لخّصلي

نــامَــت نــورا وَلَمْ تُنْه الْعَمَلَ على السَّجَّادَةِ.
فــي الـصَّـباحِ الْباكِرِ جاءَ الرَّجُلُ إلى بيْتِ نورا ومعَهُ فَتاةٌ صَغيرَةٌ، قالَ الرَّجُلُ: "صَباحُ الْخَيْرِ.. أَتَيْتُ مَعَ ابْنَتي دانا لِنأْخُذَ السَّجَّادَة!".
شَعَرَ والِدُ نورا بالْحَرَجِ، وَقالَ: "عُذْرًا يا أبا دانا، لَمْ تَنْتَهِ نورا مِنْ نَسْجِ السَّجَّادَةِ بَعْد، وَلَكِنْ أعِدُكَ أَنَّ السَّجّادَةَ سَتَكونَ جاهِزَةً الْيَوْمَ".
نَظَرَ أَبو دانا إلى نورا الصَّغيرَةِ التَّعِبَةِ وَسَألَها: " هَلْ أَنت فِعْلاً تَنْسُجينَ السَّجّادَ يا نورا؟ وَمَتى تَدْرُسينَ؟"
أَجابَتْ نورا: " نَعَمْ أنا أَنْسُجُ السَّجَّادَ. أبي عَلَّمَني. فَبَعْدَ أَنْ صَدَمَتْهُ سَيَّارَةٌ ضَعُفَتْ يَدُهُ وَلَمْ يَعُدْ يَعْمَل. وَأَنا لا أدْرُسُ لِأنَّني لا أذْهَبُ إلى الْمَدْرَسَةِ، لكنني متأكّدة...سوف أذهب إلى المدرسة يومًا ما".
قَالتْ دانا بِفَرَحٍ: " أنا أَذْهَبُ إلى الْمَدْرَسَةِ، وَأُحِبُّ كَثيرًا اللَّعِبَ مَعَ رِفاقي وَقِراءَةَ الْقِصَصِ.
نَظَرَتْ إليها نورا وَقالَتْ بِصَوْتٍ حَزينٍ، " وأَنا أَيْضًا أُحِبُّ الْقِصَصَ. كانَتْ أُمِّي تَحْكي لي الْقِصَصَ الْمُسَلِّيَةَ كُلَّ مَساءٍ. والآنَ أُمِّي في الْمُسْتَشْفى لأنَّ قَلْبَها ضَعيفٌ.
" لا تَحْزَني يا نورا، سأَقْرأ لَكِ الْقِصَصَ الْمُسَلِّيَةَ وَأنْتِ تَنْسِجينَ السَّجَّادَةَ".
جَلَسَتْ نورا تَنْسِجُ بِنَشاطٍ. أمَّا دانا فراحَتْ تَقْرأ لها الْقِصَصَ الْمُسَلِّيَةَ.
انْتَهَتْ نورا مِنْ نَسْجِ السَّجَّادَةَ، ثُمَّ نَظَرَتْ إلى دانا وَقالَتْ:" كَمْ أَتَمَنَّى أَنْ أَقْرأَ مِثْلَكِ يا دانا!".
أخَذَتْ دانا وَرَقَةً وَكَتَبَتْ عليها اسْمَ نورا وَطَلَبَتْ مِنْها أن تَقْرأَ. لَكِنَّ نورا لَمْ تَعْرِفْ كَيْفَ تَقْرأ اسْمَها.
فَقَرَأَتْ لها دانا اسْمَها وكانَت نورا تُعيدُ الْقراءَةَ وهِيَ تَضَعُ إصْبَعَها تَحْتَ كُلِّ حَرْفٍ. ثُمَّ حَمَلَتِ الْوَرَقَةَ وَهِيَ تَقْفِزُ وَتَقولُ:" أنا أَقْرأُ اسْمي نورا".
وَبَعْدَ ذَلِكَ وضَعَتِ الْوَرَقَةَ أمامَها على النَّوْلِ وَنَسَجَتِ اسْمَها على سَجّادَةٍ صَغيرَةٍ.
ثُمَّ قالت بحماس شديد: "يا دانا، أرجو أن تكتبي لي الأسماء تحت الحروف الأبجديّة كي أقرأها"
حَمَلَ أبو دانا السَّجَّادَةَ وَدَفَعَ ثَمَنَها. أمَّا دانا فَوَدَّعَتْ صَديقَتَها الْجَديدَةَ وَقالَتْ لها:" شُكْرًا لَكِ يا نورا لَقَدْ نَسَجْتِ لي أَجْمَلَ سَجَّادَةٍ في الْعالَمِ".
في الْمَساءِ جَلَسَتْ نُورا أمامَ النَّوْلِ وراحَتْ تَقْرأُ وَتَنْسِجُ أَسْماءَ الْبَناتِ والصِّبْيانِ على سَجاداتٍ صَغيرَةٍ.
وفي الصَّباحِ عَلَّقَت سَجَّادَتِها الْجَميلَة أمامَ الْبَيْتِ. وَما هِيَ إلَّا دَقائقَ حَتّى بَدَأَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ بِشِراءِ السَّجَّاداتِ.
بَعْدَ أُسْبوعيْنِ، كَثُرَ الطَّلَبُ على سَجَّاداتِ نورا، فَفَتَحَ والِدُها دُكَّانًا صَغيرًا قُرْبَ الْبَيْتِ. وعادَت أمُّ نورا مِنَ الْمُسْتَشْفى، لَكِنَّ الطَّبيبَ طَلَبَ إليْها أَنْ تَسْتَريحَ في سَريْرِها.
كانَتْ نورا تَجْلِسَ قُرْبَ أمِّها كُلَّ يَوْمٍ وَتُخْبِرُها الْقِصَصَ الَّتي قَرَأْتْها لها دانا. وَبَعْدَ أنْ تَنامَ أُمُّها تَعودُ وَتَنْسجُ سَجَّاداتِ الأسْماء.
في صَباحِ يَوْمٍ مُشْرِقٍ، حَمَلَتْ نورا بأمل وسعادة حَقيبَةً على ظَهْرِها، ثُمَّ قَبَّلَتْ جَبينَ أُمِّها وذَهَبَت إلى دُكَّانِ والِدِها.
حِينَ دَخَلَتْ اقْتَرَبَت مِنْهُ وقالت:" صَباحُ الْخَيْرِ يا أبي، هَلْ سَتأخُذُني إلى الْمَدْرَسَةِ؟
ابْتَسَمَ لَها والِدُها وَقالَ: " مِنْ حَقِّكِ أَنْ تَتَعَلَّمي الْقِراءَةَ يا ابْنَتي". وأمْسَكَ بيَدِها وَمَشَيا مَعًا باتِّجاهِ مَدْرَسَةِ الْبَلْدَةِ.