Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

تسَلَّمتُ رسالتَكَ الآن، لكنْ، سيبدو لكَ غريباً بعضَ الشيءِ أنْ أحْمِلَ إليكَ هذا النبأ. وثقْ يا مصطفى أنني لا أشعرُ بالتردُّدِ أبداً، لقد غيَّرتُ رأيي، ولن أبرحَ أبداً. عندما أخذتُ إجازتي في حَزيرانَ، وجمعتُ كلَّ ما أملُكُ توقاً إلى الإنطلاقةِ الحلوةِ، لذكرياتهِ، كما تجذبُ النبعةُ قطيعاً ضالاًّ من العول؟
لا أعرفُ. وهي تبكي، ابنتِها الجريحِ في مستشفى غَزَّةَ، أنتَ تعرفُ ابنةَ أخي الجميلةَ، ذاتَ الأعوامِ الثلاثةَ عشرَ. في ذلكَ المساءِ اشتريتُ رطلاً من التُفّاحِ، وَيَمَّمتُ شطْرَ المستشفى أزورُ نادية. كنتُ أعرفُ أنَّ في الأمرِ شيئاً أخْفتْهُ عني أمي وزوجةُ أخي، شيئاً عجيباً لم أستطعْ أن أحدِّدَ أطرافه البتَّة. اعتدتُ أن أحبَّ كل ذلكَ الجيلِ الذي رضعَ الهزيمة والتشرُّدَ إلى حدٍّ حسبَ أنَّ الحياةَ السعيدةَ ضربٌ من الشذوذِ الاجتماعي. ماذا حدثَ في ذلكَ الساعة؟ لا أدري. لقد دخلتُ الغرفةَ البيضاء بهدوءٍ جمٌٍ. إنَّ الطفلَ المريضَ يكتسبُ شيئاً من القداسة، فكيفَ إذا كان الطفلُ مريضاً إثرَ جراحٍ قاسيةٍ مؤلمةٍ؟
كانت نادية مستلقيةً على فِراشِها، كان في عينيها الواسعتينِ صمتٌ عميقٌ، لكنَّهُ مُوحٍ كوجهِ نبيٍّ مُعَذَّب. ـ ناديةً !
لا أدري، أأنا الذي قلتُها، أم إنسانٌ آخرُ خلفي؟ لكنها رفعت عينها نحوي، وشعرتُ بهما تُذيباني كقطعةٍ من السكر سقطتْ في كوبِ شايٍ ساخن. ومع بسمتها الخفيفة سمعتُ صوتَها:
ـ عمي وصلتَ من الكويت!
وتكسَّرَ صوتُها في حنجرتِها، ورفعتْ رأسَها متكئةً على كفيها، ومدَّتْ عُنقها نحوي، فربَّتُ على ظهرِها، هدايا كثيرةً سأنتظركِ إلى حين تنهضينَ من فراشكِ سالمةً معافاةً، وتأتين داري فأسلِّمكِ إياها. ولقد اشتريتُ لكِ البنطالَ الأحمرَ الذي أرسلتِ تطلبينهُ مني. نَعمْ. لقد اشتريتُهُ. كانت كذبةً ولَّدَها الموقفُ المتوترُ. قولي يا نادية. ألا تُحبين البنطالَ الأحمرَ؟
ورفعتْ بصرَها نحوي، وهمَّتْ أنْ تتكلمَ. وشدَّتْ على أسنانها. وسمعتُ صوتَها مرةً أخرى من بعيد:
يا عمِّي!
ومدَّتْ كفَّها، لن أنسى ساقَ نادية المبتورةَ من أعلى الفَخِذِ. كانت الشمسُ الساطعةُ تملأ الشوارعَ بلون الدَّمِ. كانت غَزَّةُ، يا مصطفى، جديدةٌ كلُّ الجدَّةِ. سبعَ سنوات في النكبة كانت شيئاً جديداً. كانت تلوحُ لي أنها بدايةٌ. بدايةٌ فقط. كنتُ أتخيَّلُ الشارعَ الرئيسَ الذي أسيرُ فيهِ عائداً إلى داري لم يكن إلاّ بدايةً صغيرةً لشارعٍ طويلٍ يصلُ إلى صفَدَ. لقد قالوا لي: إن نادية فقدتْ ساقَها عندما ألقتْ بنفسِها فوقَ إخوتِها الصغار تحميهم من القنابلِ واللهبِ، وقد أنشبا أظفارهما في الدار. كانت ناديةُ تستطيعُ أن تنجو بنفسِها. لماذا؟


Original text

عزيزي مصطفى


تسَلَّمتُ رسالتَكَ الآن، وفيها تُخبرُني أنَّكَ أتْمَمْتَ لي كُلَّ ما أحتاجُ إليهِ لِيدعمَ إقامتي معك في جامعةِ “كاليفورنيا”.


لا بُدَّ لي يا صديقي من شكرِكَ. لكنْ، سيبدو لكَ غريباً بعضَ الشيءِ أنْ أحْمِلَ إليكَ هذا النبأ. وثقْ يا مصطفى أنني لا أشعرُ بالتردُّدِ أبداً، بل أكادُ أجزِمُ أنني لم أرَ الأمورَ بهذا الوضوحِ أكثرَ مني الساعةَ.


لا، يا صديقي.. لقد غيَّرتُ رأيي، فأنا لن أتْبعكَ إلى حيثُ “الخُضرةُ والماءُ والوجهُ الحَسَنُ” كما كتبتَ، بل سأبقى هنا، ولن أبرحَ أبداً.


عندما أخذتُ إجازتي في حَزيرانَ، وجمعتُ كلَّ ما أملُكُ توقاً إلى الإنطلاقةِ الحلوةِ، إلى هذه الأشياء الصغيرةِ التي تُعطي معنىً لطيفاً مُلوَّناً، وجدْتُغَزَّةَكما تَعهدُها تماماً، بأزقَّتِها الضيقةِ، ذاتِ الرائحةِ الخاصة، وبيوتِها ذواتِ المشارفِ الناتئةِ. هذه غَزَّةُ. لكن، ما هذهِ الأمورُ الغامضةُ، غيرُ المحدّدةِ، التي تجذُبُ الإنسانَ لأهلهِ، لبيتهِ، لذكرياتهِ، كما تجذبُ النبعةُ قطيعاً ضالاًّ من العول؟


لا أعرفُ. كلٌ الذي أعرفُ أنني ذهبتُ إلى أمي في دارِنا ذلكَ الصَّباحَ. وهناكَ قابلَتْني زوجةُ المرحوم ساعةَ وصولي، وطلبتْ إليَّ، وهي تبكي، أن ألبّيَ رغبة نادية، ابنتِها الجريحِ في مستشفى غَزَّةَ، فأزورها ذلكَ المساءَ. أنتَ تعرفُ ابنةَ أخي الجميلةَ، ذاتَ الأعوامِ الثلاثةَ عشرَ.


في ذلكَ المساءِ اشتريتُ رطلاً من التُفّاحِ، وَيَمَّمتُ شطْرَ المستشفى أزورُ نادية. كنتُ أعرفُ أنَّ في الأمرِ شيئاً أخْفتْهُ عني أمي وزوجةُ أخي، شيئاً لم تستطيعا أن تقولاه بألسنتِهما، شيئاً عجيباً لم أستطعْ أن أحدِّدَ أطرافه البتَّة.


لقد اعتدتُ أن أحبَّ نادية. اعتدتُ أن أحبَّ كل ذلكَ الجيلِ الذي رضعَ الهزيمة والتشرُّدَ إلى حدٍّ حسبَ أنَّ الحياةَ السعيدةَ ضربٌ من الشذوذِ الاجتماعي.


ماذا حدثَ في ذلكَ الساعة؟ لا أدري.


لقد دخلتُ الغرفةَ البيضاء بهدوءٍ جمٌٍ. إنَّ الطفلَ المريضَ يكتسبُ شيئاً من القداسة، فكيفَ إذا كان الطفلُ مريضاً إثرَ جراحٍ قاسيةٍ مؤلمةٍ؟


كانت نادية مستلقيةً على فِراشِها، وظهرُها معتمدٌ على مسندٍ أبيضَ انتثَرَ عليه شعرُها كفروةٍ ثمينةٍ. كان في عينيها الواسعتينِ صمتٌ عميقٌ، ودمعةٌ هي أبداً في قاعِ بُؤبُئِها الأسودِ البعيدِ، وكان وجهُها هادئاً ساكناً، لكنَّهُ مُوحٍ كوجهِ نبيٍّ مُعَذَّب.


ما زالت نادية طفلةً.. لكنها تبدو أكثرَ من طفلةٍ، أكثرَ بكثيرٍ وأكبرَ من طفلةٍ، أكبرَ بكثيرٍ.


ـ ناديةً !
لا أدري، أأنا الذي قلتُها، أم إنسانٌ آخرُ خلفي؟ لكنها رفعت عينها نحوي، وشعرتُ بهما تُذيباني كقطعةٍ من السكر سقطتْ في كوبِ شايٍ ساخن. ومع بسمتها الخفيفة سمعتُ صوتَها:
ـ عمي وصلتَ من الكويت!


وتكسَّرَ صوتُها في حنجرتِها، ورفعتْ رأسَها متكئةً على كفيها، ومدَّتْ عُنقها نحوي، فربَّتُ على ظهرِها، وجلستُ قُربَها:


ـ ناديةً ! لقد أحضرتُ لكِ هدايا من الكويت، هدايا كثيرةً سأنتظركِ إلى حين تنهضينَ من فراشكِ سالمةً معافاةً، وتأتين داري فأسلِّمكِ إياها. ولقد اشتريتُ لكِ البنطالَ الأحمرَ الذي أرسلتِ تطلبينهُ مني. نَعمْ.. لقد اشتريتُهُ.


كانت كذبةً ولَّدَها الموقفُ المتوترُ. وشعرتُ وأنا ألفظُها كأنني أتكلَّمُ الحقيقةَ أولَ مرَّة. أمّا نادية فقد ارتعشتْ كمن مسَّهُ تيٌارٌ صاعقُ. وطأطأتْ رأسَها بهدوءٍ رهيبٍ، وأحسستُ دمعَها يُبلِّلُ ظاهرَ كفيّ:


قولي يا نادية.. ألا تُحبين البنطالَ الأحمرَ؟


ورفعتْ بصرَها نحوي، وهمَّتْ أنْ تتكلمَ. لكنَّها كفَّتْ، وشدَّتْ على أسنانها. وسمعتُ صوتَها مرةً أخرى من بعيد:
يا عمِّي!


ومدَّتْ كفَّها، فرفعتْ بأصابعها الغطاء الأبيضَ، وأشارت إلى ساقٍ مبتورةٍ من أعلى الفخدِ..


يا صديقي!


لن أنسى ساقَ نادية المبتورةَ من أعلى الفَخِذِ. لا، ولن أنسى الحزنَ الذي جلَّلَ وجهَها، والدمعَ في تقاطيعه الحلوةِ إلى الأبدِ. لقد خرجتُ يومئذٍ من المستشفى إلى شوارعِ غَزَّةَ وأنا أشدُّ باحتقارٍ صارخٍ على “الجُنيهين” الّلذين أحضرتُهُما معي لأعطيَ نادية إياهما. كانت الشمسُ الساطعةُ تملأ الشوارعَ بلون الدَّمِ.


كانت غَزَّةُ، يا مصطفى، جديدةٌ كلُّ الجدَّةِ. لم نرها هكذا قطٌّ أنا وأنت غَزَّةُ هذه التي عشنا فيها، ومع رجالِها الطيبين، سبعَ سنوات في النكبة كانت شيئاً جديداً. كانت تلوحُ لي أنها بدايةٌ.. بدايةٌ فقط. لا أدري لماذا كنتُ أشعرُ أنها بدايةٌ فقط. كنتُ أتخيَّلُ الشارعَ الرئيسَ الذي أسيرُ فيهِ عائداً إلى داري لم يكن إلاّ بدايةً صغيرةً لشارعٍ طويلٍ يصلُ إلى صفَدَ.


كلُّ شيء كان في غَزَةَ هذهِ ينتفضُ حزناً على ساق نادية المبتورة، حُزناً لا يقفُ على حدودِ البُكاءِ. إنّهُ التحدِّي. بل أكثر من ذلك. إنّهُ شيءٌ يُشبهُ استردادَ الساقِ المبتورة!


لقد خرجتُ إلى شوارع غَزَّةَ. شوارعُ يملؤها ضوءُ الشمسِ الساطع. لقد قالوا لي: إن نادية فقدتْ ساقَها عندما ألقتْ بنفسِها فوقَ إخوتِها الصغار تحميهم من القنابلِ واللهبِ، وقد أنشبا أظفارهما في الدار. كانت ناديةُ تستطيعُ أن تنجو بنفسِها.. أن تهربَ.. أن تُنقذَ ساقَها. لكنها لم تفعل. لماذا؟
لا، يا صديقي، لن آتيَ إلى “كاليفورنيا”، وأنا لستُ آسفاً البتَّةَ. هذا الشعورُ الغامضُ الذي أحسستهُ وأنتَ تغادرُ غَزَّةَ.. هذا الشعورُ الصغيرُ يجبُ أن ينهضَ عملاقاً في أعماقكَ، يجبُ أن تبحثَ عنهُ كي تجدَ نفسكَ، هنا بين أنقاضِ الهزيمةِ.


لن آتيَ إليكَ.. بل عُدْ أنتَ إلينا. عُدْ لتتعلَّمَ من ساقِ نادية المبتورةِ ما الحياةُ؟ وما قيمةُ الوجود؟
عُدْ يا صديقي. . فكلنا ننتظركَ.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

A literature re...

A literature review on road accidents would typically cover factors contributing to accidents, such ...

المقابلة مع أبو...

المقابلة مع أبو سمير تقدم نظرة عميقة ومؤثرة عن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في القدس الشرقية، ل...

في نهاية عملنا ...

في نهاية عملنا هذا بعدما تم إستعراض واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و استنتجنا انها تلعب دور هام في ...

تحسين صورة العل...

تحسين صورة العلامة التجارية من خلال الألوان يعد اللون أداة قوية في العلامة التجارية ويمكن أن يكون له...

الكثيرات من الف...

الكثيرات من الفتيات المقبلات على الزواج لا يجدن الطهى بشكل محترف أو جيد، لذلك يشعرن بالقلق والتوتر ع...

When 27-year-ol...

When 27-year-old Aron Ralston set out to climb in the remote Blue John Canyon in Utah one Sunday in ...

عزيزي مصطفى تس...

عزيزي مصطفى تسَلَّمتُ رسالتَكَ الآن، وفيها تُخبرُني أنَّكَ أتْمَمْتَ لي كُلَّ ما أحتاجُ إليهِ لِيدع...

لإصلاح شخصية ال...

لإصلاح شخصية الإنسان وتقويم سلوكه في الحياة الدنيا، وعلى ضوء ذلك نستخلص أن التربية تعني «عملية إيصال...

الاحتياجات الشخ...

الاحتياجات الشخصية: اختلافات في الاحتياجات الشخصية والاجتماعية تؤثر على استجابة الطلاب للرموز. من يح...

To establish st...

To establish stable physician–patient relationships, improving patient trust in doctors is essential...

الغاء اٌماف الت...

الغاء اٌماف التنفٌذ :. - اذا لم ٌمم المحكوم علٌه بتنفٌذ الشروط المفروضة علٌه . -1 اذا ارتكب المحكوم ...

احتلت مشكلة الس...

احتلت مشكلة السكن مساحة مهمة في عصر ساده الضعف الاقتصادي فالحروب والازمات التي مرت بها الدول لا سيما...