لخّصلي

دمج العمانيون كل التنوعات في الدين الإسلامي في روح شعبية واحدة أو كما يؤكد العُمانيون «كلنا مواطنون عُمانيون ومسلمون». وفي الوسط الديني بالسلطنة يصلي الإباضية جنباً إلى جنب مع المسلمين من المذاهب الأخرى، مركزين على ما يوحدهم عوضاً عما يمكن أن يفرقهم. يتشارك ممثلون من مختلف المذاهب مواقع السلطة في كل البلاد ومنهم وزراء ومستشارون وأعضاء بمجلس عُمان الذي يضم مجلسين تشريعيين.

المذهب الإباضي في رحاب الثقافة

تمتد الوسطية والشمولية العُمانية فيما وراء حدود الإسلام لتضم بين رحابها أناساً من ديانات وثقافات مختلفة، وهذا ما اكتشفه الرحالة عبر العصور. وقد سافر البحارة العُمانيون على مدى أجيال بعيداً عن موطنهم متواصلين مع حضارات متنوعة، كما أدخل البحارة والتجار في رحلاتهم الإسلام إلى شعوب شرق إفريقيا وإندونيسيا والشرق الأقصى، وفي نفس الوقت جلبوا ثقافات هذه البلدان إلى عُمان

كان لتجربة التواصل المستمر مع مختلف المجتمعات تأثير عميق على العُمانيين غارسة فيهم الاحترام لديانات وثقافات مختلفة عن ديانتهم وثقافتهم. وأكدت مقالة نُشرت بمجلة الناشيونال جيوجرافيك في ١٩١١م على أن الترحاب الشائع هذا هو سمة متميزة في الثقافة العمانية وذلك ضمن ملاحظات زائر أمريكي لعمان قبل قرن من الزمان، حيث أوضح أن عرب عُمان خالين من التطرف بشكل ملفت للنظر ، بسطاء في عاداتهم ورائعين في ضيافتهم. أغلبهم يتبع المذهب الإباضي الذي يشترك مع المسيحية في قواسم عدة، وكانت تجربة بعثاتنا أن الناس يمكن التواصل معهم بسهولة بل

ومستعدون للتعلم، والعديد منهم حريصون للحصول على الرعايــة الصـحـيـة بـل والتدريس أيضا. بعد عقود من نشر مقالة الناشيونال جيوجرافيك كتب راي أف. سكينر في مقدمته لكتاب مسيحيون في عُمان، ممعنا النظر في مهمته التي استمرت سنتين في الكنيسة البروتستانتية بعمان (۱۹۸۷ - ۱۹۸۹م) : «كان التحدث والسفر بحرية صعباً حتى وقت قريب ويظل كذلك في العديد من مناطق شبه الجزيرة العربية. إلا أنه جرت العادة أن يكون الزائر المهذب محل ترحيب في سلطنة عُمان. كما أن مجتمع الوافدين مسموح له بناء الكنائس وليس هناك قيود على رجال الدين إلا فقط في مجال التبشير ».

لقد خلق تاريخ عُمان العريق المرتكز على التعددية الدينية والتفاهم المشترك، ضمن السياق الإسلامي وخارجه، من البلاد مكاناً مثالياً للخطاب الإسلامي المشترك والحوار بين الديانات الابراهيمية الأخرى (٥٥). وفي السنوات الأخيرة قام زوار أجانب بالاشتراك في ندوات متنقلة» بعمان حيث يحضر المشاركون محاضراتها ويلتقون بعلماء الدين ويشتركون في حوارات بين الأديان مع الطلبة في كلية العلوم الشرعية، كما يلتقون بأعضاء البعثة الأمريكية البروتستانتية بعمان، مستكشفين تبعيتها للكنيسة ضمن السياق بعمان، مع زيارات للمعابد الهندية. كما يحضرون برامج صيفية لتعزيز التواصل والتفاهم بين الأديان .

يلاحظ العديد من المراقبين الجانب المعتدل «الهادئ» للمذهب الإباضي معلقين على سكينة البلاد الفطرية بأنها «معززة بشكل يدعو للتمعن لتعاليم الإسلام الإباضية . ويبدو هذا الشعور بالسكينة واضحاً حين يشترك المرء في حوار بأي مكان بعمان. ويعلّق زوار السلطنة السابقون والحاليون على آداب المجاملة والضيافة السائدة التي تبدو أوصالها تتخلل الجميع في المجتمع العماني. سواء في الحياة العامة أو الشخصية، يبدو أن نمطاً معيناً من التواصل الاجتماعي المهذب يؤكد نمطاً من السلوك الاجتماعي المتعمق في الشخصية العمانية أطلق عليه فرديرك بارث مصطلح «فكر التهذيب» .

قام زوار البلاد بتدوين هذه السمة الملاحظة في الشخصية العمانية منذ القدم ففي عام ١٦٦٣ م قام جون أو فينجتون قسيس الملك جيمس الثاني ملك انجلترا بوصف أهالي مسقط بتعابير بليغة: هؤلاء العرب مهذبون في وقارهم ومتحضرون في تعاملهم مع الغرباء، وليس بهم عنف ولا مواجهة بأي طريقة كانت، ورغم أنهم حريصون على مبادئهم ومعجبون بدينهم إلا أنهم لا يفرضونه على الآخرين كما لا يفرضون أخلاقهم على الآخرين. هؤلاء شعب معتدل و عادل، مفعم بتلك الخواص الممتازة التي سعى فلاسفة الإغريق وأدباء الروم إلى غرسها في مواطنيهم لكنهم أخطأوا التصويب.

وبعد أكثر من ثلاثمائة عام، كتب ألستون ولانج وابديا اتفاقهما مع أو فينجتون: أولئك الذين كان لهم شرف معرفة سكان مسقط المعاصرين سيقولون أن هذه المقولة لا تزال سارية.

في القرن التاسع عشر ، منح جيمس رايموند ولستد، وهو ملازم في البحرية الهندية التابعة لجلالة ملكة بريطانيا، الإذن من قبل السلطان لزيارة عمان.