتيب، ويمكن جمعها وطرحها وضربها أو تقسيمها. ومن الأمثلة على هذه الأنواع من القياس ما تقدم ذكره في القياس الفتري مع إضافة نقطة الصفر إلى المتصل. ومن الممكن أيضًا إيراد أمثلة من المجالات الآتية: عدد أفراد الأسرة الوزن الطول المسافة، عدد الكتب التي يمتلكها أفراد الدراسة، وقت ردة الفعل وعدد المنتجات في الساعة.

5.4.1 قياس المتغيرات

لا تقاس المتغيرات على مستوى واحد فحسب بل تعتمد طريقة قياس المتغير على كيفية إدراكه وعلى نوع المؤشرات التي استخدمت في أثناء عملية القياس. يمكن قياس المتغير نفسه بطرائق متعددة؛ فمثلا يمكن قياس متغير العمر وفقا للقياس الاسمي إذا كان تعريفه في فئات منفصلة كبيرة، مثل الطفولة والمراهقة وسن الرشد ومنتصف العمر والشيخوخة، أو في فئات مثل صغير أو كبير. كما يمكن قياسه أيضًا بالقياس الترتيبي عندما يُرتب أفراد الدراسة وفقًا للعمر تنازليا من الأكبر إلى الأصغر.

الإطار 6.4

الصفر الحقيقي والصفر العشوائي

أدى استعمال الصفر الحقيقي كصفة مميزة للقياسات النسبية إلى شيء من الارتباك بسبب صعوبة التمييز بين الصفر الحقيقي والصفر العشوائي. فالصفر لا يكون دائما حقيقيا»، لأن الصفر الحقيقي له معنى، أما الصفر العشوائي فلا معنى له. على سبيل المثال، عندما نفيس الحرارة، فإن درجة الصفر لا تعني عدم وجود حرارة مطلقا وفي قياس الاتجاهات فإن درجة الصفر لا تعني عدم وجود اتجاه مطلقا ( لأن عدم إبداء الرأي في مسألة ما هو رأي). فهذه الأصغار ليست حقيقية، بل عشوائية. أما | عند قياس الدخل أو عدد السيارات أو عدد الأطفال، فإن الصفر في مثل هذه الحالات يعني عدم وجود هذه المعايير : أي أنه يعني عدم وجود أطفال ولا دخل ولا سيارات، فهذه إذا أصغار حقيقية والقياس الذي يستعمل مثل هذه الأصفار هو الذي يستخدم في القياس النسبي وحده.

يمكن استخدام القياس الفتري لقياس العمر، نظرا إلى كون الوحدات متساوية، وتستطيع تحديد عدد وحدات الفارق بين مستويات العمر، فالقياس الفتري لا يوضح لنا من هو صاحب السن الأكبر (كما في القياس الترتيبي) فحسب، بل يبين لنا الفرق بين العمرين أيضًا، وأخيرا يمكن قياس العمر باستخدام القياس النسبي لوجود الصفر المطلق (غير العشوائي) فيه. فالشخص لا يمكن أن يكون أقل من صفر في العمر، وإن عمر الشخص الذي يبلغ عشرين عاما يكون ضعف عمر الشخص ذي السنوات العشر.

على الرغم من درجة الحرية التي يتمتع بها الباحثون عند قياس المتغيرات فإن هناك قاعدة عامة لقياس المتغيرات على أعلى مستوى ممكن وبشكل عام تقاس المتغيرات المنفصلة على المستوى الاسمي أو المستوى الترتيبي، بينما نقاس المتغيرات المتصلة على المستوى الفتري أو النسبي.

6.4.1 خلاصة

إن جميع مستويات القياس فاعلة ومفيدة في سياقاتها الخاصة وللأغراض التي طورت من أجلها. لكن القياسات الاسمية أقلها دقة، يليها القياسات الترتيبية ثم القياسات الفترية، ثم القياسات النسبية التي تتمتع بأعلى درجة من الدقة والإتقان. هناك فوائد كثيرة لاستخدام القياس الفتري والقياس النسبي، لكن لا

يمكن قياس جميع المتغيرات وفقا لهذين النوعين من القياس ).

يُعد القياس عملية مهمة ومعقدة نسبيا، وترتبط بمشكلات وأخطاء عدة؛ فهي مقيدة بطبيعة عالمنا الاجتماعي والمتغيرات المعنية ومفاهيم الباحثين وتحيزهم الشخصي. وتعتمد قيمة القياس على دقة الأدوات المستخدمة في القياس والأنموذج الإجرائي المتبع.

ثانيا: التكرار ينطبق هذا المفهوم على البحث الكمي؛ إذ يُشترط إجراء الدراسة حيث يمكن تكرارها من باحثين آخرين للتأكد من صدقها وإجراء المزيد من المقارنات. ومن المفترض أن يضمن مبدأ الصدق غياب التأثيرات والانطباعات الشخصية للباحث وأن يحقق درجة كاملة من الموضوعية في إجراء البحث، حيث تعكس نتائج البحث آراء المبحوثين كاملة. وهذا يضمن الحصول على المخرجات نفسها كلما تكررت الدراسة. أما بالنسبة إلى هدف إتاحة المزيد من المقارنات، فينبغي للباحثين الذين يقومون بتكرار دراسة ما، في السياق ذاته أو في سياق مختلف، أن يستخدموا أدوات البحث التي استخدمت في الدراسة الأصلية من دون صعوبة حيث يستطيعون تكرار الدراسة بشكل تام. وهذا يتيح للباحثين إجراء مقارنات صادقة واستخلاص المزيد من التعميمات المشروعة.

يُعد التكرار أحد متطلبات البحث الكمي، لكنه يُعامل بطريقة مختلفة في البحث النوعي وبشكل عام، لا يعتبر الباحثون النوعيون هذه الفكرة ضرورية لأنها في نظرهم مستحيلة وغير ملائمة. ومن العوامل التي تساعد في استبعاد فكرة تكرار الدراسة في البحث النوعي طبيعة البحث النوعي؛ كعدم الاهتمام بتمثيل العينة واستعمال طرائق عشوائية لاختيار العينة والاهتمام الشديد بآراء تتعلق بموضوعات الدراسة بدلا من آراء المجتمع كاملا. وهناك من يعتقد أن البحث النوعي والتكرار نقيضان لا يلتقيان.