لخّصلي

يعي الأفارقة أن قارتهم باتت مجالا للتنافس الحاد بين القوى الاقتصادية الكبرى في العالم. فبالإضافة إلى القوى الاستعمارية السابقة التي تحتفظ معها بروابط متينة أملتها شروط تبعية المغلوب للغالب هناك قوى جديدة تسعى إلى إيجاد موطئ قدم في هذه السوق المترامية الأطراف التي يبلغ تعداد المستهلكين فيها نحو 1.2 مليار نسمة حسب التوقعات التي قدمت في العام 2013 خلال المؤتمر الجهوي الافريقي حول السكان والتنمية، وهي التوقعات ذاتها التي ترفع هذا العدد إلى 2.4 مليار في أفق 2050.
إن القوة الديموغرافية لإفريقيا تبدو مسألة مغرية باعتبارها من جهة سوقا كبيرة سهلة الولوج لأنها تحتاج إلى إشباع بالمواد الاستهلاكية لأن القارة غير قادرة على توفير الجزء الأكبر من احتياجاتها، وأيضا باعتبارها منصة ممكنة للإنتاج الصناعي لاعتبارات كثيرة، منها ما تقدمه من يد عاملة وفيرة في حاجة للتخلص من البطالة والعمل بأجور منخفضة، ثم التسهيلات التي قد توفرها للشركات الراغبة في الاستثمار كامتيازات تقليدية ( العقارات لإقامة المصانع، التسهيلات أو الإعفاءات الضريبية) بالإضافة إلى نوع من المرونة في ما يتعلق بالقيود على الصناعات ذات الانبعاثات الغازية. إن المقررات التي خرج بها مؤمر باريس سنة 2015 ومراكش سنة 2016 حول التغيرات المناخية، والوعي المتنامي في الغرب بالقضايا البيئية، لن تكون بنفس القدر في الدول الافريقية التي تسعى أولا إلى توفير احتياجاتها من السلع والمواد الغذائية ومن فرص الشغل قبل التفكير في القضايا البيئية.
هذا الوعي لدى الأفارقة بالأهمية الاستراتيجية للقارة في إنقاذ الاقتصاد العالمي من الأزمة التي يجتازها منذ نحو 10 سنوات، أملته الوقائع على الأرض. أكبر تجليات هذه الوقائع التهافت الكبير لدول ذات اقتصاد قوي ولأخرى ناشئة في محاولة للحصول على نصيب من الفرص المتاحة سواء كسوق استهلاكية أم كمجال بكر تقريبا يمكن الاستثمار فيه.
لقد سبق الحديث عن حجم السوق الاستهلاكية، وعن بعض الامتيازات التي قد تحصل عليها المقاولات الأجنبية لقاء مشاريع استثمارية حتى من دون مفاوضات شاقة، لكن الأهم فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية هو ما تزخر به القارة من قطاعات في حاجة إلى رؤوس أموال كبيرة لتنهض، مثل الفلاحة والصناعات الغذائية والطاقة والصناعات الاستخراجية والبنيات التحتية.
في هذا السياق يتوقع البنك الدولي كما جاء في أرقام نشرت خلال يناير الماضي، أن يحقق "الاقتصاد الإفريقي" 2.9 في المئة كمعدل نمو خلال العام الجاري، أعلى من المعدل المتوقع عالميا والمحدد في 2.7 في المئة، وذلك بفضل الانتعاش الذي تعرفه اقتصادات دول شمال إفريقيا وأيضا دول جنوب الصحراء، التي من المنتظر أن يسجل بعضها معدلات تصل إلى 8 في المئة، كما هو الشأن بالنسبة للكوت ديفوار وإثيوبيا.
تبدو إفريقيا في حاجة إلى استثمارات في كل القطاعات إذا أرادت التأسيس فعلا لانطلاق التنمية التي تأخرت كثيرا... تتوفر القارة الافريقية على كل أسباب التكامل الاقتصادي التي تمكنها من تقليص حجم التبعية للقوى المختلفة في الاقتصاد العالمي شرقا وغربا. بيد أن الطريق طويلة لاتزال في حاجة إلى تعبيد بما يتعالى على الخلافات السياسية وعلى التنافس حول الزعامة وعلى الحدود من كل الأنواع التي تعرقل فرص التعاون الإقليمي وعلى واقع الفساد الذي تعرفه مختلف الدول الافريقية... بغض النظر عن النظر عن هذه الإكراهات تظل إفريقيا كما قال الأمين العام الجديد للأمم المتحدة هي "قارة الأمل والوعد والإمكانات الهائلة"