لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (0%)

الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية
قال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال : « أنفذ
وإن


النص الأصلي

الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية
عده العاد لأحصاه (1)
وقالت : « إن رسول الله لم يكن يسرد الحديث كسردكم » .(۴) قال ابن حجر عمله في شرح الحديث الأول : «قولها : «لو عده العاد الأحصاه » : أي لو عد كلماته، أو مفرداته، أو حروفه لأطاق ذلك ، وبلغ آخرها.
والمراد بذلك المبالغة في الترتيل، والتفهيم » .(۳)
وقال جماله في شرح الحديث الثاني: «قولها : لم يكن يسرد الحديث كسردكم :
أي يتابع الحديث استعجالاً بعضه إثر بعض؛ لئلا يلتبس على المستمع» (4)
وجاء في سنن أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها قالت : «كان كلام رسول
الله كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه ) . (٥)
وجاء في سنن أبي داود عن جابر قال : كان في كلام رسول الله ترتيل ، أو ترسيل » . (1) وفي رواية للترمذي : «كان يتكلم بكلام بينه فصل يحفظه من جلس إليه ). حسن الاستخدام للتكرار : فإن للتكرار أثراً كبيراً في جذب الانتباه، وتأكيد
المعاني ، وتقريرها في الأذهان .


١ - أخرجه البخاري (٣٥٦٧) ومسلم (٢٤٩٣). ٢ - أخرجه البخاري (٣٥٦٨) ومسلم (٢٤٩٣).
٣ - ٤ - فتح الباري ٦ / ٦٦٩
ه - أبو داود (٤٨٣٩) وقال الألباني في صحيح الجامع (٤٨٣٦) : «حسن».


٦ - أبو داود (٤٨٣٨) وقال الألباني في صحيح الجامع (٤٨٢٣) : «حسن».


الترمذي (٣٦٣٩) وقال : «هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الزهري».


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


والمحاور البارع يحسن استخدام التكرار، ويوقعه مواقعه اللائقة به. ولقد كان النبي يأخذ بهذا الأسلوب ، وربما أعاد الجملة ثلاث مرات إذا
كان المقام يقتضي ذلك. (1)
ولهذا عقد الإمام البخاري ماله في صحيحه باباً بعنوان: «باب من أعاد
الحديث ثلاثاً؛ ليفهم عنه » .
وساق فيه عدة أحاديث، منها ما رواه عن أنس عن النبي ﷺ : « أنه كان
إذا سلم سلم ثلاثاً، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً » . (٢)
وعن أنس - أيضاً - عن النبي : « أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً؛
حتى تفهم عنه الحديث. (۳)
وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما ـ قال : تخلف رسول الله في سفر سافرناه ، فأدركنا وقد أرهقنا الصلاة - صلاة العصر - ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : « ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثاً. (٤) والأحاديث في ذلك كثيرة منها قوله : ( ألا وقول الزور، فما زال يكررها » . (٥) يكررها » .(٥)
۱ - انظر محمد رسول الله ص ۱۸۵ ، والخطابة للشيخ محمد أبو زهرة ص ٦٦.


٢ - البخاري (٩٤).


٣ - البخاري (٩٥).



  • البخاري (٩٦) ومسلم (٢٤١). ه - البخاري (٢٥٨٦).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية
وقال ابن عمر - رضي الله عنهما - قال النبي : هل بلغت ثلاثاً (1) وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي قال : «لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد» . (۲)



  • إثارة العواطف، ومخاطبة الوجدان : ذلك أن مرمى الإقناع في المحاورة ليس هو الإلزام والإفحام فحسب، وإنما مرماه حمل المخاطب على الإذعان
    والتسليم بطوعه، وإرادته. وذلك لا يتسنى بسوق الدلائل المنطقية جافة، ولا بإيراد البراهين العقلية
    عارية ، بل بذلك وبإثارة العاطفة ، ومخاطبة الوجدان.
    بل قد يستغني المحاور عن الدلائل العقلية، ولا يمكنه بأية حال أن يستغني عن المثيرات العاطفية؛ إذ هي من أعظم الأدوات التي تعينه على التأثير في السامعين (۳) فالجوانب العاطفية الوجدانية لها دور كبير في الحوار وغيره، فكثير من المحاورين يغفل هذا الجانب ولا يأبه به.
    وهذا خلل يحسن بالمحاور أن يتجنبه؛ ففي بعض الأحيان قد لا ينفع المنطق والبرهان، وإنما يجدي التودد والإحسان.
    فحينئذ ألق عصا المنطق والبيان، واحمل راية الشفقة والحنان؛ حينها تخطب الود، وتستولي على الأمد.
    فكثيراً ما تبدأ المناقشة أو المحاورة، وروح العداوة تسيطر على أحد الطرفين.


۱ - رواه البخاري (١٧٤٢). - رواه مسلم (١١٥٩). - انظر الخطابة ص ٥٣.


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


فإذا ما دفع الآخر بالتي هي أحسن انقلبت العداوة إلى مودة، والبغضة
والوحشة إلى محبة وألفة . (1)
فحري بالمحاور أن يكسب صاحبه، وأن يخطب وده في كل مناسبة تسنح له؛ فيثني عليه إذا أجاد، ويسلم له إذا أصاب ، ويرده إلى الصواب بلطف إذا هو أخطأ ، ويذكر مزاياه في حضوره وغيبته ، ويبادر بالهدية والزيارة إذا أحس نفرة
منه بعد الحوار. وهذه الأمور ليس بالسهل تحصيلها ، ولا ليس بمقدور كل إنسان نيلها، بل تحتاج إلى توفيق، وتدريب ، وصبر، وشجاعة چگں ں
ة ه بچه (فصلت : ٣٥).
والأمثلة من السيرة النبوية على إثارة العواطف، ومخاطبة الوجدان كثيرة ،
ومنها ما يلي :
أ- جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ قال : « لأعطين الراية غدا رجلاً يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله».
فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على
رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : ( أين علي بن أبي طالب؟».
فقيل : يا رسول الله هو يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه» فأتي به، فبصق
رسول الله في عينيه، ودعا له ، فبرئ ؛ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية، قال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال : « أنفذ
١ - انظر في أصول الحوار ص ٧٥.
الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية
على رسلك، حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله - تعالى - فيه؛ فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك
من حمر النعم» (1) .
ففي هذا الحديث إثارة للعواطف؛ حيث بات الصحابة بعد سماع تلك المقدمة المشوقة يدوكون في شأن من سينال ذلك الشرف ، وفيه تنويه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفيه دروس الأدب الحوار مع المخالف ولو كان حربياً؛ حيث بين النبي لعلي كيف يحاور ، ويدعو قبل بداية المعركة.
ب ما جاء في الصحيحين أن رجلاً جاء إلى سهل ابن سعد فقال : هذا فلان الأمير المدينة، يدعو عليا عند المنبر قال : فيقول ماذا ؟ قال : يقول له أبو تراب؛ فضحك، وقال : والله ما سماه إلا النبي الله وما كان له اسم أحب إليه منه ، فاستطعمت الحديث سهلاً ، وقلت : يا أبا عباس كيف ذلك؟ قال دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد ، فقال النبي ﷺ : «أين ابن عمك؟» قالت : في المسجد.
فخرج إليه، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول : « اجلس يا أبا تراب مرتين » .(۴)
ففي هذا الحديث بيان لعاطفة النبي الله الفياضة، التي يدخل بها السرور على أصحابه وآل بيته؛ حيث كناه بتلك الكنية التي صارت أحب أسمائه إليه.


۱ - البخاري (٣۷۰۱) ومسلم (٢٤٠٦).


۲ - البخاري (۳۷۰۳) ومسلم (٢٤٠٩).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية
هذا وقد مر ، وسيمر شيء من ذلك القبيل. ه - استعمال أسلوب النداء، ومناداة المحاور بما يحب : فإن ذلك يشد الانتباه ، ويستدعي الإجابة، ويجدد النشاط ، ويبعث على التقرب من المحاور سواء كان
فرداً أو جماعة.
ولقد تكرر هذا المعنى في السنة كثيراً ، ومر شيء من ذلك فيما مضى .(۱)
ومما ورد في ذلك الشأن ما يلي :
قال -عليه الصلاة والسلام : «أيها الناس اربعوا على أنفسكم» .(۴)
وقال : « أيها الناس إلي » . (۳)
وقال : «أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي » . (٤)
وقال : « أيها الناس تصدقوا » .(٥)
وقال : « أيها الناس عليكم بالسكينة ) . (7)
وقال : «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو » . (۷)
وقال : « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج » . (۸)
وقال : « يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب ؟ » .(۱)
۱ - انظر أدب الموعظة ص ٨٦-٨٧.



  • رواه البخاري (٦٣٨٤).

  • رواه البخاري (۹۲۷).

  • رواه البخاري (۹۱۷).
    ه - رواه البخاري (١٤٦٢).
    ٦ - رواه البخاري (١٦٧١).

  • رواه البخاري (٢٩٦٦).

  • رواه البخاري (٥٠٦٥).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


وقال : « يا معشر النساء تصدقن » (۲)
وقال : « يا معشر يهود أسلموا تسلموا» (۳)
٦- حسن الختام للحوار : فختام الشيء هو آخر ما يلقيه المحاور، ولذلك أثره البالغ؛ إذ هو آخر ما يعلق بالنفس، وأكثر ما يتصل بالقلب؛ فإن كان وقعه حسناً
انسحب ذلك على الحوار، وإلا ساء الأثر، أو قلت الفائدة المنشودة. ولقد كانت حوارات النبي تختم بأحسن ما يكون من جمال العبارة،
وإصابة الغرض، وتحريك العاطفة، وحسن التعليل.
ومن الأمثلة على ذلك ما يلي :
أ ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك قال :
جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله متى الساعة ؟
قال : « وما أعددت للساعة » .
قال : حب الله ورسوله.
قال : « فإنك مع من أحببت » .
قال أنس : فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي : « فإنك مع من أحببت .
قال أنس : فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر؛ فأرجو أن أكون معهم، وإن


۱ - رواه البخاري (٧٥٢٣).



  • رواه البخاري (٣٠٤ و ١٤٦٢). - رواه البخاري (٦٩٤٤).
    الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوي
    لم أعمل بأعمالهم » .(۱)
    فانظر إلى هذا الحوار اللطيف، وكيف ختم بتلك الخاتمة التي أشبعت رغبة ذلك السائل ، وجرت مجرى الأمثال
    ب - ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ﷺ : عرضت علي الأمم ، فرأيت النبي ومعه الرهيط ، والنبي ومعه الرجل، والرجلان والنبي ليس معه أحد؛ إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي : هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : انظر إلى الأفق الآخر ، فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً، يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض، فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، ولا عذاب.
    فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله .
    وقال بعضهم : فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، ولم يشركوا بالله ، وذكروا أشياء ، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فقال : « ما الذي تخوضون فيه ؟ » فأخبروه. فقال : هم الذين لا يرقون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون . فقام عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : « أنت منهم» . ثم قام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : « سبقك بها عكاشة » (٢).


١ - البخاري (٣٦٨٨) ، ومسلم (٢٦٣٩). ٢ - البخاري (٥٧٠٥) ومسلم (٢٢٠)


الفصل الثالث : أساليب الجبارة السيرة النبوية


وهكذا ختم عليه الصلاة والسلام ذلك الحوار، وسد الباب بكل لطف وأدب بتلك الكلمة العظيمة؛ فلم يرد أن يفتح الباب؛ لِيَعْسُرَ سَدُّه، وأكرم عكاشة بتلك البشارة؛ لفضله، والمبادرته، ولم يرد جرح شعور السائل بكلمة
تشعره بأنه ليس من هؤلاء ، وإنما قال : « سبقك بها عكاشة » .
فجرت تلك الكلمة العظيمة مجرى الأمثال إلى يومنا هذا.
ج ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : « بعثني النبي أنا ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله! إن شراباً يصنع
بأرضنا يقال له : المزر من الشعير، وشراب يقال له : البتع من العسل فقال : «كل مسكر حرام» .
وفي رواية قال أبو موسى : وكان رسول الله ﷺ أعطي جوامع الكلم بخواتمه» (۱).
وهكذا ختم - عليه الصلاة والسلام - حواره مع أبي موسى بتلك الخاتمة التي
أصبحت قاعدة من أعظم القواعد في الأشربة.



  • البخاري (۳۰۳۸ ، و ٤٣٤٣) ومسلم (١٧٣٣).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


المبحث الثاني : تقريب المعاني إلى الأذهان حال الحوار فالحوار يحتاج فيه إلى أن تكون المعاني قريبة التناول ، سهلة المأخذ. وإنما يتيسر ذلك بالأساليب التي تقرب المعنى، وتصيب المرمى بأدنى كلفة، وأقل عمل ذهني. والحوار النبوي ممتع بتلك الأساليب، وفي الفقرات التالية تفصيل لشيء من
ذلك .
۱ - صوغ التشابيه، وضرب الأمثلة : فذلك من أنجع الأساليب في الحوار، وأكثرها تأثيراً؛ ذلك أن للتشبيه ، والتمثيل أثراً كبيراً في جعل الحقائق الخفية واضحة ،
والمعاني الغريبة قريبة مألوفة. ثم إن للأمثال فوائد أخرى؛ فمن ذلك أن المثل يضرب للترغيب في الممثل به؛ حيث يكون مما تستحسنه النفوس، وتَرْغَبُ فيه.
وقد يضرب المثل للتنفير من العمل؛ حيث يكون الممثل به مما تكرهه النفوس، وتنفر منه.
ويضرب المثل لمدح الممثل؛ حيث يكون في الممثل به صفات تستحسنهاالنفوس، وتمدح من يحرز مثلها ويضرب المثل للذم حيث يكون للممثل به صفة يستقبحها الناس، ويذمون من رضي لنفسه بمثلها ولقد كان عليه الصلاة والسلام - يأخذ بهذه الطريقة كثيراً. ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال : ضرب


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


رسول الله ﷺ مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما ؛ فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله ، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها » .
قال : فأنا رأيت رسول الله يقول بإصبعه في جيبه؛ فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع ).
وجاء في الصحيحين عن كعب بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : «مثل المؤمن كمثل الخامة " من الزرع تفيئها الريح تصرعها مرة ، وتعدلها أخرى حتى تهيج. ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية (۳) على أصلها لا يفيئها شيء حتى يكون انجعافها (٤) مرة واحدة» (٥). وجاء فيهما ـ أيضاً ـ عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ﷺ : « مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات . قال الحسن : وما يبقي ذلك من الدرن ؟ (٦)



  • البخاري (١٤٤٣ ، و ١٤٦٤) ومسلم (١٠٢١).

  • الخامة : هي القصبة اللينة من الزرع. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (۲۸۱۰).

  • الأرزة : شجر يشبه الصنوبر والمجذية الثابتة المنتصبة. انظر صحيح مسلم بشرح النووي
    حدیث (۲۸۱۰). - الانجعاف : الانقلاع. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (۲۸۱۰).٥ - البخاري (٥٦٤٣) ومسلم (٢٨١٠). ٦ - البخاري (٦٦٢) ومسلم (٦٦٨).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوي
وبالجملة فإن ضرب الأمثال في السيرة النبوية كثير جداً، والمقصود ههنا بيان
أن ذلك سلاح ماض في يد المحاور إذا هو أحسن استخدامه. (۱)
٢ - استعمال القياس : وهذا قريب مما مضى ذكره في الفقرة الماضية. ومن أمثلته ما جاء في حديث الرجل الذي يعرض بامرأته أن جاءت بغلام أسود؛ فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال : جاء رجل من بني فزارة إلى النبي ﷺ فقال : إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، وإني أنكرته، فقال له
النبي : « هل لك من إبل؟ قال : نعم. قال : « ما ألوانها ؟» قال حمر.
قال : « فهل فيها من أورق ؟ قال : نعم.
قال رسول الله ﷺ : ( فأني هو ؟ قال : لعله - يا رسول الله - يكون نزعه عرق له. فقال له النبي ﷺ : « وهذا لعله يكون نزعه عرق له » .(۴)
وهكذا استعمل النبي أسلوب القياس في حواره، وأقنع الرجل بأن هذا
الأمر جائز وقوعه. إعطاء الوسائل صورة ما تفضي إليه من الخير والشر : فهذا الأسلوب من
الطرق الحكيمة في الحوار، ويراد منه الحث على فعل الشيء، أو الزجر عنه. ويشهد لذلك كثير من النصوص ، منها قوله : ( الدال على الخير كفاعله ) .(۱)
۱ - انظر كتاب الصناعتين ص ٢۳۹ - ٢٥٩ ، ومحمد رسول الله ص ١١٤ ، وبلاغة القرآن للشيخ
محمد الخضر حسين ص ٢٨-٤٠
٢ - البخاري (٥٣٠٥) و ٦٨٤٧) ومسلم (١٥٠٠).
الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


فقد أراك الدلالة على فعل الخير في صورة فعل الخير نفسه؛ إذ جعلها بوسيلة
التشبيه بمنزلة واحدة، وذلك مما يقوّي داعية الدلالة على الخير في نفسك.
وكما قال : ( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه » .
قيل : يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه ؟
قال : « يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه ، فيسب أمه ) . (٢) فانظر كيف عدَّ سب الرجل لأبي الرجل أو أمه في صورة سب الرجل لوالديه، وفي ذلك من تأكيد الزجر عن إطلاق اللسان بالسب ما لا تجده في النهي
عن سب الناس بطريق غير هذا الطريق. (۳)



  • توجيه السؤال للمحاورين: وذلك بسؤالهم عن الشيء الذي يريد تعليمهم إياه، أو تذكيرهم به؛ لما في السؤال من تهيئة النفوس للإصغاء إلى ما يقال بعد ذلك ، ولما فيه - أيضاً - من تشويقها إليه؛ فيقع منها في قرار مكين. ولقد كان النبي يأخذ بهذا الأسلوب كثيراً، ومن أمثلة ذلك ما جاء في الصحيحين عن معاذ بن جبل أنه قال : «كنت رديف النبي على حمار يقال له : عفير فقال : يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد
    على الله ؟ » الحديث (٤).
    1 - أخرجه أحمد ٢٧٤/٥ ، وقال الألباني في صحيح الجامع (۳۳) : «صحيح» ، ورواه مسلم (۱۸۹۳) بلفظ : « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » .
    ٢ - أخرجه البخاري (٥٩٧٣) ومسلم (۹۰).

  • انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص ١١٥. - البخاري (٢٨٥٦) ومسلم (٣٠).
    الفصل الثالث: أساليب الحوار في السيرة النبوية.
    ومن ذلك قوله : « أتدرون أي شهر هذا ؟ » (1)
    وقوله : « أتدرون أي يوم هذا ؟ » (٢)
    وقوله : « أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ » (۳)
    وقوله : « أتدرون ماذا قال ربكم ؟ » (٤)
    وقوله : «أتدرون أين تغرب الشمس ؟ (٥)
    ومما يحسن التنبيه عليه أن هذا الأدب يليق إذا صدر من كبير لمن دونه ، وإذا صدر ممن له مكانة ، وقبول عند الناس عموماً ، أو عند من يلقي عليهم. أما من كان في حداثة سنه، أو من ليست له مكانة عند من يحاورهم - فقد لا يليق
    به هذا الأسلوب؛ لأن النفوس قد لا تستسيغ أن يوجه إليها السؤال من كل أحد. ه استدعاء طلب البيان : وهذا الأسلوب قريب مما قبله : وذلك أن المتحدث بالكلام على وجه الغموض يستدعي به طلب البيان، حتى إذا سئل عن ذلك، أو شعر بحاجة المخاطبين إلى الجواب أجاب عن ذلك، وكشف الغموض، فيتقرر المعنى في نفوسهم بأشد مما لو أتى من أول الأمر واضحاً بيناً. (1) ومن هذا الباب قوله : « انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً » .
    فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً ، أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره ؟


١ - رواه البخاري (٦٠٤٣) ومسلم (٦٦).



  • رواه البخاري (١٧٤١) ومسلم (١٦٧٩).
    ٣ - رواه البخاري (٥٠) ومسلم (۹) و ١٠).
    ٤ - رواه البخاري (٤١٤٧) ومسلم (٧١).
    ه - رواه البخاري (٤٨٠٢) ومسلم (١٥٩).

  • انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص ١١٦.


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


(۱) قال : « تحجزه ، أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره … ، وفي رواية « تأخذ فوق يديه» . (۲)



  • قرن القول ببعض الإشارات الحسية التي تناسب المعنى : فهذا مما يزيد به
    المعنى جلاء، ويأخذ في النفس صورةً غير صورته المجردة عن الإشارة. ولقد كان النبي يستعين في تثبيت المعنى بالإشارة بيده إشارة مناسبة
    للمعنى ، مما يجعل للحوار أثراً بليغاً في النفوس.
    والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي
    قال : « إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه. (۳)
    وفي صحيح البخاري عن سهل قال رسول الله : « أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً ) .(٤) وعن ابن عمر - رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قام عند باب حفصة فقال بيده
    نحو المشرق : « الفتنة من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان» قالها مرتين أو ثلاثاً. (٥) مراعاة المدة الزمنية للحوار : فمراعاة هذا الأمر من الأهمية بمكان؛ إذ هو
    مما يعين على الانتفاع بالحوار والإصغاء إليه بإقبال ونشاط. ولا ريب أن ذلك يختلف من حال إلى حال، ومن حوار إلى حوار؛ فقد


١ - رواه البخاري (٦٩٥٢ ) ومسلم (٢٤٤٣).



  • رواه البخاري (٢٤٤٤).

  • البخاري (٤٨١) و ٢٤٤٦ و ٦٠٢٦) ومسلم (٢٥٨٥). - البخاري (٥٣٠٤ و ٦٠٠٥).
    ه - رواه البخاري (۳۱۰٤ و ۷۰۹۳) ومسلم (٢٩٠٥).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


تقتضي الحكمة الإطناب، وقد تقتضي الإيجاز. ومهما يك من شيء فإن التوسط والإيجاز أقرب الأساليب لإساغة الحوار،
وجمعية الذهن عليه ، بل إن الإيجاز قد يكون هو الأقرب. وهكذا كانت حوارات النبي وخطبه ؛ فما كان يطيل فيها ، لأنه يخشى على
الناس الملل ، أو أن يخرج الحوار إلى المراء والجدل. وكانت حواراته وخطبه مع قصرها مليئة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ إذ تجيء
حافلة بجوامع الكلم، والجمل التي تجري على الألسنة مجرى الأمثال. (۱) جاء في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال : «كنت أصلى مع رسول الله فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً» . (۲)
ومعنى «قصداً ) : أي متوسط بين الإفراط والتفريط وبين التقصير والتطويل. (۳) وفي صحيح مسلم عن أبي وائل قال : «خطبنا عمار فأوجز، وأبلغ، فلما نزل قلنا : يا أبا اليقظان لقد أبلغت ، وأوجزت، فلو كنت تَنَفَسْت!
فقال : ( إني سمعت رسول الله الله يقول : «إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مثنة من فقهه ؛ فأطيلوا الصلاة ، واقصروا الخطبة ، وإن من البيان سحراً» (٤) ومعنى قوله : «لو كنت تنفست : أي أطلت قليلاً.
ومعنى : «مئنة من فقهه ) : أي علامة. (٥)
۱ - انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص ١٨٥ . ٢ - مسلم (٨٦٦). - انظر مرقاة المفاتيح لملا علي قاري ٣ / ٤٩٨ . ٤ - مسلم (٨٦٩). ه - شرح النووي على صحيح مسلم ص ٥٦٨.
الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية
ومع أن هذا هو دأب رسول الله الله في خطبه ومواعظه - فهو يطيل في بعض
الأحيان متى اقتضى الحال الإطالة.
جاء في صحيح مسلم عن عمرو بن أخطب قال : «صلى بنا رسول الله ﷺ الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى ، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت
الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنا (1)
ومن خلال ذلك يتبين أن مراعاة مدة الحوار أمر نسبي يرجع فيه إلى حكمة
المحاور، واختلاف الأحوال.
۱ - مسلم (۲۸۹۲).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


المبحث الثالث : مراعاة المآلات ومقتضيات الأحوال في الحوار
فمن الطرق المجدية في الحوار مراعاة المآلات، وتنزيل الحوار على مقتضيات الأحوال. ولقد كان عليه الصلاة والسلام يأخذ بهذا الأسلوب ، ومن مظاهر أخذه به ما يلي : ١ - التذكير بالعاقبة في الحوار : ومن ذلك تذكير المحاور - إذا كان يراد دعوته إلى الإيمان بما يصير إليه المتقون من عز وسلامة، وما يلحق المجرمين من خزي ومهانة وندامة ومن التذكير ما يرجع إلى البشارة بالخير في الدنيا، والحسنى في الآخرة، ومنه ما يرجع إلى الإنذار بسوء المنقلب في هذه الدار ، أو عذاب الهون في تلك الدار. وللبشارة والإنذار أثر كبير في حث المؤمنين على الحسنات ، وردعهم عن السيئات. وأثر البشارة والإنذار في غير المؤمن أنهما يدعوانه إلى النظر في الدعوة، وإذا نظر بروية أدرك أنها حق ؛ فيفتح لها صدره ، ويمد لها عنقه مذعناً .(۱) ومن أمثلة ذلك ما جاء في الصحيحين أن أبا ذر قال : أتيت النبي وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال : ( ما من عبد قال لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت : وإن زنى وإن سرق ، قال : « وإن زنى، وإن سرق قلت : وإن زنى وإن سرق ، قال : وإن زنى وإن سرق قلت : وإن زني ، وإن سرق ، قال : « وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر » . وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال : وإن رغم أنف أبي ذر .


۱ - انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص ١١١-١١٢. ٢ - البخاري (٥٤٨٩) ومسلم (٩٤).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


٢ - التمهيد في العرض، وتنزيل الأمور على أحوال المحاورين : ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة في قصة الشاب الذي استأذن النبي في الزنا، فتدرج معه النبي الله في خمسة أسئلة حتى اقتنع الفتى بحرمة الزنا، وخرج وقد طابت نفسه. قال أبو أمامة : ( إن فتى شاباً أتى النبي فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا؛ فأقبل القوم عليه ، فزجروه ، قالوا : مه مه ، فقال : ادنه ، فدنا قريباً ، قال : فجلس ، قال : أتحبه لأمك؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ، قال : أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم ، قال أفتحبه لأختك؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم ، قال أفتحبه لعمتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم.قال : فوضع يده عليه ، وقال : اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه، وحصن فرجه؛ (۱) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء» . (1) فانظر إلى هذا الحوار الراقي الذي قلب قناعة ذلك الشاب رأساً على عقب، وذلك بعد أن مهد له بخمسة أسئلة عَمِلَتْ عَمَلَها في قلب ذلك السائل. تحديث المحاورين بما يعرفون : فمن حسن السياسة والحكمة في الحوار أن


١ - أحمد ٥ / ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، وقال الألباني في الصحيحة (۳۷۰) : «وهذا سنده سند صحيح، رجاله كلهم رجال الصحيح » .


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


يُخاطب كل قوم بما يفهمون، وأن يتحامى مخاطبة أحد بما لا يحتمله عقله؛ فذلك أدعى لقبول المحاورة، والبعد عن مواطن النفرة والتكذيب.
قال أمير المؤمنين علي : ( حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟! » . (۱)
وقال ابن مسعود : «ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) . (٢) (۲)
وقال ابن الجوزي الله : « من المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله
عقولهم، أو بما قد رسخ في نفوسهم ضده» . (۳)
وقال : « فالله الله أن تحدث مخلوقاً من العوام بما لا يحتمله دون احتيال وتلطف؛ فإنه لا يزول ما في نفسه ، ويخاطر المحدث له بنفسه » . . (٤)
ومما يعين على فهم السامعين، وعقلهم لما يلقى إليهم، ووقوعه في قرارات
نفوسهم أن تكون المحاورة بألفاظ مأنوسة ، وتأليف محكم، ومعان بارزة.
وهكذا كانت محاورات النبي وخطبه؛ فهي مصوغة بألفاظ مألوفة، ومعان قريبة المأخذ.
وهي مع قرب معانيها من أذهان الجمهور قد حازت في مراقي البلاغة الأمد الأسمى . (0)


1 - أخرجه البخاري (۱۳۷).
٢ - أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (٥).



  • صيد الخاطر ص ٧٤.
    ٤ - صيد الخاطر ٧٥.
    ه - انظر محمد رسول الله وخاتم النبين ص ١٨٥
    .
    الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


قال أبو هلال العسكري الله : ( فمدار البلاغة على . تخيرا اللفظ ، وتخيره أصعب
من جمعه وتأليفه » . (۱) وقال : «قال أبو داود : رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحها رواية الكلام ، وحليها الإعراب ، وبهاؤها تخير الكلام، والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه ) .(٢) ولهذا فإن المحاور البارع هو الذي يصوغ محاوراته بما تحتمله العقول؛ فللعامة لغة ، وللخاصة لغة ، وللكبار لغة ، وللصغار لغة ، وللرجال لغة ، وللنساء لغة ، وهكذا،
وقد مر شيء من هذا القبيل في فقرة ماضية. ومن تحديث الناس بما يعقلون أن تكون المحاورة ملائمة لكافة الطبقات خصوصاً إذا كانت عامة، أو في مكان عام؛ إذ هي تلقى على طبقات من الناس متفاوتة في العلم والفهم؛ فيحسن بالمحاور ألا يتعرض في محاورته إلى المسائل التي قد يتعثر
فهمها على كثير منهم ، أو أن يتناولوها على غير وجهها.
وكانت محاورات الرسول جارية على هذا النحو؛ بحيث يستوي في فهمها الطبقات المختلفة دون أن يجدوا فيها ما ينبو عنه الفكر، أو يحار فيه العقل. (۳) ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي : «كانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها ، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون ، لكني صككتها صكةً ، فأتيت رسول الله الله فعظم ذلك علي ، قلت : يا رسول الله


۱ - كتاب الصناعتين ص ٢٣ .
٢ - كتاب الصناعتين ص ٥٨ - انظر محمد رسول الله ص ۱۸۷.


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


أفلا أعتقها ، قال : «ائتني بها فأتيته بها ، فقال لها : «أين الله؟» قالت : في السماء، قال : « من أنا ؟ » قالت : أنت رسول الله ، قال : « أعتقها فإنها مؤمنة » (١). ففي هذا الحديث تَنَزَّل النبي مع الجارية، وحدثها بما تعقل، وسألها عن أمرين من أعظم الأمور في الدين، وهما الإيمان بأن الله في السماء، والشهادة للنبي بالرسالة. ومن عظم هذين الأمرين فهما من الوضوح والبيان بمكان؛ حيث إنهما أمران يدركان بالفطرة، ويبادئ النظر؛ فهما لا يحتاجان إلى كبير فهم، أو إعمال للذهن؛ لذا أجابته الجارية على الفور؛ فكان ذلك علامة إيمانها ، واستحقاقها للعتق.
٤- إنهاء الحوار إذا لم يأت بفائدة : ففي بعض الأحايين لا يجدي الحوار؛
فيكون الاستمرار فيه ضرباً من الهذيان الذي يصير ضرره أكثر من نفعه؛ ففي مثل ذلك يحسن التوقف، وقطع الحوار ؛ فذلك أدب رفيع، ونظر في العواقب
بعيد؛ إذ لو استمر الحوار - والحالة هذه - لربما كانت العاقبة وخيمة. ولقد كان عليه الصلاة والسلام يأخذ بهذا الأسلوب الرفيع، فكان يحاور ما
نفعت المحاورة؛ فإذا لم تعد تجدي أنهى الحوار، مراعياً مقتضى الحال ، ناظراً في المال. ويشهد لذلك شواهد منها ما جاء في الصحيحين أن علياً قال : «كانت لي شارف (۲) من نصيبي من المغنم يوم بدر ، وكان رسول الله ﷺ أعطاني شارفاً من الخمس يومئذ فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله ﷺ وَاعَدْتُ رجلاً


١ - مسلم (٥٣٧).


٢ - الشارف : هي الناقة المسنة . انظر صحيح مسلم بشرح النووي ح (۱۹۷۹).


الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية


صواغاً من بني قينقاع يرتحل معي ، فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين؛ فأستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفي متاعاً من الأقتاب، والغرائر، والحبال، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، وجمعت حين جمعت ما جمعت؛ فإذا شارفاي قد اجتبت أسنمتهما، ويُقرَتْ خواصرهما، وأخذ من أكبادهما؛ فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما ، قلت : من فعل هذا ؟ قالوا : فعله حمزة بن عبد المطلب، وهو في هذا البيت في شرب (۱) من الأنصار غنته قينة وأصحابه فقالت في غنائها : ألا يا حمر للشرفِ النواء (۲) فقام حمزة بالسيف فاجتب (۳) أسنمتهما، وبقر خواصرهما، فأخذ من أكبادهما ، قال علي : فانطلقت حتى أدخل على رسول الله وعنده زيد بن حارثة ، قال : فعرف رسول الله له في وجهي الذي لقيت ، فقال رسول الله ﷺ : ما لك؟ قلت : يا رسول الله ، والله ما رأيت كاليوم قط ، عدا حمزة على ناقتي فاجتب أسنمتهما ، وبقر خواصرهما ، وها هو ذا في بيت معه شرب ، قال : فدعا رسول الله ﷺ بردائه فارتداه ، ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء الباب الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذنوا له؛ فإذا هم شرب ، فطفق رسول الله يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله ثم صعد النظر إلى ركبتيه ، ثم صعد النظر فنظر إلى سرته ، ثم صعد النظر
۱ - الشرب : الجماعة الشاربون.
٢ - النواء : السمينة.



  • اجتب : أي قطع.
    الفصل الثالث : أساليب الحوار في السيرة النبوية.
    فنظر إلى وجهه، فقال حمزة : وهل أنتم إلا عبيد لأبي؛ فعرف رسول الله ﷺ أنه
    ثمل فنكص (1) رسول الله على عقبيه القهقرى وخرج وخرجنا . معه (۲). فالنبي ذهب إلى حمزة يريد محاورته بالذي حصل منه ، فلما بدأ - عليه الصلاة والسلام يلومه على صنيعه، وانتظر جواب حمزة - لم يجد عنده جواباً يشفي ، وإنما وجد رجلاً قد شرب من الخمر حتى الثمالة؛ فلم يعد فيه بقية من عقلكي يأخذ أو يعطي كما يفعل الرجل السوي؛ فأجابه إجابة تنم عن حاله التي هو عليها من جهة أن عقله قد غطته الخمر ، فقال : « وهل أنتم إلا عبيد لأبي». فأدرك عليه الصلاة والسلام من نظرات حمزة، ومن جوابه أنه في غير
    وعيه ، فقطع الحوار، وانصرف؛ لأن الحوار لا فائدة منه. وهذه خير وسيلة إذا كان الأمر كما ذكر.
    وما من ريب أن ذلك الحدث كان قبل تحريم الخمر (۳) وبهذا ينتهي الحديث عن الفصل الثالث الذي يدور حول أساليب الحوار في السيرة النبوية.
    ۱ - ثمل : سكران.
    البخاري (۲۰۸۹) و ۲۳۷۵ و ۳۰۹۱) ومسلم (۱۹۷۹). - انظر صحیح مسلم بشرح النووي ١٣٦/٣.
    الفصل الرابع: شمول الحوار النبوي الفصل الرابع
    شمول الحوار النبوي وتحته تمهيد، وأربعة مباحث

  • تمهيد
    المبحث الأول: حواراته مع النساء

  • المبحث الثاني: حواراته مع الشباب والصغار
    المبحث الثالث: حواراته مع الشعراء
    المبحث الرابع: حواراته مع المخالفين
    الفصل الرابع: شمول الحوار النبوي.
    الفصل الرابع: شمول الحوار النبوي
    الفصل الرابع : شمول الحوار النبوي
    مر في مقدمة هذا البحث وفي تضاعيفه أن النبي هو ًالرسول المجتبى، والسيد المطاع، والزوج الوفي، والوالد الحاني، والمعلم المربي القدوة، وأنه كان يعامل الصغير والكبير، والبر والفاجر، والمؤمن والكافر، والمحارب والمسالم، والرجل والمرأة، والقريب والبعيد، والعالم والجاهل، والموافق والمخالف، وغير هؤلاء من
    فئات المجتمع؛ فهو - إذا - يعامل كافة الطبقات على اختلاف مشاربهم، وأذواقهم. وكان يأخذ في جميع تلك الأحوال بالحوار أخذاً عملياً، لا دعوى تتمضمض
    بها الأفواه دون أن تكون حقيقة ماثلة للعيان.
    وقد مر في البحث ذكر لكثير من الأمثلة في ذلك على وجه العموم.
    والحديث في هذا الفصل ذكر لشيء من هذا القبيل على وجه الخصوص،
    وذلك بإيراد نماذج من سيرته ، تبين شمول حواره لكافة الطبقات. وقبل الدخول في ذلك يحسن التنبيه إلى أن أكثر حواراته مع أصحابه الذين كان
    يحاورهم ويلاقيهم في بشر وطلاقة محيا ، ويخالطهم في تواضع، ويحمل لهم من الرحمة ما هو أرق من النسيم، وأجود من الغيث العميم (1).
    وقد مضى أمثلة كثيرة على ذلك، وسيرد مزيد أمثلة فيما سيأتي؛ لذا فلن يفرد مبحث الحواره مع أصحابه؛ خشية الإطالة والتكرار؛ فإلى المباحث التالية التي تبين
    شمول حواره - عليه الصلاة والسلام ...
    1- انظر: الأنوار في شمائل النبي المختار للبغوي ١٦١/١-٣٥٨، وإحياء علوم الدين للغزالي ٣٥٧/٢-۳٨٧ ، وأخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني ص ۱۳-۱۸.
    الفصل الرابع : شمول الحوار النبوي.
    المبحث الأول : حواراته - عليه الصلاة والسلام - مع النساء
    لقد أولى النبي النساء جانباً عظيماً من اهتمامه، وتوجيهه؛ فكان يأمر بالقيام بحقهن، ويحذر من التقصير في شأنهن؛ فنالت المرأة في شريعته ما لم تنله في
    أي شريعة أخرى، سواء كانت أماً ، أو أختاً، أو بنتاً، أو قريبة، أو بعيدة.
    وله في ذلك أقوال كثيرة تحث على حسن العشرة للنساء ورعاية حقوقهن. ولا ريب أن من أيسر مظاهر حسن العشرة، ورعاية الحقوق - مراعاة النساء في
    باب الحوار. وكما كان لهن نصيب من عطفه، ورعايته، ووصايته لهن بالإحسان كان لهن نصيب غير منقوص من حواراته، وذلك من خلال ما يجري بينه وبينهن في
    شتى الشؤون، وفيما يلي بيان لشيء من ذلك :
    أولاً : نماذج من حواراته الله مع النساء عموماً : حوارات النبي مع النساء كثيرة جدا، ولقد دونت كتب السنة مئات
    الأحاديث في هذا الشأن، وفيما يلي ذكر لطرف من ذلك :
    ١ - جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أنه قال : « قال النساء للنبي : غلبنا عليك الرجال؛ فاجعل لنا يوماً لنفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه،
    (۱) فوعظهن وأمرهن... إلخ » .(1)
    ٢- جاء في صحيح مسلم أن فاطمة بنت قيس جاءت إلى رسول الله ﷺ
    الفصل الرابع : شمول الحوار النبوي
    فقال رسول الله ﷺ : «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، أما معاوية
    فصعلوك لا مال له ، انكحي أسامة بن زيد».
    قالت فاطمة : فكرهته ، ثم قال : « انكحي أسامة» .
    قالت فاطمة : فنكحته ، فجعل الله فيه خيراً كثيراً، واغتبطت » (١).
    فمن خلال هذا الحوار ذكر لها - عليه الصلاة والسلام - الخيارات، وبين لها أسباب المفاضلة، وأنها تأتي من ناحية المال، والسلوك والمعاشرة، ثم أشارعليها بما يراه.
    وفي هذا بيان أن النساء لم يكن ليتحرجن من محاورته -عليه الصلاة والسلام
    وأنه لم يكن يأنف من ذلك.
    ٣- وجاء في الصحيحين عن خنساء بنت خذام الأنصارية : « أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله ﷺ فرد نكاحها » (٢).
    فهذه المرأة زوجها أبوها بدون إذنها، فلما حاورت النبي في ذلك اقتنع بحجتها ، ورد نكاحها.
    ٤ - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : إن امرأة أتت النبي فسألت عن غسلها من المحيض ، فأمرها كيف تغتسل.
    قال : « خُذِي فرصة (۳) من مسك فتطهري بها » .
    قالت : كيف أتطهر ؟
    ۱ - رواه مسلم (١٤٨٠).
    ٢ - البخاري (٥١٣٨) ومسلم (١٤١٩). ٣ - الفرصة : القطعة.
    الفصل الرابع : شمول الحوار النبوي
    قال : «تطهري بها » .
    قالت : كيف ؟
    قال : «سبحان الله! تطهري» .
    قالت عائشة - رضي الله عنها - : فاجتبذتها إلي ، فقلت : تتبعي بها أثر الدم. (۱) وفي هذا درس عملي في الحوار، والرفق بالمحاور؛ فالنبي ههنا رفق بهذه
    المرأة ، ولم يضجر من تكرار أسئلتها . (٢)
    ه وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش
    لرسول الله ﷺ فقالت : يا رسول الله إني لا أطهر ، أَفَأَدَعُ الصلاة؟
    فقال رسول الله ﷺ : ( إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فإذا ذهب قدرها ، فاغسلي عنك الدم وصلي» .(۳)
    ٦- وعن بريدة قال : بينا أنا جالس عند رسول الله إذ أتته امرأة ، فقالت : إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: فقال: «وجب أجرك ، وَرَدَّها عليك الميراث .
    قالت : یا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر ، أفأصوم عنها ؟ قال : «صومي عنها » ، قالت : إنها لم تحج قط ، أفأحج عنها ؟ قال : «حجي عنها ) . (٤
    1 - أخرجه البخاري (٣١٤) و ٧٣٥٧) ومسلم (۳۳۲).

  • انظر فتح الباري لابن حجر ٥٤٠/١ ، ومن أسئلة للنبي أ. د. فالح الصغير ص ۸۱.
    ٣ - البخاري (٣٠٦).

  • أخرجه مسلم (١١٤٩).
    الفصل الرابع : شمول الحوار النبوي
    فهذه نبذة يسيرة من حوارات النبي للنساء (١)، وهي تعطي العالم، والداعية، والمسؤول عموماً دروساً في سعة الصدر، والصبر على السائل،
    والحرص على إفهامه. ثانياً : حواراته مع زوجاته : الناظر في سيرة المصطفى يرى صوراً مشرقة من
    خلقه الكريم في معاملته الناس جميعاً. ولكن سلوكه في بيته، ومع أزواجه له دلالته الخاصة المبينة عن سلامة ذوقه ، ورقة طباعه وعمق عاطفته، وقدرته الفذة على مراعاة مشاعر أزواجه،
    (۲) و احترام رغباتهن ما دامت في حدود الشرع. (٢)
    ولقد كان يحاورهن، ويستمع إلى أحاديثهن، ويفضي بشقوره إليهن (۳)،
    ويستطلع من خلال الحوار آراءهن، ويأخذ بتلك الآراء إذا كانت جارية على
    الصواب ، وبذلك يدخل السرور والبهجة عليهن.
    وفيما يلي أمثلة عملية تبين شيئاً مما كان يجري بينه وبينهن.
    المثال الأول : ما جاء في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - في قصة بدء الوحي ، قالت : كان أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في

  • انظر كتاب أسئلة النساء للنبي للشيخ أ.د فالح الصغير حيث ساق مائة وتسعة عشر حديثاً في هذا الشأن مع شرحها ، وتخريجها ، وبيان فوائدها.

  • انظر السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم العمري ٦٤٣/٢.

  • شقوره : بثه وهمه ، وهذا مثل يضرب في الإطلاع على مكنونات السرائر، ولمن يفضى إليه بما يكتم عن غيره من السر. انظر مجمع الأمثال للميداني ۷۱/۲-۷۲ (۲۷۳۷)، والمستقصى في أمثال العرب للزمخشري ٢٧٣/١ (١١٥٤).
    الفصل الرابع : شمول الحوار النبوي
    النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها ، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، قال : ما أنا بقارئ. قال : فأخذني فَغَطَّني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، قال : قلت : ما أنا بقارئ.
    قال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني
    فقال : چچ چچچچ چچ یی د د ڈ ڈ ڈ ڈژژژ ژک
    ک ک ک گ گ چ العلق.
    فرجع بها رسول الله ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة : « أي خديجة
    مالي وأخبرها الخبر ، قال : «لقد خشيت على نفسي » .
    قالت له خديجة : كلا ، أبشر؛ فوالله لا يخزيك الله أبداً، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتُكْسِبُ المعدوم، وتقري الضيف،
    وتعين على نوائب الحق ، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امراً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، فقالت له خديجة : أي عم اسمع من ابن
    الفصل الرابع : شمول الحوار النبوي
    أخيك ، قال ورقة بن نوفل : يا ابن أخي ، ماذا ترى؟ (۱) فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رآه ، فقال له ورقة : هذا الناموس (1) الذي أنزل على موسى يا ليتني فيها جذعاً ، يا ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك ، قال
    رسول الله ﷺ : « أو مخرجي هم ؟ » . قال ورقة : نعم ؛ لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك
    أنصرك نصراً مؤزراً» (٢).
    فانظر كيف فزع رسول الله الله إلى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ـ وهو في تلك الأثناء بأمس الحاجة إلى من يسليه ، ويهدئ من روعه؛ فلما حاورهما في شأنه وجد عندها السلوة والبشرى؛ حيث استدلت وهي العاقلة الحصيفة - على أن من كان هذا شأنه من البر ومحبة الخير للناس فلن يخذله الله؛ فسنة الله تقضي بأن الجزاء من جنس العمل.و انظر كيف هُدِيَتْ إلى الذهاب به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل؛ لأنه كان ذا علم وكتابة ، ولم تذهب به إلى غيره ؛ لشعورها بأن هذا الأمر غريب، وليس من جنس ما يعتري البشر؛ لذا وجد النبي عند ورقة ما سلاه ، وبث فيه الروح ، وكان ذلك بسبب تلك الزوجة العاقلة (۳).
    الناموس : صاحب سر الملك ، قال بعضهم : هو صاحب سر الخير، والجاسوس : صاحب سر الشر. انظر الروض الأنف للسهيلي ٤٠٨/١.
    ٢ - البخاري (۳) و ۳۳۹۲ و ٤٩٥٣ و ٤٩٥٥) ومسلم (١٦٠). - انظر الروض الأنف ٣٩٦/١ ، وخلاصة السيرة النبوية والدعوة الإسلامية للشيخ محمد رشيد رضا
    الفصل الرابع : شمول الحوار النبوي
    المثال الثاني : ما كان من أمر أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها- في قصة الحديبية، وذلك عندما قال النبي لأصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا فما قام منهم رجل واحد، حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة : يا نبي الله! أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم ، حتى فعل ذلك، نحر بدنه ، ودعا حالقه ، فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً (۱).
    فتأمل مجيء النبي إلى أم سلمة رضي الله عنها وبثه إليها ما لقيه من
    الناس وهو مغموم فلما حاورها في ذلك الشأن أشارت إليه بذلك الرأي الحصيف، وهو أن يبدأ ذلك بنفسه؛ فأخذ عليه الصلاة والسلام برأيها؛
    فحصل الخير الكثير من جراء ذلك. وفي هذا تنبيه إلى أن الزوج العاقل هو من يُعنى بزوجته ، ويرفع من شأنها، ويحاورها ، ويستشيرها فيما ينوبه من بعض أحواله.
    وفيه إرشاد لمن يستهين بزوجته؛ فلا يراها إلا هملاً مضاعاً، أو لقى مزدرى تذروه الرياح؛ فلا يعتد بحوارها ، ولا يستشيرها في أي شيء من شؤونه، ولا يأخذ برأيها إن هي أشارت؛ فيخسر بذلك خيراً عظيماً، وسعادة معجلة. المثال الثالث: أن عائشة - رضي الله عنها - كانت البكر الوحيدة من
    ۱ - رواه البخاري من حديث الحديبية الطويل (۲۷۳۱) و (٢٧۳۲) ، وأحمد ٣٢٦/٤.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

### مقدمة شهدت...

### مقدمة شهدت المملكة المغربية تطوراً ملحوظاً في مختلف المجالات خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في ال...

يساوي تسارع الج...

يساوي تسارع الجاذبية الأرضية ، فإذا تركت الكرة فسوف تلاحظ أنها ستبقى بالنسبة إليك وإلى المصعد في موض...

The findings sh...

The findings showed that there was a significant impact of added hydrocolloids (inulin and resistant...

تمهيد: نظر...

تمهيد: نظرا للدور الفعال الذي تلعبه الاستثمارات في دفع الاقتصاد الوطني، فقد عالج المشرع الجزائر...

يشهد العالم الي...

يشهد العالم اليوم تحولا هائلا في جميع جوانب الحياة، فقد مست هذه التحولات قطاعات عدة ومن بينها قطاع ت...

علم الوراثه عبر...

علم الوراثه عبر التاريخ تاريخ علم الوراثة يعود إلى العصور القديمة حيث كان الناس يلاحظون ويسجلون ا...

5. التحديات الن...

5. التحديات النفسية من التحديات النفسية الشائعة التي تواجه القراءة هي قلة الدافع والاهتمام. قد يعاني...

هدفت دراسة العا...

هدفت دراسة العازمي (۲۰۲۱) إلى التعرف على واقع التواصل المدرسي مع أولياء الأمور وعلاقته بصناعة القرار...

يشكل القطاع الم...

يشكل القطاع المصرفي العمود الفقري للاقتصاد حيث يلعب دورًا حيويًا في تهيئة البيئة المناسبة لنموه. يتم...

Skeletal muscle...

Skeletal muscle is a series of muscle fibres composed of muscle cells, which are long and multinucle...

سنجاب يتشبث بجد...

سنجاب يتشبث بجدع شجرة كبيرة. من الجانب الآخر من الشجرة، يوجد صياد قريب جدًا من الجدع . كل مرة يتحرك ...

يختلف النشاط ال...

يختلف النشاط الإداري بصفة جوهرية هن نشاط الأفراد على مستوى الغاية والوسائل. أما من حيث الغاية فتهدف ...