Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (30%)

فالظلام يهبط بسرعة بعد غروب
ولم يكن يعرف اسم النجم (رجل الحبار)، رأه، وسينتثر
وقال بصوت عال:
ومن سعادتي
لسنا مضطرين إلى أن نحاول قتل النُّجوم». وقال في نفسه: «تصوّر لو كان يتعين على الإنسان كلَّ
يوم أن يحاول قتل القمر، يوم؟»، وفكر: «إنَّنا وُلِدنا محظوظين». نظرًا للطَّريقة التي تصرّفت بها، وفكر: «لا أفهم هذه الأشياء، يكفينا أن نعيش على البحر، والعرقلة التي يُحدِثها
ولكن فيها سلامتي؛ ومهما يكن من أمر، يجب أن أنزع أحشاء سمكة الدولفين، وأن آكل شيئًا منها لأكون قويًّا. الآن سأستريح ساعةً إضافية، ولكن آن الأوان للعمل من أجل السلامة، بإحكام، الآن أيُّها الشيخ- ودَعها تعمل حتى يحين دورك في أداء
فالقمر لم يبزغ بعد، لديه وسيلة لتقدير الوقت، كما أنَّ استراحته لم تكن في حقيقتها
وألقى
أكثر فأكثر على المركب نفسه. يتوجب علي أن أجعل من جسدي وسادةً
وأكون مستعدا في الأوقات جميعها
«ولكنَّكَ لم تنم لحد الآن -أيها الشيخ- فقد انقضى نصف نهار وليلة، السمكة هادئة ومطردة الحركة، والشمس ينامان، وحتى المحيط ينام أحيانًا- في أيام محدّدةٍ
وقال في نفسه: «ولكن تذكر أن تنام، ذلك، الخلف لتهيّئ سمكة الدولفين، وقال لنفسه: «أستطيع الاستمرار دون نوم، لذلك خطورة بالغة». وفكر: «ربما هي نفسها نصف نائمة؛ ولكنني لا أريدها أن تستريح، يجب عليها أن تجر القارب حتى تموت». ضغط الخيط الذي حول كتفيه، واستل سكينه من غمدها بيده
فرأى سمكة الدولفين
رؤية واضحة فأغمد نصل سكينه في رأسها، ومتخلّصا
فشقه، فغاصتِ مُخلفة وراءها أثرًا فوسفوري
كانت سمكة الدولفين باردةً، وقدمه اليمنى على رأسها، ثمّ قَلَبَها، وشق كل جانب من الرأس حتى الذيل. ولكن لم يكن هناك سوى
القارب، وهو يحمل السمكات بيده اليمنى، وعندما عاد إلى مقدّم القارب وضع شريحتي السمكة على
وبعد ذلك، الخيط على كتفيه في موضع جديد، بيده اليسرى وهو مستند إلى حافة القارب، جانب القارب وغسلَ السَّمكتين الطائرتين في البحر، وهو
وصار ليده لمعان فوسفوري
وراقب جريان الماء على يده، كان الجريان أقل قوَّةً، التيار ببطء إلى مؤخر المركب. يجب عَليَّ أن أنتهي من أكل سمكة الدولفين هذه، قسطا من الراحة وقليلا من النوم». إحدى شريحتي سمكة الدولفين وإحدى السمكتين الطائرتين
بعد أن أفرغ أحشاءها، وقال:
أتعسها من سمكة وهي نيئة! لن أُبحر بقارب مرّةً أُخرى
وقال في نفسه: «لو كنتُ ذكيا لرششْتُ الماء على مُقدِّم
كانت السماء تتلبد بالغيوم من جهة الشرق، وبدا الآن
«سيكون الطقس سيئًا بعد ثلاثة أو أربعة أيام، الحركة». ثم استند بفخذه
القارب، ثمّ حوّل الخيط قليلًا إلى الأسفل على كتفيه، ووضع
يده اليسرى عليه، وواضعا
ثقله كله على اليد اليمنى، لم يحلم بالأُسود، ولكنه بدلا من ذلك حلم بمجموعة
وتعود إلى الفجوة نفسها التي أحدثتها في الماء عندما قفزت منه. وهبت ريح شمالية
لأن رأسه اتكأ
وبأنه رأى
يترقب وصول مزيد من الأسود، ولكنه ظلَّ
أفاق على هزَّةٍ مفاجئة من قبضته اليمنى على وجهه وحرقة
أوقف الخيط بكل ما أوتي من قوة بيده اليمنى، انفلت خارجًا، هو إلى الخلف ملقيًا بثقله على الخيط الذي راح الآن يحزّ كُله
السَّمكةُ مُحدِثةً انفجارًا هائلًا في المحيط، وثبت مرة تلو الأخرى، قفزت
الضغط
أن الخيط مازال ينساب إلى الخارج، وارتطم وجهه بشريحة الدولفين، وعلينا الآن أن نواجهه». اجعلها
لم يستطع أن يشاهد وثبات السمكة، سقوطها، الخيط يمرّ عبر الأجزاء الصلبة من يديه، وفكر الشيخ: «لو كان الصَّبِيُّ هُنا لبلل لَفات الخيط، لو كان الصبي هنا». بوصة من الخيط. وكان طوال الوقت
أن يتحسس بقدمه لفات الخيط التي لم يكن في
السمكة الآن أن تتحمل العبء الناتج من احتكاك كلّ ذلك
الخيط الجديد بالماء. وفكر: «نعم، الآن بعد أن قفزت السمكة أكثر من اثنتي
وسرعان ما ستبدأ
وحينئذ ينبغي أن أشتغل عليها، الهدوء والقوَّة، إنَّه أمر غريب». ولكنك لا
تستطيع أن تسترد الخيط، من لحم سمكة الدولفين، فقد كان يخشى أ أن يصيبه بالغثيان
بالماء من على جانب القارب، وأنها تسير مع التيار، ونظر إليها. وقال:
أمسك بالخيط بعناية لكيلا يمس أي جرح جديد في يده، وحوّل حمله بحيث يستطيع وضع يده اليسرى في البحر من
- «إنك لم تتحملي ذلك الألم من أجل شيء لا قيمة له، لأني لم أُدرب تلك اليد بصورة ملائمة، فقط، أدرك أنه لم يكن صافي | الذهن، فقال
فيها؛ ولكن فاتني
فتناولها بيده
اليسرى، على الأقل ذلك النوع من القوة التي أنا في حاجة إليها، وبعد أن فعلتُ ما أستطيع، لتبدأ السمكة بالدوران، ولتأتي
كانت الشَّمس تشرق للمرة الثالثة منذ أن نزل إلى البحر، فراح يسحبه في رفق بيده اليمنى، ولكنه عندما بلغ النقطة التي
أخذ في التراخي، من تحت الخيط، واستخدم كلتا يديه في حركة متأرجحة، فدارت ساقاه
الهرمتان وكتفاه الباليتان مع حركة السحب المتأرجحة. ثم أخذ الخيط
في الانفلات خارجًا، فانحنى الشّيخ، وفكر: «عَليَّ أن أُمسِكَ بكل ما أستطيعه من الخيط، رؤيتها في ظرف ساعة، الآن ينبغي عَليَّ أن أروّضها، وبعد ساعتين
تصعد باطراد فيما هي تسبح. وطوال ساعة من الزمن، صار الشيخ يرى بقعا سوداء أمام
وراح العرق يملح عينيه، فقد كان ظهور تلك البقع اعتياديًا عند بذل الجهد في سحب
وذلك
- «لا يمكنني أن أخذل نفسي وأموت من أجل سمكة
وكان عليها أن
الآن في دورانها، أحدثه الشص بحيث تستطيع أن تلفظه». فأرخى الشيخ قليلًا من الخيط. الجنون». وبعد برهة توقفت السمكة عن ضرب سلك الصنارة، الخيط باطراد الآن، «ليست لدي تشنجات، وستصعد السمكة عما قريب، عليك أن تستمر، انحنى مُسْتَنِدًا إلى مُقدَّم القارب، ولبرهة حول الخيط على
سأستريح الآن فيما تقوم السمكة بالدوران، وأشتغل عليها عندما تظهر، وأن يدع السمكة تقوم بدورة واحدة بنفسها دون أن يستعيد
قدميه وشرع في الدوران وحركات الجذب التي استعادت
- «سأستريح خلال الدورة القادمة لها، وأنا
عنما أحس بدوران السمكة. أيتها السمكة، ولكن ذلك كان بفعل نسيم
وقال:
وهي جزيرة طويلة». غامق استغرق مروره تحت القارب وقتًا طويلًا، لدرجة أنه لم يُصدق طولها. لا يمكن أن تكون كبيرة بهذا القدر». طفتِ السَّمكة على سطح الماء على بعد ثلاثين ياردة فقط، ولونه بلون الخزامي الشاحب جدا فوق
ثم هبط الذيل، مباشرة، استطاع الشيخ أن يرى جسدها الضخم والخطوط
باتساع. الأحيان تسبحان بأمان في ظلها، وكان طول كل واحدة منهما يزيد على ثلاثة أقدام، كان الشيخ يتصبب عرقا الآن، وعند كل دورة هادئة مسالمة تقوم بها السمكة
كانت ماتزال
بعيدة، ولكنها أضحت أكثر ارتفاعا خارج الماء، للشيخ أنه إذا ما استعاد مقدارًا أكبر من الخيط، وكانت لفة حبلها الخفيف في سلّة مدورة، وعُقدت نهاية الحبل بالوتد القائم
وفكر في نفسه قائلًا: اسحبا يا
واثبتا يا ساقي، وسبحت مبتعدةً عنه. «أيتها السمكة، أن تقتليني أيضًا»؟
ولكنه
ثمّ ناجي نفسه قائلًا: «نعم أنت قادر
وفي الدورة التالية، لَكِ الحَقِّ في ذلك، فلستُ
أبالي مَنْ يقتل مَنْ». يجب عليكَ
- «كُنْ صافيًا يا رأسي. اصْفُ». يُحِس بالإغماء في كُلِّ مَرَّة، سأحاول مرَّةً أخرى، هكذا عاهد الشيخ نفسه، من أن يدَيْه غدتا واهِنتَين، وسميكة، وعريضة، تُزينها خطوط
فوقه،


Original text

لقد حلَّ الظَّلام الآن، فالظلام يهبط بسرعة بعد غروب
الشمس في شهر سبتمبر/أيلول، واضطجع على الخشب
البالي لمُقدَّم القارب، واستراحَ قَدْرَ المُستطاع. وبزغت طلائع
النجوم، ولم يكن يعرف اسم النجم (رجل الحبار)، ولكنَّه
رأه، فعلم أنّ النُّجوم الأُخرى كُلّها سرعان ما ستبزغ، وسينتثر
حوله أصدقاؤه البعيدون جميعهم وشيكا في أجواز السماء.
وقال بصوت عال:



  • «والسمكة صديقتي كذلك، فأنا لم أَرَ، أَوْ أَسمع بسمكة
    مثلها قط، ولكنني يجب أن أقتلها، ومن سعادتي
    لسنا مضطرين إلى أن نحاول قتل النُّجوم».
    أننا
    وقال في نفسه: «تصوّر لو كان يتعين على الإنسان كلَّ
    يوم أن يحاول قتل القمر، لَتَوَجَّب على القمر أن يلوذ بالفرار،
    ولكن تخيل لو كان على الإنسان أن يحاول قتل الشَّمس كلّ
    يوم؟»، وفكر: «إنَّنا وُلِدنا محظوظين».
    ثم شعر بالأسف للسمكة العظيمة التي ليس لديها ما تأكله،
    ولم يخفّف تصميمه على قتلها من أسفه عليها أبدًا، وفكر: «كم من إنسان ستطعمه هذه السمكة؟ ولكن هل يستحق
    هؤلاء النّاس أكلها؟ لا، طبعًا، لا، ليس ثمة من يستحق أكلها؛
    نظرًا للطَّريقة التي تصرّفت بها، ولكبريائها العظيم».
    وفكر: «لا أفهم هذه الأشياء، ولكن من حسن الحظ أنَّه
    لا يتوجب علينا أن نحاول قتل الشَّمس، أو القمر، أو النُّجوم،
    يكفينا أن نعيش على البحر، ونأكل منه».
    وقال في نفسه: «الآن يجب أن أفكر في عرقلة حركة
    القارب، فلها مخاطرها، ولها حسناتها، فقد أفقد كثيرًا من
    الخيط فأفقد السمكة، إذا بذلت مجهودًا. والعرقلة التي يُحدِثها
    المجدافان في محلها، إذ يفقد القارب خفته جميعها، فخفّة
    القارب تُطيل معاناتنا معًا، ولكن فيها سلامتي؛ لأنَّ للسمكة
    سرعة فائقة لم تستعملها بعد، ومهما يكن من أمر، فإنني
    يجب أن أنزع أحشاء سمكة الدولفين، وأنظفها لئلا تفسد،
    وأن آكل شيئًا منها لأكون قويًّا.
    الآن سأستريح ساعةً إضافية، وعندما أشعر بأن السمكة
    ماتزال قويةً ومطردة الحركة سأعود إلى مؤخَّر القارب؛ لأُنجز
    العمل، وأتخذ القرار، وفي الوقت نفسه سأتمكن من معرفة
    سلوكها، وما يطرأ عليه من تغيرات المجدافان خدعة بارعة، ولكن آن الأوان للعمل من أجل السلامة، فماتزال السمكة
    قوية، وقد رأيتُ الشَّصَّ في زاوية فمها، وقد أبقت فمها مطبقًا
    بإحكام، إن ضرر الشَّصَّ ليس شيئًا يُذكر، ولكن ما نزل بها
    من جوع وكونها تواجه أمرًا لا تفهمه هو كلّ شيء. استرخ
    الآن أيُّها الشيخ- ودَعها تعمل حتى يحين دورك في أداء
    المهمة التالية».
    استراح مدةً ظنّها ساعتين، فالقمر لم يبزغ بعد، ولم تكُن
    لديه وسيلة لتقدير الوقت، كما أنَّ استراحته لم تكن في حقيقتها
    إلا استراحةً نسبية، فهو ما يزال يتحمل جرّ السمكة على كتفيه،
    ولكنه وضع يده اليسرى على حافة مُقدَّم القارب العُليا، وألقى
    بمقاومة السمكة، أكثر فأكثر على المركب نفسه.
    وفكر: «كم سيكون الأمر سهلًا لو كان في الإمكان ربط
    الخيط بالقارب، ولكن في وسع السمكة أن تقطعه بجرة
    مفاجئة صغيرة منها، يتوجب علي أن أجعل من جسدي وسادةً
    تخفف من ضغط الخيط، وأكون مستعدا في الأوقات جميعها
    لإعطاء مزيد من الخيط بكلتا يدي».
    وقال بصوت مسموع
    «ولكنَّكَ لم تنم لحد الآن -أيها الشيخ- فقد انقضى نصف نهار وليلة، والآن مرَّ نهار آخر، وأنتَ لم تنم،
    يجب أن تبتكر طريقةً لكي تنام قليلا عندما تكون
    السمكة هادئة ومطردة الحركة، وإذا لم تنم فقد تختلط
    الأمور في رأسكَ».
    وفكر: «إنَّ الأمور واضحة بصورة كافية في رأسي، بل
    واضحة أكثر من اللازم، فأنا واضح وضوح النُّجوم التي
    هي أخواتي، ومع ذلك يجب أن أنام، فالنجوم تنام، والقمر
    والشمس ينامان، وحتى المحيط ينام أحيانًا- في أيام محدّدةٍ
    عندما لا يوجد فيه تيار، ويسود فيه الهدوء على سطح الماء».
    وقال في نفسه: «ولكن تذكر أن تنام، اجعل نفسك تفعل
    ذلك، وابتكر طريقة سهلة وأكيدةً للخيوط، والآن عُد إلى
    الخلف لتهيّئ سمكة الدولفين، إنّه لخطرٌ كبيرٌ أن تعرقل سير
    القارب بتثبيت المجدافين إذا كان عليك أن تنام».
    وقال لنفسه: «أستطيع الاستمرار دون نوم، ولكن ستكون
    لذلك خطورة بالغة».
    وشرع بشق طريقه إلى مؤخَّر القارب وهو يزحف في حذر
    على يديه وركبتيه؛ لئلا يسبب جَرَّةً مفاجئة للسمكة، وفكر: «ربما هي نفسها نصف نائمة؛ ولكنني لا أريدها أن تستريح،
    يجب عليها أن تجر القارب حتى تموت».
    وعندما بلغ مؤخر القارب، استدار بحيث تتلقى يده اليسرى
    ضغط الخيط الذي حول كتفيه، واستل سكينه من غمدها بيده
    اليمني. كانت النجوم متوهجة الآن، فرأى سمكة الدولفين
    رؤية واضحة فأغمد نصل سكينه في رأسها، وسحبها من
    تحت مؤخَّر القارب، ووضع إحدى قدميه على السمكة وشقها
    بخفة من بطنها حتى طرف فكها الأسفل، ثم طرح سكينه
    جانبًا، وانتزع أحشاءها بيده اليمنى، منظّفًا جوفها، ومتخلّصا
    من خياشيمها، وشعرَ أنَّ كرشها ثقيل ولزج في يديه، فشقه،
    ووجد في داخله سمكتين طائرتين كانتا طازجتين وصلبتين،
    فطرحهما جنبا إلى جنب، وألقى بالأحشاء والخياشيم من
    فوق مؤخَّر القارب، فغاصتِ مُخلفة وراءها أثرًا فوسفوري
    الوهج في الماء، كانت سمكة الدولفين باردةً، وبدا لونها الآن
    على ضوء النُّجوم- أبيضَ رماديا. وسلخ الشيخ جانبًا منها،
    وقدمه اليمنى على رأسها، ثمّ قَلَبَها، وسلخ الجانب الآخر،
    وشق كل جانب من الرأس حتى الذيل.
    ألقى بهيكل السمكة العظمي في البحر، ونظر ليرى ما إذا كانت ثمة دوامة في الماء، ولكن لم يكن هناك سوى
    الضوء الناتج من هبوط النفايات البطيء، ثم استدار، ووضع
    السمكتين الطائرتين بين شريحتي سمكة الدولفين، وأعاد
    سكينه إلى غمدها؛ وفي تؤدة، أخذ يشق طريقه إلى مقدم
    القارب، وهو يحمل السمكات بيده اليمنى، وظهرُه مُنْحَنٍ
    يفعل ثقل الخيط عليه.
    وعندما عاد إلى مقدّم القارب وضع شريحتي السمكة على
    الخشب والسَّمكتين الطائرتين بجانبهما، وبعد ذلك، عدل
    الخيط على كتفيه في موضع جديد، وأمسك به مرَّة أُخرى
    بيده اليسرى وهو مستند إلى حافة القارب، ثمّ انحنى على
    جانب القارب وغسلَ السَّمكتين الطائرتين في البحر، وهو
    يلاحظ سرعة الماء على يده، وصار ليده لمعان فوسفوري
    من جراء سلخه جلد السمكة، وراقب جريان الماء على يده،
    كان الجريان أقل قوَّةً، وحكٌ جانب يده بخشب المركب،
    فتساقطَتْ جُزيئات فوسفورية منها، وطفت على الماء فجرفها
    التيار ببطء إلى مؤخر المركب.
    قال الشيخ:
    «السمكة إمّا متعبة وإما أنها تستريح، والآن، يجب عَليَّ أن أنتهي من أكل سمكة الدولفين هذه، وآخذ
    قسطا من الراحة وقليلا من النوم».
    تحت النجوم، والليل يزداد برودة طوال الوقت، أكل نصف
    إحدى شريحتي سمكة الدولفين وإحدى السمكتين الطائرتين
    بعد أن أفرغ أحشاءها، وقطع رأسها.
    وقال:
    ما أطيب أكل سمكة الدولفين وهي مطبوخة! وما
    أتعسها من سمكة وهي نيئة! لن أُبحر بقارب مرّةً أُخرى
    أبدًا بلا مِلْحِ أَوْ ليمون حامض».
    وقال في نفسه: «لو كنتُ ذكيا لرششْتُ الماء على مُقدِّم
    القارب، وتركته يجف طوال اليوم فيتحول إلى ملح، ولكنني
    في الحقيقة لم أصطد سمكة الدولفين إلا عند غروب
    الشَّمس تقريبًا، ومع ذلك، فثمة سوء تدبير، ولكني مضغتها
    جيدًا، ولا أشعر بالغثيان».
    كانت السماء تتلبد بالغيوم من جهة الشرق، وراحت
    النُّجوم التي يعرفها تختفي واحدةً تلو الأخرى، وبدا الآن
    كما لو كان يتحرَّك في وادٍ سحيق من الغيوم، وخفتت الريح. قال:
    «سيكون الطقس سيئًا بعد ثلاثة أو أربعة أيام، ولكن
    ليس الليلة أو غدًا، فَجَهِّز الشراع الآن لتنال قسطًا من
    النوم -أيها الشيخ ما دامت السمكة هادئة ومطردة
    الحركة».
    أمسك الخيط بيده اليمنى في إحكام، ثم استند بفخذه
    الأيمن على يده اليمنى، واتكأ بكل ثقله على خشب مُقدَّم
    القارب، ثمّ حوّل الخيط قليلًا إلى الأسفل على كتفيه، ووضع
    يده اليسرى عليه، وفكر: «تستطيع يدي اليمنى أن تُمسك
    بالخيط مادام ملفوفًا حولها، فإذا ارتخت في أثناء النوم فإنَّ
    يدي اليسرى ستوقظني حال ذهاب الخيط بعيدا، إنَّ الأمر
    صعب على اليد اليمنى، ولكنها اعتادت على تحمل المشقة،
    وحتى لو أنام عشرين دقيقة أو نصف ساعة، ففي ذلك فائدة»،
    وانكفأ إلى الأمام وهو متشبث بالخيط بجسده كله، وواضعا
    ثقله كله على اليد اليمنى، ونام.
    لم يحلم بالأُسود، ولكنه بدلا من ذلك حلم بمجموعة
    من أسماك خنزير البحر وهي تنتشر لثمانية أو عشرة أميال
    في موسم تكاثرها، فكانت تتقافز عاليًا في الهواء، وتعود إلى الفجوة نفسها التي أحدثتها في الماء عندما قفزت منه.
    ثم حلم بأنه في القرية، نائمًا في فراشه، وهبت ريح شمالية
    فشعر ببرد قارس وقد تخدّرت ذراعه اليمنى؛ لأن رأسه اتكأ
    عليها بدلًا من الوسادة.
    وبعد ذلك راح يحلم بالشاطئ الأصفر الطويل، وبأنه رأى
    أوَّل الأسود ينزل إلى الشاطئ في مطلع الليل، ثم تبعته بقية
    الأسود، وأنه أراح حنكه على خشب مُقدِّم السفينة التي ألقت
    بمرساتها مع هبوب نسيم المساء من الشاطئ، وأنه لبث
    يترقب وصول مزيد من الأسود، وكان سعيدًا.
    كان القمر قد ارتفع في كبد السَّماء منذ مدة، ولكنه ظلَّ
    نائمًا بينما كانت السَّمكة تواصل الجرّ بانتظام، والقارب يسير
    في نفق من الغيوم.
    أفاق على هزَّةٍ مفاجئة من قبضته اليمنى على وجهه وحرقة
    الخيط في يده اليمنى، لم يكن يشعر بيده اليسرى، ولكنه
    أوقف الخيط بكل ما أوتي من قوة بيده اليمنى، بَيْد أَنَّ الخيط
    انفلت خارجًا، وأخيرًا، عثرَتْ يده اليسرى على الخيط، فمال
    هو إلى الخلف ملقيًا بثقله على الخيط الذي راح الآن يحزّ كُله
    ظهره ويده اليسرى، وقد أخذت يده اليسرى تتحمل العبء
    ، فانجرحت جرحًا سيئًا. نظر خلفه إلى لفات الخيوط،
    فرآها والخيط ينساب منها بخفة،
    وفي تلك اللحظة،
    السَّمكةُ مُحدِثةً انفجارًا هائلًا في المحيط، ثم سقوطًا ثقيلًا، ثمّ
    وثبت مرة تلو الأخرى، وانطلق القارب بسرعة على الرغم من
    قفزت
    الضغط
    أن الخيط مازال ينساب إلى الخارج، والشيخ يزيد من !
    على الخيط حتى يقترب من نقطة الانقطاع مرةً بعد أُخرى،
    وجُرَّ الشيخ إلى الأسفل بقوة، فسقط على مقدم القارب،
    وارتطم وجهه بشريحة الدولفين، ولم يستطع أن يتحرّك.
    وفكر: «هذا ما كُنا ننتظره، وعلينا الآن أن نواجهه».
    وقال في نفسه: «اجعل السمكة تدفع ثمن الخيط، اجعلها
    تدفع ثمنه».
    لم يستطع أن يشاهد وثبات السمكة، ولكنه كان فقط
    يسمع تفجر المحيط عند قفزها ورشاش المياه الثقيل عند
    سقوطها، كانت سرعة انفلات الخيط تجرح يديه بشدة،
    ولكنه كان يتوقع حدوث ذلك دائمًا، ولهذا حاول أن يجعل
    الخيط يمرّ عبر الأجزاء الصلبة من يديه، وألا يدعه ينزلق إلى
    راحة اليد، أو يجرح أصابعه. وفكر الشيخ: «لو كان الصَّبِيُّ هُنا لبلل لَفات الخيط، نعم،
    لو كان الصبي هنا.. لو كان الصبي هنا».
    وامتد الخيط خارجًا وخارجًا وخارجًا، ولكنه أخذ الآن
    بالتباطؤ، وسيجعل الشيخ السمكة تدفع مقابلا باهظًا لكلّ
    بوصة من الخيط. الآن رفع الشيخ رأسه من الخشب ومن
    شريحة الدولفين التي ارتطم بها خده، ثم نهض على ركبتيه،
    ثم على مهل قام واقفًا على قدميه، وكان طوال الوقت
    يُرخي الخيط، ولكن ببطء أكبر، وتراجع إلى الخلف حيث
    أن يتحسس بقدمه لفات الخيط التي لم يكن في
    استطاعته أن يراها، كانت لاتزال وفرة من الخيط، وعلى
    السمكة الآن أن تتحمل العبء الناتج من احتكاك كلّ ذلك
    يستطيع
    الخيط الجديد بالماء.
    وفكر: «نعم، الآن بعد أن قفزت السمكة أكثر من اثنتي
    عشرة مرَّةً، وملأت الجيوب المُمتدة على طول ظهرها بالهواء،
    فإنها لا تستطيع الغوص إلى الأسفل لتموت في الأعماق،
    بحيث يصعب علي رفعها إلى الأعلى، وسرعان ما ستبدأ
    بالدوران، وحينئذ ينبغي أن أشتغل عليها، وإني أتساءل ما
    الذي أثارها هكذا إثارة مفاجئة؟ ألا يكون الجوع هو الذي جعلها يائسة، أم أنَّ شيئًا ما قد أفزعها في الليل؟ لعلها شعرَتْ
    بالخوف فجأة؟ ولكنها كانت قبل ذلك سمكةً على قدر من
    الهدوء والقوَّة، وبدَتْ بالغةَ الثّقة وبلا خوف، إنَّه أمر غريب».
    وقال:
    – «من الأفضل أن تكون أنتَ -أيها الشيخ- بلا خوف،
    وواثقًا بنفسك، فأنتَ لاتزال تمسك بها، ولكنك لا
    تستطيع أن تسترد الخيط، ولكنها سرعان ما ستأخذ في
    الدوران».
    أمسك الشيخ بخيط السمكة بيده اليسرى وكتفيه الآن،
    وانحنى ليغرف بيده اليمنى شيئًا من الماء ليُزيل ما علق بوجهه
    من لحم سمكة الدولفين، فقد كان يخشى أ أن يصيبه بالغثيان
    فيتقياً، ويفقد قوته، وبعد أن نظف وجهه غسل يده اليمنى
    بالماء من على جانب القارب، ثم تركها في الماء المالح وهو
    يراقب أوّل خيوط الضّوء القادمة قبيل شروق الشمس، وفكر:
    «إن السمكة تتجه نحو الشرق تقريبًا، وذلك يعني أنها متعبة،
    وأنها تسير مع التيار، وقريبًا سيتحتّم عليها الدوران، وحينئذ
    يبدأ عملنا الحقيقي».
    وبعد أن قدَّرَ أَن يده اليمنى بقيَتْ في الماء مُدّةً كافية، أخرجها، ونظر إليها.
    وقال:
    لا بأس بها، والرَّجلُ لا يعبأ بالألم».
    أمسك بالخيط بعناية لكيلا يمس أي جرح جديد في يده،
    وحوّل حمله بحيث يستطيع وضع يده اليسرى في البحر من
    الجانب الآخر للمركب.
    وخاطب يده اليسرى قائلا:

  • «إنك لم تتحملي ذلك الألم من أجل شيء لا قيمة له،
    ولكن كانت هناك لحظة لم أتمكن من أن أجدك فيها».
    وتساءل في نفسه: «لماذا لم أولد بيدين جيدتين؟ ربما
    كانت غلطتي؛ لأني لم أُدرب تلك اليد بصورة ملائمة، ولكن
    يعلم الله أنها قد أُتيحت لها فرص كافية لتتعلم، ومع ذلك،
    فقد كانت لا بأس بها طوال الليل، وأنها تشنّجتُ مرَّةً واحدةً
    فقط، وإذا تشنجت مرَّةً أُخرى، فليجرحها الخيط».
    وعندما فكر في ذلك، أدرك أنه لم يكن صافي | الذهن،
    وخطر له أنه يجب أن يمضغ مزيدًا من لحم الدولفين، فقال
    في نفسه ولكنني لا أستطيع، فَمِنَ الخير لك أن تبقى مشوَّش الذهن من أن تفقد قواك بسبب الغثيان، أعرف أنني لا أستطيع
    الاحتفاظ بها في معدتي إذا ما أكلتها بعد أن اندس وجهي
    فيها؛ لذلك سأحتفظ بها للطوارئ، حتى تفسد، ولكن فاتني
    الوقت -الآن- لمحاولة التقوّي بالغذاء»، وقال لنفسه: «إنّكَ
    غَيٌّ، كُل السمكة الطائرة الأخرى».
    وكانت السمكة الطائرة هناك نظيفةً وجاهزةً، فتناولها بيده
    اليسرى، وأكلها ماضعا العظام بعناية، وأتى عليها كلها إلى
    ذيلها.
    وفكر: «إنَّ فيها من الغذاء أكثر من أية سمكة أُخرى تقريبًا،
    على الأقل ذلك النوع من القوة التي أنا في حاجة إليها، والآن،
    وبعد أن فعلتُ ما أستطيع، لتبدأ السمكة بالدوران، ولتأتي
    المعركة.
    كانت الشَّمس تشرق للمرة الثالثة منذ أن نزل إلى البحر،
    عندما شرعت السمكة في الدوران.
    لم يكن في وسعه أن يرى من خلال ميلان الخيط ما إذا
    كانت السمكة تدور فذلك سابق لأوانه، أحس فقط بارتخاء
    خفيف في ضغط الخيط، فراح يسحبه في رفق بيده اليمنى، توتر الخيط، كما كان دائمًا، ولكنه عندما بلغ النقطة التي
    قد ينقطع فيها، أخذ في التراخي، مَرَّرَ الشَّيخ رأسه وكتفيه
    من تحت الخيط، وشرع في سحب الخيط بثبات ولطف،
    واستخدم كلتا يديه في حركة متأرجحة، وحاول أن يقوم
    بعملية الشحب بجسمه وساقيه أكثر ما يمكنه، فدارت ساقاه
    الهرمتان وكتفاه الباليتان مع حركة السحب المتأرجحة.
    وقال:
    .

  • «إنها دورة كبيرة جدا، ولكنَّ السمكة تدور».
    ثم لم يعد الخيط ينسحب أكثر، فأمسك به الشيخ حتى
    رأى الماء يتقاطر منه على ضوء الشمس، ثم أخذ الخيط
    في الانفلات خارجًا، فانحنى الشّيخ، وتركه يعود غائصًا في
    المياه المظلمة.
    وقال:
    «إنها تقوم بدورتها البعيدة الآن».
    وفكر: «عَليَّ أن أُمسِكَ بكل ما أستطيعه من الخيط،
    فالإجهاد سيقصر دورتها في كل مرة، ولعلّي أتمكن من
    رؤيتها في ظرف ساعة، الآن ينبغي عَليَّ أن أروّضها، ثم يجب عليَّ أن أقتلها».
    ولكن السمكة داومت على الدوران ببطء، وبعد ساعتين
    ابتل جسد الشيخ من العرق، وتسرب الإعياء إلى نخاع عظامه،
    بَيْد أنَّ دورات السمكة غدت الآن أقصر، ومن الطريقة التي
    ارتخى بها الخيط، كان في وسعه أن يعرف أنَّ السمكة راحت
    تصعد باطراد فيما هي تسبح.
    وطوال ساعة من الزمن، صار الشيخ يرى بقعا سوداء أمام
    ناظريه، وراح العرق يملح عينيه، ويحرق الجرح الذي تحتهما،
    والجرح | الذي على جبهته. لم يكن خائفا من البقع السوداء،
    فقد كان ظهور تلك البقع اعتياديًا عند بذل الجهد في سحب
    الخيط، ومع ذلك فقد شعر مرتين بالإغماء والدوار، وذلك
    ما أقلقه.
    وقال:

  • «لا يمكنني أن أخذل نفسي وأموت من أجل سمكة
    كهذه، الآن، وقد أتيتُ بها بهذه الصورة الرائعة،
    ليساعدني الله على الاحتمال».
    في تلك اللحظة، أحس بخبط وسحب مفاجئ للخيط الذي كان يُمسكه بكلتا يديه، وفكر: «إنَّها تضرب مُقدَّم
    السلك برمحها، كان ذلك سيحصل حتما، وكان عليها أن
    تفعل ذلك، وقد يجعلها ذلك تقفز، مع أني أفضّل أن تبقى
    الآن في دورانها، فالقفزات ضرورية لها لكي تستنشق الهواء،
    ولكن بعد ذلك فإنَّ كلَّ قفزة يمكن أن توسّع الجرح
    أحدثه الشص بحيث تستطيع أن تلفظه».
    وقال:

  • «لا تقفزي –أيتها السمكة- لا تقفزي».
    الذي
    ضربت السمكة سلك الصنارة عدة مرات أُخرى؛ وفي كلّ
    مرة كانت تهز رأسها، فأرخى الشيخ قليلًا من الخيط.
    وفكر: «يجب علي أن أوقف ألمها حيث هو، أما ألمي
    فلا يهم، إذ أستطيع التحكم فيه، ولكن ألمها قد يدفعها إلى
    الجنون».
    وبعد برهة توقفت السمكة عن ضرب سلك الصنارة،
    وشرعت في الدوران في بطء مرَّةً أُخرى، وراح الشيخ يجذب
    الخيط باطراد الآن، ولكنه شعر بالدوار ثانيةً، فرفع شيئًا من
    ماء البحر بيده اليسرى وصبه على رأسه، ثم وضع مقدارًا آخر من الماء على قفا رقبته ودلكها.
    وقال:
    «ليست لدي تشنجات، وستصعد السمكة عما قريب،
    وفي استطاعتي الاستمرار، عليك أن تستمر، ولا تتكلم
    أبدا . عن ذلك».
    انحنى مُسْتَنِدًا إلى مُقدَّم القارب، ولبرهة حول الخيط على
    ظهره كَرَّةً أُخرى. سأستريح الآن فيما تقوم السمكة بالدوران،
    ثم سأنهض، وأشتغل عليها عندما تظهر، هكذا قرر.
    كان الإغراء عظيمًا بأن يبقى مستريحا في مُقدَّم القارب،
    وأن يدع السمكة تقوم بدورة واحدة بنفسها دون أن يستعيد
    أي شيء من الخيط، ولكن عندما أظهر ضغط الخيط استدارت
    السمكة لتأتي في اتجاه القارب، نهض الشيخ منتصبًا على
    قدميه وشرع في الدوران وحركات الجذب التي استعادت
    جميع ما كسبه من الخيط.
    وفكر: «إنَّني أُحسُّ بتعب أشدّ من أي وقت مضى، الآن
    أخذت الرّيح في الهبوب، ولكن هذا سيكون أمرًا جيدًا، إذ
    ستدفع الرّيحُ السمكة معها إليّ، وأنا في أمس الحاجة إلى ذلك».
    وقال:

  • «سأستريح خلال الدورة القادمة لها، فها هي تبتعد، وأنا
    أشعر أنني أفضل حالا، وبعد دورتين أو ثلاث، سأتمكن
    منها».
    كانت قبعة الشيخ المصنوعة من الخوص قد ابتعدت إلى
    مؤخَّر رأسه، واستقر هو في مُقدم القارب مع سحب الخيط
    عنما أحس بدوران السمكة.
    وفكر في نفسه: «اشتغلي الآن، أيتها السمكة، سأخذك
    حين تستديرين».
    ارتفع البحر بصورة بالغة، ولكن ذلك كان بفعل نسيم
    طقس معتدل كان لابد له منه لكي يعود إلى منزله.
    وقال:
    «سأتجه بالقارب إلى الجنوب والغرب، لا يتيه الإنسان
    في البحر أبدا، وهي جزيرة طويلة».
    وعند الدورة الثالثة رأى السمكة لأول مرة، رآها كظل
    غامق استغرق مروره تحت القارب وقتًا طويلًا، لدرجة أنه لم يُصدق طولها.
    وقال:
    – «لا، لا يمكن أن تكون كبيرة بهذا القدر».
    ولكنَّ السَّمكة كانت بذلك الحجم، وفي نهاية هذه الدورة
    طفتِ السَّمكة على سطح الماء على بعد ثلاثين ياردة فقط،
    فأبصر الشيخ بذيلها خارجًا من الماء، كان الذيل أعلى من
    نصل مِنْجَل كبير، ولونه بلون الخزامي الشاحب جدا فوق
    الماء الداكن الزرقة.
    ثم هبط الذيل، وفيما كانت السمكة تسبح تحت سطح الماء
    مباشرة، استطاع الشيخ أن يرى جسدها الضخم والخطوط
    الأرجوانية التي تحيط به، وكانت زعنفتها الظهرية منحنيةً إلى
    الأسفل، وأما زعنفتها الصدرية الضخمة فقد كانت منشورةً
    باتساع.
    في هذه الدورة استطاع الشيخ أن يرى عين السمكة،
    والسَّمكتين المصاصتين الرماديتين اللتن كانتا تسبحان حولها،
    كانتا تلتصقان بها أحيانًا.. وأحيانًا تبتعدان عنها، وفي بعض
    الأحيان تسبحان بأمان في ظلها، وكان طول كل واحدة منهما يزيد على ثلاثة أقدام، وفي أثناء سباحتهما الشريعة،
    كانتا تندفعان بكامل جسديهما مثل ثعابين الماء.
    كان الشيخ يتصبب عرقا الآن، ولكن بسبب شيءٍ آخر
    غير الشَّمس، وعند كل دورة هادئة مسالمة تقوم بها السمكة
    كان الشيخ يسترد مقدارًا من الخيط، وصار متيقنا من أنه بعد
    دورتين ستتاح له الفرصة لطعنها بالحربة.
    وفكر في نفسه: «ولكن يجب أن أجعلها تقترب، وتقترب،
    وتقترب، ويجب ألا أحاول استهداف الرأس، بل يجب أن
    القلب».
    وقال:
    كُن هادئا وقويا، أيُّها الشيخ».
    وفي الدورة التالية، برز ظهر السمكة، ولكنها مازالت بعيدة
    شيئًا ما عن القارب، وفي الدورة التي تبعتها، كانت ماتزال
    بعيدة، ولكنها أضحت أكثر ارتفاعا خارج الماء، وتأكد
    للشيخ أنه إذا ما استعاد مقدارًا أكبر من الخيط، فإنه سيجعل
    السمكة بمحاذاة القارب.
    كان قد أعد الحربة منذ مدة طويلة، وكانت لفة حبلها الخفيف في سلّة مدورة، وعُقدت نهاية الحبل بالوتد القائم
    في مُقدَّم القارب.
    كانت السمكة تقترب في دورتها الآن وهي جميلة المنظر
    وهادئة ماعدا ذيلها الكبير الذي كان يتحرك، فسحبها الشيخ
    بأقصى ما يستطيع ليجعلها أقرب، فاستدارت السمكة قليلا
    على جنبها لحظةً واحدةً فقط، ثم استقامت، وشرعت
    باستدارة أُخرى.
    قال الشيخ:
    «لقد حركتها، لقد حركتها إذن».
    وشعر بالدوار مرَّةً أُخرى، ولكنه استمر بالضغط على
    السمكة العظيمة بكل استطاعته، وفكر: «إنَّني حرَّكتها، ربما
    هذه المرة سأتمكن منها»، وفكر في نفسه قائلًا: اسحبا يا
    يدي، واثبتا يا ساقي، وابق معي يا رأسي، ابق معي، فأنتَ لم
    تتركني قط، هذه المرة سأسحبها إليَّ.
    ولكنه عندما استجمع جهده كله، وشرع قبل أن تقترب
    السمكة من جانب القارب بجرها بكل قوته، اندفعت
    السمكة مقلبةً، ثم استقامت، وسبحت مبتعدةً عنه. قال الشيخ:
    . «أيتها السمكة، إنك ستموتين على أية حال، فهل عليكِ
    أن تقتليني أيضًا»؟
    وفكر: «بهذه الطريقة لا يُنجَزُ شَيْءٌ».
    كان فمه جافًا جدا، بحيث لم يكن بإمكانه التكلم، ولكنه
    لم يستطع الوصول إلى الماء الآن، وفكر: «يجب أن أجلبها
    إلى جانب القارب هذه المرة، فأنا لستُ قادرًا على احتمال
    دوراتٍ عديدةٍ أُخرى»، ثمّ ناجي نفسه قائلًا: «نعم أنت قادر
    على ذلك، إنَّكَ صالح إلى الأبد».
    وفي الدورة التالية، كاد الشيخ يظفر بالسمكة، ولكنها
    مرَّةً أُخرى- قومت نفسها، وسبحت مبتعدةً ببطء.
    قال الشيخ في نفسه: «إنك تقتلينني أيتها السمكة، ولكن
    لَكِ الحَقِّ في ذلك، فأنا لم أرَ أبدًا سمكةً أَعظم، أو أجمل، أو
    أهداً، أو أكثر نُبلًا منك، أيتها الأُخت، تعالي اقتليني، فلستُ
    أبالي مَنْ يقتل مَنْ».
    وقال في نفسه: «الآن صار رأسُكَ مُشوَّشًا، يجب عليكَ
    أن تحتفظ برأسك صافيا، احتفظ برأسك صافيًا، وتعلم كيف تحتمل الألم كرجل أو كسمكة».
    وقال بصوت كان من الصعب عليه سماعه:

  • «كُنْ صافيًا يا رأسي.. اصْفُ».
    وتكرر الأمر مرتين عند دوران السمكة.
    وقال الشيخ في نفسه: «لا أدري»، وكان على وشك أن
    يُحِس بالإغماء في كُلِّ مَرَّة، «لا أدري، ولكن سأحاول مرَّةً
    أخرى».
    وأعاد المحاولة، فشعر بالدوار عندما قَلَبَ السَّمكة،
    واستقامت السمكة وسبحث ببطء مبتعدةً كَرَّةً أُخرى، وذيلها
    الضخم يرفرف في الهواء.
    سأحاول مرَّةً أخرى، هكذا عاهد الشيخ نفسه، على الرغم
    من أن يدَيْه غدتا واهِنتَين، ولم تعد في مقدوره الرؤية جيّدًا إِلَّا
    في ومضات.
    وحاول مرَّةً أُخرى، فكانت كسابقاتها، وعزم على إعادة
    الكرة، وهو يُحِسُّ بأنه سينهار قبل أن يبدأ المحاولة.
    استجمع كل ألمه وما تبقى من قوته وعزة نفسه التي تلاشت منذ أمد طويل، وحشد كل ذلك في مجابهة معاناة
    السمكة، فتحوّلت السمكة إلى جانبه، وسبحت برفق في
    محاذاته، وكاد أنفها يلامس خشب المركب، وأخذت تمرُّ
    بالقارب طويلة، وسميكة، وعريضة، وفضيّةً، تُزينها خطوط
    أرجوانية لا متناهية في الماء.
    ألقى الشيخ بالخيط، ووضع قدمه عليه، ورفع الحربة إلى
    أعلى ما يستطيع، وبكل قوته، وبقوة إضافية استجمعها في
    تلك اللحظة غرز الحربة في جنب السمكة تماما خلف الزعنفة
    الصدرية الكبيرة التي كانت ترتفع عاليًا في الهواء إلى مستوى
    صدر الشيخ، فأحس بحديد الحربة ينغرز في السمكة، فانحنى
    فوقه، ودفعه أبعد، واضعا كل ثقله عليه.
    بَيد أن السمكة خرجت حيّة، وهي تحمل موتها في ذاتها،
    وارتفعت عاليا خارج الماء، عارضةً كل طولها وعرضها
    العظيمين وجميع بأسها وجمالها، وبدَتْ معلقة في الهواء
    فوق الشيخ في المركب، ثم سقطت في الماء بارتطام أطلق
    رشاشا من الماء على الشيخ وعلى المركب بأكمله.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

A literature re...

A literature review on road accidents would typically cover factors contributing to accidents, such ...

المقابلة مع أبو...

المقابلة مع أبو سمير تقدم نظرة عميقة ومؤثرة عن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في القدس الشرقية، ل...

في نهاية عملنا ...

في نهاية عملنا هذا بعدما تم إستعراض واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و استنتجنا انها تلعب دور هام في ...

تحسين صورة العل...

تحسين صورة العلامة التجارية من خلال الألوان يعد اللون أداة قوية في العلامة التجارية ويمكن أن يكون له...

الكثيرات من الف...

الكثيرات من الفتيات المقبلات على الزواج لا يجدن الطهى بشكل محترف أو جيد، لذلك يشعرن بالقلق والتوتر ع...

When 27-year-ol...

When 27-year-old Aron Ralston set out to climb in the remote Blue John Canyon in Utah one Sunday in ...

عزيزي مصطفى تس...

عزيزي مصطفى تسَلَّمتُ رسالتَكَ الآن، وفيها تُخبرُني أنَّكَ أتْمَمْتَ لي كُلَّ ما أحتاجُ إليهِ لِيدع...

لإصلاح شخصية ال...

لإصلاح شخصية الإنسان وتقويم سلوكه في الحياة الدنيا، وعلى ضوء ذلك نستخلص أن التربية تعني «عملية إيصال...

الاحتياجات الشخ...

الاحتياجات الشخصية: اختلافات في الاحتياجات الشخصية والاجتماعية تؤثر على استجابة الطلاب للرموز. من يح...

To establish st...

To establish stable physician–patient relationships, improving patient trust in doctors is essential...

الغاء اٌماف الت...

الغاء اٌماف التنفٌذ :. - اذا لم ٌمم المحكوم علٌه بتنفٌذ الشروط المفروضة علٌه . -1 اذا ارتكب المحكوم ...

احتلت مشكلة الس...

احتلت مشكلة السكن مساحة مهمة في عصر ساده الضعف الاقتصادي فالحروب والازمات التي مرت بها الدول لا سيما...