لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

2- وصف كتاب الدّر المصون. ويكنّى بأبي العباس الحلبي ، الشافعي . تولّى عدة مناصب علميّة مهمّة، قال عنه الإسنوي في كتابه طبقات الشّافعية: «كان فقيها بارعا في النحو، وقد كان أحمد بن يوسف بن مسعود (السمين الحلبي) عالمًا بارعًا في علوم الدين واللغة العربية، وتولّى مناصب مهمّة في التدريس والقضاء، وحظيّ بتقدير كبير من قبل معاصريه، وقد خلّف وراءه مؤلفات قيّمة في مختلف العلوم. هو شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق، قرأ على الكمال الضرير والكمال ابراهيم بن فارس، ورحلت إليه الطلّاب من أقطار الأرض لانفراده بالقراءة دراية ورواية ، أخذ عنه السمين الحلبي القراءات ووليّ تدريسها بعد وفاته . يونس بن ابراهيم بن عبد القويّ، أحد علماء الحديث في القرن السابع هجري، ثم رحل إلى مصر طلبا للعلم، سمع الحديث عن أبي الحسن بن المقير ، هو أحد أبرز علماء القرن السابع هجري، ولد بغرناطة بالأندلس، رحل الى مصر طلبا للعلم، برع في العديد من العلوم: كالنحو واللغة والتفسير والحديث والتاريخ والأدب، وكان له دور كبير في نشر العلم في عصره. أحمد بن محمد بن ابراهيم بن محمد بن يوسف، المشهور بـ "العشّاب"،  الدّر المصون في علوم الكتاب المكنون:
يعد من أفضل الكتب المصنفة في علم اللغة العربية، لأنه يجمع العلوم الخمسة: الإعراب والتصريف واللغة والمعاني والبيان، وقد ألفه في حياة أستاذه أبي حيان وناقشه فيه كثيرا، وفرغ من تأليفه في أواسط رجب سنة (734هـ).  ألف تفسيرا مطوّلا للقرآن الكريم، ولكن قيل إنه لم يتبق منه سوى أوراق قليلة.  أحكام القرآن: وقد شرح فيه الأحكام المتعلقة بالقرآن الكريم.  شرح التسهيل: وهو شرح مختصر لشرح أستاذه أبي حيان لكتاب تسهيل الفوائد لابن مالك.  شرح الشاطبية: وهي أرجوزة في القراءات السبع. توفي في جمادى الآخرة وقيل في شعبان سنة (756هـ) بالقاهرة. الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، لأحمد بن يوسف الملقّب بالسّمين الحلبي، الذي فرغ من تأليفه في أواسط رجب سنة (734 هـ) ، جعله في 11 جزءا، بدار القلم في دمشق. هذا الكتاب هو موسوعة علمية، واهتم فيه السّمين الحلبي بالجانب اللغوي وبالقراءات وتوجيهها، وقد احتج لها بالقرآن وأقوال الصحابة والمفسرين. أ‌. منهج الكتاب
يقدم لنا السّمين الحلبي من خلال كتابه "الدّر المصون" رحلة معرفية غنيّة في علوم القرآن، حيث أكّد على أهمية فهم معاني القرآن الكريم وبيان أغراضه، ويشيد الحلبيّ بجهود العلماء في تحقيق هذه الغاية، وقد لاحظ وجود حاجة ماسّة لجمع علوم القرآن الكريم في مصنّف واحد. يحدد السّمين خمسة علوم أساسية للقرآن الكريم وهي: علم الإعراب والتصريف وعلم اللغة والمعاني وعلم البيان، وهذا ما يبين أن هدفه الأساسي من الكتاب هو جمع أطراف هذه العلوم في مصنف واحد. ويتميز كتاب الدّر المصون بطرحه للمناقشات الواردة بين العلماء حول مختلف المسائل القرآنية، ولم يكتف الحلبي بعرض أقوال العلماء، ويقدّم لنا أمثلة عديدة على ذلك، وقد ركّز على آراء جماعة من العلماء: كالزمخشري وأبي البقاء وأبي حيان الاندلسي. وقد بيّن السّمين الحلبي منهجه في مقدمة كتابه، حيث اهتم بالقراءات المشهورة والشاذّة والمنسوبة لأصحابها، كما اهتم بمعالجة كل آية تقريبا في السور الأوائل كالبقرة وآل عمران، ب‌. أهمية الكتاب:
تكمن أهمية كتاب "الدّر المصون" في كونه مصدرا مهمّا من مصادر التفسير اللغوي للقرآن الكريم، وتبرز أهمية هذا الكتاب من خلال أنه:
- يمكن الباحث من الاطلاع على آراء العلماء المختلفة في إعراب آي القرآن، بالإضافة إلى ذكر مختلف الآراء حول إعرابها. - يعدّ مرجعا هامّا في دراسة علوم النحو، - يعد الكتاب مرجعا هامّا الباحثين المهتمين بالقراءات القرآنية. 3. مصادر السمين الحلبي في كتاب الدر المصون
وقد تمثلت هذه المصادر في:
- البحر المحيط في التفسير: لأبي حيّان الأندلسي(725هـ). - المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: لابن عطية (542هـ). - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل: للزمخشري(538هـ).  المصادر الثانوية:
- تفسير مفاتيح الغيب: للرازي(606ه). - جامع البيان في تفسير آي القرآن: لابن جرير الطبري(310هـ). الفصل الأول: التضمين
2- أنواع التضمين
3-فوائد التضمين وبلاغته
يعتبر التضمين ظاهرة لغوية تعبّر عن وضع الشيء في شيء آخر، وهو من الأساليب البديعية التي تعزّز المعنى، كما يعدّ من أهم الأساليب البلاغية المستخدمة في اللغة العربية لما له من فوائد جمالية وإيجاز في التعبير. 1. حد التضمين:
أ‌. لغة: يقال ضمن المال منه: أي كفل له به. ومن المجاز: ضمن الوعاءُ الشيءَ، ويقال ضمن القبرُ الميتَ، ورجل ضمن من الضّمان ومعناه لزم مكانه كما يلزم الكفيل العهد. ضمن الشيء ضمانا كفل به، وكل شيء جعلته في وعاء فقد ضمنته إياه، والمضمن من البيت ما لا يتم معناه إلا في الذي يليه، والضمن والضّمان والضّمانة: الدّاء في الجسد من بلاء أو كبر، ورجل ضَمنٌ أي مريض. أو الإحاطة به واحتوائه، فنقول ضمّنت الكتاب في الحقيبة بمعنى جعلته داخلها فهي تحتويه. فقد أدرك النحاة منذ القدم قدرة اللغة على دمج عنصرين أو أكثر في تركيب واحد لخلق معنى جديد يختلف عن معنى كل عنصر على حدة. وقد كان سيبويه(180هـ)، إمام النحاة، أوّل من اهتم بظاهرة التضمين بشكلٍ دقيق، وذلك من خلال قوله: «وإنما صُيّرَ(جاء) بمنزلة (كان) في هذا الحرف لأنه بمنزلة المثل، كما جعلوا (عسى) بمنزلة كان في قولهم «عسى الغوير بؤسا» *، ولا يقال عسيت أخانا. ومن كلامهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلام، وسترى مثل ذلك ان شاء الله». لم يذكر سيبويه (180 هـ) التضمين بشكل صريح، لكنه أشار إليه في قوله: "يجعلون الشيء في موضع على غير حاله"، بمعنى استعمال لفظ في معنى آخر، أما عن قوله وسترى مثل ذلك إنما يدلّ على تفشي هذه الظاهرة بكثرة في اللغة العربية. ثم نجد أن ابن جنّي(392هـ) قد أفرد بابا كاملا في كتابه الخصائص سماه: «باب استعمال الحروف بعضها مكان بعض»، تحدث فيه عن التضمين من خلال قوله «اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدّى بحرف والآخر بآخر، فإن العرب قد تتّسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه ايذانا بأن هذا الفعل بمعنى ذاك الاخر فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه». يبدو أن ابن جني قد حصر التضمين في الأفعال فقط، ثم أكد أنه إذا كان الفعل يقارب فعلا آخر في المعنى وكان كل منهما يتعدى بحرف جر فمن الممكن وضع أحدهما مكان الاخر إذا تقاربا في المعنى، ونجد ذلك من خلال قوله: «ووجدت من هذا الفن شيئا كبيرا لا يكاد يحاط به، ولعلّه لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتابا ضخما، وقد عرفت طريقه، فإذا مرّ بك شيء منه فتقبله وأنس به فإنه فصل في العربية لطيف حسن يدعو إلى الأنس به والفقاهة فيها» . ونجد ابن هشام (761هـ) يعرف التضمين بقوله: «قد يشربون لفظا معنى لفظ آخر، وفائدته أن تؤدي الكلمة مؤدى كلمتين». وقد تبعه في ذلك كل من الأشموني (918هـ)، والصبّان (1206هـ). استعمل ابن هشام ومن تبعه في تعريف التضمين كلمة " اللفظ"، فهم بذلك جعلوا التضمين في أقسام الكلمة كلها، عكس ابن جني الذي حصر التضمين في الأفعال فقط، فابن هشام لم يحدد أي قسم من أقسام الكلام تشمل هذه الظاهرة، كما أورد في كتابه مغني اللبيب الكثير من الأمثلة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: ﴿ ‌وَما ‌يَفْعَلُوا ‌مِنْ ‌خَيْرٍ ‌فَلَنْ ‌يُكْفَرُوهُ ‌وَاللَّهُ ‌عَلِيمٌ ‌بِالْمُتَّقِينَ ﴾ ]آل عمران- 115 . جاء الفعل يُكْفَرُوهُ بمعنى لن يحرموا ثوابه. ونجد السيوطي(911هـ) فيما نقله عن الزمخشري يجعل التضمين في الفعل فقط، وذلك في قوله: «ومن شأنهم أنهم يضمّنون الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه ويستعملونه استعماله مع أرادة معنى التضمين». ويقول في موضع أخر «التضمين هو إعطاء الشيء معنى الشيء ويكون في الحروف والأسماء والأفعال، أما الحروف فتقدم في حروف الجر وغيرها، وأما الأفعال فأن يضمّن فعل المعنى فعل آخر فيكون فيه معنى الفعلين معا». وبذلك يكون التضمين هو إضفاء معنى جديد على لفظ ما، من خلال ربطه بلفظ أخر بحيث يفهم معنى اللفظين معا. وقد اتفق العلماء على أن التضمين يكون في الأفعال، إلا أنهم اختلفوا حول وجوده في الأسماء والحروف، فمنهم من ينفيه مثل الزمخشري وابن جني،  فأما الحروف (حروف الجر): فتأخذ معنى جديدا عند ربطها بألفاظ أخرى، مثل قوله تعالى: ﴿‌وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ ‌فِي ‌جُذُوعِ ‌النَّخْلِ ‌وَلَتَعْلَمُنَّ ‌أَيُّنا ‌أَشَدُّ ‌عَذاباً ‌وَأَبْقى ﴾. الشاهد في هذه الآية:" في جذوع النخل" لأن "في" نابت عن حرف الجر "على"*
 وأما الأفعال: مثل قوله تعالى: ﴿ ‌وَإِذا ‌خَلا ‌بَعْضُهُمْ ‌إِلى ‌بَعْضٍ ‌قالُوا ‌أَتُحَدِّثُونَهُمْ ‌بِما ‌فَتَحَ ‌اللَّهُ ‌عَلَيْكُمْ ﴾. الشاهد في هذه الآية "خلا": حيث تضمن الفعل "خلا" معنى "انضوى" أي التحق وانضم.  وأما الأسماء: مثل قوله تعالى: ﴿ ‌فَلَمَّا ‌أَحَسَّ ‌عِيسى ‌مِنْهُمُ ‌الْكُفْرَ ‌قالَ ‌مَنْ ‌أَنْصارِي ‌إِلَى ‌اللَّهِ﴾. أل عمران-52]. والتضمين كغيره من الظواهر اللغوية التي أثارت جملة من التساؤلات والخلافات بين النحاة، حول كونه سماعيا أم قياسيا وإذا كان حقيقة أم مجازا. من القائلين بسماعية التضمين نجد أبا البقاء الكفوي (1094هـ)، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله فإنه يكون أولى، وكذا الحذف والإيصال، حيث كثر للعلماء التصرف والقول بهما فيما لا سماح فيه». أما الكفوي فرأى أن التضمين سماعي، ويلجا إليه فقط للضرورة، ويقول بأنه من الأفضل استخدام اللفظ على أصله بدل اللجوء إلى التضمين،  قياسي
قال الأزهري(905هـ): «واختلف في التضمين أهو قياسي أم سماعي، والأكثرون على أنه قياسي، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام». ويرى جمهور النحاة أن التضمين قياسي، شرط أن يجتمع المعنى الأصلي والمعنى المضمّن في معنى عام، والتي يمكن أن تعد قاعدة كلية ترجح قياسيته، كما قال أبو حيان في حديثه عن التضمين أيضا: «وإذا أشربت اللازم معنى فعل متعدّ فأكثر ما يكون فيما يتعدى بحرف الجر فيصير يتعدى بنفسه، من النحاة من قاس ذلك لكثرته ومنهم من قصره على السماع». ونظرا للاستعمال الكثير لظاهرة التضمين في اللغة العربية فقد جعله ذلك في نظر الكثير من النحاة قياسيا، وقد أرجع تمام حسان قياسيته إلى شيوعه واطراده بكثرة، وقد قرّبه الشيوع من الاطّراد فلم يعد يُنظر إليه نوع النظرة الى الرخصة لأنه يقاس عليه ولا يقاس عليها». ولقي انتشارا كبيرا، فكثرة استعماله في اللغة سواء في القرآن أو في كلام العرب جعله مقبولا ومعترفا به ولم يعد محل نقد أو شبهة.  التضمين حقيقة أم مجاز
اختلف العلماء حول طبيعة التضمين إن كان حقيقة أم مجازا، فهناك من يرى أنه مزيج بين الإثنين، وقد جمع محمد نديم فاضل نقلا عن ياسين بن زين الدين العليمي أقوال اللغويين في التضمين منها:
- أن التضمين مجاز مرسل استعمل في غير معناه لعلاقه وقرينه. - ان التضمين حقيقة مع حذف الفعل المستعمل في حقيقته وحذف حال من الفعل الآخر المناسب بمعونة القرينة اللفظية. وبالتالي، لا يوجد اتفاق بين العلماء حول طبيعة التضمين، إن كان حقيقة أم مجازًا، أو مزيجًا بين الإثنين ولكن، يمكن القول إن التضمين ظاهرة لغوية غنية ومتنوعة، بعكس الإضمار الذي يلتزم بقواعد اللغة بشكلٍ صارم. 2. أنواع التضمين
أ- التضمين العروضي
عرفه قدامة ابن جعفر(337هـ) لما تحدث عن عيوب ائتلاف المعنى والوزن معا وسماه المبتور: «وهو أن يطول المعنى على أن يحتمل العروض تمامه في بيت واحد، فيقطعه بالقافية ويتمه في البيت الثاني». أي أن المعنى لا يحمله البيت نظرا لتوسعه، فيضطر الشاعر إلى بتره ليتم المعنى في البيت الموالي، كما جاء في كتاب العمدة لابن رشيق القيرواني(463هـ) قوله: «والتضمين أن تتعلق القافية أو لفظة مما قبلها بما بعدها». ونجد ذلك بكثرة في شعر النابغة الذبياني مثل:
وهم وردوا الجفار على تميم وهم أصحاب يوم عكاظ إنّي
شهدت لهم مواطن صالحات وثقت لهم بحسن الظن منّي. ويعتبر تضمين العروضي عند العلماء عيبا من عيوب القافية، إذ لا يتم المعنى في نفس البيت مما يمنع استقلاليته. وقد جاء في معجم الوسيط أنه: «تعلق قافية البيت بما بعده على وجه لا يستقل بالإفادة». ب‌- التضمين البلاغي
هو أن يضمن الشاعر بيتا من شاعر آخر في شعره، بهدف تجسيد فكرة معينة بطريقة جديدة ليظهر جمالية وتميز إبداعه. وعرفه رشيد الدّين الوطواط (534ه) بقوله: «تكون هذه الصنعة بأن يدخل الشّاعر في شعره على سبيل التمثيل لا على سبيل السرقة مصراعا أو بيتا أو بيتين من قول شاعر آخر». بمعنى أن يضمن الشاعر في قصيدته شيئا من شعر غيره سواء كان شطرا أو بيتا إلى شعره، ولكن يشترط أن يشير إليه وإلى قائله إذا كان مشهورا. ومعنى ذلك أن التضمين هو أن يضمن الشاعر شيئا من القرآن أو الحديث أو شعر غيره، بحيث يكون المضمّن منسجما مع المعنى العام للقصيدة، وقد جعله عبد العزيز عتيق مرادفا للاقتباس، وقد سمي الأخذ من القرآن والحديث أيضا تضمينا. ت‌- التضمين البياني
وقد عرفه الرمّاني (384ه) بقوله: «تضمين الكلام هو حلول معنى فيه من غير ذكر له باسم او صفه يدل عليه الكلام دلاله القياس». سواء باسم أو صفة تدل عليه، فالمتكلم بذلك يقصد معنى غير المعنى الصريح للكلمات التي استخدمها مثل قول الشاعر مثلا:
الشاهد: لبيت وقلت لها مرحبا، تضمن لبيت معنى الإجابة. ث‌- التضمين النحوي:
1- تعريف التضمين النحوي:
يعتبر التضمين من الظواهر اللغوية واسعة الانتشار في علوم اللغة العربية، فهو مصطلح شائع في عدة علوم كما رأينا: علم العروض، علم البلاغة، وعلم النحو الذي هو موضوع دراستنا هذه. فيعطونه حكمه ويسمى ذلك تضمينا، وفائدته أن تؤدي الكلمة مؤدى كلمتين». أمّا عند الكفوي فهو: «إشراب معنى الفعل لفعل يعامل معاملته، وبعبارة أخرى هو أن يحمل اللفظ معنى غير الذي يستحقه بغير آلة ظاهرة». كقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾. سورة البقرة- 235[
الشاهد: هو الفعل "تعزم" عزم تضمن معنى الفعل نوى وعقد، أي: لا تعقدوا عقدة النكاح حتى تنتهي العدة. أما عند الزركشي (794هـ): فالتضمين: «هو إعطاء الشيء معنى الشيء تارة يكون في الأسماء وفي الأفعال وفي الحروف».  التضمين في الأسماء
يشمل هذا النوع تضمن اسم لمعنى اسم آخر لإفادة المعنيين معا، وتضم من، ما، أين، متى، لماذا، بهذا تكون علّة بناء أسماء الاستفهام كما يبينها ابن الانباري في قوله: هي تضمنها لمعنى الحرف.  أسماء الشرط:
تعد أسماء الشرط عناصر لغوية تستخدم لتحديد الشروط التي يتوقف عليها حدوث حدث ما، تشمل هذه الكلمات "إذا، لو، ما لم، .. أما عن علة بنائها فذلك لأنها تضمنت معنى "إن"، وقد بين ذلك ابن يعيش(643هـ) في قوله: «وأمّا الأسماء فأحد عشر اسما فيها معنى "إن" ولذلك بنيت، وإنما عملت من أجل تضمنها معنى إن. ».
 أسماء الإشارة:
هي كلمات تدل على مكان ما أو زمان ما أو شيء ما، وتستخدم للإشارة إليه مثل: (هذا، .
قال ابن الانباري: «وأما "هؤلاء" فإنما بنيت لتضمنها معنى حرف الإشارة وإن لم ينطق به، لأن الأصل في الإشارة أن تكون بالحرف كالشرط والنفي والتمني. إلا إنهم لما لم يفعلوا ذلك ضمنوا "هؤلاء" معنى الإشارة فبنوها». ومعنى ذلك أن اسم الإشارة "هؤلاء" هنا إنما بني لتضمنه معنى حرف الإشارة حتى لو لم ينطق به بشكل صريح. ومن أمثلة التضمين في الأسماء قوله تعالى: ﴿ ‌حَقِيقٌ ‌عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ ﴾ ]الأعراف- 5 [10
فقد تضمن الاسم "حقيق" هنا معنى "حريص" ليفيد أنه محقوق بقول الحق وحريص عليه كما سيتم التفصيل فيه لاحقا في الفصل الثاني. 3. التناوب في الحروف:
 تعريف النيابة:
أ- لغة: عند ابن فارس(395هـ): «النون والواو والباء كلمة واحدة تدلّ على مكان والرجوع إليه ويقال إن النوّب هو النحل وسميت به لرعيها ونوبها إلى مكانها». ب- اصطلاحا: عند جمهور النحاة: «التناوب هو وقوع بعض حروف الجر موقع بعضها للدلالة على المعنى». تعد حروف الجرّ من أهم أدوات اللغة العربية فهي تستخدم في كثير من العبارات والجمل، وتعطي معنى خاصا لها، لذلك كانت محطّ خلاف العديد من النحاة حول موضوع المعنى الذي تؤديه في الجملة. وتعد مسالة تناوب حروف الجر من المسائل التي كانت محط خلاف بين النحاة، فمنهم من أجاز ذلك كنحاة الكوفة ومنهم من رفض ذلك كنحاة البصرة. يرى البصريون أن حروف الجر لا تحمل إلا دلالة واحدة حقيقية ومن هذا كانت "في" للظرفية و"على" للاستعلاء و"من" للابتداء و"إلى" للانتهاء وأن الفعل يتضمن معنى يناسب ذلك الحرف. وحسب رأي ابن هشام فإن: «مذهب البصريين أن أحرف الجرّ لا ينوب بعضها على بعض بقياس كما أن أحرف النصب وجزم كذلك». إذا فنحاة البصرة حسب رأي ابن هشام قاسوا حروف الجر على حروف النصب والجزم، فكما لا يجوز التناوب بين هذه الأخيرة كذلك لا يجوز التناوب بين حروف الجر، لإثبات أن حروف المعاني لا ينوب بعضها على بعض بأي حال من الأحوال. حجتهم أن حرف الجر “في" هنا جاء بمعنى "على" فنابت عنها وكذلك تنوب حروف الجر عن بعضها، بينما حجة البصريين أن “في" ليست بمعنى على ولكن دلّت على أن المصلوب لتمكنه من الجذع صار وكأنه جزء منه، وهذا يعني أن حروف الجر لا تستعمل إلا في معناها الحقيقي وإن استعملت في موضع آخر على غير معناها الأصلي كان ذلك فقط على سبيل المجاز، ويعد عباس حسن(1398هـ) اقتصار حرف الجر على معنى واحد تشددا في حق هذا القسم من الكلام من خلال قوله: «إن قصر حرف الجر على معنى واحد تعسّف وتحكم لا مسوغ له فما الحرف إلا كلمة كسائر الكلمات الفعلية والاسمية وهذه الكلمات تؤدي الواحدة منها عدة معان حقيقية لا مجزية». ذلك أن الحروف لا ترتبط بمعان معينة في ذاتها وإنما ترتبط بمعان من خلال السيّاق الذي ترد فيه وإلا فإن حصر حروف الجر في معنى واحد تعسف لا داعي له. وقد خصّص في كتابه "الخصائص" بابا سمّاه (باب استعمال الحروف بعضها مكان بعض)، وقال عنه: «هذا باب يتلقاه الناس مغسولا ساذجا من الصنعة وما أبعد الصواب عنه وأوقفه دونه ذلك أنهم يقولون إن "إلى" تكون بمعنى "مع" ويحتجون بقوله تعالى: ﴿ ‌مَنْ ‌أَنْصَارِي ‌إِلَى ‌اللَّهِ ﴾ ] الصف- 14[ ». الشاهد: إلى الله أي مع الله
والمقصود من قول ابن جني مغسولا ساذجا أي أنه بعيد عن الدقة كأنه غسل منها أو لتفاهته يستحق أن يغسل ويمحى.  التضمين في الأفعال:
تُعد الأفعال من أهم العناصر المكونة للجمل في اللغة العربية، فهي تُستخدم للتعبير عن مختلف الأحداث تنقسم بدورها إلى نوعين رئيسيين: أفعال لازمة وأفعال متعدية لمفعول، أو مفعولين، أو ثلاثة مفاعيل. كما يمكن لهذه الأفعال وبالإضافة إلى معانيها الأصلية أن تُضمر معان أخرى غير المعنى الأصلي، وهذا ما يُعرف عند جمهور النحاة بالتضمين، ونجد ذلك عند الزمخشري في تفسيره لقوله تعالى: ﴿‌وَلا ‌تَعْدُ ‌عَيْناكَ ‌عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ ]الكهف- 28 [. الشاهد: الفعل "تعد عيناك عنهم "
«وإنما عدّي بـ: "عن" لتضمن "عدا" معنى "نبا وعلا" في قوله: "نبت عنه عينه وعلت عنه عينه إذا اقتحمته ولم تعلق به" فيصبح المعنى ولا تقحم عيناك مجاوزتين الى غيرهم». وأما ابن جني فكما سبق قوله: «اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر، فإن العربية تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانا بأن هذا الفعل بمعنى ذاك الآخر، ويدل اختلاف حرف الجر على أن الفعلين مترادفين وأن المعنى واحد، حيث يبين ابن جني من خلال ذلك مرونة اللغة العربية، وقدرتها على التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة، كما يشير إلى أن السياق هو ما يحدد فهم المعنى. بمعنى جعل الفعل المُضمر حاملًا لمعنى الفعل المُصرح به فيُعامل معاملته من حيث التعدي واللزوم، والحرف الجر، والفاعل، والمفعول وغير ذلك. مما يُضفي على اللغة سمة الإيجاز والجمال ومن الفوائد التي يؤديها التضمين:
يعد التوسع في المعنى من أهم فوائد التضمين حيث يُضفي على اللغة العربية سمة الإيجاز والجمال، وذلك من خلال إتاحة الفرصة للكلمة الواحدة للتعبير عن معنيين أو أكثر، يُشير ابن هشام من خلال هذا إلى قدرة التضمين على جعل اللفظ يعبر عن المعاني المتعددة بكلمة واحدة. ب‌. الإيجاز والاختصار في اللفظ:
يُعد التضمين نوعًا من الإيجاز، حيث يُمكن التعبير عن معنى جملة أو أكثر بكلمة واحدة وهذا ما ذكره الباقلاني(403ه) في قوله: «وأما التضمين فهو حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم او صفة، .. والتضمين كله إيجاز، وذكر أن التضمين الذي تدل عليه دلالات القياس أيضا إيجاز وذكر أن" بسم الله الرحمن الرحيم" من باب التضمين لأنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تبارك وتعالى والتبرك باسمه». ويعتبر الإيجاز والاختصار أصلا من أصول البلاغة العربية. الارشاد الى اكتشاف بعض أسرار اللغة ولطفها وحسن أساليبها:
يُشير هذا الأسلوب إلى معنى خفيّ وراء المعنى الظاهري للفعل، مما يتطلب تدقيقًا وفهمًا عميقًا لاستنباطه، وينصح ابن جني بقبول هذا الأسلوب عند مصادفته، في قوله: «فاذا مرّ بك شيء منه فتقبله وأنس به فإنه فصل في العربية لطيف حسن يدعو الى الأنس به والفقاهة فيها». يُقدم ابن جني في قوله هذا نصيحة قيّمة للدارسين والمتخصصين في مجال اللغة العربية، ويُشجّعهم على تقبل هذا الأسلوب وفهمه كجزء لا يتجزأ من اللغة، كما يؤكد على جماليته وقدرته على إثراء اللغة العربية والتعمق في معانيها. د‌. مما يساعد على فهمها وعدم الوقوع في الخطأ وقد ذكر ابن هشام مثلا على ذلك من خلال قوله تعالى: ﴿فَأَماتَهُ ‌اللَّهُ مِائَةَ عامٍ﴾. البقرة- 259 [حيث قال: «فإن المتبادر انتصاب مئة بأماته وذلك ممتنع مع بقائه على معناه الوضعي، لأن الإماتة سلب الحياة وهي لا تمتد، والصواب أن يضمن أماته ألبثه، فكأنه قيل فألبثه الله بالموت مئة عام،


النص الأصلي

مدخل: السّمين الحلبي وتفسيره
1 – ترجمة المؤلف.
2- وصف كتاب الدّر المصون.
3-مصادر السمين الحلبي في تفسيره.



  1. ترجمة المؤلف:
    هو أحمد بن يوسف بن مسعود (السمين الحلبي) النحوي ، ويكنّى بأبي العباس الحلبي ، الشافعي .
    نشأ في حلب وتلقى العلم عن شيوخها ولكنه انتقل بعد ذلك الى مصر وعاش فيها فترة طويلة ذاع صيته خلالها في الوسط العلمي، تولّى عدة مناصب علميّة مهمّة، منها تدريس القراءات والنحو في الجامع الطولوني
    قال عنه الإسنوي في كتابه طبقات الشّافعية: «كان فقيها بارعا في النحو، التفسير، وعلم القراءات، يتكلم في الأصول، خيرا، ديّنا ».
    وقد كان أحمد بن يوسف بن مسعود (السمين الحلبي) عالمًا بارعًا في علوم الدين واللغة العربية، حيث حاز مكانة علميّة مرموقة، وتولّى مناصب مهمّة في التدريس والقضاء، وحظيّ بتقدير كبير من قبل معاصريه، وقد خلّف وراءه مؤلفات قيّمة في مختلف العلوم.

    أ‌. شيوخه:
     التقي الصائغ (725هـ):
    هو شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق، المصري، من أشهر القرّاء في عصره، قرأ على الكمال الضرير والكمال ابراهيم بن فارس، ورحلت إليه الطلّاب من أقطار الأرض لانفراده بالقراءة دراية ورواية ، أخذ عنه السمين الحلبي القراءات ووليّ تدريسها بعد وفاته .
     يونس الدبّوسي(727هـ):
    يونس بن ابراهيم بن عبد القويّ، أحد علماء الحديث في القرن السابع هجري، ولد في عسقلان، ثم رحل إلى مصر طلبا للعلم، سمع الحديث عن أبي الحسن بن المقير ، وأخذه عنه السّمين الحلبي .
     أبو حيان الاندلسي(725هـ):
    هو أحد أبرز علماء القرن السابع هجري، ولد بغرناطة بالأندلس، رحل الى مصر طلبا للعلم، برع في العديد من العلوم: كالنحو واللغة والتفسير والحديث والتاريخ والأدب، وكان له دور كبير في نشر العلم في عصره.
     العشاب(736هـ):
    أحمد بن محمد بن ابراهيم بن محمد بن يوسف، الفقيه المحدث أبو العباس، المرادّي، القرطبي، المشهور بـ "العشّاب"، ألّف كتابا في البيان، وكتابا صغيرا في التفسير.
     مؤلفاته:
     الدّر المصون في علوم الكتاب المكنون:
    يعد من أفضل الكتب المصنفة في علم اللغة العربية، لأنه يجمع العلوم الخمسة: الإعراب والتصريف واللغة والمعاني والبيان، وقد ألفه في حياة أستاذه أبي حيان وناقشه فيه كثيرا، وفرغ من تأليفه في أواسط رجب سنة (734هـ).
     ألف تفسيرا مطوّلا للقرآن الكريم، ولكن قيل إنه لم يتبق منه سوى أوراق قليلة.
     أحكام القرآن: وقد شرح فيه الأحكام المتعلقة بالقرآن الكريم.
     شرح التسهيل: وهو شرح مختصر لشرح أستاذه أبي حيان لكتاب تسهيل الفوائد لابن مالك.
     شرح الشاطبية: وهي أرجوزة في القراءات السبع.

     وفاته:
    توفي في جمادى الآخرة وقيل في شعبان سنة (756هـ) بالقاهرة.

  2. وصف كتاب الدّر المصون:
    الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، لأحمد بن يوسف الملقّب بالسّمين الحلبي، الذي فرغ من تأليفه في أواسط رجب سنة (734 هـ) ، جعله في 11 جزءا، حقّقه أحمد محمد الخرّاط سنة 1986، بدار القلم في دمشق.
    يعد كتاب الدّر المصون من بين مجموعة الكتب والمصنّفات التي وضعت في إعراب القرآن الكريم.
    هذا الكتاب هو موسوعة علمية، تضمّنت الكثير من آراء السابقين، واهتم فيه السّمين الحلبي بالجانب اللغوي وبالقراءات وتوجيهها، وقد احتج لها بالقرآن وأقوال الصحابة والمفسرين.
    أ‌. منهج الكتاب
    يقدم لنا السّمين الحلبي من خلال كتابه "الدّر المصون" رحلة معرفية غنيّة في علوم القرآن، حيث أكّد على أهمية فهم معاني القرآن الكريم وبيان أغراضه، ويشيد الحلبيّ بجهود العلماء في تحقيق هذه الغاية، وقد لاحظ وجود حاجة ماسّة لجمع علوم القرآن الكريم في مصنّف واحد.
    يحدد السّمين خمسة علوم أساسية للقرآن الكريم وهي: علم الإعراب والتصريف وعلم اللغة والمعاني وعلم البيان، وهذا ما يبين أن هدفه الأساسي من الكتاب هو جمع أطراف هذه العلوم في مصنف واحد.
    ويتميز كتاب الدّر المصون بطرحه للمناقشات الواردة بين العلماء حول مختلف المسائل القرآنية، ولم يكتف الحلبي بعرض أقوال العلماء، بل كان يحاورهم ويناقش آرائهم المختلفة، ويقدّم لنا أمثلة عديدة على ذلك، وقد ركّز على آراء جماعة من العلماء: كالزمخشري وأبي البقاء وأبي حيان الاندلسي.
    وقد بيّن السّمين الحلبي منهجه في مقدمة كتابه، حيث اهتم بالقراءات المشهورة والشاذّة والمنسوبة لأصحابها، كما اهتم بمعالجة كل آية تقريبا في السور الأوائل كالبقرة وآل عمران، وقد ناقش الأقوال والآراء التي ذكرها مناقشة علمية منظمة.
    ب‌. أهمية الكتاب:
    تكمن أهمية كتاب "الدّر المصون" في كونه مصدرا مهمّا من مصادر التفسير اللغوي للقرآن الكريم، وتبرز أهمية هذا الكتاب من خلال أنه:



  • يمكن الباحث من الاطلاع على آراء العلماء المختلفة في إعراب آي القرآن، كما يقدّم شرحا مفصّلا للآيات، بالإضافة إلى ذكر مختلف الآراء حول إعرابها.

  • يعدّ مرجعا هامّا في دراسة علوم النحو، على الرغم من تركيزه على إعراب القرآن إلا أنه يقدم شرحا قيّما لقواعد النحو العربي.

  • يعد الكتاب مرجعا هامّا الباحثين المهتمين بالقراءات القرآنية.



  1. مصادر السمين الحلبي في كتاب الدر المصون
    قسمت الى قسمين مصادر أساسية ومصادر ثانوية:
     المصادر الأساسية
    وقد تمثلت هذه المصادر في:



  • البحر المحيط في التفسير: لأبي حيّان الأندلسي(725هـ).

  • المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: لابن عطية (542هـ).

  • الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل: للزمخشري(538هـ).

  • إعراب القرآن: لأبي جعفر النّحاس(338هـ).

  • معاني القران: للفرّاء(207هـ)
     المصادر الثانوية:

  • تفسير مفاتيح الغيب: للرازي(606ه).

  • جامع البيان في تفسير آي القرآن: لابن جرير الطبري(310هـ).

    الفصل الأول: التضمين
    1 – حد التضمين لغة واصطلاحا.
    2- أنواع التضمين
    3-فوائد التضمين وبلاغته

    يعتبر التضمين ظاهرة لغوية تعبّر عن وضع الشيء في شيء آخر، وهو من الأساليب البديعية التي تعزّز المعنى، وقد اهتم به النحاة والبلاغيون، كما يعدّ من أهم الأساليب البلاغية المستخدمة في اللغة العربية لما له من فوائد جمالية وإيجاز في التعبير.



  1. حد التضمين:
    أ‌. لغة: يقال ضمن المال منه: أي كفل له به.
    ومن المجاز: ضمن الوعاءُ الشيءَ، ويقال ضمن القبرُ الميتَ، وضمن كتابه وكلامه معنى حسنا، ورجل ضمن من الضّمان ومعناه لزم مكانه كما يلزم الكفيل العهد.
    ضمن الشيء ضمانا كفل به، وضمّنه مثل غرمه، وكل شيء جعلته في وعاء فقد ضمنته إياه، والمضمن من الشعر ما ضمنته بيتا.
    والمضمن من البيت ما لا يتم معناه إلا في الذي يليه، والضمن والضّمان والضّمانة: الدّاء في الجسد من بلاء أو كبر، ورجل ضَمنٌ أي مريض.
    ويأتي التضمين في اللغة بمعنى الكفالة والالتزام بشيء ما، أو الإحاطة به واحتوائه، فنقول ضمّنت الكتاب في الحقيبة بمعنى جعلته داخلها فهي تحتويه.

    ب‌- اصطلاحا:
    تعد ظاهرة التضمين أحد أهم الخصائص في اللغة العربية، فقد أدرك النحاة منذ القدم قدرة اللغة على دمج عنصرين أو أكثر في تركيب واحد لخلق معنى جديد يختلف عن معنى كل عنصر على حدة.
    وقد كان سيبويه(180هـ)، إمام النحاة، أوّل من اهتم بظاهرة التضمين بشكلٍ دقيق، حيث عرّفه بأنه جعل الشيء في موضع على غير حاله، وذلك من خلال قوله: «وإنما صُيّرَ(جاء) بمنزلة (كان) في هذا الحرف لأنه بمنزلة المثل، كما جعلوا (عسى) بمنزلة كان في قولهم «عسى الغوير بؤسا» ، ولا يقال عسيت أخانا... ومن كلامهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلام، وسترى مثل ذلك ان شاء الله».
    لم يذكر سيبويه (180 هـ) التضمين بشكل صريح، لكنه أشار إليه في قوله: "يجعلون الشيء في موضع على غير حاله"، بمعنى استعمال لفظ في معنى آخر، أما عن قوله وسترى مثل ذلك إنما يدلّ على تفشي هذه الظاهرة بكثرة في اللغة العربية.
    ثم نجد أن ابن جنّي(392هـ) قد أفرد بابا كاملا في كتابه الخصائص سماه: «باب استعمال الحروف بعضها مكان بعض»، تحدث فيه عن التضمين من خلال قوله «اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدّى بحرف والآخر بآخر، فإن العرب قد تتّسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه ايذانا بأن هذا الفعل بمعنى ذاك الاخر فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه».
    يبدو أن ابن جني قد حصر التضمين في الأفعال فقط، ثم أكد أنه إذا كان الفعل يقارب فعلا آخر في المعنى وكان كل منهما يتعدى بحرف جر فمن الممكن وضع أحدهما مكان الاخر إذا تقاربا في المعنى، ويبيّن انتشار هذه الظاهرة في اللغة العربية بكثرة، ونجد ذلك من خلال قوله: «ووجدت من هذا الفن شيئا كبيرا لا يكاد يحاط به، ولعلّه لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتابا ضخما، وقد عرفت طريقه، فإذا مرّ بك شيء منه فتقبله وأنس به فإنه فصل في العربية لطيف حسن يدعو إلى الأنس به والفقاهة فيها» .
    ونجد ابن هشام (761هـ) يعرف التضمين بقوله: «قد يشربون لفظا معنى لفظ آخر، فيعطونه حكمه ويسمى ذلك تضمينا، وفائدته أن تؤدي الكلمة مؤدى كلمتين».
    وقد تبعه في ذلك كل من الأشموني (918هـ)، والصبّان (1206هـ).
    استعمل ابن هشام ومن تبعه في تعريف التضمين كلمة " اللفظ"، فهم بذلك جعلوا التضمين في أقسام الكلمة كلها، عكس ابن جني الذي حصر التضمين في الأفعال فقط، فابن هشام لم يحدد أي قسم من أقسام الكلام تشمل هذه الظاهرة، كما أورد في كتابه مغني اللبيب الكثير من الأمثلة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: ﴿ ‌وَما ‌يَفْعَلُوا ‌مِنْ ‌خَيْرٍ ‌فَلَنْ ‌يُكْفَرُوهُ ‌وَاللَّهُ ‌عَلِيمٌ ‌بِالْمُتَّقِينَ ﴾ ]آل عمران- 115 .[
    جاء الفعل يُكْفَرُوهُ بمعنى لن يحرموا ثوابه.
    ونجد السيوطي(911هـ) فيما نقله عن الزمخشري يجعل التضمين في الفعل فقط، وذلك في قوله: «ومن شأنهم أنهم يضمّنون الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه ويستعملونه استعماله مع أرادة معنى التضمين».
    ويقول في موضع أخر «التضمين هو إعطاء الشيء معنى الشيء ويكون في الحروف والأسماء والأفعال، أما الحروف فتقدم في حروف الجر وغيرها، وأما الأفعال فأن يضمّن فعل المعنى فعل آخر فيكون فيه معنى الفعلين معا».
    وبذلك يكون التضمين هو إضفاء معنى جديد على لفظ ما، من خلال ربطه بلفظ أخر بحيث يفهم معنى اللفظين معا.
    وقد اتفق العلماء على أن التضمين يكون في الأفعال، إلا أنهم اختلفوا حول وجوده في الأسماء والحروف، فمنهم من ينفيه مثل الزمخشري وابن جني، ومنهم من يقبله ويقر به مثل ابن هشام والسيوطي وابن مالك.
     فأما الحروف (حروف الجر): فتأخذ معنى جديدا عند ربطها بألفاظ أخرى، مثل قوله تعالى: ﴿‌وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ ‌فِي ‌جُذُوعِ ‌النَّخْلِ ‌وَلَتَعْلَمُنَّ ‌أَيُّنا ‌أَشَدُّ ‌عَذاباً ‌وَأَبْقى ﴾. ]طه-71 [.
    الشاهد في هذه الآية:" في جذوع النخل" لأن "في" نابت عن حرف الجر "على"

     وأما الأفعال: مثل قوله تعالى: ﴿ ‌وَإِذا ‌خَلا ‌بَعْضُهُمْ ‌إِلى ‌بَعْضٍ ‌قالُوا ‌أَتُحَدِّثُونَهُمْ ‌بِما ‌فَتَحَ ‌اللَّهُ ‌عَلَيْكُمْ ﴾. ]البقرة-76]
    الشاهد في هذه الآية "خلا": حيث تضمن الفعل "خلا" معنى "انضوى" أي التحق وانضم.
     وأما الأسماء: مثل قوله تعالى: ﴿ ‌فَلَمَّا ‌أَحَسَّ ‌عِيسى ‌مِنْهُمُ ‌الْكُفْرَ ‌قالَ ‌مَنْ ‌أَنْصارِي ‌إِلَى ‌اللَّهِ﴾.]أل عمران-52].
    الشاهد في هذه الآية قوله: "من أنصاري إلى الله" حيث تضمّن معنى التوجه والقصد والولاء.
    والتضمين كغيره من الظواهر اللغوية التي أثارت جملة من التساؤلات والخلافات بين النحاة، حول كونه سماعيا أم قياسيا وإذا كان حقيقة أم مجازا.
     سماعي:
    من القائلين بسماعية التضمين نجد أبا البقاء الكفوي (1094هـ)، وذلك من خلال قوله: «والتضمين سماعي لا قياسي، وإنما يذهب إليه عند الضرورة، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله فإنه يكون أولى، وكذا الحذف والإيصال، ولكن لشيوعهما صارا كالقياس، حيث كثر للعلماء التصرف والقول بهما فيما لا سماح فيه».
    أما الكفوي فرأى أن التضمين سماعي، ويلجا إليه فقط للضرورة، مثل الحاجة لإيجاز الكلام أو تكثيف المعنى، ويقول بأنه من الأفضل استخدام اللفظ على أصله بدل اللجوء إلى التضمين، ويضيف بأن التضمين كما الحذف والإيصال الذين أصبحا شائعين بسبب كثرة الاستعمال حتى في المواضع غير المسموح بها.
     قياسي
    قال الأزهري(905هـ): «واختلف في التضمين أهو قياسي أم سماعي، والأكثرون على أنه قياسي، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام».
    ويرى جمهور النحاة أن التضمين قياسي، شرط أن يجتمع المعنى الأصلي والمعنى المضمّن في معنى عام، والتي يمكن أن تعد قاعدة كلية ترجح قياسيته، كما قال أبو حيان في حديثه عن التضمين أيضا: «وإذا أشربت اللازم معنى فعل متعدّ فأكثر ما يكون فيما يتعدى بحرف الجر فيصير يتعدى بنفسه، من النحاة من قاس ذلك لكثرته ومنهم من قصره على السماع».
    ونظرا للاستعمال الكثير لظاهرة التضمين في اللغة العربية فقد جعله ذلك في نظر الكثير من النحاة قياسيا، وقد أرجع تمام حسان قياسيته إلى شيوعه واطراده بكثرة، نجد ذلك في قوله: «ولكن التضمين أـسلوب عدولي شائع ومألوف في الاستعمال، وقد قرّبه الشيوع من الاطّراد فلم يعد يُنظر إليه نوع النظرة الى الرخصة لأنه يقاس عليه ولا يقاس عليها».
    معنى ذلك أن التضمين على الرغم من مخالفته لقواعد اللغة العربية الصحيحة إلا أنه حظي بقبول واسع، ولقي انتشارا كبيرا، فكثرة استعماله في اللغة سواء في القرآن أو في كلام العرب جعله مقبولا ومعترفا به ولم يعد محل نقد أو شبهة.
     التضمين حقيقة أم مجاز
    اختلف العلماء حول طبيعة التضمين إن كان حقيقة أم مجازا، فهناك من يرى أنه مزيج بين الإثنين، وقد جمع محمد نديم فاضل نقلا عن ياسين بن زين الدين العليمي أقوال اللغويين في التضمين منها:



  • أن التضمين مجاز مرسل استعمل في غير معناه لعلاقه وقرينه.

  • أن التضمين جمع بين الحقيقة والمجاز فيعبر اللفظ عن معناه والمعنى المحذوف بالقرينة

  • ان التضمين حقيقة مع حذف الفعل المستعمل في حقيقته وحذف حال من الفعل الآخر المناسب بمعونة القرينة اللفظية.

  • اللفظ مستعمل في معناه الأصلي مع قصد معنى آخر.
    وبالتالي، لا يوجد اتفاق بين العلماء حول طبيعة التضمين، إن كان حقيقة أم مجازًا، أو مزيجًا بين الإثنين ولكن، يمكن القول إن التضمين ظاهرة لغوية غنية ومتنوعة، تُثري اللغة العربية وتُضفي عليها جمالًا وبلاغة. وإنّ كثرة استخدامها في اللغة العربية والقرآن الكريم جعلها مقبولة ومعترفًا بها، بعكس الإضمار الذي يلتزم بقواعد اللغة بشكلٍ صارم.



  1. أنواع التضمين
    أ- التضمين العروضي
    عرفه قدامة ابن جعفر(337هـ) لما تحدث عن عيوب ائتلاف المعنى والوزن معا وسماه المبتور: «وهو أن يطول المعنى على أن يحتمل العروض تمامه في بيت واحد، فيقطعه بالقافية ويتمه في البيت الثاني».
    أي أن المعنى لا يحمله البيت نظرا لتوسعه، فيضطر الشاعر إلى بتره ليتم المعنى في البيت الموالي، كما جاء في كتاب العمدة لابن رشيق القيرواني(463هـ) قوله: «والتضمين أن تتعلق القافية أو لفظة مما قبلها بما بعدها».
    ونجد ذلك بكثرة في شعر النابغة الذبياني مثل:
    وهم وردوا الجفار على تميم وهم أصحاب يوم عكاظ إنّي
    شهدت لهم مواطن صالحات وثقت لهم بحسن الظن منّي.
    ويعتبر تضمين العروضي عند العلماء عيبا من عيوب القافية، إذ لا يتم المعنى في نفس البيت مما يمنع استقلاليته.
    وقد جاء في معجم الوسيط أنه: «تعلق قافية البيت بما بعده على وجه لا يستقل بالإفادة».
    ب‌- التضمين البلاغي
    هو أن يضمن الشاعر بيتا من شاعر آخر في شعره، بهدف تجسيد فكرة معينة بطريقة جديدة ليظهر جمالية وتميز إبداعه.
    وعرفه رشيد الدّين الوطواط (534ه) بقوله: «تكون هذه الصنعة بأن يدخل الشّاعر في شعره على سبيل التمثيل لا على سبيل السرقة مصراعا أو بيتا أو بيتين من قول شاعر آخر».
    بمعنى أن يضمن الشاعر في قصيدته شيئا من شعر غيره سواء كان شطرا أو بيتا إلى شعره، ولكن يشترط أن يشير إليه وإلى قائله إذا كان مشهورا.
    كما يعرفه النويري(733هـ) بقوله: «وأمّا التضمين فهو أن يضمّن المتكلم كلامه كلمة من آية أو حديث أو مثل سائر أو بيت شعر».
    ومعنى ذلك أن التضمين هو أن يضمن الشاعر شيئا من القرآن أو الحديث أو شعر غيره، بحيث يكون المضمّن منسجما مع المعنى العام للقصيدة، وقد جعله عبد العزيز عتيق مرادفا للاقتباس، وقد سمي الأخذ من القرآن والحديث أيضا تضمينا.

    ت‌- التضمين البياني
    وقد عرفه الرمّاني (384ه) بقوله: «تضمين الكلام هو حلول معنى فيه من غير ذكر له باسم او صفه يدل عليه الكلام دلاله القياس».
    أشار الرمّاني في قوله إلى أن التضمين باعتباره أسلوبا بلاغيا يتضمن فيه الكلام معنى آخر دون ذكر له، سواء باسم أو صفة تدل عليه، فالمتكلم بذلك يقصد معنى غير المعنى الصريح للكلمات التي استخدمها مثل قول الشاعر مثلا:
    فلما اقبلت قالت له حياك لبيت وقلت لها مرحبا
    الشاهد: لبيت وقلت لها مرحبا، تضمن لبيت معنى الإجابة.
    ث‌- التضمين النحوي:
    1- تعريف التضمين النحوي:
    يعتبر التضمين من الظواهر اللغوية واسعة الانتشار في علوم اللغة العربية، فهو مصطلح شائع في عدة علوم كما رأينا: علم العروض، علم البلاغة، وعلم النحو الذي هو موضوع دراستنا هذه.
    حيث عرفه كل من ابن هشام والأشموني: «هو إشراب لفظ معنى لفظ آخر، فيعطونه حكمه ويسمى ذلك تضمينا، وفائدته أن تؤدي الكلمة مؤدى كلمتين».
    أمّا عند الكفوي فهو: «إشراب معنى الفعل لفعل يعامل معاملته، وبعبارة أخرى هو أن يحمل اللفظ معنى غير الذي يستحقه بغير آلة ظاهرة».
    فهو بذلك ينقل المعنى من فعل الى آخر دون استعمال أدوات ظاهرة، كقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾.] سورة البقرة- 235[
    الشاهد: هو الفعل "تعزم" عزم تضمن معنى الفعل نوى وعقد، أي: لا تعقدوا عقدة النكاح حتى تنتهي العدة.
    أما عند الزركشي (794هـ): فالتضمين: «هو إعطاء الشيء معنى الشيء تارة يكون في الأسماء وفي الأفعال وفي الحروف».
    2- أقسام التضمين النحوي:
     التضمين في الأسماء
    يشمل هذا النوع تضمن اسم لمعنى اسم آخر لإفادة المعنيين معا، فحسب قول ابن هشام في هذا الصدد: «وفائدة التضمين أن يدل بكلمة واحدة على معنى كلمتين، يدل على ذلك أسماء الشرط والاستفهام».
    وقد علل النحاة سبب بناء الأسماء التي الأصل فيها الإعراب، وهو تضمنها لمعنى الحرف مثل: أسماء الاستفهام وأسماء الشرط وأسماء الإشارة.
     أسماء الاستفهام
    تعتبر أسماء الاستفهام جزءا أساسيا في بناء الجمل والتواصل اللغوي، وتستخدم في طرح الأسئلة والبحث عن المعلومات، وتضم من، ما، أين، متى، كيف، لماذا، كم،
    وتشمل جزءا أساسيا من تركيب اللغة.
    حسب قول ابن الأنباري(577هـ): «وأما أين وكيف فإنما بنيا على الفتح لأنهما تضمنا معنى حرف الاستفهام، لأن "أين" سؤال عن المكان و"كيف" سؤال عن الحال فلما تضمن معنى حرف الاستفهام وجب أن يبنيا».
    بهذا تكون علّة بناء أسماء الاستفهام كما يبينها ابن الانباري في قوله: هي تضمنها لمعنى الحرف.
     أسماء الشرط:
    تعد أسماء الشرط عناصر لغوية تستخدم لتحديد الشروط التي يتوقف عليها حدوث حدث ما، تشمل هذه الكلمات "إذا، لو، ما لم، ..." وتلعب دورا أساسيا في بناء الجمل الشرطية.
    أما عن علة بنائها فذلك لأنها تضمنت معنى "إن"، وقد بين ذلك ابن يعيش(643هـ) في قوله: «وأمّا الأسماء فأحد عشر اسما فيها معنى "إن" ولذلك بنيت، وهي على ضربين: أسماء وظروف، فالأسماء:" من وما ومهما وأي" والظروف:" أنى وأين ومتى وحيثما وإذما"، فجميعها تجزم ما بعدها من الأفعال المستقبلية كما تجزم "إن"، وإنما عملت من أجل تضمنها معنى إن......».
     أسماء الإشارة:
    هي كلمات تدل على مكان ما أو زمان ما أو شيء ما، وتستخدم للإشارة إليه مثل: (هذا، هذه، هؤلاء ....).
    قال ابن الانباري: «وأما "هؤلاء" فإنما بنيت لتضمنها معنى حرف الإشارة وإن لم ينطق به، لأن الأصل في الإشارة أن تكون بالحرف كالشرط والنفي والتمني...، إلا إنهم لما لم يفعلوا ذلك ضمنوا "هؤلاء" معنى الإشارة فبنوها».
    ومعنى ذلك أن اسم الإشارة "هؤلاء" هنا إنما بني لتضمنه معنى حرف الإشارة حتى لو لم ينطق به بشكل صريح.
    ومن أمثلة التضمين في الأسماء قوله تعالى: ﴿ ‌حَقِيقٌ ‌عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ ﴾ ]الأعراف- 5 [10
    فقد تضمن الاسم "حقيق" هنا معنى "حريص" ليفيد أنه محقوق بقول الحق وحريص عليه كما سيتم التفصيل فيه لاحقا في الفصل الثاني.

  2. التناوب في الحروف:
     تعريف النيابة:
    أ- لغة: عند ابن فارس(395هـ): «النون والواو والباء كلمة واحدة تدلّ على مكان والرجوع إليه ويقال إن النوّب هو النحل وسميت به لرعيها ونوبها إلى مكانها».
    ب- اصطلاحا: عند جمهور النحاة: «التناوب هو وقوع بعض حروف الجر موقع بعضها للدلالة على المعنى».
    تعد حروف الجرّ من أهم أدوات اللغة العربية فهي تستخدم في كثير من العبارات والجمل، وتعطي معنى خاصا لها، لذلك كانت محطّ خلاف العديد من النحاة حول موضوع المعنى الذي تؤديه في الجملة.
    وتعد مسالة تناوب حروف الجر من المسائل التي كانت محط خلاف بين النحاة، فمنهم من أجاز ذلك كنحاة الكوفة ومنهم من رفض ذلك كنحاة البصرة.
    يرى البصريون أن حروف الجر لا تحمل إلا دلالة واحدة حقيقية ومن هذا كانت "في" للظرفية و"على" للاستعلاء و"من" للابتداء و"إلى" للانتهاء وأن الفعل يتضمن معنى يناسب ذلك الحرف.
    وحسب رأي ابن هشام فإن: «مذهب البصريين أن أحرف الجرّ لا ينوب بعضها على بعض بقياس كما أن أحرف النصب وجزم كذلك».
    إذا فنحاة البصرة حسب رأي ابن هشام قاسوا حروف الجر على حروف النصب والجزم، فكما لا يجوز التناوب بين هذه الأخيرة كذلك لا يجوز التناوب بين حروف الجر، لإثبات أن حروف المعاني لا ينوب بعضها على بعض بأي حال من الأحوال.
    أما بالنسبة لنحاة الكوفة فهم يقرّون بمبدأ تناوب الحروف وحجتهم في ذلك ما ورد في الآية الكريمة: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ﴾ ]طه-71[
    حجتهم أن حرف الجر “في" هنا جاء بمعنى "على" فنابت عنها وكذلك تنوب حروف الجر عن بعضها، بينما حجة البصريين أن “في" ليست بمعنى على ولكن دلّت على أن المصلوب لتمكنه من الجذع صار وكأنه جزء منه، وليس لحرف الجر إلا معنى واحد حقيقي يؤديه على سبيل الحقيقة لا المجاز وإن أدى الحرف معنى حرف آخر غير معناه الخاص به فإن ذلك لا يكون إلا على سبيل المجاز لا الحقيقة.
    وهذا يعني أن حروف الجر لا تستعمل إلا في معناها الحقيقي وإن استعملت في موضع آخر على غير معناها الأصلي كان ذلك فقط على سبيل المجاز، وهذا حسب رأي البصريين الذين ينفون القول بتناوب الحروف.
    ويعد عباس حسن(1398هـ) اقتصار حرف الجر على معنى واحد تشددا في حق هذا القسم من الكلام من خلال قوله: «إن قصر حرف الجر على معنى واحد تعسّف وتحكم لا مسوغ له فما الحرف إلا كلمة كسائر الكلمات الفعلية والاسمية وهذه الكلمات تؤدي الواحدة منها عدة معان حقيقية لا مجزية».
    ذلك أن الحروف لا ترتبط بمعان معينة في ذاتها وإنما ترتبط بمعان من خلال السيّاق الذي ترد فيه وإلا فإن حصر حروف الجر في معنى واحد تعسف لا داعي له.
    وقد ذهب ابن جني إلى أن مبدأ التناوب في الحروف أخلط اللغة، وسبّب الفوضى، وقد خصّص في كتابه "الخصائص" بابا سمّاه (باب استعمال الحروف بعضها مكان بعض)، وقال عنه: «هذا باب يتلقاه الناس مغسولا ساذجا من الصنعة وما أبعد الصواب عنه وأوقفه دونه ذلك أنهم يقولون إن "إلى" تكون بمعنى "مع" ويحتجون بقوله تعالى: ﴿ ‌مَنْ ‌أَنْصَارِي ‌إِلَى ‌اللَّهِ ﴾ ] الصف- 14[ ».
    الشاهد: إلى الله أي مع الله
    والمقصود من قول ابن جني مغسولا ساذجا أي أنه بعيد عن الدقة كأنه غسل منها أو لتفاهته يستحق أن يغسل ويمحى.

     التضمين في الأفعال:
    تُعد الأفعال من أهم العناصر المكونة للجمل في اللغة العربية، فهي تُستخدم للتعبير عن مختلف الأحداث تنقسم بدورها إلى نوعين رئيسيين: أفعال لازمة وأفعال متعدية لمفعول، أو مفعولين، أو ثلاثة مفاعيل.
    كما يمكن لهذه الأفعال وبالإضافة إلى معانيها الأصلية أن تُضمر معان أخرى غير المعنى الأصلي، وهذا ما يُعرف عند جمهور النحاة بالتضمين، ونجد ذلك عند الزمخشري في تفسيره لقوله تعالى: ﴿‌وَلا ‌تَعْدُ ‌عَيْناكَ ‌عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ ]الكهف- 28 [.
    الشاهد: الفعل "تعد عيناك عنهم "
    «وإنما عدّي بـ: "عن" لتضمن "عدا" معنى "نبا وعلا" في قوله: "نبت عنه عينه وعلت عنه عينه إذا اقتحمته ولم تعلق به" فيصبح المعنى ولا تقحم عيناك مجاوزتين الى غيرهم».
    وأما ابن جني فكما سبق قوله: «اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر، فإن العربية تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانا بأن هذا الفعل بمعنى ذاك الآخر، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه».
    من منظور ابن جني فاللغة العربية تسمح باستعمال حرف جر مختلف مع فعلين مترادفين، إذا كان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بحرف آخر.
    ويدل اختلاف حرف الجر على أن الفعلين مترادفين وأن المعنى واحد، حيث يبين ابن جني من خلال ذلك مرونة اللغة العربية، وقدرتها على التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة، كما يشير إلى أن السياق هو ما يحدد فهم المعنى.
    وكما سبق في قول الكفوي بأن: «التضمين هو إشراب معنى الفعل لفعل ليعامل معاملته».
    بمعنى جعل الفعل المُضمر حاملًا لمعنى الفعل المُصرح به فيُعامل معاملته من حيث التعدي واللزوم، والحرف الجر، والفاعل، والمفعول وغير ذلك.

  3. فوائد التضمين وبلاغته:
    يُعد التضمين ظاهرة لغوية غنية تُثري اللغة العربية وتُوسع من دائرة المعاني، فمن خلاله يمكن للكلمة الواحدة أن تدل على معنيين أو أكثر، مما يُضفي على اللغة سمة الإيجاز والجمال ومن الفوائد التي يؤديها التضمين:
    أ‌. التوسع في المعنى
    يعد التوسع في المعنى من أهم فوائد التضمين حيث يُضفي على اللغة العربية سمة الإيجاز والجمال، وذلك من خلال إتاحة الفرصة للكلمة الواحدة للتعبير عن معنيين أو أكثر، وهذا ما يؤكده قول ابن هشام: «وفائدة التضمين أن يدل بكلمة واحدة على معنى كلمتين ».
    يُشير ابن هشام من خلال هذا إلى قدرة التضمين على جعل اللفظ يعبر عن المعاني المتعددة بكلمة واحدة.
    ب‌. الإيجاز والاختصار في اللفظ:
    يُعد التضمين نوعًا من الإيجاز، حيث يُمكن التعبير عن معنى جملة أو أكثر بكلمة واحدة وهذا ما ذكره الباقلاني(403ه) في قوله: «وأما التضمين فهو حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم او صفة، ...والتضمين كله إيجاز، وذكر أن التضمين الذي تدل عليه دلالات القياس أيضا إيجاز وذكر أن" بسم الله الرحمن الرحيم" من باب التضمين لأنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تبارك وتعالى والتبرك باسمه».
    ويعتبر الإيجاز والاختصار أصلا من أصول البلاغة العربية.
    ج‌. الارشاد الى اكتشاف بعض أسرار اللغة ولطفها وحسن أساليبها:
    يُشير هذا الأسلوب إلى معنى خفيّ وراء المعنى الظاهري للفعل، مما يتطلب تدقيقًا وفهمًا عميقًا لاستنباطه، كما يضيف هذا الأسلوب معنى جديدًا للكلمة من خلال السياق أو القرينة التي تدل عليه، وينصح ابن جني بقبول هذا الأسلوب عند مصادفته، في قوله: «فاذا مرّ بك شيء منه فتقبله وأنس به فإنه فصل في العربية لطيف حسن يدعو الى الأنس به والفقاهة فيها».
    يُقدم ابن جني في قوله هذا نصيحة قيّمة للدارسين والمتخصصين في مجال اللغة العربية، ويُشجّعهم على تقبل هذا الأسلوب وفهمه كجزء لا يتجزأ من اللغة، كما يؤكد على جماليته وقدرته على إثراء اللغة العربية والتعمق في معانيها.

    د‌. تفسير المعاني وإزالة اللبس في تفسير الآيات:
    مما يساعد على فهمها وعدم الوقوع في الخطأ وقد ذكر ابن هشام مثلا على ذلك من خلال قوله تعالى: ﴿فَأَماتَهُ ‌اللَّهُ مِائَةَ عامٍ﴾.] البقرة- 259 [حيث قال: «فإن المتبادر انتصاب مئة بأماته وذلك ممتنع مع بقائه على معناه الوضعي، لأن الإماتة سلب الحياة وهي لا تمتد، والصواب أن يضمن أماته ألبثه، فكأنه قيل فألبثه الله بالموت مئة عام، وحينئذ يتعلق الظرف بما في المعنى العارض له بالتضمين وهو معنى اللبث».
    قدّم لنا ابن هشام في هذا القول تحليلًا دقيقًا انطلاقا من تقديم الوجه الإعرابي لكلمة "مئة" في الآية الكريمة، ومن خلال ذلك أشار إلى أهمية التضمين في اللغة العربية وكيف يساهم في تحديد المعاني الدقيقة للألفاظ وذلك من خلال السياق الواردة فيه.
    ه‌. الاستعانة على تأكيد المعنى:
    يعدّ التضمين من أهمّ أساليب علم البديع، حيثُ يُستخدم لإضفاء الجمال على الكلام وتحديد المعنى المقصود
    وقد جاء في تعريف ابن الأثير(637ه) قوله: «...وهو أن يضمن الشاعر شعره والناثر نثره كلاما آخر لغيره قصدا للاستعانة على تأكيد المعنى المقصود»
    يُعرّف ابن الأثير في هذا القول التضمين على أنه إدخال الشاعر أو الكاتب كلامًا لغيره في شعره أو نثره قصدًا لتأكيد المعنى المرغوب، كما يُشير هذا إلى أن الهدف من التضمين هو تأكيد وتحديد المعنى وليس مجرد زخرفة للكلام.
    و‌. الزيادة في جمال الكلام
    ويُؤكّد ابن الأثير على أهمية جمال الكلام في إيصال المعنى والتأثير على المتلقي من خلال قوله: » وهو ما يزداد به الكلام حلاوة ويكسب به رونقا وطلاوة».


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

الإعلام الجديد ...

الإعلام الجديد السلطة الناعمة في بيئة العولمة أولاً : المدخل : قبل نصف قرن كان موضوع نظام عالمي جديد...

1-11-1الأأهدافا...

1-11-1الأأهدافالمقصــود بــكل مــن تو�ص��ح المركب العضــوي والكيمياء العضوية.الهيدروكربونات والنماذج...

Learning Object...

Learning Objectives 4.1 Calculate future values and understand compounding. 4.2 Calculate present ...

This division i...

This division is based on the procedures followed in concluding the treaty. In this regard, the term...

ص١٢۷3022٣٦٢١فهر...

ص١٢۷3022٣٦٢١فهرس تحليليمقدمة الطبعة الثالثةالفصل الأول : « شعرنا الحديث .. الى اين ؟ . التفرقة بين م...

يتشاطر الأتراك ...

يتشاطر الأتراك والعرب روابط تاريخية وثقافية عميقة قائمة على الثقافة الإسلامية المشتركة. لقد انضمت ال...

تنبع من أهمية د...

تنبع من أهمية دور البنوك التجارية في الحياة الاقتصادية، باعتبارها الممول الرئيسي لعملية التنمية في أ...

إن الإسلام دين ...

إن الإسلام دين شامل و كامل و واقعي، فكمال الإسلام وشموليته مؤكدة من خلال قوله سبحانه وتعالى في محكم ...

إن الصحة الجسدي...

إن الصحة الجسدية تلعب دور بالغ الأهمية في حياة الإنسان فهي ضرورية لتأدية كافة النشاطات في الحياة الي...

في قلب كل مدينة...

في قلب كل مدينة، تنبض الحياة التجارية بنشاطها وحركتها المستمرة، فالتجارة تمثل عمودًا فقريًا للاقتصاد...

مقدمة: تميزت ال...

مقدمة: تميزت الفلسفة في القرن العشرين بسمتين جوهريتين جعلتها تبدو مختلفة إلي حد بعيد عن فلسفات القرو...

The snow leopar...

The snow leopard, scientifically known as Panthera uncia, is a majestic and elusive creature that pr...