Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

الوحي هو الأساس الأول الذي يقوم على حقيقته معنى النبوة والرسالة ، ذلك أن حقيقة ( الوحي ( هي الفيصل الوحيد بين الإنسان الذي يفكر من عنده ويشرع بواسطة رأيه وعقله ، في تكلف وتمحل ، بل وحتى الصرع أيضاً ، وذلك لعلمهم بأن موضوع ( الوحي ) هو منبع يقين المسلمين وإيمانهم بما جاء به محمد الله من عند الله ، فلئن أتيح تشكيك المسلمين بحقيقته أمكن تكفيرهم بكل ما قد يتفرع عنه من عقائد وأحكام ، أخذ محترفو الغزو الفكري ، وراح كل منهم يسلك إلى ذلك ما يروق لخياله من فنون التصورات المتكلفة الغريبة . فمن متصور بأن محمداً ( عليه الصلاة والسلام ) لم يزل يفكر . إلى أن تكونت في نفسه بطريقة الكشف التدريجي المستمر عقيدة كان يراها الكفيلة بالقضاء على الوثنية ؛ ومن مفضل على ذلك إشاعة القول بأنه لا تعلم القرآن ومبادئ الإسلام من بحيرا الراهب ؛ هو الخبر الذي نقل إلينا عن طريق القرآن وعن طريق السيرة وصحاح السنة ، لما كان لها وجود في أفكارنا ولا في أفكار أعداء الإسلام ، ومعنى هذا الكلام ، وسبب الاتفاق على ذلك دليل التاريخ ، التاريخ الذي يتمثل في وثيقة القرآن والسنة الصحيحة والسيرة النبوية ، إذا رأيناها تتولى تفسيرها بجلاء ووضوح ، إن كل مفكر يعلم أن الباحث لا مفر له من سلوك أحد سبيلين : إما أن يضرب صفحاً عن حديث التاريخ كله وعن هذه النصوص الواردة جميعها ، وإما أن يعتمدها ولا يسعه إنكارها ، وعندئذ فإن عليه أن يلقي السمع إلى كل ما تثبته وتنطق به هذه النصوص من الحقائق والوقائع. ولذلك صح لنا أن نقول ـ في غير مبالغة ولا تجن على الحقيقة - : إن أولئك الذين يعمدون إلى القرآن ونصوص السنة والسيرة ، فيستلون منها كلمة الوحي مجردة ومشذبة عن كل ما يتولى تفسيرها وبيانها من تلك النصوص نفسها ، لا يرى العاقل مسوغاً للقول بها إلا التهرب من الإقرار بنبوته عليه الصلاة والسلام - ندرك في جلاء ووضوح الحكمة الإلهية الباهرة ، من بدء نزول الوحي عليه الصلاة والسلام بهذه الطريقة التي صح ورودها في حديث الإمام البخاري وغيره :
لماذا رأى رسول الله الله جبريل بعيني رأسه لأول مرة ، وقد كان بالإمكان أن يكون الوحي من وراء حجاب ؟
وقد كان ظاهر محبة الله لرسوله وحفظه له تقضي أن يلقي السكينة في قلبه ويربط على فؤاده فلا يخاف ولا يرتعد ؟ لماذا خشي على نفسه أن يكون هذا الذي ساوره طائفاً من الجن ولم يستيقن من أول الأمر أنه ملك أمين من عند الله ؟
القائمة على المنهج العلمي اليقيني ، والواقية عن الوقوع في شرك محترفي الغزو الفكري والتأثر بأخيلتهم المتكلفة الباطلة. لقد فوجئ محمد عليه الصلاة والسلام وهو في غار حراء بجبريل أمامه يراه بعينه ، حتى . يتبين أن ظاهرة الوحي ليست أمراً ذاتياً داخلياً مرده إلى حديث النفس المجرد ، قائلاً في كل مرة : اقرأ ، وأن ظاهرة الوحي هذه لم تأت منسجمة أو متمة لشيء مما قد كان يتصوره أو يخطر في باله ، ولا شك أن هذا ليس شأن من يتدرج في التأمل والتفكير إلى أن تتكون في نفسه - بطريقة الكشف التدرجي المستمر - عقيدة يؤمن بالدعوة إليها . يدل على ذلك القياس اليقيني القائم على استقراء الحالات وجميع الظروف المشابهة وليس ثمة أي انسجام بين التدرج في التفكير والتأمل من ناحية ، وإلا للزم من ذلك أن يعيش جميع المفكرين والمتأملين نها الدفعات من الرعب والخوف المفاجئة المتلاحقة . وأنت خبير أن الخوف والرعب ورجفان الجسم وتغير اللون - كل ذلك من الانفعالات القرية التي لا سبيل إلى اصطناعها والتمثيل بها ، وفرضنا المستحيل من انقلاب طباعه المعروفة قبل البعثة من الصدق والأمانة إلى عكس ذلك تماماً . ويتجلى مزيد من صورة المفاجأة المخيفة لديه ، في توهمه بأن هذا الذي رأه وغطه وكلمه في الغار قد يكون طائفاً من الجن ، إذ قال الخديجة بعد أن أخبرها الخبر : ( لقد خشيت على نفسي ( أي من الجان . وقد كان الله عز وجل قادراً أن يربط على قلب رسوله ويطمئن نفسه بأن هذا الذي كلمه ليس إلا جبريل : ملك من ملائكة الله جاء ليخبره أنه رسول الله إلى الناس ولكن الحكمة الإلهية الباهرة اقتضت إظهار الانفصال التام بين شخصية محمد الله قبل البعثة وشخصيته بعدها ، وإزالة الغاشية اللبس التي كانت تحوم حول نفسه بالخوف والتصورات المختلفة عن تفسير ما راه وسمعه . أما انقطاع الوحي بعد ذلك ، من أنه الإشراق النفسي المنبعث لديه من طول التأمل والتفكير ، ثم يتحول القلق لديه إلى خوف في نفسه من أن يكون الله عز وجل قد قلاه بعد أن أراد تشريفه بالوحي والرسالة ، لسوء قد صدر منه ، حتى لقد ضاقت الدنيا عليه . أن يلقي بنفسه منها إلى أن رأى مرة أخرى الملك الذي رآه في حراء ، وقد ملأ شكله ما بين السماء والأرض يقول : يا محمد إنك رسول الله إلى الناس ، حيث نزل عليه قوله تعالى : ( يا أيها المدثر قم فأنذر . إن هذه الحالة التي مر بها رسول الله ﷺ ، تجعل مجرد التفكير في كون الوحي إلهاماً نفسياً ، إذ من البداهة بمكان أن صاحب الإلهامات النفسية والتأملات الفكرية لا يمر إلهامه أو تأمله بمثل هذه الأحوال . القائمين على الاستقراء التام . فإنك لو ذهبت تفسر الوحي رغم ثبوت هذا النص ، بتلك التفسيرات الحدسية المتخيلة ، لاستلزم ذلك عدة نتائج كلها باطلة لا يمكن أن يصدقها العقل . لك أن تقول : إنني لا أضع في حسابي ثبوت هذا النص وأمثاله ( وإن كان ذلك مكابرة في تكذيب الخبر اليقيني ( ولكنا نقول لك حينئذ : فمن أين ثبتت لك إذا كلمة الوحي في حياته عليه الصلاة والسلام ؟! ولماذا تتعب نفسك في البحث عما تهواه من التفسيرات لها ، مادمت لا تصدق النصوص التي هي منبع هذه الكلمة وأساسها ؟
وربما عاد بعد ذلك سائل يقول : فلماذا كان ينزل الوحي عليه الله ، وهو بين الكثير من أصحابه فلا يرى الملك أحد منهم سواه ؟
والجواب أنه ليس من شرط وجود الموجودات أن ترى بالأبصار ، إذ إن وسيلة الإبصار فينا محددة بحد معين ، يقول مالك بن نبي في هذا الصدد :
إن عمى الألوان مثلاً يقدم لنا حالة نموذجية ، لا يمكن أن ترى فيها بعض الألوان بالنسبة لكل العيون ، وهناك أيضاً مجموعة من الإشعاعات الضوئية دون الضوء الأحمر وفوق الضوء البنفسجي لاتراها أعيننا ، فقد توجد عيون يمكن أن تكون أقل أو أكثر حساسية )
ثم إن استمرار الوحي بعد ذلك يحمل نفس الدلالة على حقيقة الوحي وأنه ليس كما أراد المشككون ، ظاهرة نفسية محضة . ١ - التمييز الواضح بين القرآن والحديث ، لا لأن الحديث كلام من عنده لا علاقة للنبوة به ، فكان يحاذر أن يختلط كلام الله عز وجل الذي تلقاه من جبريل بكلامه هو . فلا يجيب عليها ، طلب السائل وتلا عليه مانزل من القرآن في شأن سؤاله . - كان رسول الله الله أمياً . وليس من الممكن أن يعلم إنسان بواسطة المكاشفة النفسية حقائق تاريخية ، كقصة يوسف ، وقصة فرعون . - إن صدق النبي الله أربعين سنة مع قومه واشتهاره فيهم بذلك ، يستدعي أن يكون ل ، صادقاً مع نفسه ، ولذا فلا بد أن يكون قد قضى في دراسته الظاهرة الوحي على أي شك يخايل لعينيه أو فكره
وجدنا هذا الخبر نفسه يضعنا أمام وقائع وأحداث معينة.


Original text

الوحي هو الأساس الأول الذي يقوم على حقيقته معنى النبوة والرسالة ، ومن ثم فهو المنبع الأول لعامة الإخبارات الغيبية وشؤون العقيدة وأحكام التشريع ، ذلك أن حقيقة ( الوحي ( هي الفيصل الوحيد بين الإنسان الذي يفكر من عنده ويشرع بواسطة رأيه وعقله ، والإنسان الذي يبلغ عن ربه دون أن يغير أو ينقص أو يزيد


من أجل هذا يهتم أعداء الإسلام ، بمعالجة موضوع الوحي في حياته ويبذلون جهداً فكرياً شاقاً ، في تكلف وتمحل ، من أجل التلبيس على حقيقته والخلط بينه وبين الإلهام وحديث النفس ، بل وحتى الصرع أيضاً ، وذلك لعلمهم بأن موضوع ( الوحي ) هو منبع يقين المسلمين وإيمانهم بما جاء به محمد الله من عند الله ، فلئن أتيح تشكيك المسلمين بحقيقته أمكن تكفيرهم بكل ما قد يتفرع عنه من عقائد وأحكام ، وأمكنهم أن يحملوهم على الاستجابة لفكرة أن كل ما دعا إليه محمد . من المبادئ والأحكام التشريعية ليس إلا من تفكيره الذاتي .


من أجل تحقيق هذه الغاية ، أخذ محترفو الغزو الفكري ، يحاولون تأويل ظاهرة الوحي وإبعادها عما يرويه لنا بشأنها المؤرخون وترويه صحاح السنة الشريفة ، كما يحاولون تجريدها عن حقيقتها الظاهرة ، وراح كل منهم يسلك إلى ذلك ما يروق لخياله من فنون التصورات المتكلفة الغريبة .


فمن متصور بأن محمداً ( عليه الصلاة والسلام ) لم يزل يفكر .. إلى أن تكونت في نفسه بطريقة الكشف التدريجي المستمر عقيدة كان يراها الكفيلة بالقضاء على الوثنية ؛ ومن مفضل على ذلك إشاعة القول بأنه لا تعلم القرآن ومبادئ الإسلام من بحيرا الراهب ؛ ومن قائل بأن الأمر ليس هذا ولا ذاك ولكن محمداً كان رجلاً عصبياً أو مصاباً بداء الصرع.


وأعتقد أن من حق أي عاقل من الناس أن يبادر فيسأل عن البرهان العلمي الذي اعتمده هؤلاء المتصورون لإثبات مزاعمهم هذه عن الوحي وحقيقته خصوصاً وهم الذين يتهموننا كما قد علمت بأننا نقيم بحوثنا الدينية على أساس العقيدة فقط دون العلم ، فأين هو العلم أو حتى صورة العلم في بحوثهم هم ؟!..


أما نحن فنقول : إن مصدر كلمة ( الوحي ) في حياة محمد عليه الصلاة والسلام ، هو الخبر الذي نقل إلينا عن طريق القرآن وعن طريق السيرة وصحاح السنة ، فلولا أن الكلمة وردت إلينا من هذه المصادر ، لما كان لها وجود في أفكارنا ولا في أفكار أعداء الإسلام ، ومن ثم لم يكن ليقوم حولها أي بحث ولم تكن لتفسر بأي نظرية من النظريات أو معنى من المعاني لا عندنا نحن المسامين ولا عند أولئك الآخرين .


ومعنى هذا الكلام ، أن نسبة ( الوحي ( إليه عليه الصلاة والسلام ، من حيث هو ظاهرة مفهومة أو غير مفهومة ، أمر متفق عليه عند جميع الباحثين بما فيهم المستشرقون وأعداء الإسلام والناعقون من ورائهم ، وسبب الاتفاق على ذلك دليل التاريخ ، التاريخ الذي يتمثل في وثيقة القرآن والسنة الصحيحة والسيرة النبوية ، وفي مقدمة ذلك كله قصة بدء الوحي المروية في صحيح البخاري وغيره .


وإذا كان كلامنا هذا واضحاً لا شبهة فيه ، فينبغي إذا أن نرجع ، للوقوف على تفسير هذه الظاهرة ، إلى هذه المصادر التاريخية أيضاً ، إذا رأيناها تتولى تفسيرها بجلاء ووضوح ، وليس معقولاً أبداً أن نستدل لإثبات كلمة ( الوحي ) على اعتبارها ظاهرة مبهمة في حياته عليه الصلاة والسلام ، بنصوص التاريخ وتقوله الصحيحة : ثم نضرب صفحاً عن هذه النصوص عندما تتولى لنا تفسير هذه الظاهرة وكشف اللثام عنها .


إن كل مفكر يعلم أن الباحث لا مفر له من سلوك أحد سبيلين : إما أن يضرب صفحاً عن حديث التاريخ كله وعن هذه النصوص الواردة جميعها ، وعندئذ فليس له أن يتحدث عن شيء اسمه الوحي في حياة رسول الله أصلاً لأن المفروض أنها كلمة غير موجودة في حياته ، وإما أن يعتمدها ولا يسعه إنكارها ، وعندئذ فإن عليه أن يلقي السمع إلى كل ما تثبته وتنطق به هذه النصوص من الحقائق والوقائع.


ولذلك صح لنا أن نقول ـ في غير مبالغة ولا تجن على الحقيقة - : إن أولئك الذين يعمدون إلى القرآن ونصوص السنة والسيرة ، فيستلون منها كلمة الوحي مجردة ومشذبة عن كل ما يتولى تفسيرها وبيانها من تلك النصوص نفسها ، ليرغموا الكلمة أن تحمل معاني وتأويلات أخرى غير تلك المعاني التي تولى التاريخ وتولت النصوص إعطاءها إياها - نقول : إن أولئك العابثين لا يعاندون العلم فقط ، بل إنهم ليعاندون العقل في أوضح مقتضياته البدهية المسلمة !!...


ونحن عندما نقارن بين تفسيرات هذه النصوص الحاسمة لظاهرة الوحي في حياته عمليه الصلاة والسلام ) وفي مقدمتها حديث بدء الوحي ) وما يفسرها به أولئك المستشرقون والمخاصمون للإسلام من أمور خيالية عجيبة ، لا يرى العاقل مسوغاً للقول بها إلا التهرب من الإقرار بنبوته عليه الصلاة والسلام - ندرك في جلاء ووضوح الحكمة الإلهية الباهرة ، من بدء نزول الوحي عليه الصلاة والسلام بهذه الطريقة التي صح ورودها في حديث الإمام البخاري وغيره :


لماذا رأى رسول الله الله جبريل بعيني رأسه لأول مرة ، وقد كان بالإمكان أن يكون الوحي من وراء حجاب ؟


لماذا قذف الله في قلبه عليه الصلاة والسلام الرعب منه والحيرة في فهم حقيقته ، وقد كان ظاهر محبة الله لرسوله وحفظه له تقضي أن يلقي السكينة في قلبه ويربط على فؤاده فلا يخاف ولا يرتعد ؟ لماذا خشي على نفسه أن يكون هذا الذي ساوره طائفاً من الجن ولم يستيقن من أول الأمر أنه ملك أمين من عند الله ؟


لماذا انفصل الوحي عنه بعد ذلك مدة طويلة ، وجزع النبي بسبب ذلك جزعاً عظيماً حتى إنه كان يحاول - كما يروي الإمام البخاري - أن يتردى من شواهق الجبال ؟


هذه أسئلة طبيعية بالنسبة للشكل الذي ابتدأ به الوحي ، ولدى التفكير في أجوبتها نجدها تنطوي على حكمة : ألا وهي أن يجد المفكر الحر فيها الحقيقة الناصعة ، القائمة على المنهج العلمي اليقيني ، والواقية عن الوقوع في شرك محترفي الغزو الفكري والتأثر بأخيلتهم المتكلفة الباطلة.


لقد فوجئ محمد عليه الصلاة والسلام وهو في غار حراء بجبريل أمامه يراه بعينه ، وهو يقول له أقرأ ، حتى . يتبين أن ظاهرة الوحي ليست أمراً ذاتياً داخلياً مرده إلى حديث النفس المجرد ، وإنما هي استقبال وتلق الحقيقة خارجية لا علاقة لها بالنفس وداخل الذات . وضم الملك إياه ثم إرساله ثلاث مرات ، قائلاً في كل مرة : اقرأ ، بعد تأكيداً لهذا التلقي الخارجي ومبالغة في نفي ما قد يتصور ، من أن الأمر لا يعدو كونه خيالاً داخلياً فقط.


ولقد داخله الخوف والرعب مما سمع ورأى ، حتى إنه قطع خلوته في الغار وأسرع عائداً إلى البيت يرجف فؤاده ، لكي يتضح لكل مفكر عاقل أن رسول الله لم يكن متشوقاً للرسالة التي سيدعى إلى حملها وبثها في العالم ، وأن ظاهرة الوحي هذه لم تأت منسجمة أو متمة لشيء مما قد كان يتصوره أو يخطر في باله ، وإنما طرأت طروءاً مثيراً على حياته ، وفوجئ بها ( بالرسالة ) دون أي توقع سابق .


ولا شك أن هذا ليس شأن من يتدرج في التأمل والتفكير إلى أن تتكون في نفسه - بطريقة الكشف التدرجي المستمر - عقيدة يؤمن بالدعوة إليها ...


ثم إن شيئاً من حالات الإلهام أو حديث النفس أو الإشراق الروحي أو التأملات العلوية لا يستدعي الخوف والرعب واصفرار اللون ، يدل على ذلك القياس اليقيني القائم على استقراء الحالات وجميع الظروف المشابهة وليس ثمة أي انسجام بين التدرج في التفكير والتأمل من ناحية ، ومفاجأة الخوف والرعب من ناحية أخرى ، وإلا للزم من ذلك أن يعيش جميع المفكرين والمتأملين نها الدفعات من الرعب والخوف المفاجئة المتلاحقة .


وأنت خبير أن الخوف والرعب ورجفان الجسم وتغير اللون - كل ذلك من الانفعالات القرية التي لا سبيل إلى اصطناعها والتمثيل بها ، حتى لو فرضنا إمكان صدور المخادعة والتمثيل منه عليه الصلاة والسلام ، وفرضنا المستحيل من انقلاب طباعه المعروفة قبل البعثة من الصدق والأمانة إلى عكس ذلك تماماً ..


ويتجلى مزيد من صورة المفاجأة المخيفة لديه ، في توهمه بأن هذا الذي رأه وغطه وكلمه في الغار قد يكون طائفاً من الجن ، إذ قال الخديجة بعد أن أخبرها الخبر : ( لقد خشيت على نفسي ( أي من الجان . ولكنها طمأنته بأنه ليس مما يطولهم أذى الشياطين والجان لما فيه من الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة .


وقد كان الله عز وجل قادراً أن يربط على قلب رسوله ويطمئن نفسه بأن هذا الذي كلمه ليس إلا جبريل : ملك من ملائكة الله جاء ليخبره أنه رسول الله إلى الناس ولكن الحكمة الإلهية الباهرة اقتضت إظهار الانفصال التام بين شخصية محمد الله قبل البعثة وشخصيته بعدها ، وبيان أن شيئاً من أركان العقيدة الإسلامية أو التشريع الإسلامي لم يطبخ في ذهن الرسول عليه الصلاة والسلام سابقاً ولم يتصور الدعوة إلى شيء منه سلفاً.


ثم إن فيما ألهم الله خديجة من الذهاب به عليه الصلاة والسلام إلى ورقة بن نوفل وعرض الأمر عليه ) وهو الشيخ الهرم العليم بشؤون النصرانية واليهودية ) ، تأكيداً من جانب آخر بأن هذا الذي فوجئ به عليه الصلاة والسلام إنما هو الوحي الإلهي الذي كان قد أنزل على الأنبياء من قبله ، وإزالة الغاشية اللبس التي كانت تحوم حول نفسه بالخوف والتصورات المختلفة عن تفسير ما راه وسمعه .


أما انقطاع الوحي بعد ذلك ، وتلبته ستة أشهر أو أكثر ، على الخلاف المعروف فيه ، فينطوي على مثل المعجزة الإلهية الرائعة . إذ في ذلك أبلغ الرد على ما يفسر به محترفو الغزو الفكري الوحي النبوي ، من أنه الإشراق النفسي المنبعث لديه من طول التأمل والتفكير ، وأنه أمر داخلي منبعث من أعماق ذاته .


لقد شاء الله عز وجل أن يحتجب عنه الملك الذي رآه لأول مرة في غار حراء ، مدة طويلة ، وأن يستبد به القلق من أجل ذلك ، ثم يتحول القلق لديه إلى خوف في نفسه من أن يكون الله عز وجل قد قلاه بعد أن أراد تشريفه بالوحي والرسالة ، لسوء قد صدر منه ، حتى لقد ضاقت الدنيا عليه .


وراحت تحدثه نفسه ، كلما وصل إلى ذروة جبل ، أن يلقي بنفسه منها إلى أن رأى مرة أخرى الملك الذي رآه في حراء ، وقد ملأ شكله ما بين السماء والأرض يقول : يا محمد إنك رسول الله إلى الناس ، فعاد مرة أخرى وقد استبد به الخوف والرعب إلى البيت ، حيث نزل عليه قوله تعالى : ( يا أيها المدثر قم فأنذر .. ) [ المدثر : ١ - ٢ ] .


إن هذه الحالة التي مر بها رسول الله ﷺ ، تجعل مجرد التفكير في كون الوحي إلهاماً نفسياً ، ضرباً من الجنون ، إذ من البداهة بمكان أن صاحب الإلهامات النفسية والتأملات الفكرية لا يمر إلهامه أو تأمله بمثل هذه الأحوال .


وإذا فإن حديث بدء الوحي على النحو الذي ورد في الحديث الثابت الصحيح ، ينطوي على تهديم كل ما يحاول المشككون تخييله إلى الناس في أمر الوحي والنبوة التي أكرم الله بها محمداً عليه الصلاة والسلام ؛ يهدم كل ذلك بكل من برهاني اللزوم البين والقياس اليقيني الأولى ، القائمين على الاستقراء التام . فإنك لو ذهبت تفسر الوحي رغم ثبوت هذا النص ، بتلك التفسيرات الحدسية المتخيلة ، لاستلزم ذلك عدة نتائج كلها باطلة لا يمكن أن يصدقها العقل .


نعم ، لك أن تقول : إنني لا أضع في حسابي ثبوت هذا النص وأمثاله ( وإن كان ذلك مكابرة في تكذيب الخبر اليقيني ( ولكنا نقول لك حينئذ : فمن أين ثبتت لك إذا كلمة الوحي في حياته عليه الصلاة والسلام ؟! ولماذا تتعب نفسك في البحث عما تهواه من التفسيرات لها ، مادمت لا تصدق النصوص التي هي منبع هذه الكلمة وأساسها ؟


وربما عاد بعد ذلك سائل يقول : فلماذا كان ينزل الوحي عليه الله ، وهو بين الكثير من أصحابه فلا يرى الملك أحد منهم سواه ؟


والجواب أنه ليس من شرط وجود الموجودات أن ترى بالأبصار ، إذ إن وسيلة الإبصار فينا محددة بحد معين ، وإلا لاقتضى ذلك أن يصبح الشيء معدوماً إذا ابتعد عن البصر بعداً يمنع من رؤيته . على أن من اليسير على الله جل جلاله - وهو الخالق لهذه العيون المبصرة أن يزيد في قوة ماشاء منها فيرى ما لا تراه العيون الأخرى ، يقول مالك بن نبي في هذا الصدد :


( إن عمى الألوان مثلاً يقدم لنا حالة نموذجية ، لا يمكن أن ترى فيها بعض الألوان بالنسبة لكل العيون ، وهناك أيضاً مجموعة من الإشعاعات الضوئية دون الضوء الأحمر وفوق الضوء البنفسجي لاتراها أعيننا ، ولاشيء يثبت عملياً أنها كذلك بالنسبة لجميع العيون ، فقد توجد عيون يمكن أن تكون أقل أو أكثر حساسية )


ثم إن استمرار الوحي بعد ذلك يحمل نفس الدلالة على حقيقة الوحي وأنه ليس كما أراد المشككون ، ظاهرة نفسية محضة . ونستطيع أن نجمل هذه الدلالة فيما يلي :


١ - التمييز الواضح بين القرآن والحديث ، إذ كان يأمر بتسجيل الأول فوراً . على حين يكتفي بأن يستودع الثاني ذاكرة أصحابه ، لا لأن الحديث كلام من عنده لا علاقة للنبوة به ، بل لأن القرآن موحى به إليه بالألفاظ والحروف ذاتها بواسطة جبريل عليه السلام ، أما الحديث فمعناه وحي من الله عز وجل ، ولكن لفظه وتركيبه من عنده عليه الصلاة والسلام ، فكان يحاذر أن يختلط كلام الله عز وجل الذي تلقاه من جبريل بكلامه هو ..


٢ - كان النبي الله يسأل عن بعض الأمور ، فلا يجيب عليها ، وربما مر على سكوته زمن طويل ، حتى إذا نزلت آية من القرآن في شأن ذلك السؤال ، طلب السائل وتلا عليه مانزل من القرآن في شأن سؤاله . وربما تصرف الرسول في بعض الأمور على وجه معين ، فتنزل آيات من القرآن تصرفه عن ذلك الوجه ، وربما انطوت على عتب عليه أو ملامة له .




  • كان رسول الله الله أمياً ... وليس من الممكن أن يعلم إنسان بواسطة المكاشفة النفسية حقائق تاريخية ، كقصة يوسف ، وأم موسى حينما ألقت وليدها في اليم .... وقصة فرعون ... ولقد كان هذا من جملة الحكم في كونه أمياً : وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذَا لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت : ٤٨ ] .




  • إن صدق النبي الله أربعين سنة مع قومه واشتهاره فيهم بذلك ، يستدعي أن يكون ل ، من قبل ذلك ، صادقاً مع نفسه ، ولذا فلا بد أن يكون قد قضى في دراسته الظاهرة الوحي على أي شك يخايل لعينيه أو فكره




وانظر إلى هذه الآية التي جاءت تعليقاً على تأملاته ودراسته الأولى في محاولة لاستكشاف حقيقة ما قد ساوره من هذا الأمر : ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ . لَقَدْ جَاءَكَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) [ يونس : ٩٤ ] .


ولذا روي أن النبي الله قال بعد نزول هذه الآية لا أشك ولا أسأل .


وتلخص المنهج الذي سلكناه في فهم حقيقة الوحي في حياته عليه الصلاة والسلام ، بأننا نجد أنفسنا أولاً أمام خبر يقيني وصل إلينا بالتواتر طبق شروطه المعروفة ، ألا وهو خبر أن النبي الله قد أوحي إليه .


وبذلك اجتزنا نصف المسافة إلى دراسة هذا الأمر، ولما أردنا أن تحلل هذه الظاهرة التي : تأكدنا من تلبس ! النبي الله بها ، وجدنا هذا الخبر نفسه يضعنا أمام وقائع وأحداث معينة.


فكان لابد من التصديق بذلك بعد أن صدقناه في إثبات أصل الوحي . ولما فرضنا ( مع تصديق هذه الوقائع واعتمادها ( أن يكون الوحي شيئاً مما يقوله الجاحدون بنبوته عليه الصلاة والسلام ، وجدنا هذه الفرضية تستلزم لزوماً بيناً نتائج باطلة لا يقبلها عقل أي مفكر .


فالملهمون والشعراء لا يقعون فريسة لارتعاد الفرائص واصفرار اللون عندما يمارسون شيئاً من التفكير ، ومحمد ال لا يعقل أن يكون منطوياً في وقت واحد على أدق صفات الأمانة والصدق وعلى أحط مظاهر التدجيل والكذب والتمثيل.


وإذا ظهر بطلان هذه النتائج في ميزان أي عقل ، ظهر بطلان الفرضية التي استلزمتها ، وإذا بطلت تلك الفرضيات . ثبت ما دلت عليه وقائع النصوص نفسها من أن الوحي لم يكن إلا تلقياً منه عليه الصلاة والسلام الحقيقة خارجة عن كيانه بعيدة عن إرادته ، لم يكن مستشرفاً لها ولا متوقعاً شيئاً منها ، وسنجد بعد ذلك عندما نتحدث عن القرآن وظاهرته أنه ليس إلا جبريل جاءه برسالة إلى البشر من عند الله.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

فخر الدين (٥٤٤ ...

فخر الدين (٥٤٤ - ٦٠٦ هـ، ١١٥٠ - ١٢١٠ م). أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي ا...

سقوط البالد من ...

سقوط البالد من ماوية موامين القلوى وملا تنطلوي عليلع ملن تنظليم وتلدريب وتسللي ووضلوح الرؤيلة واألهل...

للتساؤل حول فرق...

للتساؤل حول فرق بين النقد الفني والتذوق الفني.وجوابه هو ان كل ناقد فني هوة متذوق،لكن عكس ليس صحيح،فل...

الفصلالأول: نبذ...

الفصلالأول: نبذة عن ريادة الأعمال ودوافعها إنشاءشركة ناشئة .1I الشركةالناشئة هي شركة (مؤخراً) تم إنش...

ن يؤخذ برنامج ا...

ن يؤخذ برنامج التدريب بجدية بحيث لا يستغل وجود الطالبات المتدربات فيها بالقيام لعمال ليس لها علاقة ب...

تحديد طريقة عرض...

تحديد طريقة عرض البيانات المالية في التقارير المالية الحكومية ذات الغرض العام؛ لضمان القابلية للمقار...

إن العولمة ترتب...

إن العولمة ترتبط بشكل أساسي بالنموذج الرأسمالي وتطوره المتواصل تاريخياً، والذي يقود إلى نظام مهيمن ع...

بینت المادة 10 ...

بینت المادة 10 من القــــــانون رقم 20-05 أن المهمة الأســـــاسیة التي یتولاها المرصد، هو رصد كل أشك...

يتناول هذا التق...

يتناول هذا التقرير دراسة الأثر البيئي الأولي لإقامة مشروع مسلخ دواجن في منطقة دوما/ قضاء نابلس، حيث...

بعد احتساء الشي...

بعد احتساء الشيخ القهوة ذهب للصيد وهو يتمنى الحظ للجميع عندما يخرج الصيادون الى الصيد لا يسمعون س...

قد تؤدي جهود مج...

قد تؤدي جهود مجموعات الضغط البيئي مثل شبكة العدالة المناخية إلى تأثيرات غير مباشرة على الاقتصاد، على...

قبل السباحة كان...

قبل السباحة كان العوم الذي وجد بوجود الحياة، فقد فطر هللا الكثير من المخلوقات على العوم، واستطاع اإل...