لخّصلي

.2 مفهوم القرصنة العثمانية بين معنى اللصوصية و معنى الجهاد
تتفق أغلب الدراسات التاريخية حول الدور المحوري الذي لعبه األخوان عروج وخير الدين بربروس في مسألة
دخول الجزائر تحت ظل الحكم العثماني منذ بداية القرن 16م، غير أنه ورغم أهمية الدور المركزي الذي قام به األخوان
بربروس إال أن هناك شخصيات أخرى لعبت أيضا دورا أساسيا في عملية الدخول العثماني، وخاضوا معارك ضارية،
مهدت الطريق إلى خير الدين بربروس أن يسيطر على الجزائر، ويحولها إلى إيالة عثمانية. ولعل من أهم هذه الشخصيات
نجد محي الدين بيري رئيس صاحب كتاب بحرية، والذي رسم فيه خرائط دقيقة جدا لمنطقة شمال إفريقيا وحوض البحر
األبيض المتوسط،21 وقدم معلومات في غاية األهمية عن المنطقة من حيث مدنها وقالعها وأهميتها. وقد ساعدت هذه
المعلومات العثمانيين في التوغل إلى الجزائر وفي منطقة شمال إفريقيا.22 كما نجد شخصية كمال رئيس الذي يعد القبطان
العثماني األول الذي خاض معارك ضارية ضد اإلسبان إلنقاذ المسلمين األندلسيين الهاربين من القمع والظلم اإلسباني في
نهاية القرن 15م، وكذلك نجد دلي محمد المرافق لخير الدين بربروس، والذي تميز بشجاعة كبيرة، شهد له بها خير الدين
بربروس نفسه في مذكراته. وقد أشرنا إلى هذه النقطة حتى نفهم أن خير الدين بربروس وأخاه عروج قد كانا يعمالن في
ظل فريق وأهداف معينة، وآمنوا منذ انطالقهم بمشروع الجهاد البحري، وقدموا خدمات كبيرة إلنقاذ مسلمي األندلس و
.
مسلمي شمال إفريقيا من سياسة التنصير التي مارسها االحتالل الصليبي اإلسباني23
من جهة أخرى، وعلى غير ما ذهبت إليه أغلب الدراسات التاريخية من أن بربروس ومجموعته كانوا مجرد قراصنة
وقطاع طرق يغورون على السفن األوروبية ويسلبونها وينهبونها، وأن العثمانيين قد دخلوا الجزائر محتلين غاصبين، مثلهم
كمثل اإلسبان والفرنسيين، إال أن هذه الصورة كانت مجرد انطباعات وأحكاما تحركها خلفيات إيديولوجية وانحيازية غير
موضوعية، ال تستند إلى أي دليل تاريخي أو مصدر علمي يؤكد ذلك. بينما نجد خير الدين بربروس نفسه يفند مثل هذه
الصورة غير الموضوعية وغير المنصفة، حيث يورد في مذكراته رد أخيه عروج على سلطان تلمسان الذي تحالف مع
اإلسبان ضد العثمانيين قائال له: ” أيها الملعون، يامن جعلت نفسك عبدا لسيدك ملك إسبانيا. ألم تعلم أن ملكك هذا قد أعمل
السيف في رقاب مئات اآلالف من مسلمي األندلس؟! نحن لسنا قراصنة بل مجاهدون نقاتل في سبيل الله ولله الحمد“.24
إن مثل هذا الجواب وهذا النص دليل يلخص بكل موضوعية وعلمية الخلفية التي كانت تحرك عروج وخير الدين بربروس
والعثمانيين بشكل عام من قدومهم إلى شمال إفريقيا، والدوافع التي جعلتهم يخوضون كل هذه المعارك والمواجهات ضد
االحتالل اإلسباني قائد المشروع الصليبي األوروبي، كما أن هذا النص ينفي االتهامات التي تصور العثمانيين على أنهم
محتلون غاصبون، قدموا إلى المنطقة لقتل األهالي فيها، وهو ما فنده خير الدين الذي يذكر في عدة مواطن من مذكراته أنه
كان يوزع الغنائم على الفقراء، وقاموا بإنقاذ آالف المسلمين األندلسيين الهاربين من البطش اإلسباني، ووطنوهم في عدة
مناطق من شمال إفريقيا. يقول خير الدين في مذكراته التي تعد أهم مصدر عثماني يمكن من خالله أن نفهم خلفيات الصراع
العثماني اإلسباني في الجزائر وفي منطقة شمال إفريقيا، يقول: ”....كان مقصدنا الذهاب إلى مضيق سبتة الذي يقع في
.
نهاية البحر المتوسط، على أن نمر من هناك إلى األندلس إلنقاذ من نقدر عليه من إخواننا في الدين...“25
إن ما ورد في مذكرات خير الدين بربروس يعكس المفهوم العثماني الحقيقي للقرصنة، وأنها ليست بمعنى اللصوصية
أو قطع الطرق، مثلما روجت له بعض الدراسات التاريخية بقصد أو بغير قصد،