Lakhasly

شيئان يحققان النصر : وضوح الرؤية والمقاومة الميدانية ....
كل ارتباك في الرؤية، وكل تتعتع في تحديد الهدف، يؤثران بالضرورة على التحرك على الأرض، ويضعفان الأداء، ويشعبان طريق الخلاص، ويمددان في زمن التخلص من الإنقلاب، بأن يعطيانه "نفسا"، ويمكنانه من استثمار الوضع نحو مزيد من التحكم والسيطرة، وتدارك عثراته، ومراجعة استراتيجياته وتكتيكاته نحو مزيد تثبيت أقدامه، والتجرؤ أكثر على تنفيذ مخططاته
التقييم الذي يمكن أن نستخلصه من التسعة أشهر الماضية من عمر الانقلاب، يعطينا في وجه من وجوهه هذه النتيجة ارتبك الانقلاب، ولكن ارتباك مقاوميه مكنه من المضي قدما في تحقيق خطته ...
النقد الذي وجهناه لمواطنون ضد الانقلاب هو من هذه الزاوية ... دعمنا ولا زلنا ندعم مواطنون ضد الانقلاب، وهي الفاعل الحقيقي الذي بادر بمقاومة الانقلاب على الأرض .... نتفهم حرصهم على تجميع قوى الثورة إذ لا نجاح بصف ثوري منقسم .... نعرف رغبتهم في عدم التقدم عمليا وميدانيا وحتى برامجيا حتى يتهيئ الجميع لفعل جماعي يشعرهم أنهم يصنعونه مع بعض . هم أدرى بحساسية الساحة السياسية والحسابات الدقيقة التي عليهم مراعاتها، حتى يوفروا فرصا أكبر لالتحام الجميع نحو هدف مشترك وبرنامج ميداني مشترك قادر على مقاومة ومقارعة الانقلاب ..... كل ذلك نتفهمه ... وندرك الأخاديد العميقة التي وقع حفرها بين مكونات القوى الثورية ... لكن كل ذلك لا يجب أن يكون على حساب وضوح الهدف ووضوح خارطة الطريق
انتظار إمعان الانقلاب في ورطته حتى يقتنع الجميع أنه لا بديل عن مقاومة الانقلاب، وأن الطريق لإسقاطه يمر حتما بعزل المنقلب ... عملية الانتظار تلك عملية مكلفة ... لأنها ستمكن المنقلب من التمدد أكثر وفرض الأمر الواقع الذي لا شك أنه سيعقد المقاومة أكثر ... وهذا ما يحصل الآن ..... كل تأخر في التقدم على الأرض يعني تقدم خصمك ... كل توقف أيضا يعني تقدم خصمك . كل تأخر في تحديد الهدف يعني تقدم خصمك ... كل الأهداف التكتيكية" تتحول أمام عدم وضوح الهدف الاستراتيجي إلى خادم للانقلاب ..... لأنها تبني وعيا مفاده البحث عن حل مع الانقلاب قائم على الحوار والتفاوض .... كل ذلك يستثمره الانقلاب ولا يفيد جبهة مقاومته، بل يعطل أداءها ويضعف تقدمها ويشتت جهودها . عدم نضج الساحة للتقدم العملي في أشكال أرقى للمقاومة الميدانية للانقلاب لا يعني أن لا يكون هدفك واضحا ... عدم نضج الساحة يعالج بالإصرار والاشتغال على تثبيت الوعي الصحيح والتدرج في الأشكال النضالية ولا شيئ غير ذلك . كتبت مبكرا أنه لا يسقط الانقلاب الا الساحات الرافضة والصامدة ... لا يسقط الانقلاب إلا تفكك جبهته الداخلية ... إلا تخلي الأمن والجيش والإعلام والاتحاد عنه وهؤلاء جميعهم لا يتخلون إلا بالمقاومة الميدانية ... إلا بالشارع المقاوم ... مقاومة ميدانية صامدة ومستعدة لتقديم التضحيات لا يسقط انقلاب بدون تضحيات .... التضحيات هي التي تزرع بذور التفكك في جبهته ولا شيئ غير التضحيات ..... مواطنون ضد الانقلاب وجبهة الخلاص الوطني إذا لم تكن خطتهما الميدانية وخارطة طريقهما مبنية على هاته القناعة، فلن يحققا هدف مقاومة الانقلاب، بل قد يكونان عونا له من حيث لا يشعران ويتحولان دليلا على الحرية التي يصونها وعلى
"الديمقراطية" التي يحافظ عليها !!!
تسعة أشهر كافية وزيادة كي تجعل جبهة مقاومي الانقلاب تغسل يدها من وهم "الحوار" مع الانقلاب، ومن وهم "الحلول التوافقية" معه، ومن وهم إقناع الاتحاد بأن يقترب منهم ويبتعد عن المنقلب، ومن وهم عودة الرشد للقوى الصلبة من جيش وأمن، ومن وهم
انقلاب الإعلام ضده، ومن وهم الضغط الخارجي عليه ... هؤلاء جميعا لن يغيرهم إلا صمودنا الميداني ... إلا تضحياتنا على الأرض .... إلا استراتيجيتنا الواضحة الجلية في رفض الانقلاب
والمنقلب ... إلا تكتيكاتنا وقدرتنا على إدارة الصراع وغزو القلوب والعقول: قلوب وعقول الشعب كشفا وتثبيتا، وقلوب وعقول جبهة الانقلاب فضحا وتخذيلا
برنامج جبهة الخلاص المعلن من طرف سي نجيب الشابي يثير القلق من هذه الزاوية، حين يتحدث عن حكومة إنقاذ وعن حوار وطني وعن انتخابات مبكرة ! ... ما لم يكن ذلك بعد اسقاط الانقلاب، يعني صراحة بعزل رأس الانقلاب، فلن يكون له معنى ولا تحقق على الواقع .... ليس له معنى من حيث أنه يبني مستقبلا مغشوشا، وليس له إمكانية التحقق لأنه يتوهم الوصول الى
حل مع المنقلب.
النقطة المهمة الأخرى هي أنه برنامج يفرط من حيث قصد أو لم يقصد في خيط الشرعية المتين وهو البرلمان والدستور، ويفتح الطريق لإمكانية التوصل إلى حلول خارجه وهو لعمري خطأ استراتيجي كبير وعواقبه وخيمة.
على مستوى أشكال المقاومة ... لحد الآن هناك فقط تركيز على المقاومة القانونية وعلى السلمية وهو لعمري ارتباك لا يشجع ولا يجرئ على مقاومة الانقلاب ... عن أي قانون يتحدثون مع من داس كل شيى له علاقة بالقانون ؟ والحديث عن السلمية بقدر أهميته إلا انه يقدم
بطريقة تجعل الدخول في أشكال من المقاومة المدنية وكأنها مس من السلمية ! الوقفات سلمية، والتظاهرات سلمية، والاعتصامات سلمية، والاقتحامات سلمية، وفرض أجندة التحرك الميداني سلمية ..... والمقاطعة سلمية، والعصيان المدني سلمية ... الرد على استعمال القوة المفرطة والنارية بالصمود والصدور العارية سلمية
بدون فلسفة: لم يسقط انقلاب بالمطالب والنداءات، ولا بالمقالات والخطابات، ولا بالرسائل المباشرة وغير المباشرة .... سيضل الانقلاب يصارع لآخر لحظة ... لآخر ثانية التاريخ علمنا ان لحظات التفاوض الأخيرة ممكن أن تشهد خيانة المنجز وإجهاض النضالات، حين تلعب مفاوضات التسليم والتسلم دور الإنقاذ للمنقلب وزبانيته، ليس فقط إنقاذ أرواحهم، بل إنقاذ مواقعهم ومصالحهم ......
لكل ذلك بقدر ما تكون جبهة المقاومة قوية وصامدة وجاهزة لكل السيناريوهات وبدائلها مكتملة، بقدر ما تكون قدرتها على تجميع الفرقاء أقوى، وعلى تحشيد الشعب أسرع .... وتلك هي الشروط التي لا بديل عنها لإسقاط الانقلاب.