لخّصلي

يشـار إلـى التنميـة بمفهومهـا العـام بأنهـا تلـك الهادفـة إلـى االرتقـاء بالنظـام االقتصـادي واالجتماعـي للدولـة
مــن حيــث توفيــر الحاجــات األساســية ورفــع مســتوى المعيشــة لكافــة الســكان. وقــد حــدد االقتصاديــون ثالثــة
أبعـاد للتنميـة االقتصاديـة بمفهومهـا العـام: البعـد األول ويعنـى بالتوظيـف الـذي هـو عنصـر أساسـي ورئيـس
فـي السياسـة التنمويـة. البعـد الثانـي يؤكـد النمـو كأحـد العناصـر األساسـية للتنميـة، ولكنـه ال يكفـي بمفـرده إذا
لـم يهـدف إلـى التطويـر واالرتقـاء بالمسـتوى المعيشـي للسـكان؛ ألن النمـو االقتصـادي يجـب أال يهـدف فقـط
إلــى توفيــر الحاجــات األساســية فقــط، بــل يتعــدا إلــى تحســين واســتمرارية النمــو. ثــم البعــد الثالــث المتعلــق
بأهـداف ومحـددات التنميـة البشـرية حيـث إن هـذا البعـد يسـاهم فـي توفيـر الحافـز إلـى تحقيـق األهـداف التنمويـة
والمشـاركة فـي بنـاء االقتصـاد الوطنـي.
ضمـن هـذه األبعـاد كان مسـار وأهـداف التنميـة االقتصاديـة فـي دولـة اإلمـارات. فقـد بـدأت مسـيرة بنـاء
الدولـة الحديثـة فـي اإلمـارات العربيـة المتحـدة فـي النصـف األول مـن السـبعينيات فـي القـرن الماضـي حيـث
تسـارعت الجهـود لتصميـم بنيـة تحتيـة صلبـة مـن األبنيـة والطرقـات ومحطـات الطاقـة واالتصـاالت وتطويـر
النظــام التعليمــي والصحــي إضافــة إلــى الخدمــات العامــة األخــرى.
وقــد اعتمــد بنــاء هــذه الدولــة الحديثـة علــى معاييـر الحريــة االقتصاديـة للفــرد اإلماراتـي فــي اختيــار
نشـاطه االقتصـادي ودون ضريبـة محسـوبة علـى الدخـل، وكذلـك علـى حريـة االسـتيراد والتصديـر دون رسـوم
جمركيـة تذكـر. وشـهد اقتصـاد دولـة اإلمـارات تحـوالت كبيـرة منـذ تلـك الفتـرة تمثلـت فـي تسـارع معـدالت
النمـو االقتصـادي، ممـا ترتـب عليـه تحـوالت هيكليـة نقلـت اقتصـاد الدولـة مـن اقتصـاد تقليـدي إلـى اقتصـاد
حديــث. وقــد أســهمت العوائــد النفطيــة بالدرجــة األولــى فــي إحــداث هــذه التحــوالت الهيكليــة، وأســهمت هــذه
ً بطريقــة غيــر مباشــرة فــي تنميــة وتطــور القطاعــات االقتصاديــة المختلفــة.
العوائــد أيضــا
وعلـى الرغـم مـن أهميـة النفـط فـي تمويـل مشـاريع رأس المـال االجتماعـي، وأهميـة دوره فـي خلـق
التحــوالت الهيكليــة القتصــاد دولــة اإلمــارات، فــإن االســتمرار فــي االعتمــاد الكبيــر عليــه يمكــن أن يضــع
االقتصـاد أمـام خطـورة التقلبـات فـي أسـعاره التـي تنتـج عـن التغيـرات المسـتمرة فـي األوضـاع االقتصاديـة
ّ العالميـة. ولذلـك فـإن المشـرع االقتصـادي فـي اإلمـارات لـم يغفـل أهميـة خلـق قاعـدة متنوعـة لإلنتـاج مـن خـال
قطاعـات إنتاجيـة متطـورة وديناميكيـة ومترابطـة، تمثـل األسـاس فـي تحفيـز النمـو وتحقيـق معـدالت عاليـة،
241
وتنويــع مصــادر الدخــل القومــي بزيــادة األهميــة النســبية للقطاعــات اإلنتاجيــة الســلعية والخدميــة األخــرى،
لضمــان تنميــة مســتدامة ال تتأثــر مســيرتها بإنتــاج وعوائــد النفــط الخــام.
وقــد تزامنــت جهــود التنويــع هــذه مــع ازديــاد وتيــرة النشــاطات االقتصاديــة فــي قطاعــات المــال
والتجـارة والخدمـات، وكذلـك فـي عمليـات الخصخصـة وتشـجيع مشـاركة القطـاع الخـاص فـي جهـود التنميـة
ممـا جعـل عمليـات التنـوع هـذه ممكنـة وناجحـة. إن المسـار الصحيـح للتنميـة االقتصاديـة ال يتحقـق بمعـزل
عـن التطـور المؤسسـي والتطـور االجتماعـي والثقافـي، وفـي المقـام األول إعـداد وتطويـر الثـروة البشـرية؛
لذلـك أدركـت دولـة اإلمـارات أهميـة خلـق اإلطـار المؤسسـي المناسـب الـذي ينظـم العمـل االقتصـادي، مـن
خـال اسـتحداث القوانيـن واألطـر التـي تنظـم هـذا العمـل االقتصـادي، ومـن خـال االسـتثمار فـي تنميـة رأس
ً لقيــادة وتوجيــه مســار التنميــة الوجهــة الصحيحــة.
المــال البشــري ليكــون مؤهــا
ضمـن هـذا اإلطـار سـنحاول إلقـاء بعـض الضـوء علـى مسـار النمـو والتنميـة االقتصاديـة فـي دولـة
اإلمـارات مـن خـال تتبـع مراحـل النمـو االقتصـادي، ثـم نحاول إلقـاء الضـوء على بعـض القطاعـات االقتصادية
ً فـي مراحـل النمـو المختلفـة للوقـوف علـى مـدى مسـاهمتها فـي تحفيـز النمـو
ً أساسـيا
التـي لعبـت وتلعـب دورا
االقتصــادي وتحقيــق أهــداف اســتراتيجيات التنميــة.
مـن المعلـوم أن عمليـة النمـو والتنميـة تحتـاج إلـى قاعـدة أساسـية لالنطـاق؛ لهـذا فـإن الحديـث ال بـد
1 هـو مؤشـر مهـم فـي
مـن أن يشـمل تطـور البنيـة األساسـية فـي دولـة اإلمـارات. إن الناتـج المحلـي اإلجمالـي
قيــاس النمــو االقتصــادي للــدول ومــدى مســاهمة القطاعــات االقتصاديــة المختلفــة فيــه يعكــس درجــة التنــوع
وتعـدد األنشـطة، ومـن أجـل هـذا، فـإن اإلشـارة ضروريـة إلـى األهميـة النسـبية لـكل قطـاع مـن القطاعـات
االقتصاديــة المختلفــة، والــدور الــذي يلعبــه كل قطــاع مــن خــال مســاهمته فــي الناتــج المحلــي اإلجمالــي،
ونصيــب الفــرد مــن هــذا الناتــج.
ً فـي الحريـة الماليـة واالقتصاديـة وسـهولة تأسـيس
ً وعالميـا
احتلـت اإلمـارات المركـز األول اقليميـا
الشـركات، وسـنحاول فـي الجـزء الالحـق مـن الدراسـة اإلشـارة إلـى الشـركات اإلماراتيـة ودورهـا فـي بنـاء
اقتصـاد دولـة اإلمـارات، وكيـف تطـورت هـذه الشـركات لتصبـح شـركات عالميـة تعدت حـدود الدولـة وأصبحت
تنافــس كبــرى الشــركات العالميــة.