لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (36%)

حينما اتّخذْتُ طريقي إلى المدرسةِ ذلكَ الصّباحَ، قالَ إنّهُ سَيسألُنا في أسماءِ الفاعلِ والمفعولِ، وهوَ ما لَمْ أكُنْ أفقَهُ فيهِ شيئًا 1
وإمضاءِ بقيّةِ النّهارِ خارِجَ الأسوارِ مُتَمرّغًا في أحضانِ
وعلى الأغصانِ هُناكَ في أطرافِ
فهرَعْتُ إلى المدرسةِ موقِنًا بأنّهُ
فإنَّ عليَّ أنْ أُريدَ ما يكونُ 2
ما إن اجتزْتُ دارَ البلديّةِ حتّى لَمَحْتُ جَمْعًا غفيرًا منَ النّاسِ أمامَ لوحةِ
ماذا عساهُ أنْ يكونَ الآنَ حدثَ؟ وَعَدَوْتُ بأقصى سُرعةٍ، وفي أثناءِ ذلكَ صاحَ بيَ
سَتصِلُ إلى مدرستِكَ في مُتَّسَعٍ منَ الوقتِ!
وما إنْ حاذَيْتُ الحديقةَ الصّغيرةَ حتّى كُنْتُ قدِ استنفَدْتُ
كانَت الجَلبةُ ترتفعُ حتّى تطرُقَ أسماعَ المارّةِ أسفلَ
وأَيْدينا على آذانِنا سَعيًا وراءَ فهمٍ أعمقَ، وَمسطرةُ مُعَلِّمِنا الرّهيبةُ تطرقُ المنضدةَ
أمامَهُ، على أنّ الهدوءَ ساعتَها كانَ مُخَيِّمًا على تجاويفِ الزّمانِ والمكانِ. وليسَ ثَمّةَ فوضى!. وَنَظَرْتُ عَبْرَ النّافذةِ، فيما كانَ السّيّدُ
وما اعتراني مِنْ رُعبٍ قاتِلٍ! على أنّ شيئًا لم يَحدُثْ، رآني السّيّدُ )هامل( فقالَ
اذهَبْ إلى دُرجِكَ بسرعةٍ أيُّها الصّغيرُ )فرانز(، 4.» مِنْ دونِكَ
وَقفزْتُ بسرعةٍ إلى مقعدي، فما الخَطْبُ؟ 5
على
أنّ استغرابي بلغَ أَوْجَهُ حينما لَمَحْتُ المقاعِدَ الخَلفيّةَ وقد امتلأَتْ بأهلِ القريةِ
الأطرافِ، وَنفرًا كثيرًا. رُكْبَتَيْهِ، وفي خِضَمِّ تساؤلاتي الحائرةِ تِلْكَ
رأيْتُ السّيدَ )هامل( يَتَّجِهُ إلى مقعدِهِ، بها:
فقد صدرَ الأمْرُ
أنصِتوا إليَّ جَيِّدًا، 6
وَنزلَتْ كلماتُهُ عَليَّ نزولَ الصّاعقةِ! ذلكَ إذًا ما تَسَمَّرَ النّاسُ بِسَببِهِ أمامَ لوحةِ
ذلكَ؟ كَمْ أشعرُ الآنَ بوخزِ الضّميرِ. وَبَدَتْ لي حقيبتي وكُتبي الثّقيلةُ -المُزعجةُ سابِقًا- أحبابًا وَرِفاقًا، أمّا مُعَلِّمُنا السّيّدُ )هامل( فقد أنساني قُرْبُ فِراقِهِ مِسطرتَهُ الرّهيبةَ وَغرابةَ أطوارِهِ. ولاتَ حينَ مَندمٍ!
ساعتَها تمنّيْتُ مِنْ كُلِّ قلبي
كالأبلهِ، وَيدايَ
مُطرِقًا كُنْتُ، خجلً. - لَنْ أوبِّخَكَ أيُّها الصّغيرُ )فرانز(، أرأيْتَ؟
لقد . ذاكَ عيبُ )الألزاس( الأكبرُ
ومعَ ذلكَ
إنّ آباءَكُم
وَأنا نَصيبي مِنَ
اللّومِ والتّقصيرِ لا بأسَ بِهِ كذلكَ؛ أَلَمْ أُرسِلْكُم لِسَقي أزهاري في بعضِ الأحيانِ
بَدلً مِنْ تَدريسِكُم؟ وعندَما كُنْتُ أرغبُ في الذّهابِ لصيدِ الأسماكِ أَلَمْ أَكُنْ
أكتفي بِمَنحِكُمْ إجازةً أنطلِقُ بعدَها بِسنّارتي كالفاتِحِ المُظَفّرِ؟
أكتفي بِمَنحِكُمْ إجازةً أنطلِقُ بعدَها بِسنّارتي كالفاتِحِ المُظَفّرِ؟
منطقيّةً، مُبَيّنًا أنّ الاستعمارَ
إذا ما حَلَّ بِشَعبٍ فإنّ تَمَسُّكَ هذا الشّعبِ بِلُغَتِهِ يعني امتلاكَ مِفتاحِ سجنِهِ. لَمْ
أتذكّرْ أنّي أصغَيْتُ سالِفًا بذاكَ القَدْرِ من الاهتمامِ، ذلكَ الصّبرِ. وتلا القواعِدَ دَرْسٌ في الكتابةِ، كَتبْتُ جُمَلَهُ على أوراقٍ جديدةٍ بخطٍّ جميلٍ. ليتكَ كُنْتَ
لَمْ يَكُنْ هُناكَ ثَمّةَ
فَقُلْتُ في نفسي
8.»؟ سَيُرغمونَ الحَمامَ أيضًا على الهديلِ بالألمانيّةِ
وَكُنْتُ أرفعُ رأسي بَيْنَ الوهلةِ والأُخرى، تَخيّلْ، قُلْتُ في نفسي: طوالَ أربعينَ سنةً
كانَ يَجْلِسُ على الكُرسيِّ ذاتِهِ أمامَ الفصلِ، فيما تتسلّلُ نظراتُهُ عبرَ النّافذةِ بينَ
فينةٍ وأُخرى إلى حديقتِهِ البهيجةِ. ما تغيّرَ مِنْ ذلكَ شيءٌ سوى امتدادِ يَدِ البِلى -
وتسامَتْ، وَأَذرعِ اللّبلابِ الّتي تسلّقَتِ الجدارَ مُلْتَفَّةً حَوْلَ النّوافذِ حتّى جاوزَت السّقفَ. وَيُحَطِّمُ كَيانَهُ، لا يَقرُّ لَهُ قرارٌ، لكنّ السّيّدَ )هامل( كانَ
يتحلّى بشجاعةٍ لا مثيلَ لَها، وَكِتابُهُ مفتوحٌ على
كانَ سماعُ ذلكَ
ذلكَ الدّرس الأخيرَ! ذِكراهُ لا تُبارِحُ خيالي، ودقَّتْ ساعةُ المدينةِ الكبيرةُ فجأةً مُتزامنةً معَ صوتِ أبواقِ الجنودِ العائدينَ
وبدا شاحِبًا باهِتَ
أيْ أصدقائي، على أنّهُ لَمْ يستطِعْ مواصلةَ الحديثِ، ثَمَّةَ غصّةٌ


النص الأصلي

حينما اتّخذْتُ طريقي إلى المدرسةِ ذلكَ الصّباحَ، كُنْتُ مُتأخِّرًا للغايةِ،
وارتعَدْتُ فَرقًا وأنا أَتخيّلُ ما يَنتظِرُني مِنْ توبيخٍ شديدٍ، خاصّةً وأنّ السّيّدَ )هامل(
. قالَ إنّهُ سَيسألُنا في أسماءِ الفاعلِ والمفعولِ، وهوَ ما لَمْ أكُنْ أفقَهُ فيهِ شيئًا 1
فَكَّرْتُ لِوَهْلَةٍ في الهَرَبِ، وإمضاءِ بقيّةِ النّهارِ خارِجَ الأسوارِ مُتَمرّغًا في أحضانِ
الطّبيعةِ بِكُلِّ جَمالِها وَعُنفوانِها.
كانَ الطّقسُ رائِعًا، والسّماءُ مُشرِقةً باسِمَةً... وعلى الأغصانِ هُناكَ في أطرافِ
الغاباتِ شَرعَت الطّيورُ تَعزِفُ سيمفونيّةً عذبةً تُشَنِّفُ الأسماعَ في تَمازُجٍ معَ
الطّبيعةِ لا يوصَفُ، فيما كانَ الجنودُ يؤدّونَ تدريباتِهِم، على أنّني استعَنْتُ بِكَمٍّ
هائلٍ منَ الصّبرِ وَصدِّ الإغراءِ لِمُقاومةِ ذلكَ كُلِّهِ، فهرَعْتُ إلى المدرسةِ موقِنًا بأنّهُ
لا بُدَّ ممّا ليسَ مِنْهُ بُدٌّ، وبأنّهُ إذا لم يَكُنْ ما أُريدُ، فإنَّ عليَّ أنْ أُريدَ ما يكونُ 2
ما إن اجتزْتُ دارَ البلديّةِ حتّى لَمَحْتُ جَمْعًا غفيرًا منَ النّاسِ أمامَ لوحةِ
الإعلاناتِ، تِلْكَ الّتي كانَتْ - وَلِسَنتينِ خَلَتا- مصدرًا لِما يُرشدُنا مِنْ أخبارٍ سيّئةٍ...
المعاركِ الّتي خَسِرناها... التّجنيدِ... أوامرِ قائدِ الوحدةِ العسكريّةِ... وَفكّرْتُ:
ماذا عساهُ أنْ يكونَ الآنَ حدثَ؟ وَعَدَوْتُ بأقصى سُرعةٍ، وفي أثناءِ ذلكَ صاحَ بيَ
الحدّادُ )واشتر( الّذي كانَ يقرأُ لوحةَ الإعلاناتِ، يُرافقُهُ صِبْيَةٌ: 3



  • خَفِّفِ الوطءَ يا بُنيَّ... سَتصِلُ إلى مدرستِكَ في مُتَّسَعٍ منَ الوقتِ!
    وَخِلْتُهُ يهزأُ بي... وما إنْ حاذَيْتُ الحديقةَ الصّغيرةَ حتّى كُنْتُ قدِ استنفَدْتُ
    آخرَ أنفاسي.
    في بدايةِ كُلِّ يومٍ دراسيٍّ، كانَت الجَلبةُ ترتفعُ حتّى تطرُقَ أسماعَ المارّةِ أسفلَ
    الشّارعِ، فَتْحُ وإغاقُ الأدراجِ، والدّروسُ الّتي نُرَدِّدُها بصوتٍ واحدٍ مُرتفعٍ،
    وأَيْدينا على آذانِنا سَعيًا وراءَ فهمٍ أعمقَ، وَمسطرةُ مُعَلِّمِنا الرّهيبةُ تطرقُ المنضدةَ
    أمامَهُ، على أنّ الهدوءَ ساعتَها كانَ مُخَيِّمًا على تجاويفِ الزّمانِ والمكانِ.
    فواعَجبي! ويا لسوءِ حظّي! كُنْتُ أنوي التّسلّلَ إلى مكاني تحتَ ستارِ الفوضى،
    وليسَ ثَمّةَ فوضى!... يومَها كانَ الصّمْتُ أشبهَ بسكونِ المُصَلّينَ.
    وَنَظَرْتُ عَبْرَ النّافذةِ، فإذا رفاقي قد جلسَ كُلٌّ مِنْهُم في مقعدِهِ، فيما كانَ السّيّدُ
    )هامل( يَذْرعُ غُرفةَ الدّرس ذهابًا وَإيابًا، وَمِسطرتُهُ تحتَ إبطِهِ. تعيّنَ عليَّ يومَها
    أنْ أفتحَ البابَ، وأنْ أَمُرَّ أمامَهُمْ جميعًا، وَلكُمْ أنْ تتخيّلوا ما احتواني مِنْ خَجلٍ،
    وما اعتراني مِنْ رُعبٍ قاتِلٍ! على أنّ شيئًا لم يَحدُثْ، رآني السّيّدُ )هامل( فقالَ
    اذهَبْ إلى دُرجِكَ بسرعةٍ أيُّها الصّغيرُ )فرانز(، لقد كُنّا على وَشَكِ البدءِ « : بِرقّةٍ
    4.» مِنْ دونِكَ
    وَقفزْتُ بسرعةٍ إلى مقعدي، وَساعتَها لَمْ أَكُنْ قد لاحَظْتُ أنّ مُعلّمَنا كانَ
    يرتدي بدلتَهُ الخضراءَ الأنيقةَ، وقميصَهُ المُهدّبَ، وَقُبّعتَهُ الحريريّةَ السّوداءَ، لَمْ
    يَكُنْ يرتدي ذلكَ إلّ في المُناسباتِ، فما الخَطْبُ؟ 5
    وزادَ في دهشتي وَعَجبي ما كانَ يسودُ المدرسةَ مِنْ صمتٍ وهدوءٍ... على
    أنّ استغرابي بلغَ أَوْجَهُ حينما لَمَحْتُ المقاعِدَ الخَلفيّةَ وقد امتلأَتْ بأهلِ القريةِ
    تغشاهُمْ -كما تَغشانا- سَكينةٌ وَوقارٌ. لَمَحْتُ العجوزَ )هاوزر( بِقُبّعتِهِ ثُلاثيّةِ
    الأطرافِ، ورأيْتُ كذلكَ عُمْدةَ المدينةِ وَمُديرَ البريدِ السّابِقَيْنِ، وَنفرًا كثيرًا.
    ولاحَظْتُ بأنّ العجوزَ )هاوزر( كانَ قد وضعَ كِتابَ مبادئِ التّعليمِ على
    رُكْبَتَيْهِ، فيما جعلَ نَظّارتَهُ الهائلةَ بينَ صفحاتِهِ، وفي خِضَمِّ تساؤلاتي الحائرةِ تِلْكَ
    رأيْتُ السّيدَ )هامل( يَتَّجِهُ إلى مقعدِهِ، ويقولُ بذاتِ النّبرةِ الرّقيقةِ الّتي خاطبَني
    بها:

  • سيكونُ هذا الدّرس يا أولادي هوَ آخِرُ ما سأُلَقِّنُكُمْ إيّاهُ، فقد صدرَ الأمْرُ
    مِنْ )برلين( بتدريسِ الألمانيّةِ فقطْ في مدارسِ )الإلزاس واللّورين(، وسيصلُ
    مُدَرِّسُكُمُ الجديدُ غَدًا... أنصِتوا إليَّ جَيِّدًا، فهذا هوَ آخِرُ دَرسٍ لَكُمْ بالفرنسيّةِ. 6
    وَنزلَتْ كلماتُهُ عَليَّ نزولَ الصّاعقةِ! ذلكَ إذًا ما تَسَمَّرَ النّاسُ بِسَببِهِ أمامَ لوحةِ
    وأنا بالكادِ أكتبُ! لَنْ أتعلّمَ أكثرَ مِنْ !» آخِرُ درسٍ لي بالفرنسيّةِ « الإعلاناتِ
    ذلكَ؟ كَمْ أشعرُ الآنَ بوخزِ الضّميرِ... بالنَّدَمِ على ما أضَعْتُهُ في سالفِ أيّامي مِنْ
    وقتٍ في الجَري بحثًا عن أعشاشِ الطّيورِ، مُهدِرًا تلكَ الفُرصةَ الّتي سنحَتْ لي
    لِتَعَلُّمِ الفرنسيّةِ، وَبَدَتْ لي حقيبتي وكُتبي الثّقيلةُ -المُزعجةُ سابِقًا- أحبابًا وَرِفاقًا،
    أمّا مُعَلِّمُنا السّيّدُ )هامل( فقد أنساني قُرْبُ فِراقِهِ مِسطرتَهُ الرّهيبةَ وَغرابةَ أطوارِهِ.
    يا لَلمسكينِ! فذلكَ إذًا ما دعاهُ إلى ارتداءِ أجملِ ملابسِهِ، وأدرَكْتُ الآنَ سببَ
    حضورِ أهلِ القريةِ؛ لقد كانوا مِثلي يَعضّونَ أصابعَ النَّدمِ؛ لأنّهُمْ أضاعوا الكثيرَ
    سابِقًا. لقد جاؤوا تعبيرًا عنِ امتنانِهِمْ لذلِكَ الّذي خدمَهُم أربعينَ سنةً بإخلاصٍ
    لا مثيلَ لَهُ، وعن احترامِهِم وَمحبّتِهِم لهذا الوطنِ الّذي ما عادَ وَطنًا، ولهذِهِ البلادِ
    الّتي أضحَتْ لِغَيرِهِم. جالَتْ تِلكَ الفكرةُ عاصفةً في خيالي، وَكُلّما تَكَشّفَتْ عن
    حقيقةٍ ازدَدْتُ ألَمًا، ولاتَ حينَ مَندمٍ!
    وفي أثناءِ ذلكَ أُمِرْتُ بالقراءةِ! جاءَ دَوْري إذًا، ساعتَها تمنّيْتُ مِنْ كُلِّ قلبي
    أنْ أقرأَ المطلوبَ بِكُلِّ طلاقةٍ واقتدارٍ، ولكنْ ليسَ دائمًا ننالُ ما نَتمنّاهُ، وَقفْتُ
    كالأبلهِ، ثُمَّ تَعثّرْتُ عندَ أوّلِ كلمةٍ، ودقّاتُ قلبي كَطبولٍ هنديّةٍ مَسعورةٍ، وَيدايَ
    مُمْسِكتانِ بِطَرفِ المنضدةِ كَوَتديْنِ، مُطرِقًا كُنْتُ، ولا أجرؤُ على رفعِ رأسي
    خجلً.
    وَتسلّلْتُ إلى كلماتِ السّيدِ )هامل( في رقّةٍ وهدوءٍ:

  • لَنْ أوبِّخَكَ أيُّها الصّغيرُ )فرانز(، فَبِكَ ما يكفيكَ عنِ اللّومِ والتّأنيبِ، أرأيْتَ؟
    إنّنا نقولُ لِنفُسِنا كُلَّ يومٍ: لِمَ العَجلَةُ؟ هُناكَ مُتَّسَعٌ منَ الوقتِ، سأتعلّمُ غَدًا، وها قد
    لقد .» تأجيلُ تَعَلُّمِ اليومِ إلى الغدِ « ، وقعَ المحظورُ، ذاكَ عيبُ )الألزاس( الأكبرُ
    مَكَّنْتُمْ أولئكَ الدُّخلاءَ - بذلكَ- أنْ يقولوا لَكُم: تدَّعونَ بأنّكُمْ فرنسيّونَ، ومعَ ذلكَ
    فإنّكُم لا تستطيعونَ القراءةَ أو الكتابةَ بِلُغتِكُمُ الأُمِّ؟! لكنّكَ عزيزي )فرانز(
    لَسْتَ الأسوأَ، فنحنُ جميعًا مُقَصِّرونَ، وعلينا أنْ نلومَ أنفُسَنا أشدَّ اللّومِ. إنّ آباءَكُم
    يتحمّلونَ قدْرًا لا بأسَ بِهِ من المسؤوليّةِ، فقد كانوا يُفَضّلونَ أنْ تَنضمّوا إليهِم في
    الحقولِ على تَلَقّي العِلْمِ؛ رَغبةً في الحصولِ على حفنةٍ من المالِ. وَأنا نَصيبي مِنَ
    اللّومِ والتّقصيرِ لا بأسَ بِهِ كذلكَ؛ أَلَمْ أُرسِلْكُم لِسَقي أزهاري في بعضِ الأحيانِ
    بَدلً مِنْ تَدريسِكُم؟ وعندَما كُنْتُ أرغبُ في الذّهابِ لصيدِ الأسماكِ أَلَمْ أَكُنْ
    أكتفي بِمَنحِكُمْ إجازةً أنطلِقُ بعدَها بِسنّارتي كالفاتِحِ المُظَفّرِ؟
    أكتفي بِمَنحِكُمْ إجازةً أنطلِقُ بعدَها بِسنّارتي كالفاتِحِ المُظَفّرِ؟
    وَتحدّثَ السَّيِّدُ )هامل( في أمورٍ كثيرةٍ، ثُمّ شرعَ يمتدحُ اللُّغَةَ الفرنسيّةَ،
    وَيُبرِزُ محاسنَها، مؤكِّدًا أنّها تحملُ أجملَ وأوضحَ لُغاتِ العالَمِ، وأنّها الأكثرُ
    منطقيّةً، ولمْ يَنسَ أنْ يَحُثَّنا على التّمسُّكِ بها، والحفاظِ عليها، مُبَيّنًا أنّ الاستعمارَ
    إذا ما حَلَّ بِشَعبٍ فإنّ تَمَسُّكَ هذا الشّعبِ بِلُغَتِهِ يعني امتلاكَ مِفتاحِ سجنِهِ.
    وَفتحَ المُعلّمُ )هامل( بعدَ ذلكَ كتابَ القواعدِ، فتلا الدّرس المُقَرّرَ، وَدُهِشْتُ
    للسُّرعةِ الّتي استوعَبْتُ بها شَرحَهُ، وَبَدا كُلُّ ما قالَهُ لسمعي سَهلً مُيَسَّرًا. لَمْ
    أتذكّرْ أنّي أصغَيْتُ سالِفًا بذاكَ القَدْرِ من الاهتمامِ، ولا شَرَحَ هو لَنا الدّرس بِمثلِ
    ذلكَ الصّبرِ... بدا الأمرُ كما لوْ أنّ المسكينَ أرادَ أنْ يسكُبَ في ذواتِنا كُلَّ ما
    يعرفُهُ دُفعةً واحدةً.
    وتلا القواعِدَ دَرْسٌ في الكتابةِ، كَتبْتُ جُمَلَهُ على أوراقٍ جديدةٍ بخطٍّ جميلٍ...
    وَبَدَتْ كما لو كانَتْ أعلامًا صغيرةً تُرفرِفُ فوقَ أعمدةِ أدراجِنا... ليتكَ كُنْتَ
    معنا كي تَشْهَدَ ذاكَ الصَّمْتَ الّذي سادَ يومَها، والعملَ الدّؤوبَ. لَمْ يَكُنْ هُناكَ ثَمّةَ
    صَوْتٌ يُسمَعُ سوى نَقْشِ الأقلامِ على الطُّروسِ، وَوَلَجَتِ الفصلَ بعضُ الخنافسِ
    عبرَ النّافذةِ إلّ أنّ أحدًا لَمْ يُعِرْها اهتمامًا، حتّى الصّغارُ... كانوا عنها في شُغلٍ
    تُرى، هل « : شاغلٍ. وفي الأعالي تَرَدَّدَ هديلُ الحَمامِ خافِتًا عَذْبًا، فَقُلْتُ في نفسي
    8.»؟ سَيُرغمونَ الحَمامَ أيضًا على الهديلِ بالألمانيّةِ
    وَكُنْتُ أرفعُ رأسي بَيْنَ الوهلةِ والأُخرى، فأرى السَّيِّدَ )هامل( جالِسًا على
    كُرسيّهِ دونَ حراكٍ، مُنَقِّلً نَظَرَهُ في أرجاءِ الفَصْلِ وأركانِهِ، فكأنّما هوَ يُحاوِلُ
    تثبيتَ كُلِّ لقطةٍ في ذاكرتِهِ إلى الأبدِ. تَخيّلْ، قُلْتُ في نفسي: طوالَ أربعينَ سنةً
    كانَ يَجْلِسُ على الكُرسيِّ ذاتِهِ أمامَ الفصلِ، فيما تتسلّلُ نظراتُهُ عبرَ النّافذةِ بينَ
    فينةٍ وأُخرى إلى حديقتِهِ البهيجةِ. ما تغيّرَ مِنْ ذلكَ شيءٌ سوى امتدادِ يَدِ البِلى -
    نوعًا ما- إلى المَقاعدِ والمَناضدِ، وأشجارِ الجوزِ الّتي سَمقَتْ فروعُها، وتسامَتْ،
    وَأَذرعِ اللّبلابِ الّتي تسلّقَتِ الجدارَ مُلْتَفَّةً حَوْلَ النّوافذِ حتّى جاوزَت السّقفَ. يا
    لَلمسكينِ! كَمْ سَيَكْسِرُ ذلكَ قلبَهُ، وَيُحَطِّمُ كَيانَهُ، عندَما يُغادرُنا إلى غيرِ رجعةٍ
    بعدَ أن اعتادَ على ذلكَ كُلِّهِ؟ موجِعٌ هذا الدَّهْرُ أحيانًا، مُتَقَلِّبٌ، لا يَقرُّ لَهُ قرارٌ،
    ولا يدومُ على حالٍ.
    وَشَرعْتُ أقرأُ ملامِحَ الأسى في تقاطيعِ وَجْهِهِ، وهو يستمعُ إلى وَقْعِ خطواتِ
    أُختِهِ في الغُرفةِ العُلويّةِ، وهيَ تروحُ وَتجيءُ في خِضَمِّ إعدادِها لحقائبِ السَّفَرِ،
    إذْ كانَ يتحتّمُ عليهِما مُغادرةُ البلادِ في اليومِ التّالي. لكنّ السّيّدَ )هامل( كانَ
    يتحلّى بشجاعةٍ لا مثيلَ لَها، مَكَّنَتْهُ منَ الاستماعِ إلى كُلِّ دَرْسٍ حتّى نهايتِهِ.
    بعدَ درسِ الكتابةِ جاءَتْ حِصّةُ التّاريخِ، ثُمّ شرعَ الصِّغارُ في ترديدِ الحروفِ
    الهجائيّةِ، فيما كانَ العجوزُ )هاوزر( ينطِقُ الحروفَ معَهُم، وَكِتابُهُ مفتوحٌ على
    رُكبتَيْهِ، وقد أمسكَ بِهِ بكلتا يدَيْهِ في شوقٍ ولهفةِ مُوَدِّعٍ. كانَ هوَ أيضًا يبكي،
    بدا ذلكَ واضِحًا في تَهَدُّجِ نبراتِ صوتِهِ الّتي أرعشَها الانفعالُ. كانَ سماعُ ذلكَ
    مُضحِكًا، إلى حدٍّ داهمَتْنا معَهُ الرّغبةُ في الضّحكِ والبُكاءِ معًا 9. أوّاهُ، كَمْ أتذكّرُ
    ذلكَ الدّرس الأخيرَ! ذِكراهُ لا تُبارِحُ خيالي، ولا أخالُها تفعلُ ما حَييْتُ.
    ودقَّتْ ساعةُ المدينةِ الكبيرةُ فجأةً مُتزامنةً معَ صوتِ أبواقِ الجنودِ العائدينَ
    لِتَوِّهِمْ من ساحةِ التّدريبِ، ونهضَ السّيّدُ )هامل( مِنْ مقعدِهِ، وبدا شاحِبًا باهِتَ
    الملامحِ، وَخُيّلَ إليَّ أنّي لَمْ أَرَهُ بهذا الطّولِ مِنْ قَبْلُ.
    أيْ أصدقائي، قالَ: أنا...أنا... على أنّهُ لَمْ يستطِعْ مواصلةَ الحديثِ، ثَمَّةَ غصّةٌ
    في حلقِهِ مَنَعَتْهُ مِنْ ذلكَ.
    أَوى إلى رُكْنٍ قَصيٍّ منَ الفصلِ، وأسندَ إلى الجدارِ رأسَهُ، ودونَ أنْ ينبسَ بِبِنْتِ
    . شَفةٍ، أشارَ إلينا بيدِهِ أنْ بِإمكانِكُمُ الانصرافُ 10


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

في هذه الندوة ا...

في هذه الندوة التثقيفية المهمة بعنوان "رؤية محاسبية لتقييم المشروعات الاستثمارية الصغيرة ومتناهية ال...

فكان تعريف الأد...

فكان تعريف الأدوار الانثوية والذكورية ،في هذه القصه يعرف بدور المعلمة بأنها هي اساس التعليم و و ان...

A real-world ex...

A real-world example of a strategic risk management decision is Coca-Cola's response to the risk of ...

ويعتبر سير هنري...

ويعتبر سير هنري مين اقوى من حبذ نظرية سلطة الاب ، وتتلخص في أن العائلة تكون المجتمع الاسامي وهي ترتب...

When an object ...

When an object is cool and warm air touches the cool object, the air cools and droplets of water for...

1- Wear the per...

1- Wear the personal protective equipment (PPE) for protection against infectious materials and mic...

زايد، نحتاج إلى...

زايد، نحتاج إلى المال، ويلزمنا خصوصاً معدات للقيام بأعمال الحفر. أخشى ألا نتمكن من تنفيذ مشروعك على ...

Passage 4: Soci...

Passage 4: Social Media Post about a Music Festival all (A "Prepare to immerse yourself in the sonic...

When patients d...

When patients decide to leave hospital before their treating physician advises them to do so, this i...

‎تحديد دخول الب...

‎تحديد دخول البضائع الأجنبية إلى البلاد، أو حتى التحكم في سياستها الجركية لحماية الصناعات المحلية من...

طبيعة القلق: ير...

طبيعة القلق: يركز كثير من علماء النفس على أن القلق شعور عام بالخيبة أو بخطر وشيك الوقوع ومصدره في مع...

العوامل المؤثره...

العوامل المؤثره على عمليه اتخاذ القرارات والمشاكل التي تعيقها: هناك عده عوامل تؤثر في عمليه اتخاذ ا...