لخّصلي

‎كان يمتلك عقلية جامدة لم تحتمل أية صحافة، فقد اختفت فجأة صحيفة الحوادث التجارية والإعلانات الملكية) ولم يعد لها أى ذكر (۳۲) ، فبشكل عام أهمل الرجل الصحافة (۳۳)، وهو الأمر الذي انعكس أثره على جريدة مصر الرسمية (الوقائع المصرية). ففي عهده وحسب إبراهيم
‎عبده لم نعد نقرأ فى
‎الطهطاوى وابنه على فهمى بك رفاعة وعناية على باشا مبارك، وكانت مجلة علمية أدبية (٤٩) ، وهى تُعد أول صحيفة مصرية تعنى بالعلوم والآداب، ومن ثم فهى تعتبر أما الجميع المجلات العربية في هذا الميدان) (٥٠) . وفى ١٥ جماد أول ۱۲۹۰ هـ الموافق ۱۰ يوليو ۱۸۷۳م تصدر بالقاهرة (جريدة أركان حرب الجيش المصرى)، صحيفة شهرية تُطبع بمطبعة وادى النيل المصرية الكائنة بباب الشعرية (٥١) ، وقد أصدرتها هيئة أركان الحرب بديوان الجهادية، وكان نورى بك قائمقام ناظراً لتحريرها (٥٢) ، وكانت تلك الصحيفة تعنى بنشر فصول عن وقائع الجيش المصرى فى بلاد الشام والجزيرة العربية وغيرها (٥٣) .
‎هكذا إزدهرت الصحافة الرسمية فى مصر بعد سنوات من الضعف والانهيار . ولعلنا نتفق هنا مع أنور عبد الملك حين يرى أن عصر إسماعيل هو العصر الذهبي الثاني ـ بعد عصر محمد على - للصحافة الرسمية المصرية، بل وبصورة عامة للصحافة بمختلف أشكالها (٥٤) . فالواقع أنه كانت هناك ثمة . وعة من العوامل مجمو التي ساهمت بنص
‎أمتلكها وأصدرها أفراد من الشعب، إذ دخل هؤلاء في ذلك الميدان جنبا إلى جنب مع الحكومة أو السلطة الحاكمة التي ظلت تتمتع وحدها بحق إصدار الصحف دون سواها لسنوات عديدة. والواقع أن مصر قد عرفت هذا النوع من الصحف أولاً فى عام ١٨٥٧م في عهد سعيد باشا (١٨٥٤م - ١٨٦٣م)، وذلك عندما أرسلت الحكومة التركية إلى القاهرة رجلاً يُدعى اسكندر شلهوب الذي أصدر صحيفة باللغة العربية تحمل اسم (السلطنة ) (٥٧) ، تؤيد الباب العالي وتدعو له بين المصريين، وحتى تبين للمصريين كذلك أنهم (منساقون إلى أمور خطيرة)، كما كان من غايات تلك الصحيفة أيضا أن تنال من هيبة الأسرة العلوية في أسلوب ملتو لا يسيء اساءة علنية) (٥٨) ، إذ كانت تدافع عن السلطان العثماني ضد سعيد باشا الذي عمل على أن يكون الفلاح مالكا للأرض التي يزرعها كما استخدم الفلاح المصرى فى الجيش محاربًا به الارستقراطية التي تفشت داخل الجيش، لتنشأ بين سعيد وبين السلطان عداوة شديدة (٥٩ ) . ولكن لأن تلك النشأة غير الرسمية لصحيفة (السلطنة تُعد نشأة غريبة على مصر والمصريين، فإنه لا يمكن اعتبارها
‎للصحافة الأهلية هنا مصداقية أكبر من الصحف الرسمية(٦٢)، وهنا يرى محمود نجيب أبو الليل في دراسته الصحافة الفرنسية في مصر منذ نشأتها حتى نهاية الثورة العرابية) أنه كانت للصحافة الفرنسية الفضل الكبير على اهتمام إسماعيل بالصحافة وكذا اهتمام المواطنين بإصدار الصحف العربية، فقد عز على إسماعيل كثيراً أن يرى الصحف الأجنبية - الفرنسية منها على وجه الخصوص ـ تنشأ وتنتشر
‎في بلاده تهاجمه حينا وتهادنه أحيانًا فيضطر إلى أرضائها وشرائها بالمال (٦٣) . وجود السيد جمال الدين الأفغانى فى مصر . خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، محركا للمياه الراكدة، حيث أثار تياراً من التفكير الحر وتتلمذ على يديه الكثيرون من طلاب العلم المتعطشون لكل ما هو جديد، كما أنه قد تبنى عدداً من الصحفيين مشجعا إياهم على إصدار الصحف (٦٤) ، فقد أدرك الأفعاني حقيقة الشرق الضعيف وحقيقة الغرب القوى فأراد أن يحى وحدة الشرق الممزقة وينهضه من رقدته فكانت غايته هي إحياء الشرق الإسلامي على أسس سياسية ثقافية اجتماعية (٦٥) ، ومن ثم أخذ الرجل يبذر بذور الثورة الفكرية ويغرس في المصريين حب الحرية والنخوة الشرقية (٦٦) ، وكان من تلاميذه إذ ذاك محمد عبده وس
‎ترد من الخارج، بالإضافة إلى تشجيع الحكومة للصحف على التحدث في الأمور السياسية خاصة بعد انتصار روسيا على تركيا في الحرب، ورغبة إسماعيل في تقليل التزاماته تجاه السلطان العثماني (۷۱) ، فقد كانت تلك الحرب بمثابة أول مسألة خارجية أهتم بها المصريون لأنها تتصل بالدولة العثمانية صاحبة السيطرة عليه، ومن ثم فقد رأت الصحف الأهلية ضرورة الاستجابة لرغبات قرائها،
‎فقلدت في ذلك الصحافة الغربية و انطلقت في إيراد الحوادث ونشرها) (۷۲).
‎ومن ثم فقد سمح الخديوى إسماعيل بوجود الصحافة الأهلية للمصريين والشوام والأجانب على حد سواء، إلا أنه أجاز لبعضها البقاء وأغلق من تجاوزت حدودها، ولم يكن فى النصف الأول من حكمه يسمح بصخافة لا تماثل في اتجاهها وتفكيرها الوقائع المصرية)) (۷۳) ، إذ لعله أراد صحافة أهلية وحرية صحفية تخدم أهدافه وتمدح أعماله ، فلم يكن ليتحمل النقد أو الهجوم على شخصه وأعماله (٧٤) ، ولكن إذا كان ذلك في أول الأمر فإنه سرعان ما نمت الصحافة الأهلية وتطورت لتخرج عن الإطار الذي حدده الحاكم ورسمه لها . ومع كل فالحق هو أن الصحافة الأهلية تُعد انجازاً رائعاً في ذلك الوقت من تاريخ الوطن
(10)
‎لكون صاحبها موظفا في الحكومة وله خدمات في الصحافة الرسمية من قبل (۸۰) . ولأنها خرجت شبيهة بالوقائع فى رسميتها وتأييدها للخديوى، فإن خلیل صابات يعتبرها همزة الوصل بين الصحيفة الرسمية والصحيفة الأهلية (٨٦) . ولكن رغم كل شيء يبقى لصحيفة ( وادى النيل فضل الصدارة والدفعة الأولى في صحافة مصر الأهلية.
‎. (نزهة الأفكار)
‎من هنا يبدأ تاريخ المصادرة
،
‎ثم صدرت صحيفة (نزهة الأفكار ) في عام ۱۸۷۰ م (۸۷) ، لصاحبيها إبراهيم بك المويلحي ومحمد عثمان بك جلال . ويشير الفيكونت فیلیب دی طرازی - ومن بعده جل المؤرخين - إلى أنها قد تعطلت بعد العدد الثاني، وأنه يُعزى السبب إلى شاهين باشا (۸۸) ، الذي أبدى للخديو تخوفه من أنها تهيج الخواطر وتبعث على الفتن فصدر أمر إسماعيل بالغائها ) (۸۹) . ذلك أن المويلحي وجلال قد كتبا فيها كما يكتب الأحرار، فظهرت غريبة عن الوسط الصحفي آنذاك بعيدة عما يقره الخديو من آراء فلم يحتمل