Online English Summarizer tool, free and accurate!
المبحث الأول: العنف اللغوي في المستويين النحويّ والصرفيّ استيقظ الإنسانُ منذ البدء على صوت العنف، حتى أضحى العنف أبرز الظواهر الاجتماعيّة لمّا كان الإنسيّ لا يتحقق وجوده إلا بالاجتماع، وهنا مركز التناول، فهل وصل الأمر إلى أن تتلطخ اللغة بالعنف بفعل أصحابها؟ أم أن اللغة في أصل تكوينها سلطة رمزية تمارس سطوتها على مستعمليها؟ بوصفه ظاهرة تأخذ مداها المُنثال في مختلف مجالات الوجود الاجتماعيّ، المادي أو الفيزيائيّ، - وستنال هذه الفكرة وضوحها في مرحلة لاحقة – من البحث. ولا تنحصر في الكلام والتواصل، وإنما تنطوي على مخاض تاريخيّ وثقافيّ، فتحتفظ بتصورات وتجارب اجتماعيّة معينة، فاللغة رموز وكلمات يستعملها مجتمع معيّن تعبر عن مفاهيمه، والعقائد السائدة فيه، واتجاهاته الفكريّة، فهل يمكن عد تلك الأحضان مشحونة تترك ندوبها في آثار اللغة، أو أن مستعملي اللغة هم من يُحملون في استعمالهم الكلمات إلى لكمات؟ هي أسئلة مطروحة، ومسألة تحتاج التحقيق فيها. أولأ: العنف في النحو العربيّ: دراسة تحليليّة نقديّة يُعدّ النحو العربي أحد أهم علوم اللغة العربيّة ومفاتيحها، إذ يهدف إلى ضبط الكلام وفهمه وفق قواعد محددة، رغم ذلك فإنّ بعض الظواهر النحوية قد تحمل في طياتها دلالات عنيفة، سواء من حيث المصطلحات المستخدمة أم القواعد المتبعة، وقد أثارت هذه الظواهر جدلًا بين اللغويين والنقاد، إذ رأى بعضهم أنها تعكس ثقافة مجتمعية قائمة على الهيمنة والسيطرة، ورأى آخرون أنها اصطلاحات لغوية لا تحمل أي دلالات أيديولوجية. ولعل التركيب النحوي للغة يعكس تفكير المتكلمين بهذه اللغة( )، ولأن النحاة هم أبناء بيئتهم، فلم يكونوا بمنأى عن مجريات عصرهم والتأثر بها، وتأثيرها في الأنظمة اللّغويّة، فهي انعكاس للبنى الاجتماعيّة والسياسيّة. لكنّها لم تكن بمنأى عن استخدام خطاب يتسم أحيانًا بالعنف اللّغوي، فالنحو نظام بشريّ، ولعل هذا العنف يعكس عادات ثقافيّة يتصف بها المجتمع الصادرة عنه تلك اللغة، يستخدم النحو العربي مجموعة من المصطلحات التي تحمل دلالات عنيفة، إذ ثمة مصطلحات ومسائل في التراث النحوي تستوقف المتأمل، - الإعراب والبناء: يُستخدم مصطلح "الإعراب" للإشارة إلى تغيير حركة آخر الكلمة حسب موقعها الإعرابي، ويُستخدم مصطلح "البناء" للإشارة إلى ثبات حركة آخر الكلمة، الذي يلزم حالة واحدة، لأنه يعطي انطباعًا بأن الكلمة المبنية هي كلمة جامدة تمثل حالة من التحجيم، إذ إن "الإعراب هو الاختلاف، ألا ترى أن البناء ضده؟ وهو عدم الاختلاف اتفاقا، ولا يطلق البناء على الحركات: وإنما جُعِلَ الإعراب في آخر الكلمة " . قد يُنظر إلى هذا على أنه تحكم في التنوع اللغوي، أو محاولة لتوحيد الخطاب من خلال تقليص الإمكانات اللغوية، من جهة أخرى، قد تكون هذه الحالة من الثبات بمثابة “عنف لغوي” موجه نحو من لا يلتزم بهذا النظام أو لا يتحدث بالطريقة الصحيحة أو المقبولة لغويًا. مما قد يشير إلى نوع من التكيف القسري. وكأن المبني يتمتع بحصانة ضد التغيير مقارنة بالمُعرب الذي يخضع للتأثيرات الخارجية. الجمود (البناء) x المرونة (الإعراب)
المبحث الأول: العنف اللغوي في المستويين النحويّ والصرفيّ
استيقظ الإنسانُ منذ البدء على صوت العنف، حتى أضحى العنف أبرز الظواهر الاجتماعيّة لمّا كان الإنسيّ لا يتحقق وجوده إلا بالاجتماع، وهذا الاجتماع مشروط بأداة تواصل، وهي اللغة، وهنا مركز التناول، فهل وصل الأمر إلى أن تتلطخ اللغة بالعنف بفعل أصحابها؟ أم أن اللغة في أصل تكوينها سلطة رمزية تمارس سطوتها على مستعمليها؟
سجل التاريخ العنف الإنسانيّ، بوصفه ظاهرة تأخذ مداها المُنثال في مختلف مجالات الوجود الاجتماعيّ، وتضرب وجودها بإحكام في مختلف التنوعات الجغرافيّة، إلا أن النوع اللّغويّ منه لم يحظَ بالتناول الذي أخذه العنف المستقر بالذهن، المادي أو الفيزيائيّ، ولعل الاعتراف به في مواضع مختلفة احتلّ دائرة الشك أو الإيهام، واستقرت حالة العنف اللغويّ بحالة اللاعنف، - وستنال هذه الفكرة وضوحها في مرحلة لاحقة – من البحث.
إنّ العنف اللّغويّ، هو نتاج لذهنية تعكس ما يختزن فيه من عنف اللّغة، فاللغة هي إرث إنسانيّ اجتماعيّ تتأثر برواسم الثقافة، ولا تنحصر في الكلام والتواصل، وإنما تنطوي على مخاض تاريخيّ وثقافيّ، فتحتفظ بتصورات وتجارب اجتماعيّة معينة، فاللغة رموز وكلمات يستعملها مجتمع معيّن تعبر عن مفاهيمه، ويعد البحث في خصائص العنف اللغويّ ورموز كلماته مدخلًا لفهم الآليات الكامنة وراء التمثيلات الثقافية الكاشفة عن المفاهيم الفكريّة التي تفرزها المجتمعات البشرية بهذا الشأن.
تكونت اللغة في أحضان المجتمع، التي اقتاتت من صميم التقاليد، والأعراف، والعقائد السائدة فيه، واتجاهاته الفكريّة، فهي علاقة تزامل معهودة، فهل يمكن عد تلك الأحضان مشحونة تترك ندوبها في آثار اللغة، أم أن اللغة تفتعل تلك القسوة، أو أن مستعملي اللغة هم من يُحملون في استعمالهم الكلمات إلى لكمات؟ هي أسئلة مطروحة، ومسألة تحتاج التحقيق فيها.
أولأ: العنف في النحو العربيّ: دراسة تحليليّة نقديّة
يُعدّ النحو العربي أحد أهم علوم اللغة العربيّة ومفاتيحها، إذ يهدف إلى ضبط الكلام وفهمه وفق قواعد محددة، رغم ذلك فإنّ بعض الظواهر النحوية قد تحمل في طياتها دلالات عنيفة، سواء من حيث المصطلحات المستخدمة أم القواعد المتبعة، وقد أثارت هذه الظواهر جدلًا بين اللغويين والنقاد، إذ رأى بعضهم أنها تعكس ثقافة مجتمعية قائمة على الهيمنة والسيطرة، ورأى آخرون أنها اصطلاحات لغوية لا تحمل أي دلالات أيديولوجية.
تنطوي أنظمة اللغة وتراكيبها على دوالّ من أعراف المجتمع وممارساته، ولعل التركيب النحوي للغة يعكس تفكير المتكلمين بهذه اللغة( )، ولأن النحاة هم أبناء بيئتهم، فلم يكونوا بمنأى عن مجريات عصرهم والتأثر بها، وتأثيرها في الأنظمة اللّغويّة، فهي انعكاس للبنى الاجتماعيّة والسياسيّة.
لكنّها لم تكن بمنأى عن استخدام خطاب يتسم أحيانًا بالعنف اللّغوي، فالنحو نظام بشريّ، ولعل هذا العنف يعكس عادات ثقافيّة يتصف بها المجتمع الصادرة عنه تلك اللغة، فالسلوك اللّغوي مرهون بالنظام الاجتماعيّ.
أولًا: العنف في مصطلحات النحو العربي:
يستخدم النحو العربي مجموعة من المصطلحات التي تحمل دلالات عنيفة، إذ ثمة مصطلحات ومسائل في التراث النحوي تستوقف المتأمل، منها ما يتعلق بالمصطلحات، ومنها ما يتعلق بالشروط النحوية التي وضعها النحاة في رهانات محددة، وسنشير إلى ومضات على تلك المصطلحات التي تشربت عنفًا في حمولتها دون خوض في شروطهم النحويّة، مثل:
الإعراب والبناء: يُستخدم مصطلح "الإعراب" للإشارة إلى تغيير حركة آخر الكلمة حسب موقعها الإعرابي، ويُستخدم مصطلح "البناء" للإشارة إلى ثبات حركة آخر الكلمة، الذي يلزم حالة واحدة، ويُعد هذا الاستخدام عنيفًا، لأنه يعطي انطباعًا بأن الكلمة المبنية هي كلمة جامدة تمثل حالة من التحجيم، حيث تكون بعض الأشكال اللغوية ثابتة لا تتغير.
إذ إن "الإعراب هو الاختلاف، ألا ترى أن البناء ضده؟ وهو عدم الاختلاف اتفاقا، ولا يطلق البناء على الحركات: وإنما جُعِلَ الإعراب في آخر الكلمة " .
في بعض الحالات، قد يُنظر إلى هذا على أنه تحكم في التنوع اللغوي، أو محاولة لتوحيد الخطاب من خلال تقليص الإمكانات اللغوية، ومثل هذا التحكم في اللغة قد يُعد عنفًا لغويًا، من جهة أخرى، إذا كانت الكلمات المبنية تمثل السلطة أو المواقع الثابتة في الجملة (مثل الأفعال المساعدة أو الضمائر المبنية التي لا تتغير)، قد تكون هذه الحالة من الثبات بمثابة “عنف لغوي” موجه نحو من لا يلتزم بهذا النظام أو لا يتحدث بالطريقة الصحيحة أو المقبولة لغويًا.
• الإعراب: يرتبط بتغيير أشكال الكلمات وفقًا للعوامل، مما قد يشير إلى نوع من التكيف القسري.
• البناء: يحمل دلالة الثبات والاستقرار، وكأن المبني يتمتع بحصانة ضد التغيير مقارنة بالمُعرب الذي يخضع للتأثيرات الخارجية.
الجمود (البناء) x المرونة (الإعراب)
= عنفًا لغويًا ملفعًا بالحركة والسكون، بالحرية والقيد.
الناسخ والمنسوخ: يُستخدم مصطلح "الناسخ" للإشارة إلى الحكم النحوي الذي يلغي حكمًا آخر، قد يُفهم بمعنى القامع، إذ يُبطل ما كان قبله، ويُستخدم مصطلح "المنسوخ" للإشارة إلى الحكم الملغى، الذي يوحي بالإقصاء والاستبعاد، وبذلك يعد هذا الاستخدام عنيفًا، لأنه يعطي انطباعًا بأن هناك حكمًا قويًا يلغي حكمًا ضعيفًا.
قد يُستخدم الناسخ أو (العامل) عند سيبويه، للتفوق على إلغاء تأثيرات نحوية أو تغيير الصيغة النحوية لحكم سابق، مما قد يفضي إلى تهميش بعض الصيغ أو الأنماط اللغوية لصالح أنماط أخرى، وقد خصّه النحويون بالجملة الاسمية؛ فالنسخ عند علماء النحو هو نسخ الحكم الإعرابي للمبتدأ والخبر بحسب دخول العوامل الداخلة عليهما، وذلك بإزالة العلامة الإعرابية السابقة والإتيان بعلامة إعرابية جديدة. فهناك أفعال وحروف تُبطل عمل غيرها أو تُزيل أثرها، مثل الحروف الناسخة: (إن وأخواتها التي تزيل تأثير المبتدأ)...، و(كان وأخواتها التي تؤثر على المبتدأ والخبر)...، هذه العمليات تشبه مفاهيم الهيمنة والإزاحة، إذ يُقصى عنصر لغوي ليحل آخر مكانه.
الإعمال والإهمال: وفي الكتاب استعمل لفظة سيبويه لفظ الإلغاء في أبواب متفرقة، بل إنه عنون أحد أبوابه هذا (باب الأفعال التي تستعمل وتلغى ) ، فيكون الإعمال للعنصر اللغوي الذي له تأثير في غيره، ويرادُ بالإهمال أن يُترك دون تأثير، وكأنه فاقد للقوة أو عاجز عن التأثير في غيره، فـ"المهمل لا تعمل شيئا" ، مثل إعمال إن المخففة وإهمالها، و إهمال (إنْ) و( متى) الشرطيتين وغيرهما من المسائل.
الإعمال = العمل ، قادر على التأثير في غيره، عنصر قوة، دلالة على السلطة.
الإهمال = عدم العمل، غير قادر على التأثير في غيره، عنصر ضعف، دلالة على التهميش.
إن قراءة على قدر من التمعّن من شأنها أن تظهر عنفًا لغويًا قارًا في المصادر النحويّة دون محاكمة أو مرافعة لغويّة، تضبط تلك المصطلحات التي يمكن أن نذكر بعضًا منها، وذلك في جانبين:
مصطلحات نحويّة أخرى
هنالك مصطلحات نحويّة متشربة من كأس الألفاظ العنيفة، يمكن ذكر منها:
( أسلوب التنازع ) الذي يوحي بالصراع والعنف، الذي يمكن استبداله بلفظ أكثر لطفا وحيادية، إذ كانت هذه التسمية متأخرة، اصطلحها النحويون المتأخرون؛ فقد عبّر عنها سيبويه قبل ذلك بـ (باب الفاعلين والمفعولين...)، إلا أن النحويين أرادوا التسمية العنيفة (التنازع).
وفي تسمية بعض الأبواب النحوية تحيز واضح، إذ جاء درس (كان وأخواتها) و( إن وأخواتها) وغيرها بجعل المذكر هو الأعم فهو الكل، وجاء ما يدل على الأنثى بالفرعية والجزء، كذلك تسمية (باب المبهمة وصفاتها) ، لماذا لم يُمارس تغليب التذكير هنا؟
الْمُقْحَمَة: وهي" وصف للام المعترضة بين المتضايفين، في مثل: يا بؤس للحرب -والأصل يا بؤس الحرب، فأقحمت تقوية للاختصاص، وفي مثل قولهم كذلك: لا أبالك، إذ أقحمت اللام بين المضاف والمضاف إليه" ، يمكن تفسير الإقحام بوصفه فعلًا قسريًا، فهي تأتي بمعنى الإلزام، مما يعكس ذلك بُعدًا سلطويًا في اللغة، إذ يتم إدخال عناصر لغوية لا لزوم لها وفقًا لوجهة نظر معيارية.
وقد توحي ( التوابع) في النحو العربيّ إلى دلالة عنيفة، فهي تشير إلى علاقة نحويّة بين الكلمات، إذ تتبع كلمة أخرى في الإعراب، مثل: النعت، والعطف، والبدل، والتوكيد، ويتبدى ذلك إذا نظرنا إلى العلاقة بين التابع والمتبوع بوصفها علاقة سلطة أو هيمنة لغوية، إذ يعتمد على المتبوع في الإعراب، مما يعني أنها فاقدة للاستقلالية النحويّة وتخضع لقواعد تحكمها، وهذا الخضوع ليس عنفًا بحد ذاته، وإنما علاقة تنظيمية في الجملة؛ على أنها تمثيل رمزي، تلمح إلى التبعية اللغوية بعدها تجسيدا لهيمنة عنصر على آخر، ولعل النحو العربي تأثر بثقافة القبيلة العربية، التي كانت قائمة على القوة والهيمنة، وانعكس ذلك في استخدام مصطلحات وقواعد نحوية تجسد هذه الثقافة.
كما وتأثر النحو العربي بالتراتبية الاجتماعية السائدة في المجتمع العربي، والتي كانت تقوم على التمييز بين الطبقات الاجتماعية، وتراءى ذلك في استخدام مصطلحات وقواعد نحوية تُظهر هذه التراتبية.
أمثلة على العنف في التراتبية النحوية:
راعى النحو عند سيبويه تراتبية صارمة تشبه التراتبية الاجتماعية، فهناك عناصر مسيطرة وأخرى خاضعة.
القوة والضعف بين الحركات الإعرابيّة:
وصف سيبويه الرفع بأنه أقوى، لأن الفاعل يكون مرفوعًا، وكأن الفاعل في اللغة هو السيد، وبقية العناصر تخضع له، أما الجر فهو الأضعف، لأنه يُستخدم مع المضاف إليه وحروف الجر، وكأنه في موقع الخضوع.
الرفع
النصب
الجر
ويتجلّى الغموض والتعقيد في الكتاب أيضًا، بتعدّد الأفكار والمصطلحات للمفهوم الواحد، فلا يكاد يستقر على مصطلح واحد، وكأنما أعطته اللغة زمام أمرها، ومن تلك هذه النماذج: (المفعول المطلق) يسميه الحدث والحدثان ، كما يسميه أيضاً الفعل، ويسميه مصدرًا، (العطف) الذي أطلق عليه الاشتراك، والإشراك ، و(المضارع) الذي ورد بتسميات عدة، منها: ما هو كائن لم ينقطع ، ما لم يمض .
بل ويظهر اللَّبس والصعوبة في تناقض الأقوال، إذ يذكر سيبويه أن بعض الظروف، مثل: خلف وأمام لا تستعمل أسماء غير ظروف إلا في قليل من الكلام، فقال: واعلم أن الظروف بعضها أشد من بعض في الأسماء، نحو: القبل، والقصد، والناحية، وأما الخلف والأمام والتحت فهن أقل استعمالا في الكلام أنْ تُجْعل أسماء، ولكنه قال بضد هذا بعد صفحات ليست بعيدة عنها، فحكم بأن استعمالها أسماء غير ظروف أكثر وأجرى في الكلام، فقال :واعلم أن هذه الحروف بعضها أشد تمكنًا في أن يكون اسمًا من بعض، مثل: القصد، والنحو، والقبل، والناحية .وأما الخلف، والأمام، والتحت، والدون، فتكون أسماء، وكينونة تلك أسماء أكثر وأجرى في كلامهم .
وفي مسألة أخرى يستقر التضارب عند سيبويه في أكثر من موضع أن التاء في بنت وأخت للتأنيث، وذهب في باب ما لا ينصرف إلى أنها ليست للتأنيث، وعلل ذلك؛ بأن ما قبلها ساكن، وتاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها ساكنا .
ويتغلّف الغموض تسميات الأبواب في الكتاب من جهة وطولها من جهة أخرى، وذلك في أول (الكتاب) فى تعليله لوجود ثمانية أنواع من العلامات الإعرابية وهو يُعبّر عن مكان الإعراب ( بالمجرى)، يقول فيه (هذا باب مجارى أواخر الكلم من العربية ) ، ومن تلك العناوين التي تستغلق على الدارس قبل الغور في قراءة الدرس مثل (هذا باب من الفعل يستعمل في الاسم ثم تبدل مكان ذلك الاسم اسما آخر فيعمل فيه كما عمل فى الأول) والمقصود به باب البدل.
يتضح من خلال هذه المظاهر أن كتاب سيبويه، رغم أهميته في ضبط اللغة العربية، يُجلّي نوعًا من العنف اللغوي الذي جعل النحو أكثر تعقيدًا، وهذه الصرامة في الأحكام، المصطلحات، وطريقة العرض كانت سببًا في الصعوبة التي واجهها المتعلمون، مما أدى لاحقًا إلى ظهور دعوات لتيسير النحو، كما فعل ابن مضاء القرطبي في كتابه (الرد على النحاة .(
وصفوة القول، إنّ النحو العربي لم يكن نظامًا توصيفيًا حسب، بل هو نظام تحكم وتوجيه للكلمات والجمل، فبسطت المصطلحات المستخدمة فيه أشكالًا مختلفة من القوة، والهيمنة، والقسر، والصراع، ويبدو أن اللغة تحمل في طياتها آثارًا من الفكر السلطوي والعلاقات القهرية التي كانت جزءًا من الثقافة التي نشأ فيها هذا النحو.
ولا مشاحة في القول، إن سيبويه لم يكن عالمًا نحويًّا حسب، بل كان أيضًا جزءًا من سلطة لغوية تمارس عنفًا رمزيًا عبر فرض معايير لغوية محددة على المتحدثين باللهجات الأخرى، الذي يشبه فكرة ( رأس المال الثقافيّ) عند (بورديو)، في النظام الذي بناه سيبويه، إذ ليس كل متحدث بالعربيّة يملك السلطة نفسها على اللغة، فتُمنح قيمة أعلى للهجات الذين يمتلكون القدرة على الحديث بلغة السلطة التي حددها بيد من يملكها.
وهي ملاحظات واستدراكات، وموضع محوج إلى فضل تأمل إلى أهل النظر، فهي تحتاج إلى رؤى فاحصة، وعمل دؤوب، وتخطيط لغويّ يطبق حلًا لما اعتاص اللغة من عنف رمزي أو ظاهر، وما جئنا به إن هو إلا تمثلات لمسألة حثيثة، لا يتسع الحديث للإفاضة فيها.
هذا وإن الدراسة لا تعتني بالمسألة وكُليتها ولا بمعلولاتها المبسوطة على أجواء الدرس النحويّ، إذ وجدنا مظاهر هذا العنف لمستقر بين أركان أبوابها، والدراسة لا تتسع ولا تنال الكشف بجُلّه، وإنما اهتدت الدراسة إلى جانبين اثنين: يتخذ الجانب الأول النظر في أجواء قضية التذكير والتأنيث من زوايا تُفصح عن تحيزات واعتبارات لغويّة و ثقافيّة تندرج تحت هذا العنف، وبعد فحص المسألة نحاول اختبار تلك المسألة وفق إطار نظرية النموذج الأصل تطبيقا لقاعدة التغليب.
أما الجانب الثاني، فينداح إلى رصد تمثلات العنف اللغوي المركوزة في أعطاف الأمثلة النحوية المصنوعة من ملامح متعددة تجتمع قاطبة باستعمال أمثال عنيفة، وإن هذا الجمع، لا ينال تحليلا لغويا، وإنما تسعى إلى الاعتراف بوجود هذا العنف أو عدمه.
ولو سعينا إلى تعريف جامع للعنف اللغوي ذهبت بنا المحاولة بعيدًا، إذ بادئ الأمر قد يستغرق على الواحد كيف للعنف أن يصحب اللغة وهي مسكن الوجود، وثانيها الصورة المستقرة عن العنف المادي وأنواعه المتعددة، فيصبح الجمع بين العنف واللغة أمرًا مغايرًا، فيُتعذر القول الواحد حول تعريف المُلغز.
وقد يتردد الإشكال بعد ذلك، إذا ما كانت اللغة في أصل بنيتها عنيفة، أو أن الأمر بيد مستخدم اللغة في إضفاء العنف على اللغة التي يستعملها، حتى تتسربل الحقيقة بالغموض واللبس، فتأتي هذه الدراسة محاولة الكشف عن غطاء هذا الستار.
إلا أنه يمكن أن نحدد تعريفًا نسير به بتمهّل وتريّث للوصول إلى ما سترسو إليه الدراسة من الكشف. فالعنف اللُّغويّ هو ما تتضمنه اللغة من مفردات وتعبيرات قاسية، أو أساليب لغويّة يستعملها الإنسان في مواطن مختلفة لفظًا وكتابة، استعمالًا مباشرًا أو غير مباشر، تحمل إيحاءات مسيئة؛ فهو أحد أشكال العنف الرمزي الذي يُمارس ضمنيًا من خلال رموز ثقافيّة أو عادات اجتماعيّة باستعمال اللغة أداة فاعلة لإلحاق الضرر والأذى النفسيّ الاجتماعيّ في أحايين كثيرة، وإن كان الأثر الأكبر يقع تحت الكلمات الضمنية التي تحمل بينها تلميحات بالإقصاء أو التمييز، إذ تُستعمل الكلمات أداة للسيطرة والقهر.
ويحسن أن نشير في مفهوم عنف اللّغة إلى رأي جان جاك لوسركل(J. Lecercle) ، وإن كان يركز على جانب من اللغة الذي يدعوه بـ (المتبقي) أو المقموع، وهو جزء مستلب و مستبعد من النظام اللغوي، أي ما تنبذه قواعد النحو، مثل: النكات، وزلات اللسان، والأخطاء النحويّة، وغيره، ويعني فضلة اللّغة، ويعادل اللاوعي لدى (فرويد)، الذي يشير إلى الأداءات اللغويّة المتمردة التي تتفلت من الأعراف اللّغويّة التي درّسها وصاغها فردینان دي سوسير(Ferdinand de Saussure) ، وهذا الجانب هو الذي يرتع فيه المبدعون والشعراء، والصوفيون، والمهووسون ومن شابههم، ومع أن هذه الممارسات لا تسير بحسب قواعد النحو، إلا أن (لوسركل) يصل إلى استنتاج أن ذلك الجانب من اللغة الذي يدعوه بـ "المتبقي" ليس ذلك الجانب الغامض الواقع خلف حدود اللغة بل هو ظلها الملازم وجانبها الآخر، بل يعده الجزء الصادق من اللغة، فهو طرف مقهور يعاود الظهور لغويًا في عدة أشكال، ويؤكد (لوسركل) أن المتبقي هو تسلل التناقضات والصراعات الاجتماعيّة التاريخيّة إلى حرم اللغة، وأن ليس هناك ما يمكن تسميته بالاستقرار في نظام اللّغة، وإنما هي علاقة تناقض مستمرة بين المتبقي واللّغة، وهذه اللّغة هي الحياة بكل تناقضاتها وفوضويتها حدّ قوله.
ويرى أنّ الإنسان يستمتع بارتكاب هذا الإثم اللغويّ؛ لأنّ هذا العنف الذي يمارسه ضدّ تراكيبها هو الذي يضفي ويضيف إليها الحيويّة، كما يؤكد (لوسيركل)، بل وإن هذا السف اللّغوي –حسب تعبيره- يُغني اللغة ويرفدها ولا ينقض عراها.
فهو يرى أن اللغة هي التي تتكلم، إذ هي من تملك زمام السيطرة على متحدِثها ولو بطريقة غير شعوريّة، تفرض عليه قوانين صارمة تحد من حريته، لذا يجعل من عمل المتبقي التحليق الذي ينشده الإنسان إلى أن يتكلم هو، لا اللغة من تتكلم، وذلك بخرق قواعدها وقوانينها القسرية بالعثور على لغة تخمد استبعاده.
نرى من جانبنا أن العنف اللّغويّ لا يقتصر في دلالته على ما جاء به (لوسركل) فحسب، وإنما يتربع في أشكال متعددة، يمكن تأطير معايير يرزخ تحتها أطر تفصح عن عنف لّغوي قارّ بين خلجاته، إما بمعانٍ واضحة أو خفية.
فيما يلي يمكن ذكر تلك الأشكال التي يتجلّى بها عنف لّغويّ لصيق، التي تظهر من خلال الشكل الآتي:
لقد مكّننا النظر من تبين الخصائص التي تختزل ضروب العنف اللّغويّ من أشكال متعددة وإن كنا لن نخوض بجلّها إلا لِماما، إذ إن أنواع العنف اللغوي لم تقف عند حد معين، وإنما تعددت ملامح ظهورها، نحو: تغليب الدارجة أو اللهجة، وإقصاء الفصحى؛ ويكمن الاختلاف في درجات الاستعمال للسان، بل وتبدى العنف اللغوي أيضًا، في الاعتماد على لغة بديلة عن اللغة الأم أو ما يمكن تسميته بالاستعمار اللّغويّ، فهو يعمرُ لغته في اللسان، ويدمر اللغة القوميّة بمنعها على حساب لغة المستعمِر.
ويظهر العنف اللّغويّ أيضًا، في غياب اللغة الصمت أو إسكات الصوت، بحرمان فئة معينة من التعبير، يعكس علاقات القوة والهيمنة، تحت ما يمكن وصفه بلغة المهمشين سواء بسبب العرق أم الطبقة الاجتماعيّة أم النوع الاجتماعيّ ضمن تسمية نضعها في بند العنف اللّغوي، نطلق عليها بـ (التهميش اللغوي)، مثل: غياب صوت المرأة التي تحرم من فرص ظهورها في مواقف معينة، وسنرى بمزيد من الوضوح ما تستقر عندها الفكرة في مجال وضعها من الدراسة، وسندرك أيضًا، تحيز اللغة أو ليونتها إزاء التأنيث في مواطن متعددة من مبحثي النحو والصرف.
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
قانون - إطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي قانون - إطار رقم 51.17 يتعلق ب...
التضخم المرتفع: يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية للحد من الإنفاق الاستهلاكي والا...
هي منطقة في شمال غرب أفريقيا تبلغ مساحتها 266 الف كم2 ما يقارب من 30% من الأراضي أي 82 الف كم2 تسيطر...
Lors de cette séance, nous avons constaté qu’il est important d’habituer les apprenants à prendre la...
تقف منطقة آسيا والمحيط الهادئ عند مفترق طرق حاسم في مسيرتها نحو التنمية المستدامة. فعلى الرغم من بعض...
واعتماد الشهبندر في إدارته للشركة والتعامل الآدمي مع العمالة البشرية هو سنة خاصة به حتى قبل الاحتكاك...
Les théories de la motivation appliquées à l’éducation permettent de mieux comprendre ce qui pousse ...
المبحث الأول: العنف اللغوي في المستويين النحويّ والصرفيّ استيقظ الإنسانُ منذ البدء على صوت العنف،...
خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته . فالشعر في رأى العرب كما هو في رأى اليونان صناعة ...
Hello, my name is Muhammad Mahmoud Bakr. I am a 5th-year Pharmacy student at Sphinx University, expe...
- استلمت المنتجات بتاريخ 12 مايو، بعد طلبها منذ 16 أبريل، مع تأخير في التسليم ، لم تصل بشكل كامل ( ...
They informed me that there will be some delay for my surgery since there's a lot of patience but I'...