لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (51%)

التطور في الأدب الحديث عن نظرية الأنواع الأدبية يفضي إلى الحديث عن التطور الأدبي ، وإذا كانت نظرية الأنواع الأدبية تهتم بالبحث عن أسباب تنوع التعبير الأدبي وأسس تصنيف هذه الأنواع ، فإن البحث في تطور الأدب يحاول أن يجيب عن السؤالين التاليين : هل يتطور الأدب؟ وكيف يتطور؟ أي هل يتطور الأدب كغيره من ظواهر العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية أم أن له مساراً متميزاً؟ والبحث في تطور الأدب وغيره من الظواهر الطبيعية والإنسانية بدأ في القرن التاسع عشر ، بل إن مفهوم «التطور بشكل عام يعد من أهم المفاهيم التي ظهرت في القرن الماضي ، فقد حظي باهتمام العلماء والمفكرين والفلاسفة والنقاد ، وطبق في كل علم ودراسة حول المجتمع أو الكون أو الثقافة أو الطبيعة أو الفن . وقد أحدث إدخال مفهوم التطور على هذه العلوم ثورة عارمة ، فقد تغيرت المناهج والفروض وطرائق التفكير ، ومفهوم التطور يختلف عن مفاهيم التقدم أو التحول ، فالتقدم يعني التغير نحو الأفضل أما التطور فإنه يعني التغير ، لهذا فالتقدم فيه حكم قيمي على التحسن ، ويتغير مفهوم التطور بتغير المناهج الفلسفية ، فهناك من يرى أن التطور يحمل معنى النمو كما يحمل معنى التحدر ، وهناك من يرى أن التطور أساسه الصراع والتناقض والحركة الدائبة وإدخال مفهوم التطور إلى الدراسات الأدبية أحدث خلافات واسعة بين النقاد والمفكرين ، تعود أساساً إلى التباينات الشديدة حول مفهوم التطور من جهة وحول التطور الأدبي من جهة ثانية وإذا أخذنا التطور بمعنى التغير ، فإننا يمكن أن نلمس مظاهر التطور في الأدب، وفي فن المسرحية مثلاً نجد أن هناك تغيراً أصاب صورة البطل
أم بفعل المبدعين الكبار ، أم بفعل قوانين ذاتية داخلية خاصة به؟ وأخيراً هل يتطور كما تتطور بقية الظواهر الثقافية أو كما يتطور العلم ، خاصة وأن مبدأ التطور في الأدب قد استلهم من مبدأ التطور في العلوم الطبيعية ؟ يتضح مما تقدم التباين في وجهات النظر الذي يتصل بطرفي العلاقة التطور والأدب. ولعل استلهام مبدأ التطور في الأدب من مبدأ التطور في العلوم الطبيعية هو ما جعل أولى المحاولات التي تبحث في التطور الأدبي ، تتعامل مع العمل الأدبي ككائن وتطبق على الأدب القوانين التي أكد صحتها علم الطبيعة والحياة ككائن حي . وفي هذا المجال يعد بحث هربرت سبنسر» «التقدم : قانونه وسببه» عام 1857 أول محاولة للتوفيق بين تاريخ الفن ونظرية للتطور، وأعقبت محاولة سبنسر محاولات أخرى في تطور الفن مثل محاولة هيبوليت تين في فرنسا و «جروس» في ألمانيا وهادون» في إنجلترا . إلخ واحتفظ لفظ التطور بدلالاته الأصلية على تزايد التعقيد أو النمو أو الارتقاء ، وفهمت العملية كما هو الحال في علم الحياة على أنها عملية مستمرة عن طريق التحدر السلالي أو الانتقال من جيل إلى جيل . وقد أضاف «سبنسر» رأيين لم يلقيا قبولاً عاماً ؛ الأول أن التطور يتوافق مع التقدم والثاني أن التطور «قانون عام من قوانين
الطبيعة ) . إيمان الفنان بذكاء جنسه وبلده ، لأن للألوان «زمناً واحداً قط» والفنان الذي يولد قبل الأوان أو بعد الأوان لا يستطيع أن يبلغ الذروة ، وهذه النظرية مثل نظرية «تين» - وقد كان برونتيير أحد أتباعه – تعالج دورات مزعومة لحياة أنماط معينة أكثر مما تعالج تطور الأدب في مجموعه ، وأساء برونتيير إلى دراسة الأنماط حين بالغ في استمرار تحدرها وتحولها إلى أنماط أخرى (2) ولكن هل يصح تطبيق قوانين التطور العلمي على التطور الأدبي؟ إن مادة العلم تختلف عن مادة الأدب ، أما مادة الأدب فهي لينة رخوة زئبقية إن صحت التسمية ، ويمكن القول بأن التطور العلمي يعتمد على حقيقتين : الأولى : أن الحقيقة العلمية الجديدة تعتمد على الحقائق القديمة ، أي أن التراكم الكمي يؤدي إلى
تغير نوعي أو كيفي. والحقيقة الثانية تتمثل في أن الحقيقة العلمية الجديدة تنسخ الحقائق القديمة ، وهاتان الحقيقتان اللتان تتحكمان في تطور العلم لا نجدهما في تطور الأدب . ذلك أن العمل الأدبي الجيد والجديد أي) الذي يضيف جديداً إلى مسار الأدب قد لا يأتي نتيجة اعتماده على الأعمال الأدبية القديمة. فالشاعر عند أفلاطون يحاكي المظاهر بشكل مراوي عن طريق الإلهام! أما أرسطو فقد أغفل أثر العلاقات الاجتماعية في الأدب، أي أن أرسطو وضع قواعد وقوانين لا بد للشاعر من اتباعها حتى ينتج أو يصنع شعراً مقبولاً ، ومفاجأة مذهلة ، وأنه لا يتأثر فى الأساسيات ، ولكن الأمل يقتضي أن تمنحها الطبيعة مباشرة إلى كل فرد ، وأن تنقضي بانقضائه ، في انتظار أن تجود بها الطبيعة مرة أخرى على فرد آخر
بنفس الطريقة » (1) . ويكرر ألدوس هكسلي في القرن العشرين كلام كانت حين يقول إن كل فنان يبدأ من البداية في حين أن رجل العلم من ناحية أخرى يبدأ حيث انتهى سلفه» (2) . ولاشك أن هذه الآراء تقف ضد التطور في الأدب حين تنفي التأثر والتأثير بين أديب وآخر ، كما أن كلام كانت يوحي بأن هناك قوى غامضة تمنح الموهبة الفنية وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى إلهام أفلاطون . وتلك الحساسية العجيبة لكل ما هو نبيل ورقيق وجميل ، فهو غير مقيد بأي تقليد وأي تعليم، بل إنه ينزل بمثابة وحي أو إلهام على نفوس منتقاة ، يهبط إليها عذاباً رطباً من الينبوع الخارجي للضوء ولا يمكن أن يكون بلوغه أيسر منالاً لأهل اليوم مما كان عليه لأولئك الذين عاشوا في أقدم العصور» (3) . إن هذه الآراء تسلم بأن العلم يتطور ويتقدم لكنه يختلف اخـتـلافـاً جوهرياً عن الفن ، وطبقاً لهذه الآراء فإن الفن والأدب يسير في مسارات خاصة به ، إن مفهوم التطور والإيمان به له نتائج مهمة على صعيد الإبداع الأدبي من جهة والنقد الأدبي من جهة ثانية ، فإذا كان الأدب ظاهرة متطورة فهو يؤثر من ويتأثر بالماضي والقوى الاجتماعية والأفكار السائدة والأعمال الأدبية المعاصرة والقديمة كذلك ، وهي أكثر المظاهر تفرداً وتمايزاً ، لا بد لها أن تتناغم أو تنسجم مع العصر الذي توجد فيه ؛ بل لعل سر العبقرية هو في درجة تناغم (الذاتي) واستجابته لذلك الشرط التاريخي ، وإضافة إلى هؤلاء الذين يعارضون فكرة التطور ، استناداً إلى الفصل بين العلم والأدب ، فإن هناك مفكرين غيرهم يرفضون فكرة التطور استناداً إلى حجج أخرى لا تبتعد كثيراً عن حجج السابقين ، س . إليوت يرفض حقيقة التطور الأدبي وينبذه نبذاً تاماً من وجهة نظر فلسفته الفوطبيعية، ولا يبتعد كروتشيه عنهما حين يقرر «بأن كل عمل فني إنما هو عمل فريد (2) . فالعمل الفني نتيجة فريدة لمزاج فريد ، وينبع جمال هذا العمل من حقيقة أن مبدعه يصدر بنفسه عن نفسه (3) ولكن هل كل عمل أدبي عمل فريد؟ إن هذا القول أيضاً فيه جانب من الصحة ، فكل قصيدة وكل أديب بل كل إنسان فريد من بعض الجوانب . لكنه ـه في الوقت ذاته ليس فريداً تماماً . لأن كل إنسان وكل أديب وكل عمل أدبي وفني يشترك مع غيره بخصائص كثيرة ، سواء من حيث الموضوع أو المضمون أو الشكل أو مر حيث النوع . إن قصائد امرئ القيس بينها بسمات تجعلنا نطلق عليها جميعاً لفظة الشعر» . لكنها تشترك فيما فيما بينها قد أوجد علماً حديثا يختص بالبحث عن مواطن التأثير والتأثر هو الأدب المقارن . والمفروض أن يعنى الناقد المنهجي بإبراز الملامح المشتركة العامة والملامح الخاصة المميزة ، وفردية العمل الأدبي مرة أخرى ؛ فإن نظرية الانعكاس تقف مرة أخرى موقفاً مغايراً لكل هؤلاء في هذه القضية المهمة . بمعنى آخر أن التطور نتاج لحركة الصراع والتناقضات ، ولكن للأدب خصائص نوعية متباينة عن خصائص أشكال المعرفة والثقافة الأخرى . فهل للأدب قوانين تطور خاصة به تبعاً لذلك؟ يجيب أعلام هذه النظرية بأن للأدب قوانين خاصة ترتبط بخصائصه النوعية ، كما أنه يخضع في الوقت نفسه للقوانين العامة التي تحكم الظواهر الثقافية العامة ، وقوانينه الخاصة ترتبط بالتراث الأدبي والحاجات الجمالية المستجدة وقوانين اللغة ومفرداتها ، باعتبار أن اللغة مادة الأدب ، فالتطور الأدبي يخضع لقوانين ذاتية أدبية وقوانين عامة ، وهذا يعني أن الأدب الحديث أكثر تطورا من الأدب القديم ، لكنه ليس أكثر تقدماً منه أي ليس أفضل جمالياً وفنياً من الأدب القديم
إن الحجة القوية التي يقدمها معارضو التطورية في الأدب والفن تتمثل في قولهم بأن الأدب ليس تراكميا ، هناك أعمالاً أدبية كثيرة استمرت بفنيتها حتى يومنا هذا ، وفي المقابل فإن هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي اعتبرت رائعة في وقتها «تضيع روعتها وتبلى (جدتها بالفعل فيما بعد من حيث اهتمام الجمهور بها ، ونشوء أنماط جديدة للشكل ، أو أنه يحددها عامل سببي واحد معين ،


النص الأصلي

التطور في الأدب الحديث عن نظرية الأنواع الأدبية يفضي إلى الحديث عن التطور الأدبي ، وإذا كانت نظرية الأنواع الأدبية تهتم بالبحث عن أسباب تنوع التعبير الأدبي وأسس تصنيف هذه الأنواع ، فإن البحث في تطور الأدب يحاول أن يجيب عن السؤالين التاليين : هل يتطور الأدب؟ وكيف يتطور؟ أي هل يتطور الأدب كغيره من ظواهر العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية أم أن له مساراً متميزاً؟ والبحث في تطور الأدب وغيره من الظواهر الطبيعية والإنسانية بدأ في القرن التاسع عشر ، بل إن مفهوم «التطور بشكل عام يعد من أهم المفاهيم التي ظهرت في القرن الماضي ، فقد حظي باهتمام العلماء والمفكرين والفلاسفة والنقاد ، وطبق في كل علم ودراسة حول المجتمع أو الكون أو الثقافة أو الطبيعة أو الفن ... إلخ . وقد أحدث إدخال مفهوم التطور على هذه العلوم ثورة عارمة ، فقد تغيرت المناهج والفروض وطرائق التفكير ، الأمر الذي أدى إلى إحلال الإيمان بالتغيير والتطور والنسبية محل الاعتقاد القديم بالمطلقات وبالقوانين الخالدة الثابتة السرمدية . ومفهوم التطور يختلف عن مفاهيم التقدم أو التحول ، فالتقدم يعني التغير نحو الأفضل أما التطور فإنه يعني التغير ، سواء أكان هذا التغير سلبياً أم إيجابياً ، لهذا فالتقدم فيه حكم قيمي على التحسن ، أما التطور فهو إقرار الحقيقة . ويتغير مفهوم التطور بتغير المناهج الفلسفية ، فهناك من يرى أن التطور يحمل معنى النمو كما يحمل معنى التحدر ، وحين نقول حصل تطور» ينبغي أن تتم العمليتان معاً أي النمو أو التعقد المتزايد والتحدر مع التعديل الكيفى ونشأة أنماط جديدة ، وهناك من يرى أن التطور أساسه الصراع والتناقض والحركة الدائبة وإدخال مفهوم التطور إلى الدراسات الأدبية أحدث خلافات واسعة بين النقاد والمفكرين ، تعود أساساً إلى التباينات الشديدة حول مفهوم التطور من جهة وحول التطور الأدبي من جهة ثانية وإذا أخذنا التطور بمعنى التغير ، سواء أكان هذا التغير سلبياً أم إيجابياً ، فإننا يمكن أن نلمس مظاهر التطور في الأدب، في لغة الأدب المعاصر التي تختلف عن لغة الأدب القديم ، وفي الموضوعات والمضامين والأشكال والتقنيات ، وفي الوزن والموسيقا إلخ ... وفي فن المسرحية مثلاً نجد أن هناك تغيراً أصاب صورة البطل


فقد كانت صورة البطل مقتصرة على الآلهة ثم أنصاف الآلهة ثم الأبطال المسرحي الأسطوريين ، ثم هيمنت عليها صورة الملك أو الأمير ثم المفكر والعالم وأخيراً صورة الإنسان العادي ، وفي الرواية نلمس تغيراً في صورة البطل وصورة المثقف وصورة المرأة وصورة الفلاح .. إلخ . كما نلمس انتقالاً - أو تطوراً - في الشكل الذي يعتمد على اليوميات والمذكرات والرسائل إلى الشكل الذي يعتمد على بناء هندسي أكثر
تعقيداً ... إلخ . ومظاهر التغير هذه تعيدنا إلى السؤال الأساسي وهو كيف يتطور الأدب؟ هل الأشكال الأدبية المعاصرة متحدرة من الأشكال القديمة مع التعديل الكيفي كما تقدم؟ وهل يتطور الأدب بتغير وظيفته التي تؤدي إلى تغير طبيعته أو ماهيته ، أم يتطور بفعل الزمن كسائر الأشياء الأخرى ، أم بفعل المبدعين الكبار ، أم بفعل التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، أم بفعل قوانين ذاتية داخلية خاصة به؟ وأخيراً هل يتطور كما تتطور بقية الظواهر الثقافية أو كما يتطور العلم ، خاصة وأن مبدأ التطور في الأدب قد استلهم من مبدأ التطور في العلوم الطبيعية ؟ يتضح مما تقدم التباين في وجهات النظر الذي يتصل بطرفي العلاقة التطور والأدب. ولعل استلهام مبدأ التطور في الأدب من مبدأ التطور في العلوم الطبيعية هو ما جعل أولى المحاولات التي تبحث في التطور الأدبي ، تتعامل مع العمل الأدبي ككائن وتطبق على الأدب القوانين التي أكد صحتها علم الطبيعة والحياة ككائن حي . وفي هذا المجال يعد بحث هربرت سبنسر» «التقدم : قانونه وسببه» عام 1857 أول محاولة للتوفيق بين تاريخ الفن ونظرية للتطور، قائمة على المذهب الطبيعي، وأعقبت محاولة سبنسر محاولات أخرى في تطور الفن مثل محاولة هيبوليت تين في فرنسا و «جروس» في ألمانيا وهادون» في إنجلترا ... وقد طبق مفهوم التطور على الموسيقا والأدب والنظم ... إلخ واحتفظ لفظ التطور بدلالاته الأصلية على تزايد التعقيد أو النمو أو الارتقاء ، وفهمت العملية كما هو الحال في علم الحياة على أنها عملية مستمرة عن طريق التحدر السلالي أو الانتقال من جيل إلى جيل . لكن مع إدراك تباين الأسلوب فهي جسدية في حالة التحدر السلالي ، في حين أنها ثقافية عن طريق المحاكاة والتعليم في حالة تحدر الفنون ، وقد أضاف «سبنسر» رأيين لم يلقيا قبولاً عاماً ؛ الأول أن التطور يتوافق مع التقدم والثاني أن التطور «قانون عام من قوانين


الطبيعة ) . واستمراراً لهذه المحاولات حاول فردیناند برونتيير» الذي سبقت الإشارة إليه - أن يتعامل مع الأثر الأدبي معتبراً إياه كائناً عضوياً ، وقال بأن اللون الأدبي يرتقي ثم يضمحل كما يفعل الكائن العضوي (وأنه مثل النوع البيولوجي) يمكن أن يتحول إلى لون آخر ، وهكذا - كما قال برونتيير - ولدت المأساة الفرنسية مع جوديل وانقضت مع فولتير ، وفي القرن السابع عشر تحول الشعر الغنائي على يد ماليرب إلى لون الفصاحة ليعود سيرته الأولى على يد روسو في القرن الثامن عشر، – وتقضي آراء برونتيير بأن العمل الأدبي لا يكون ممتازاً إلا بتوفر حالات أو سمان ثلاث : اكتمال وسائله المعبرة ، إيمان الفنان بذكاء جنسه وبلده ، وظهوره ساعة يبلغ هذا النمط مبلغ الكمال، فيجدر أن يخرج العمل الأدبي إلى الوجود عندما يكون الشكل المحدد من هذا اللون في أوج حيويته ، لأن للألوان «زمناً واحداً قط» والفنان الذي يولد قبل الأوان أو بعد الأوان لا يستطيع أن يبلغ الذروة ، وهذه النظرية مثل نظرية «تين» - وقد كان برونتيير أحد أتباعه – تعالج دورات مزعومة لحياة أنماط معينة أكثر مما تعالج تطور الأدب في مجموعه ، وقد انتقدها رينيه ويليك على اعتبار أنها مبنية على شبه خاطئ بين حياة الفرد وحياة أي لون أدبي ، ويقول بأن التطور البيولوجي للكائن الفرد ليس فيه مثل هذا التماثل الأدبي ، وأساء برونتيير إلى دراسة الأنماط حين بالغ في استمرار تحدرها وتحولها إلى أنماط أخرى (2) ولكن هل يصح تطبيق قوانين التطور العلمي على التطور الأدبي؟ إن مادة العلم تختلف عن مادة الأدب ، فمادة العلم ثابتة نسبياً ومحددة ، إننا نستطيع أن نتحكم بها ونسيطر عليها ، نوعاً ، أما مادة الأدب فهي لينة رخوة زئبقية إن صحت التسمية ، لاتصالها بمشاعر الإنسان وانفعالاته وتفكيره ... ويمكن القول بأن التطور العلمي يعتمد على حقيقتين : الأولى : أن الحقيقة العلمية الجديدة تعتمد على الحقائق القديمة ، بمعنى أن الحقائق الجديدة تأتي نتيجة تراكم الحقائق القديمة ؛ أي أن التراكم الكمي يؤدي إلى


تغير نوعي أو كيفي. والحقيقة الثانية تتمثل في أن الحقيقة العلمية الجديدة تنسخ الحقائق القديمة ، وهاتان الحقيقتان اللتان تتحكمان في تطور العلم لا نجدهما في تطور الأدب . ذلك أن العمل الأدبي الجيد والجديد أي) الذي يضيف جديداً إلى مسار الأدب قد لا يأتي نتيجة اعتماده على الأعمال الأدبية القديمة. كما أن العمل الأدبي الجيد والجديد أيضا لا ينسخ الأعمال الأدبية القديمة بل تستمر فنية الأعمال القديمة إلى زمن بن صحيح بعيد وهنا يتجدد السؤال الذي طرحناه في البداية وهو كيف يتطور الأدب؟ سنحاول أن نسلط الأضواء على هذه القضية استناداً إلى أعلام النظريات الأدبية وغيرهم من المفكرين والنقاد . طريقة رسم ومع لقد قلنا بأن أفلاطون وأرسطو أنكرا التغير في الواقع وفي الفن ، فالشاعر عند أفلاطون يحاكي المظاهر بشكل مراوي عن طريق الإلهام! أما أرسطو فقد أغفل أثر العلاقات الاجتماعية في الأدب، كما هدف من وراء كتابه الشعر إلى مثلى لكتابة تراجيديا جيدة، أي أن أرسطو وضع قواعد وقوانين لا بد للشاعر من اتباعها حتى ينتج أو يصنع شعراً مقبولاً ، والأهم من هذا أن أرسطو حدد وظيفة دائمة للشعر لا تتغير بتغير الزمان أو المكان أن أعلام نظريتي التعبير والخلق يؤمنون بأن العلم والثقافة يتطوران ويتقدمان ، فإن مواقفهم من تطور الأدب قد لا تختلف كثيراً عن موقف أرسطو - بالتحليل الأخير على الرغم من تمايزها الواضح لقد أكدت نظرية التعبير دور العبقرية الفردية في الأدب والفن ، ووضعت العلم والأدب على طرفي نقيض . وقال أعلامها بأن كل خطوة في تاريخ الفن إنما هي إبداع أو خلق خاص ، ومفاجأة مذهلة ، ومن ثم قيل بأن تعاقب الخطوات في الفن ليس نشوءاً أو ارتقاء متصلاً ، وأنه لا يتأثر فى الأساسيات ، بالأحداث الخارجية أو الأحوال الاجتماعيه وهذا يعني أن الأعمال الأدبية عبارة عن دوائر غير متداخلة ولا متماسة ، وغير متسلسلة ولا متعاقبة ، فكل عمل أدبي نتاج عبقرية فردية ، وهذه العبقرية لا يمكن أن تنتقل من فرد إلى آخر ، لذلك يرى «كانت» أن المهارة أو الموهبة في الفن ( لا يمكن أن تنقل ، ولكن الأمل يقتضي أن تمنحها الطبيعة مباشرة إلى كل فرد ، وأن تنقضي بانقضائه ، في انتظار أن تجود بها الطبيعة مرة أخرى على فرد آخر


بنفس الطريقة » (1) . ويكرر ألدوس هكسلي في القرن العشرين كلام كانت حين يقول إن كل فنان يبدأ من البداية في حين أن رجل العلم من ناحية أخرى يبدأ حيث انتهى سلفه» (2) . ولاشك أن هذه الآراء تقف ضد التطور في الأدب حين تنفي التأثر والتأثير بين أديب وآخر ، كما أن كلام كانت يوحي بأن هناك قوى غامضة تمنح الموهبة الفنية وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى إلهام أفلاطون . بل إن هذا المعنى يعبر عنه جون کيرد بصراحة مستنداً إلى الاختلاف الجوهري بين الفن والعلم حيث يقول ، إن المواهب الفنية لا يمكن أن تنتقل من السلف إلى الخلف ، ويضيف بأن الشأو في الفن يعتمد على قدرة الفرد وعبقريته ، والأهم من هذا وذاك أن «كمال العمل الفني يكمن فيما هو أعمق من مجرد التعبير، في الملكة الخلاقة أي موهبة العبقرية التي تجل عن الوصف ، كما يكمن في الفراسة البدهية التي تنفذ إلى حياة الطبيعة والإنسان ، وتلك الحساسية العجيبة لكل ما هو نبيل ورقيق وجميل ، مما يمس منا شغاف القلوب ويهزها ، في أعمال عباقرة الفن والغناء ، وهذا عنصر لا يتيسر نقله أو توريثه إلى فرد آخر ، فهو غير مقيد بأي تقليد وأي تعليم، بل إنه ينزل بمثابة وحي أو إلهام على نفوس منتقاة ، يهبط إليها عذاباً رطباً من الينبوع الخارجي للضوء ولا يمكن أن يكون بلوغه أيسر منالاً لأهل اليوم مما كان عليه لأولئك الذين عاشوا في أقدم العصور» (3) . إن هذه الآراء تسلم بأن العلم يتطور ويتقدم لكنه يختلف اخـتـلافـاً جوهرياً عن الفن ، وطبقاً لهذه الآراء فإن الفن والأدب يسير في مسارات خاصة به ، فهو خارج نطاق عملية التطور لأن الأديب الفرد عالم مستقل قائم بذاته لا يتأثر بغيره المبدعين . إن مفهوم التطور والإيمان به له نتائج مهمة على صعيد الإبداع الأدبي من جهة والنقد الأدبي من جهة ثانية ، لأن التسليم بالتطور الأدبي يعني التسليم بمؤثرات عديدة في عملية الصياغة الأدبية ، فإذا كان الأدب ظاهرة متطورة فهو يؤثر من ويتأثر بالماضي والقوى الاجتماعية والأفكار السائدة والأعمال الأدبية المعاصرة والقديمة كذلك ، لكن كل هذا يتنافى مع نظرية الإبداع الخاص المستقل التي تربط الإبداع بالعبقرية الفردية ، فالأديب - من وجهة نظرها - يبدع أشكالاً أدبية جميلة


من أعماق نفسه أو من اتصاله الوثيق بالطبيعة وحدها . وهذا القول فيه جانب من الصحة ؛ إذ إن الأدباء العباقرة يسهمون بالفعل في تقديم أعمال أدبية جديدة تثري المسار الأدبي ، لكن الاعتراض عليه قد ينطلق من وجهة نظر قوية ترى أن العبقرية ، وهي أكثر المظاهر تفرداً وتمايزاً ، لا بد لها أن تتناغم أو تنسجم مع العصر الذي توجد فيه ؛ أي لا بد لها من شرط تاريخي محدد . بل لعل سر العبقرية هو في درجة تناغم (الذاتي) واستجابته لذلك الشرط التاريخي ، وإضافة إلى هؤلاء الذين يعارضون فكرة التطور ، استناداً إلى الفصل بين العلم والأدب ، وإلى القول بأن كل أديب عالم مستقل ، فإن هناك مفكرين غيرهم يرفضون فكرة التطور استناداً إلى حجج أخرى لا تبتعد كثيراً عن حجج السابقين ، فبدلاً من القول بفردية الإبداع الأدبي فإن هؤلاء يقولون بأن كل عمل أدبي عمل فريد ، وهؤلاء يرفضون مفهوم التطور في الأدب بشكل واضح وصريح ففي حين ينكر تيوفيل جوتييه أي تقدم في الفن ليس ثمة تقدم في الفن (1) فإن ت .س . إليوت يرفض حقيقة التطور الأدبي وينبذه نبذاً تاماً من وجهة نظر فلسفته الفوطبيعية، مؤكداً أن كل أدب أوروبا من عهد هوميروس ذو وجود متزامن ويشكل ترتيباً متزامناً ، ولا يبتعد كروتشيه عنهما حين يقرر «بأن كل عمل فني إنما هو عمل فريد (2) . وقد روج كروتشيه هذه الفكرة ورددها «أوسكار وايلد» في قوله «إن كل عمل من أعمال الفن إنما هو في جوهره حدس خاص لا يتجزأ ، فالعمل الفني نتيجة فريدة لمزاج فريد ، وينبع جمال هذا العمل من حقيقة أن مبدعه يصدر بنفسه عن نفسه (3) ولكن هل كل عمل أدبي عمل فريد؟ إن هذا القول أيضاً فيه جانب من الصحة ، فكل قصيدة وكل أديب بل كل إنسان فريد من بعض الجوانب . لكنه ـه في الوقت ذاته ليس فريداً تماماً . لأن كل إنسان وكل أديب وكل عمل أدبي وفني يشترك مع غيره بخصائص كثيرة ، سواء من حيث الموضوع أو المضمون أو الشكل أو مر حيث النوع . صحيح أن الأعمال الأدبية تختلف فيما بينها في بعض الوجوه ، لكن


الصحيح أيضا أنها تشترك فيما بينها في وجوه اخرى . إن قصائد امرئ القيس بينها بسمات تجعلنا نطلق عليها جميعاً لفظة الشعر» . بل إن تأثر الأعمال الأدبية والمتنبي ومحمود درويش تختلف فيما بينها من عدة جوانب ، لكنها تشترك فيما فيما بينها قد أوجد علماً حديثا يختص بالبحث عن مواطن التأثير والتأثر هو الأدب المقارن . لذلك فإن التركيز على أوجه الخلاف والتمايز فحسب لا يقل خطا عن التركيز على أوجه الشبه أو التماثل ، والمفروض أن يعنى الناقد المنهجي بإبراز الملامح المشتركة العامة والملامح الخاصة المميزة ، وإذا كان أرسطو وأوائل الرومانسيين وسائر المثاليين يرفضون فكرة التطور ويعادونها ، بتأكيدهم فردية المبدع مرة ، وفردية العمل الأدبي مرة أخرى ؛ فإن نظرية الانعكاس تقف مرة أخرى موقفاً مغايراً لكل هؤلاء في هذه القضية المهمة . وقد سبق أن قلنا بأن نظرية الانعكاس ترى بأن عملية الإبداع الأدبي نتاج فعالية اجتماعية ، كما ترى بأن ظهور أو انقراض أنواع ينبثق من حركة المجتمع، بمعنى آخر أن التطور نتاج لحركة الصراع والتناقضات ، وإذا انتفى الصراع انتفت الحركة وبالتالي انتفى التطور . ولكن للأدب خصائص نوعية متباينة عن خصائص أشكال المعرفة والثقافة الأخرى . فهل للأدب قوانين تطور خاصة به تبعاً لذلك؟ يجيب أعلام هذه النظرية بأن للأدب قوانين خاصة ترتبط بخصائصه النوعية ، كما أنه يخضع في الوقت نفسه للقوانين العامة التي تحكم الظواهر الثقافية العامة ، وقوانينه الخاصة ترتبط بالتراث الأدبي والحاجات الجمالية المستجدة وقوانين اللغة ومفرداتها ، باعتبار أن اللغة مادة الأدب ، ولكن طالما أن الأدب جزء من الثقافة فلا بد له أيضاً أن يخضع إلى القوانين العامة التي تتحكم بالظاهرة الثقافية بشكل عام ، وهذا يعني أن الأدب لا يعارض العلم ، كما يعني أن الأدب الجديد ليس أفضل من الأدب القديم ، فالتطور الأدبي يخضع لقوانين ذاتية أدبية وقوانين عامة ، وهذا يعني أن الأدب الحديث أكثر تطورا من الأدب القديم ، لكنه ليس أكثر تقدماً منه أي ليس أفضل جمالياً وفنياً من الأدب القديم


إن الحجة القوية التي يقدمها معارضو التطورية في الأدب والفن تتمثل في قولهم بأن الأدب ليس تراكميا ، ولكن على الرغم من الخصائص الخاصة للظواهر الأدبية فإن الأدب تراكمي بعض الشيء في أساسياته في الموضوعات ، وفي المحتوى ، وفي إن الأفكار وفي الأسلوب ، ولو أنه في هذا كله أقل من العلم . هناك أعمالاً أدبية كثيرة استمرت بفنيتها حتى يومنا هذا ، وفي المقابل فإن هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي اعتبرت رائعة في وقتها «تضيع روعتها وتبلى (جدتها بالفعل فيما بعد من حيث اهتمام الجمهور بها ، وليس حتماً على كل أديب أن يبدأ من أول نقطة تماماً» . الأصالة إن أي فنان لا يستطيع أن يقطع الصلة بالماضي ، مهما بذل من جهد في هذا السبيل ، فهو يتخير ويحذف ويطور ويضيف ويرتب من جديد في شيء من لا كل الأصالة .. إن الأعمال الأدبية الحالية أصبح لها وجود عن طريق عملية طويلة من التحدر مع التعديل التدريجي والتكيفي ، ونشوء أنماط جديدة للشكل ، واتجاه إلى لتعقد المتزايد ، وهذا يعني أن الأدب يتطور بالفعل لكنه لا أن الأدب يتطور بالفعل لكنه لا يعني أن الأعمال الأدبية تحسن أو تتقدم ، أو أنها تنمو بصورة واحدة في اتجاه واحد ، أو أنه يحددها عامل سببي واحد معين ، أو أنها سوف تستمر في نموها بالضرورة في المستقبل ، أو أنها تطور بصورة مستمرة، دائمة وفي كل مكان دون أن يعترض طريقها شيء ودون دايات جديدة أو أن كل فن حديث هو أكثر تطوراً من الفن الأقدم . إن تاريخ الآداب يدل على تطور بهذا المعنى ، ذلك أن عملية واسعة النطاق من تحدر الثقافي مع تغير تكيفي ، تراكمي ، تعقيدي ، قد حدثت في الفنون ولا تزال دث وليست هذه العملية عامة وشاملة ، أو واحدة متطابقة ، أو حتمية الدوام بل في عرضة للكثير من الحالات الشاذة والحركات المضادة


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

Tradition: Trad...

Tradition: Tradition (Graburn, 2000) is a difficult term. It is somehow implicit but, at a closer lo...

شكلت قضية اللاج...

شكلت قضية اللاجئين منذ نشوئها محور القضية الفلسطينية، وأصبحت النكبة التي أحدثتها العصابات الصهيونية ...

الغرض الشعري، و...

الغرض الشعري، وخصوصية التجربة هذه القصيدة تمثل غرضا من الأغراض الشعرية التي هام بها الشعراء الرومان...

المقدمة يعتبر ت...

المقدمة يعتبر تحقيق التنمية المستدامة أحد أهم أهداف الدول من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية وتخفيض ...

ويرتبط تطور الع...

ويرتبط تطور العلوم الطبيعية والتكنولوجيا بتطور العلوم الإنسانية، والفكر العقلاني يقوم على الفلسفة وا...

الفرع الثاني ت...

الفرع الثاني تدويل النزاعات المسلحة غير الدولية بتدخل منظمة دولية لا تستند فكرة تدويل النزاعات المس...

كثيرا ما سمعت ن...

كثيرا ما سمعت نادية خلال طفولتها كلمة "قرينة" باعتبارها إهانة عندما تسيء التصرف أو لا تُرغب في موقف ...

إن الحق الذي لا...

إن الحق الذي لا تحميه الدعوى لا قيمة له لذلك ذهب الفقه التقليدي إلى قول بأن الدعوى عنصر من عناصر الح...

المبحث الثاني ...

المبحث الثاني ضرورة تحديد مجال تطبيق الجباية العقارية إن الملاحظ لعدد الض ارئب والرسوم ال...

ظهر الجيل األول...

ظهر الجيل األول من تقنيات الهاتف الالسلكي واالتصاالت المتنقلة في ثمانينات القرن الماضي وشاع استخدامه...

جتماعياً تبعاً ...

جتماعياً تبعاً لبعض المعايير المتعارف عليها، والمعيار الشائع كما تحدده جماعة الرفاق والراشدين هو الت...

ABSTRACT Object...

ABSTRACT Objectives: This study is conducted to compare the three different frequency of the physica...