لخّصلي

أفالطون ونظرية المحاكاة
المحاضرة02
هناك اهتمام لدى المشتغلين باألدب بمسالة األجناس األدبية، بينما يُالحظ اهتمام أقل
في الفنون األخرى، وحتى في الخطابات الشفوية.
كانت هناك رغبة منذ القرن الخامس قبل الميالد - منذ أفالطون، ومعاصريه من الّنقاد-
بهذه المسألة، ث في العصور التي تلت العصر اليوناني، السيما في عصر الّنهضة؛ بدءا من ّم
القرن السابع عشر.
ّي، إلى منظومة من
وكان الهدف من تجنيس األدب هو الوصول في ك ّل جنس أدب
تي تش ّكل وحدة عضوّية.
ّ
الخصوصيات ال ّداخلية ال
تول ، و ق ّدمت ّت هذا األمر المدارس األدبية مثل الكالسيكية وال ّرومانسية والواقعية
ذي ع رف الشّعر انطالقا من "تحليل
ّ
رؤى ال تبتعد ع ّما قاله أرسطو في كتابه "ف ّن ال ّشعر" ال
تركيبه النّوعي" بهدف الوصول إلى طبيعة الجنس األدبي وما يحكمه، والتّمييز بينه وبين
تي تُش ّكل و األجناس األخرى،
بُغية الوصول إلى منظومة من الخصوصيات ال ّداخلية ال حدة ّ
ّل جوهر الجنس األدبي.
عضوية، تمث
لقي والتأويل؛ ومن ذلك أ ّن الفيلسوف و الّناقد
و ظ ّل كتابه، في نقد الفالسفة، بين التّ
ال قدّم تقسيما لألجناس األدبية لم يعتمد على ّ األلماني فريدريش شليجل )1829-1772( ذي
منظومة اللّغة وإنّما على مقوالت فلسفية.
وحاول هي جل )1831-1770( -أه ّم مؤ ّسسي المثالية في الفلسفة األلمانية في أواخر
ِو القرن الثامن عشر - إعادة اكتشاف األجناس األدبية فكانت ل جهة نظر
ه كذلك، منطلقات
أخرى غير تلك التي قدّمها أرسطو؛ إذ اعتمد على ال ّدالالت؛ أي: "مبدا العالقة بين ال ّروح
وال ّشكل" ما أفرز أنواعا من الفنون ، أنتجت بدورها أجناسا متنّوعة.
كما كان لطغيان العلم في القرن التّاسع عشر تأثير في األدب والّنقد؛ فظهرت في األدب
المدرسة ال التي قادها ال ّروائي الفرنسي أميل زوال )1902-1840(. أ ّما في الّنقد األدبي، ّطبيعّية،
فقد انطلق الكاتب والّناقد الفرنسي فرديناند برونيتيير)1906-1829( من نظرية حديثة مجالها
عالم األحياء وال اإلنجليزي تشارلز روبرت ّط البيولوجيا، هي نظريّة التط ّور البيولوجي ل بيعة
داروين )1882-1809(.
تحّدث أفالطون في كتابه "الجمهورية" ع ّما دعاه بـ "المعركة بين ال ّشعر والفلسفة".
وال ش ّك أ ّن هذا االهتمام بتأثير ال ّشعر، إّنما يعود إلى أه ّمية هذا المشروع - في المجتمع
2
ّرة في األخالق والـتّ األثيني - ربّية
ذي كان يُعّد فيه ال ّشعُر قّوة فعّالة مؤث
ال . ومن ث ّمة، كان من ّ
اد القُدامى، وفي
مْزج بين المعايير الفّنية واألخالقية في مفاهيم الّنقّ
ّى هذا ال
ال ّطبيع ّي أن يتجل
رؤى المسرحيين الّنقدّية أيضا،
كما في مسرحية "ال ّضفادع" الكوميدي ة )405 ق.م( ألرسطوفانيس. حيث تدور
ُمفاضلة بين ال ّشاعرْين التّراجيديين اسخيلوس ويوريبيديس ممتزجة بالّنقد األخالقي والّنقد
ال
الفّني.
ي وتعود هذه المرتبة التي ح ظ
بها ال ّشعر إلى كونه كان تي تربط اإلنسان
ّ
ّل الحلقة ال
يمث
ّي باإلله، أو بتعبير آخر: العالم بال ّسماء؛ بل
ذلك أ ّن ال ّشعر لم يكن نوعا من ال خطاب العقالن
على أّنه وحي من ّللا
هم
فُ ، فال ّشاعر هوسيودوس )-750 650 ق.م( مثال، كان مصدرا رئيسيا
والقصص ال هوميروس وجدت طريقها في تقليد اإلغريق ّ لمعرفة اإلغريق بآلهتهم، تي رواها
المتوتّ ، نجده يصف ال ّدين أفالطون؛ فرغم عالقة، هذا األخير، رة مع المسألة ال ّشعرية ّي، وعند
ال ّشعر في سياق الوح ّي والكالم اإلله ّي.
أخذ أفالطون من ال ّشعر مواقف مختلفة. فهو يأخذ عليه طابعه البياني؛ حين تكون
مهّمته اإلقناع ال قو ل الحقيقة. بالّنسبة ألفالطون، فال ّشاعر عندما يق ّدم شعره على المسرح
ذي يهدف إلى إقناع سامعيه.
متو ّجها إلى الجمهور يقوم بمهّمة الخطيب ال و أحيانا، نظر إليه ّ
على أّنه قصص مروّية شعرا؛ أي: شعر قصص ّي. وفي حين آخر، اعتبره وحيا إلهّيا؛ إذ كان
فون قصائدهم بواسطة الف ّن
ه يرى أ ّن ال ّشعراء ال يؤل ، وإّنما مون وممسوسون. ّ
ْ
ألّنهم ُم وهو ل
في ك ّل الحاالت عنده: محاكاة.
والبحث عن الحقيقة كان هد ُف افالطون األسمى. وال ّشاعر، ب ح س به ، ال يقول الحقيقة ؛
ذي ال يتغّير، ووحده الفيلسو ُف قاد ر على إدراك ذلك
ّ
أل ّن العال م الح ّق هو عالم الكينونة ال
العالم. و أ ّما ذي
ّ
التّحّو ، وعدم العالم ال يُماثل أ مام حوا ّسنا فهو عالم ال ّصيرورة؛ عالم ل ّظاهر ال
بات
الث . ّ
ذي يصنع
ّ
فالّنجار ال -على سبيل المثال – انّية لكونها
ّ
سريرا تأتي ُصنعته في المرتبة الث
جزءا من العال م المحسوس. أ ّما الفّنان وال ّر ّسام وال ّشاعر فتأتي أعمالهم في المرتبة الثالثة
ّطبيعة الحقّة.
بالّنسبة لل
درس أفالطون ال ّشعر كذلك، بصورة أساسية من وجهة نظر إبداع ال ّشاعر ووحيه
والقيمة الفلسفية للمحاكاة. فاعتمد على معايير تحليلية تسمح بالتّمييز بين طبقات الّنصوص،
وذلك حسب طرق التّعبير عنها، ال ّسردي )الملحمي( واإليمائي )المسرحي(، والنموذج
المختلط )خليط منهما(. و لم يتحّدث عن ثالثة أصناف شعرية تحليلية يمكن توزيع النشاطات
ّي الخطابية عليها. و لم يسأل نفسه ما هي المأساة أو ما هي الملحمة؟ و
لم يكتب أ بحث عن
الممّي زة لل ّشعر، أو االختالفات بين األشكال ال ّشعرية المتنّو الخصائص عة )ملحمي، تراجيدي،
الشاملة لل ّشعر تبطل تلك التوقعات. ذلك أ ّن أفالطون كان ل دور ّ ...(، بل إ ّن معالجاته
ّ
يمثل دور المرّبي في الكثير من األحيان. وأل ّن الشعراء – في رأيه - كانوا يق ّصون قصصا كاذبة
يؤث ر ّرون بها على بناء الفرد األخالقي والمعرفي.
األمر الذي جعله يحذ من تأثيرهم ال سلبي. ّ
وكذلك أل ّن ال ّشعر- كما قال – كان "يُغذّي االنفعال" ع و ض أن يُ ْض عف هُ لو رغبة ال ّشاعر أن يزداد ناس سعادةوفضيلة