لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

انتبهت إلى أن أهلي يسمون المكان الذي نسكنه بالخان . من يأتي عندنا يصفنا بساكني الخان . وهو لا ريب قد كان خانا في يوم مضى :
غرفة فسيحة » عميقة » في الطابق الأرضي من مينى عتيق على الشارع العام , وعلى مقربة منه دكاكين كثيرة من كل نوع ؛ كأبواب امخازن » أكاد أعجز عن زحزحته لثقله » وقرب الباب مرحاض صغير »
أضيف حتماً بعد الفراغ من بناء الدار في يوم من أيام العهد العثماني الطويل . وبين بابنا الكبير والشارع بوابة خشبية أصغر منه » جعلت مدخلاً للبناية »
وهي أيضاً إضافة لاحقة » لعزل المبنى قليلاً عن الشارع » فحالما نتتخطى عتبتها
العالية » يواجهنا باب الخان على مسافة ست خخطوات أو سبع . الفضاء » درج حجري مكشوف يصعد إلى الطابق الأعلى الذي كانت فيه غرفة
طَلىِ بابها بالاخضرء كلما صعدت إلى فوق . حيث يقيم رجل ذو لحية قصيرة
ولا أراه إلا وهو جالس إلى طاولته » يفكك ويركب آلات
كوا
وهو بير في تصليح الساعات
ومن جانب غرفته يصعد الدرج المكشوف إلى طابق ثالث كانت
فيه «العليّة» . كانت «العليّة» غرفة مستطيلة كبيرة » يؤمها صباح الأحد الكثير من الرجال
والنساء » وبعض الصبية الذين يرتدون قمصاناً بيضاء طويلة » ويرتلون » وفي
نشازاً بين حين وآخر بالترتيل ؛ وأنها بيت الله . وأن الشيخ هو الس
أبونا حنا » الذي يجب أن نقبّل يده كلما التقيناه . وكانت رائحة البخور تعبق فى
هذا الطابق الأعلى طوال أيام الأسبوع , وتتكرم كلما هبّت ريح ملائمة » فتنزل
الصباح ؛ والباب مفتوح . البريموس ء الذي كان يطلق صوتا يتفاوت حدة بتفاوت حجم لهيبه » فأشعر أنه
يعني . وأمي (التي كانت تغئّي معه أحياناً) بارعة في معالحته بإبرة خاصة » كلما
أبدى منَعاً في الاشتعال كما هي تريد . يخرج أبي إلى الشغل وأنا نائم . وعندما نستيقظ أنا وأخحي يوسف » ثم نشرب
الشاي الذي تهيؤه عادة جدتي , مع شيء من الخبز والزيتون » نخرج إلى الشارع »
ثم يتوافد صبية مثلنا»
فننحدر معا من وراء الجامع باتجاه ساحة باب الديرء» حيث عربات الخيول » وقد
والسيارات » أو يجلسون في المطاعم والمقاهي المحيطة بالساحة »ء وقد غمرت
الوادي » واججبال البعيدة القى تشرف عليها الساحة . ويزول البرد
الذي كان أول ما ما تحس به عند الخروج . 0_7 ه:رنيوت ‎١‏
كانت بائعة
الطنجرة . وكان هذا حدثاً مهماً. لأن أمي تقول أن لا قدرة لها على شراء الحليب
إلا في المناسبات وعند الضرورات . وبين صعودي إلى الطابق العلوي لأقول
للراهب يوسف «صباح الخيره ؛ المكشوف الذي أمامها إلى الصبية الذي هم في الأسفل يلعيون في الحارة »
وأناديهم وينادونني ‎٠‏ وبين نزولي لأرى كيف يجري طبخ الهيطلية » كانت الأكلة
اللذيذة » الموعودة » قد حضرت ‎٠. وقالت : «لنتركه ساعتين ليبرد . سأعطيك منه قليلا » عند الظهر , ولكننا
عندما يعود أبوك من الشغل » فهو مثلك يحب الهيطلية . أوصتني أمي بألا أكثر من الخروج والدخول , ريئما تذهب
جيدا . ومددت اصبعي إليها , وذقتها . باردة . طيّب . وأخذت لطعة أخرى قبل الخروج . في الشارع ؛ «أتعرف؟ أمي طبخت لنا اليوم هيطلية» . وعندما تمشينا وراء الجامع . التقانا صبيّانَ آخران ‏ وقال لهما صديقي : «أمه
4 وبعد قليل . فقلت لهم : «أمي طبخت هيطلية!»
قال أحدهم : «كذاب!»
قالوا : «ولكن نخاف من أمك» . جعلنا نتقافز ونتراكض باتجاه الخان . أدخلت أصدقائى , ودخلنا جميعاً -
وكنًا سبعة أو ثمانية . أحجام مختلفة . ووجدت أنه لم تبق لي أنا
وراحوا هم يأكلون . دخلت أمى
وصاحت بنا صيحة اهتزّلها الخان. ورمى الصبية عنهم
وجدتني أنا أيضاً أسابق الريح , وقد تشدّت
أصدقائي في كل اتجاه . وبقيت أركض حتى وصلت باب كنيسة المهد مبهور
النفس . وحيداً لا رفيق لي . وأنا السبب . لم أجد أحداً من رفقتي ألعب معه : على بعد قليل في باب المهد ؛ على طرف
من الساحة » كان رجل يسحب لماء من دلو جلدي من بثر كبيرة الفم » ويصبّه
كادت مشافرها الضخمة تصيب قعرهء وقد تكشّفت عن أسنان صغفراء رهيبة »
وهي تشفط الماء بشراهة . على استدارة أعناقها الطويلة :
وضخامة أبدانها , وأخفافها المفلطحة ء التفً حولها
حتى تأتي
عليه الجمال في الحال . تركتها » متلكثاً في السير ء إلى الطريق المجاور» وتوقفت عند بوابات مخحازن
«السوفئير» أتفرج على ما في واجهاتها من مسابح وصور وصلبان من الصّدف ء
وجمال صغيرة من خشب الزيتون , وقد صّفْت في قوافل » مقطور بعضها ببعض . بعد مدة زَايلني الخوف » أو نسيته » وجعلت أشعر بجوع شديد . قسرت باتجاه
الدار » ولكن » عند الباب » عاودنى المنوف مما ستفعله بى أمى ؛ وصحت : «هة! سبّى!» ‎١‏ 00
وهو يضحك ويقول : «تعال »
وأنت تأكل بالمغرفة! عال والله! كيّفنا! يلا » تعال . حين قالت : «يا
شيطان! أتوزع أكلنا على الناس؟ أتحسب نفسك ابن سليمان جاسر؟ اشبع أولاً »
وقالت : دخمذ الطنجرة يا يوسف , وخذ هذين
القرشين » وأركض الى بيت بائعة الحليب . الحليب » اشتر ست أواق » وعد على عجل ؛ لأطبخ وجبة أخرى من الهيطلية
لأبيك . لا أريد أن أرى
وجهه!»
في المساء , وقالت في نفرة مفتعلة : هيلا » اقعد
0_7 ه:رنيوت 0
صبيحة اليوم التالي أصعدني أبي مع أخي إلى الكنيسة مبكرا » وأوقفني في
وأحاول أن أرفع صوتي معهم » كلما رفعوا أصواتهم . صغيرة قليلاً من البخور من طاسة نحاسية في يد الولد . والمصلّين » ويهرٌ المبخرة عليهم بإيقاع منتظم ‏ وهي تطلق سحب العطر . وتمنيت لو أنني أحمل أنا أيضا مبخرة مثله » لأبخر الناس » والدار » والدرج »
وكل ما في الحارة من بشر ومساكن . فقد قال أبي إن مع سحب البخور تنطلق
لو رأيت أولئك الملائكة . وبقيت رؤية الملائكة حسرة في نفسي , كالأشباح - مخلوقات وسطاً بين الطيور والنساء - وأنني ألعب معها . إلى قصعة من الأرز بالحليب . ولسوف نستطيع أن نأكل على هوانا , لآن أمي لن
ترى الملائكة , وكنت أسمع أحاديث عن الشياطين أيضاً : وهي سوداء ‏ لها قرون حادة »
وتنفث من أفواهها النيران ‏ وتطرقع بأذيالها الطويلة » غير أنها لا تحب رائحة
البخور » ولا التراتيل الجميلة . بالحليب . الحديدي في وجهه . وليدقّ عليه بذيله إلى أن يشبع!
فقالت له أمي : «خذ أخاك
غير أن مدير المدرسة . عندما أخذني أخي إليها معه : نظر إلى نظرة سريعة »
وهر رأسه » وسأل يوسف : «أخوك هذكء كم عمره؟ . 0_7 ه:رنيوت 0
أجاب : (خمس سئلوات» . وفى الحال أسرعت بى إلى
خليّه عندنا وروحي مع السلامة . وانتبهت إلى أن بيتنا الجديد هذا نسميه بكلمة جديدة
علي : «الخشاشي» . سالاد
في المدرسة رأيتهم يكتبون . ويفتح الدفترء ويكتب على الورق الأ بيض المسطر . كانوا يرفعون رؤوسهم وينظرون
عبر رأس المعلم إلى «اللوح» - وهو مجموعة من أخشاب شدّت معأ على شكل
ولكنها الآن
بعضها عن بعض . وقد خط المعلم على هذا اللوح بضعة حروف . والصبية
ومن عادة كل منهم أن يمد لسانه » ويبلل طرف القلم على حافة لسانه »
ويمحو بممحاة صغيرة عليها صورة فيل . ويغمس الأسود المبري بلعاب لسانه . كان ذلك أول يوم لي » أو أحد أيامي الأولى في «مدرسة الروم» الواقعة خلف
كنيسة المهد . قلت للمعلم » وأنا على «بنك» طويل بين أربعة أو خمسة أطفال
5 و١‏ > -
قال : «كيف تكتب إذن؟»
قلت : «في دفتر أحد الأولاد الذين عندهم دقاتر» . فضحك الصبية . حتى المعلم ضحك ء وقال : «لا يا ولد . غداً أحضر دفترك
وقلمك » واكتب» . وخرجنا إلى الملعب . كانت هناك شجرة صنوبر
قفزت على الجذع
ولحق بى جماعة من الصبية . وما
كدنا نلعب قليلاً حتى رأينا المعلم يدق جرسه مرة أخرى . كنت أرى معظمهم كبيراً بالنسبة
وأنا في
الخامسة . حافى القدمين . وأكثرنا حفاة » غير أن بعض الأولاد الكبار يلبسون
أحذية ضخمة , » في ساعة الغداء . ووجدت جدتي في الحاكورة تنظر إلى ظل شجرة اللوز الواقع على حائط البيت . - «ولكنها ساعة الظهر» . - «لاايا حبيبي . لم يصل الظل إلى هذا الحجر بعد . » وأشارت إلى حجر
«أتعتقد أننى لا أعرف متى تكون ساعة الظهر؟» . - ولا أدري . فصاحت جدتي : «مرء! حضري الغداء . كانت لي علاقة خاصة بجدتي » من «وراء ظهر» أمي . «عصبية» ؛ 1 1
اقتربت منها - وكان فستانها طويلاً يكاد يبلغ الأرض . «ها؟ عندك شىء تقوله؟ فعلت شيئاً غير لائق؟»
فقلت وأنا أنظر في عينيها العسليتين : «سمّي , - دقل ذلك لأمك . أطلب ما تريد من أمك . أو انتظر إلى أن يعود أبوك في
وتخلط ما فيها. قلت : يمه » المعلم يقول أن علي أن آخذ معي دفترا وقلما للمدرسة» . - «صحيح؟ ومن أين أجيء لك بالدفتر والقلم؟»
- «وأنا من أين لي نصف قرش؟ يلا أقعد وكل » وبلا دفتر وبلا قلم . أخرجت شيئا من الحشيش الذي كنا نجمعه في كيس كبير في طلعاتنا الى
الحقول . لكي لا نضطر إلى أخذ الخروفين للرعي كل يوم . وأخذته للخروفين
الأبيضين ء المربوطين في «الخشيّة» » كانا كلاهما متمرغين في تراب الأرضية
ووضعت لهما الحشيش ‎٠‏ وأقبلا عليه بنهم . أربت على ظهر هذا وظهر ذاك . صبّت أمي الطعام في قصعة كبيرة على الأرض وجلسنا حولها . «هه! الآن دق الظهر!» إذ راحت قباب الأديرة المنبثة في البلدة تقرع أجراسها
لتعلن انتصاف النهار ؛ الصف . ولم يكتب أحد شيئاً هذه المرّة . كتب المعلّم حروفاً على اللوح » وطلب
من جماعة منا أن تكررها وراءه :
0ع :رنيوت 0
- دتاء!»
- «ألف باء!»
نص رغيف وكوساية . - «معك تعريفة؟؛ - «روح وأحضر نصف قرش . ووجدت جدتي في الحاكورة تلم الغسيل . ووأخرجت منديلاً معقوداً . وحلّت عقدتين وانفتح المنديل عن أربع أو خمس قطع
ولا تخبر أمك . وركضت معنفصاً إلى دكان الطبش » وناولت صاحبه قطعة النقد العزيزة »
وقال : «إذا لم تكن
لديك براية ء مش ضروري . وجدتي كالعادة
كان قرب باب بيتنا مصطبة حجرية طويلة » تمددت فوقها
بلّلت طرفه الحاد على رأس لسانى . ولكن ماذا أكتب؟ جعلت أستذكر الحروف
التي كتبها المعلم على اللوح في الصباح » وبعد الظهر . كانت الألف سهلة . - 5 -
وكتبت !!١١ء‏ ثم ب ب بء وامتلا السطر . وبدأت سطراً آخر . ولكنني وجدت أن أسطري » غصباً عني , مهما حاولت . غيّرت
وضع الدفتر أمامي , القلم . في ذلك المساء » كان دفتري «فرجة؛ العائلة . أبي قال «عفارم!؛ «أسطرك نازلة من الجبل » لتشرب الماء؟؛ بالك على الدفتر . ولا تضيّع القلم : أتسمع؟» وجدتي غمزتني جانبياً ؛ متفاهمة
«جلبت معي الدفتر والقلم» فقال : : «طيّب » اقعد مكانك واكتب» . ولكن الأولاد الذين بقربي
كانوا لا يكتبون ؛ لأن ليست معهم دفاتر » ويضحكون . ويتململون » وأرجلهم
الحافية في عبث متواصل » هذا يدفع ذاك بقدمه تحت «البنك» ؛ وذاك يركل
ويروح قلمي شاحطاً على الصفحة المفتوحة بين يدي . وجعلني أكتب
قال : «هل أعرف أنا القراءة حتى أقرأ
بعد الظهر, لم نكتب شيئاً . يتنفس . اكتب لي اسمه على اللوح . . . الخلف . اجعلوا سواعدكم على البنك , هكذا , وناموا . دفنًا وجوهنا بين سواعدنا ء كما أوصانا المعلم » ولكن من منا نحن العفاريت
«علامة ضرب» إزاء أحدها . وانطلقت فجأة شخرة عاتية من المعلم » رفع رأسه
على أثرها مباشرة » وأجال عينيه الرهيبتين فى وجوه الأولاد . وببطء ؛ أدار رأسه
نحو اللوح , فنادى أولها : «جريس ! شرّف!»
وخخرج جريس من بين رفاقه » وسار خائفاً نحو المعلم : «والله يا معلمي ما
حكيت . ولا ضحكت» . بلا حكي!»
وفتح الولد يذه » وضربه المعلم بالمسطرة على كف يده ضربة واحدة . فأذاقه ضربتين اثنتين » ثم دق اللترس », . وقد لازمني في العودة ؛ 1 ورقة . كانت أمه منشغلة عنا بالخياطة عندما جلسنا في ركن من غرفة بيتهم » على
«طقاعة واحدة » وبس!» قال . فرضيت . فتحه واقتلع الورقتين
اللتين في الوسط , وأدخلها بين طرفيها , 0_7 ه:رنيوت 0
سحبها بسرعة ؛ ونفضها بقوة , فأطلقت صوتاً انفجارياً بديعاً . أعاد الطي . وأعاد
العملية » و «طقع» مرة أخرى . قال : «أأعمل لك واحدة؟ة
قلت : «أنا أعملها» . واقتلعت ورقتين من وسط الدفتر » وعملت طقاعة , وطرقعت! ثم عملنا طقاعة
أخحرى » فأخرى - إلى أن أتينا على الدفتر . وأم عبده ترقبنا بنصف عين , وتقول
بين حين وآخر : ابلا دوشة يا جماعة!»
وخرجنا إلى الشارع » ونحن نطرقع » وجيوبنا ملأى بعتاد من الطقاعات . ووجدنا أصدقاء , ورحنا جميعاً نطرقع . . إلى أن غابت
وأسرعت إلى البيت . قلت : «أخذه المعلم» . - «ليحفظه في الجرار عنده . وعندما عاد أبى من العمل . قلت : «عند المعلم» 1
وسألنى أخى يوسف على العشاء السؤال نفسه » وأجبته بالجواب نفسه . وغت تلك الليلة وأنا أفكر في الطقاعات ء وآسف أنني لم أترك على الأقل
واحدة منها أطرقع بها في المدرسة . ولكنني شعرت أيضاً بشيء من الخوف . أين لي أن أشتري دفتراً آخر؟ . في اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة . وجعلت أنقش
وكلما انقرم بريته بمساعدة أحد الأولاد. حتى كاد نصفه
وفى البيت أمطرت من جديد بالسؤال إياه : «أين الدفتر؟» وأجيت : «عند
في صباح اليوم الثالث ؛ عندما دق الجرس » جرني عبده من ذراعي . فقلت :
«شو هالمدرسة؟ جرس » دائما جرس؟»
قال : «بلا مدرسة يأ شيخ! أتجبيء معي؟)
قلت : دياذ!»
وخمرجنا من باب الملعب راكضين ؛ في اتجاه ساحة المهد . التصوير» ويكلموننا بلغة لا نفهمها ء فيومئون إلينا لكي نقف أمامهم , وباب
وقالت : «طبغمت لك اليوم أحسن عدس . بالملح» :
حتى اتخمت » واستلقيت على ظهري . فنفرت بي أمي : «قم! قم إلى مدرستك!
أم أنك نسيت؟ وقل للمعلم أن يعيد إليك دفترك!»
وقالت جدتي : «مهلك على الصبي . فقالت أمى : «والله أفسدته!»
حرجت - إلى بيت عبده . وفي
على الدوام في المدرسة . ولكن ما كادت قر أربعة أيام أو خمسة » حتى جوبهت في الظهيرة بأمي »
واقفة ببوابة الحاكورة » وهي تنتظرني . وجرّتها بقوة عاتية » وصاحت : «أين الدفتر؟»
0ع :رنيوت 0
- ديه ء قلت لك »ء عند المعلم!»
ولطمتني على خدّي الآخر . «ملات شارع راس افطيس بالطقاعات :يا كذاب »
وكل الذي استطاعت
جدتي أن تفعله هوأن تدس في يدي ء وأنا أبكي في الحاكورة » قطعة خحبز وزرٌ
بندورة » ودفعتني إلى الهرب . وخرجت . » وجلست على الدرج النازل إلى
الطريق ‎٠‏ وأكلت غدائي البائس وأثر الملح في عيني يؤذيني , وقرّص أمي ما زال
بيخز في خدي وفخذي . وقرّر أبى ذلك المساء أن يرسلني إلى مدرسة السريان الكاثوليك التي يعرف
وأتعلم الألف
0_7 ه:رنيوت 0
حاكورة فيها شجرتا رمان وشجرة لوز أو شجرتان ؛ وبين مأوانا والخشية »
التى هي مأوى المخراف والدجاج ‏ مشى يفصل أيضاً بين الحاكورتين » ويمتد من
وكانت غرفتنا وخشيّتنا كلتاهما مسقوفتين بالأحطاب » وجذوع الأشجار
وأغصانها . من الداخل » ظاهرة التفاصيل فى السقف المنخفض » وهى تتداخل
وكان
من مهام أبي وبقية أفراد العائلة بين الحين والحين » ولا سيما قبل مقدم الشتاء »
دك السطح بالدرداس . . ولم يكن هذا بالطبع ليمنع الدّلف أو الخرير عندما تسقط
الأمطار» ولكنّه يقلّله ويحصره على الأغلب في الزوايا . وكشيراً ما كنت أستلقي
‎١ -‏ و -
0_7 ه:رنيوت
على ظهري . على أرض الغرفة الترابي » أو على الحصيرة » وأرقب مصارعة
الجرذان المعشعشة بين أحطاب السقف . وأكثر من مرة » صرع جُرذْ جرذا آخر
ء فالتقطته قطتنا «فلة» ببراعة . كانت «فلّة» على رقتها الظاهرة » ورقّة
اسمها . تتكشف عن شراسة النمرة حين تمجابه بالفريسة . وكثيراً ما رأيتها تجابه
الفغران » وتجمّدها رعباً » ثم تقضي عليها . ولكنها ذات يوم , حين أقعت بوجه
إذ راح يرفع قدمه الأمامية
أعلى الجبل الذي بنيت البلدة على سفحه منذ القدم . الطريق العام المعروف برأس أفطيس » أو شارع النجمة كما سمي فيما بعد . من
الشارع كنا نصعد الدرجات الحجرية اللامنتظمة ؛ التي صقلتها الأقدام مع مرور
الزمن » لكي نبلغ زقاق دارنا . بعمارة فخمة على اليمين » مبنية من حجارة «مدقوقة» منتظمة ء لها بوابة حديد
صبغت ذات يوم غابر بطلاء أبيض . وعلى اليسار جدار عال » عند قاعدته معلف
يربط عنده حمار أبيض . كلما وقف عبر المدرج ورأسه في المعلف ومؤخرته متجهة
نحو الدار الفحمة ؛ كان هذا حمار «الحكيم
الرومي» ء المقيم في تلك الدار . والحكيم الرومي هذاء لا أظن أن أحداً كان يدعوه
باسمه , أو حتى يعرف اسمه . إنه أشهر طبيب فى البلدة . الأرستقراطي الأبيض ». بينما كانت الحمير الأخرى أقرب إلى الرمادي المسكين
في لونها - وحقيبته في خرج الحمار الأحمرء وهو ينهره بشموخ وأنفه بخيزرانة
0_7 ه:رنيوت 0
في طريقة إلى دار هذا المريض أو ذاك . كان «الحكيم» رجلاً قصيراً . أولشيء . لم تقسم بيني وبين هذا الطبيب أو حماره أية مودّة . هذا الحي . أردت
صعود الدرج إلى البيت » والحمار واقف على قوائمه يكاد يسدٌ عرض المعبر
بجثته , في المستهل . تنبت الروث مااستطعت » وقصدت الفسحة الضيقة التي تركتها
عجيزته للعابرين » وهو يكش بذيله عنها الذياب والقراد . ولا أظنني » حين
تريثت طويلاً للنظر إلى ذيله وحشراته » ولكنني ربما مددت يدي الى
ونفذت إلى الدرجات العليا وأنا مرتعب أبكى . وكان ذلك درساً أليماً » ومبكراً فى حياتى . علّمنى ألا أقترب من الحميره أو
أن أعمل الحذر الشديد إذا اضطررت إلى الاقتراب منها ومن أضرابها . الحركة » ولم أفهم بالضبط ما الذي جرى لها عندما وجدتها لا تغادر فرشتها
الملقاة على الأرض » وهي تتلوى وتئن » وطلبت إلى جدتي أن أنزل الدرج إلى دار
ا لحضور إلى دارنا لمعالجة أمي . ولو لم أدرك أن الأمر خطير على نحو ما لما جازفت
بدخول العمارة التي يقيم فيها الحكيم ؛ وحماره مربوط بالمعلف على بعد خطوة أو
خطوتين من الباب . يتهيأ للخروج . وقبل أن أقول له - كما علمتني جدتي - «صباح الخير »» سألني
عابسا : اوين » وين ء يا ولد؟»
قلت متلعثماً : «أمي مريضة يا حكيم» . 0ع :رنيوت 054
- «ومن هى أمك؟»
لا أذكر كلماته بالضبط ‏ التي لم أفهم منها الكثير أصلاً » بسبب لهجته
الرومية » ولكن لا بد أنني أفهمته ما أريده , الدار . ولم تطل الزيارة . وهي في أللها مندهشة : «خمسة
تأفف الطبيب » ثم قال : «طيب هاتي قرشين ؛ غير أن أمى دسّت يدها تحت وسادته ؛ تقول بكبرياء : «لاء لا ء تفضل . شكرأ» 1
سترته » ولحظت السلسلة الدقيقة التى تمند من أحد الأزرار إلى الجيب المقابل :
سحبها بعناية » وأخرج ساعة صفراء فتحها ليعرف الوقت ؛ البراق بنقرة حلوة » وأعادها إلى جيبه . والتقط حقيبته » وخرج . وقد خخاطت لى أمى كيساً أحمله حول
أخذت الكيس . » وانطلقت نزلا فى اتجاه «الطريق الجديدة» » حيث كانت
المدرسة : وهى أيضاً غرفة واحدة كبيرة بن ت قرب كنيسة حديئة التشييد»
ملأى بالمقاعد الطويلة . فتى؟) . قلت : «أحذت الحكيم الرومي لأمي» . . حسناً » شفاها الله . تتساقط من شفتيه ء ولا نفهم الكثير منها ء ولو أننا قد نحزر معناها - أحياناً . راس روس » دار دور»


النص الأصلي

انتبهت إلى أن أهلي يسمون المكان الذي نسكنه بالخان . ثم انتبهت إلى أن
من يأتي عندنا يصفنا بساكني الخان . وهو لا ريب قد كان خانا في يوم مضى :
غرفة فسيحة » عميقة » في الطابق الأرضي من مينى عتيق على الشارع العام ,
خلف الجامع . وعلى مقربة منه دكاكين كثيرة من كل نوع ؛ من البقال إلى صانع
الأحزمة وبرادع الحمير . وليس للغرفة نافذة . ليس لها إلا باب حديد كبيرء
كأبواب امخازن » أكاد أعجز عن زحزحته لثقله » وقرب الباب مرحاض صغير »
أضيف حتماً بعد الفراغ من بناء الدار في يوم من أيام العهد العثماني الطويل .


وبين بابنا الكبير والشارع بوابة خشبية أصغر منه » جعلت مدخلاً للبناية »
وهي أيضاً إضافة لاحقة » لعزل المبنى قليلاً عن الشارع » فحالما نتتخطى عتبتها
العالية » يواجهنا باب الخان على مسافة ست خخطوات أو سبع . وإلى اليسار؛ في
الفضاء » درج حجري مكشوف يصعد إلى الطابق الأعلى الذي كانت فيه غرفة
طَلىِ بابها بالاخضرء كلما صعدت إلى فوق . حيث يقيم رجل ذو لحية قصيرة
يلبس السواد دائماً , ولا أراه إلا وهو جالس إلى طاولته » يفكك ويركب آلات


كوا
0_7 ه:رنيوت
صغيرة بين يديه - ويقولون إنه الراهب يوسف . وهو بير في تصليح الساعات
والأجهزة الآلية . ومن جانب غرفته يصعد الدرج المكشوف إلى طابق ثالث كانت
فيه «العليّة» .


كانت «العليّة» غرفة مستطيلة كبيرة » يؤمها صباح الأحد الكثير من الرجال
والنساء » وبعض الصبية الذين يرتدون قمصاناً بيضاء طويلة » ويرتلون » وفي
وسطهم شيخ أبيض اللحية » طويلها » في جلباب أزرق مزركش ‎٠»‏ يرتفع صوته
نشازاً بين حين وآخر بالترتيل ؛ والشموع تشتعل في كل مكان .


أفهمني أبي أن تلك الغرفة هي كنيسة . وأنها بيت الله . وأن الشيخ هو الس
أبونا حنا » الذي يجب أن نقبّل يده كلما التقيناه . وكانت رائحة البخور تعبق فى
هذا الطابق الأعلى طوال أيام الأسبوع , وتتكرم كلما هبّت ريح ملائمة » فتنزل
إليناء نحن ساكنى الخان » بشذاها الطيّب » فتعطر الجو .


كان الخان عميقاً » رطباً » مظلماً» إلا إذا اقتتحمه شعاع من الشمس في
الصباح ؛ والباب مفتوح . وفي ركن منه » كانت أمي تطبخ على «البابور»
البريموس ء الذي كان يطلق صوتا يتفاوت حدة بتفاوت حجم لهيبه » فأشعر أنه
يعني . وأمي (التي كانت تغئّي معه أحياناً) بارعة في معالحته بإبرة خاصة » كلما
أبدى منَعاً في الاشتعال كما هي تريد . ‎١‏


يخرج أبي إلى الشغل وأنا نائم . وعندما نستيقظ أنا وأخحي يوسف » ثم نشرب
الشاي الذي تهيؤه عادة جدتي , مع شيء من الخبز والزيتون » نخرج إلى الشارع »
وأرضها مبلطة بالحجارة التي يلسع بردها أقدامتا الحافية . ثم يتوافد صبية مثلنا»
فننحدر معا من وراء الجامع باتجاه ساحة باب الديرء» حيث عربات الخيول » وقد
تكون هناك سيارتان أو ثلاث . ويتقاطر الناس على مهل » فيركبون العربات
والسيارات » أو يجلسون في المطاعم والمقاهي المحيطة بالساحة »ء وقد غمرت
الشمس المكان بضياء ليس فى «الخان؛ ما يائله - وغمرت كذلك حبلات
الوادي » واججبال البعيدة القى تشرف عليها الساحة . فأخذت تتألق , ويزول البرد
الذي كان أول ما ما تحس به عند الخروج .


58 4 ا
0_7 ه:رنيوت ‎١‏
وفي صباح أحد الأيام » بعد أن ذهب أخي الى المدرسة » بقيت مع أمي
وجدتي أرقب طبخة وعدتني أمي بها : «هيطليّة» - أرز بالحليب . كانت بائعة
الحليب قد طرقت بابنا » فاشترت أمي منها بالكيلة عدة أوقيّات صبّتها البائعة في
الطنجرة . وكان هذا حدثاً مهماً. لأن أمي تقول أن لا قدرة لها على شراء الحليب
إلا في المناسبات وعند الضرورات . وبين صعودي إلى الطابق العلوي لأقول
للراهب يوسف «صباح الخيره ؛ ثم إلى طابق الكنيسة الأعلى لأنظر من السطح
المكشوف الذي أمامها إلى الصبية الذي هم في الأسفل يلعيون في الحارة »
وأناديهم وينادونني ‎٠‏ وبين نزولي لأرى كيف يجري طبخ الهيطلية » كانت الأكلة
اللذيذة » الموعودة » قد حضرت ‎٠.‏


صبتها أمي في وعاء معدني مسطح ؛ وضعته على الأرض في الركن »
وقالت : «لنتركه ساعتين ليبرد . سأعطيك منه قليلا » عند الظهر , ولكننا
سنحتفظ به للعشاء , عندما يعود أبوك من الشغل » فهو مثلك يحب الهيطلية .)


أوصتني أمي بألا أكثر من الخروج والدخول , وبأن أكون «عاقل» , ريئما تذهب
مع جدتي إلى السوق لشراء النضرة . وقالت : «إذا خرجت » أغلق الباب وراءك
جيدا . ولا تسمح لأحد بالدخول »


ما كدت أبقى وحدي » حتى تطلعت إلى الأكلة البيضاء الشهية بحرقة »
ومددت اصبعي إليها , وذقتها . ما ألذّها ! ولكنها ما زالت حارة » وأمي تريدها
باردة . طيّب . فالأخرج الى الحارة . وأخذت لطعة أخرى قبل الخروج .


في الشارع ؛ عند باب الدكان المقابل . لقيت أحد أصدقائي »فقلت له :
«أتعرف؟ أمي طبخت لنا اليوم هيطلية» .


وعندما تمشينا وراء الجامع . التقانا صبيّانَ آخران ‏ وقال لهما صديقي : «أمه
طبحت اليوم هيطلية .4 وبعد قليل . كان المزيد من أطفال الحي قد تجمعوا عند
المنعطف » يلعبون . فقلت لهم : «أمي طبخت هيطلية!»


قال أحدهم : «كذاب!»


قلت : «أنت كذاب . تعال وشوف» .


0_7 ه:رنيوت 0
ثم العفت إلى الآخرين » وقلت : «يلا تعالوا إلى بيتنا في الخان . عندنا
هيطليّة» .


قالوا : «ولكن نخاف من أمك» .


قلت : (أمي ذهبت مع جدتي إلى السوق» »


جعلنا نتقافز ونتراكض باتجاه الخان . كان الباب المْنارجى ء كالعادة مفتوحاً .
أدخلت أصدقائى , ودفعنا معأ الباب الحديدي الكبير لمسكننا . ودخلنا جميعاً -
وكنًا سبعة أو ثمانية .


رغماً عن العتمة ؛ كانت قصعة الأرز بالحليب المستقرة على الأرض تتوهج
كالشمس . سحبتها إلى بقعة قرب الباب » للمزيد من الضوء » وقلت للأولاد :
«اقعدوا!» .


وقعدوا على الأرض جميعاً في حلقة حول الطبق الأبيض . وصحت بهم :
«انتظروا! لا تأكلوا بأيديكم! عندنا ملاعق! .»


وكان قرب «البابور» صحن فيه مجموعة من الملاعق النشب والألومنيوم من
أحجام مختلفة . ورّعتها عليهم . واحداً واحداً . ووجدت أنه لم تبق لي أنا
ملعقة . وراحوا هم يأكلون . فتناولت المغرفة بسرعة , وشققت لي مكانا بينهم ,
وغرفت بها » وأكلت مع الآكلين .


وفي تلك اللحظات الرائعة » وقد كدنا نأتى على ما فى القصعة . دخلت أمى
ووراءها جدتي . وصاحت بنا صيحة اهتزّلها الخان. ورمى الصبية عنهم
ملاعقهم : وأنقذوا بسرعة العفاريت من الباب المفتوح » وأطلقوا سيقانهم للريح .
وقبل أن تطبق يدا أمي علي . وجدتني أنا أيضاً أسابق الريح , وقد تشدّت
أصدقائي في كل اتجاه . وبقيت أركض حتى وصلت باب كنيسة المهد مبهور
النفس . وحيداً لا رفيق لي .


وأدركت حينئذ أن أبي لم يبق له شيء يأكله في المساء عند عودته متعباً من
العمل , وأنا السبب . وخحفت أن أرجع إلى البيت .


لم أجد أحداً من رفقتي ألعب معه : على بعد قليل في باب المهد ؛ على طرف


0ع :رنيوت مان
من الساحة » كان رجل يسحب لماء من دلو جلدي من بثر كبيرة الفم » ويصبّه
فى جرن حجري مستطيل قربها ؛ وثلاثة جمال قد أحنت رؤوسها فيه حتى
كادت مشافرها الضخمة تصيب قعرهء وقد تكشّفت عن أسنان صغفراء رهيبة »
وهي تشفط الماء بشراهة . وقفت أتفرج عليها . على استدارة أعناقها الطويلة :
وضخامة أبدانها , وارتفاع سيقانها الهائل , وأخفافها المفلطحة ء التفً حولها
وأخشى الدنو منها كثيراً . وما يكاد صاحبها يفرغ ماء الدلو في اللحرن ؛ حتى تأتي
عليه الجمال في الحال .


تركتها » متلكثاً في السير ء إلى الطريق المجاور» وتوقفت عند بوابات مخحازن
«السوفئير» أتفرج على ما في واجهاتها من مسابح وصور وصلبان من الصّدف ء
وجمال صغيرة من خشب الزيتون , وقد صّفْت في قوافل » مقطور بعضها ببعض .


بعد مدة زَايلني الخوف » أو نسيته » وجعلت أشعر بجوع شديد . قسرت باتجاه
الدار » ولكن » عند الباب » عاودنى المنوف مما ستفعله بى أمى ؛ فأطللت نصف
إطلالة ؛ وصحت : «هة! سبّى!» ‎١‏ 00


فخرج إلى أخي » وكان قد عاد من المارسة ؛ وهو يضحك ويقول : «تعال »
ادخل! تطعم غيرك بالملعقة , وأنت تأكل بالمغرفة! عال والله! كيّفنا! يلا » تعال .6
وجرّنى إلى الداخل » لأقابل أمى , وعيناها تقدحان بالغضب .


وفجأة رأيت الغضب في عينيها يذوب إلى ما يشبه الضحك . حين قالت : «يا
شيطان! أتوزع أكلنا على الناس؟ أتحسب نفسك ابن سليمان جاسر؟ اشبع أولاً »
وبعدين أطعم الناس ...»©


ثم النفتت إلي أخي , وقالت : دخمذ الطنجرة يا يوسف , وخذ هذين
القرشين » وأركض الى بيت بائعة الحليب . وإذا وجدت أنه بقي عندها شيء من
الحليب » اشتر ست أواق » وعد على عجل ؛ لأطبخ وجبة أخرى من الهيطلية
لأبيك . . . أما أخوك هذا » فلن يذوقها . والله! وخذه معك . لا أريد أن أرى
وجهه!»


في المساء , تنازلت أمي عن تهديدها . وقالت في نفرة مفتعلة : هيلا » اقعد


0_7 ه:رنيوت 0
مع أبيك وأيك . أتريد المغرفة لتأكل بها :أم أن الملعقة تكفيك؟»


صبيحة اليوم التالي أصعدني أبي مع أخي إلى الكنيسة مبكرا » وأوقفني في
أحد صفى الصبية المرتلين » ومع أننى لم أكن أعرف ما الذي يرتلون بالسريانية »
فقد جعلت أمتع بما أسمع , وأحاول أن أرفع صوتي معهم » كلما رفعوا أصواتهم .
كنت أرقب الولد حامل المبخرة وهو يدنو بها من أبونا حنًا » فيأخذ أبونا بملعقة
صغيرة قليلاً من البخور من طاسة نحاسية في يد الولد . ويلقمها جمرات
المبخرة ؛ ويرسم عليها إشارة الصليب . ثم يدور الولد بين أرجاء الهسيكل »
والمصلّين » ويهرٌ المبخرة عليهم بإيقاع منتظم ‏ وهي تطلق سحب العطر .


وتمنيت لو أنني أحمل أنا أيضا مبخرة مثله » لأبخر الناس » والدار » والدرج »
وكل ما في الحارة من بشر ومساكن . فقد قال أبي إن مع سحب البخور تنطلق
الملائكة » وتستمطر بركات الله على كل من يتلقى الرائحة الزكية . . . وكم تمنيت
لو رأيت أولئك الملائكة .


وبقيت رؤية الملائكة حسرة في نفسي , جعلتني أتوهم أحياناً أنني أراها
كالأشباح - مخلوقات وسطاً بين الطيور والنساء - وأنني ألعب معها . وأدعوها
إلى قصعة من الأرز بالحليب . ولسوف نستطيع أن نأكل على هوانا , لآن أمي لن
ترى الملائكة , ولعلها لن ترانى أنا أيضاً وأنا بصحبتها .


وكنت أسمع أحاديث عن الشياطين أيضاً : وهي سوداء ‏ لها قرون حادة »
وتنفث من أفواهها النيران ‏ وتطرقع بأذيالها الطويلة » غير أنها لا تحب رائحة
البخور » ولا التراتيل الجميلة . ولا أظن أنها تحب مصادقة الأطفال ء أو أكل الأرز
بالحليب . واحمد لله! لن أريد رؤيتها! وإذا ظهر لي واحد منها ء أغلقت بابنا
الحديدي في وجهه . وليدقّ عليه بذيله إلى أن يشبع!


كان أخي يذهب إلى مدرسة الألمان في المدبسة . فقالت له أمي : «خذ أخاك
معك . حتى أعرف كيف أنصرف إلى شغلى .»


غير أن مدير المدرسة . عندما أخذني أخي إليها معه : نظر إلى نظرة سريعة »
وهر رأسه » وسأل يوسف : «أخوك هذكء كم عمره؟ .» 1


0_7 ه:رنيوت 0
أجاب : (خمس سئلوات» .


قال المدير : «أرجعه إلى البيت . وليأت إلينا بعد سنة» .


غضبت أمي عندما أعادني أخحي الى البيت . وفى الحال أسرعت بى إلى
مدرسة الروم الأورثوذكس وهي أقرب مسافة من مدرسة الأ مان » وقابلت المعلّم .
فقال لها : «أهلاً وسهلاً . خليّه عندنا وروحي مع السلامة . أو أحضريه غداً
صباحاً » قبل الساعة الثامنة» .


ولكننا في اليوم التالي انشغلنا جميعاً بالانتقال إلى بيت آخرء في مكان
نصعد إليه بدرج كثير . وانتبهت إلى أن بيتنا الجديد هذا نسميه بكلمة جديدة
علي : «الخشاشي» .


سالاد
0_7 ه:رنيوت
في المدرسة رأيتهم يكتبون . يمسك الواحد منهم «باللابصة» (قلم الرصاص) »
ويفتح الدفترء ويكتب على الورق الأ بيض المسطر . كانوا يرفعون رؤوسهم وينظرون
عبر رأس المعلم إلى «اللوح» - وهو مجموعة من أخشاب شدّت معأ على شكل
مربع وركزت على مسند ثلاثي الأرجل » وصطبغت يوم بالأسود , ولكنها الآن
تكاد تكون بيضاء من تراكم أثر الطباشير» »رغم مسحهاء وتفارقت الأخشاب
بعضها عن بعض . وقد خط المعلم على هذا اللوح بضعة حروف . والصبية
يكتبون . ومن عادة كل منهم أن يمد لسانه » ويبلل طرف القلم على حافة لسانه »
ويكتب . ويمحو بممحاة صغيرة عليها صورة فيل . وينقرم القلم . فيبريه بالبراية .
ويغمس الأسود المبري بلعاب لسانه . وينظر إلى اللوح ويكتب .


كان ذلك أول يوم لي » أو أحد أيامي الأولى في «مدرسة الروم» الواقعة خلف
كنيسة المهد . قلت للمعلم » وأنا على «بنك» طويل بين أربعة أو خمسة أطفال
مثلي : «معلمي , هل أكتب أنا أيضاً؟»


قال : هل أحضرت معك دفترك :وقلمك؟»


5 و١‏ > -
0_7 ه:رنيوت
قلت :هلا.


قال : «كيف تكتب إذن؟»


قلت : «في دفتر أحد الأولاد الذين عندهم دقاتر» .


فضحك الصبية . حتى المعلم ضحك ء وقال : «لا يا ولد . غداً أحضر دفترك
وقلمك » واكتب» .


بعد قليل دق المعلم جرساً . وخرجنا إلى الملعب . كانت هناك شجرة صنوبر
كبيرة منحنية » تكاد تقسم الساحة الصغيرة إلى قسمين . قفزت على الجذع
المنحنى » ومنه تسلقت إلى الأغصان العليا . ولحق بى جماعة من الصبية . وما
كدنا نلعب قليلاً حتى رأينا المعلم يدق جرسه مرة أخرى . وعدنا إلى «الصف» .
كنا على الأقل خمسين ولداً » من أعمار شتى . كنت أرى معظمهم كبيراً بالنسبة
إلى : في العاشرة » والثانية عشرة » ورما كان بعضهم في الرابعة عشرة . وأنا في
الخامسة . حافى القدمين . وأكثرنا حفاة » غير أن بعض الأولاد الكبار يلبسون
أحذية ضخمة , خلّفها الجيش العثماني لآبائهم .


قبل الظهر خرجنا «إلى البيت»؛ » في ساعة الغداء . رحت ركضاً إلى بيتنا ؛
ووجدت جدتي في الحاكورة تنظر إلى ظل شجرة اللوز الواقع على حائط البيت .
فقالت : «لماذا جئت قبل الوقت؟» .




  • «ولكنها ساعة الظهر» .




  • «لاايا حبيبي . لم يصل الظل إلى هذا الحجر بعد . » وأشارت إلى حجر
    ناتئن فى الجدار . «أتعتقد أننى لا أعرف متى تكون ساعة الظهر؟» .




  • ولا أدري . أخرجنا المعلم » وقال ارجعوا في الساعة الواحدة .»




فصاحت جدتي : «مرء! حضري الغداء . ابنك جاء!»


كانت لي علاقة خاصة بجدتي » من «وراء ظهر» أمي . فهي تعلم أن أمي
«عصبية» ؛ وإذا فعلت أنا شيئاً لا ترضى عنه أمى وعرفت به » «أطعمتنى قتلة» .
فكانت جدتي تتستر علي . 1 1


اقتربت منها - وكان فستانها طويلاً يكاد يبلغ الأرض . تلمسعه ‏ فقالت :



  • 01 -
    0_7 ه:رنيوت :
    «ها؟ عندك شىء تقوله؟ فعلت شيئاً غير لائق؟»


فقلت وأنا أنظر في عينيها العسليتين : «سمّي , أريد أن أشتري دفتراً وقلمأه .




  • «دفتراً وقلماً! ليش؟» 1




  • «لكى أكتب» .




  • دقل ذلك لأمك . أطلب ما تريد من أمك . أو انتظر إلى أن يعود أبوك في
    المساء» .




عندما دخلت البيت » كانت أمى تتأمل فى «الطنجرة» , وتخلط ما فيها.
وقالت : «أهلاً بابن المدارس!» 1 1


قلت : يمه » المعلم يقول أن علي أن آخذ معي دفترا وقلما للمدرسة» .




  • «صحيح؟ ومن أين أجيء لك بالدفتر والقلم؟»




  • «الدفتر والقلم بنصف قرش . هكذا يقول الأولاد) .




  • «وأنا من أين لي نصف قرش؟ يلا أقعد وكل » وبلا دفتر وبلا قلم . نصف
    قرش » قال! وقبل أن تأكل ‏ خخذ شويّة حشيش للخروفين» .




أخرجت شيئا من الحشيش الذي كنا نجمعه في كيس كبير في طلعاتنا الى
الحقول .لكي لا نضطر إلى أخذ الخروفين للرعي كل يوم . وأخذته للخروفين
الأبيضين ء المربوطين في «الخشيّة» » كانا كلاهما متمرغين في تراب الأرضية
يجتران . وحالما رأياني » نهضا ؛ ووضعت لهما الحشيش ‎٠‏ وأقبلا عليه بنهم . وأنا
أربت على ظهر هذا وظهر ذاك .


صبّت أمي الطعام في قصعة كبيرة على الأرض وجلسنا حولها . وقالت أمي :
«هه! الآن دق الظهر!» إذ راحت قباب الأديرة المنبثة في البلدة تقرع أجراسها
لتعلن انتصاف النهار ؛ وأصوات الأجراس تتمازج عبر الفضاء » وهّاجة فرحة .


بعد الغداء عدت إلى المدرسة » ولعبنا » إلى أن دق المعلم جرسه . ودخلنا
الصف . ولم يكتب أحد شيئاً هذه المرّة . كتب المعلّم حروفاً على اللوح » وطلب
من جماعة منا أن تكررها وراءه :


«ألف!» فنصيح : «ألف!»


0ع :رنيوت 0
- ذباء!»




  • دباء!»




  • «تاء!»




  • دتاء!»




  • «ألف باء!»




  • وألف باء!ه




عندما خرجنا عصراً . جعلنا أنا واثنان من رفاقي نردد ونرنّم : «ألف با بوباية »
نص رغيف وكوساية . . .» ومررنا بدكان حنا الطبش » وواجهته مليئة بالدفاتر
والأقلام وامحايات . دخلت وسألت البائع : «عمّى » بدي قلم ودفتر» .




  • «معك تعريفة؟؛6




  • ولا .




  • «روح وأحضر نصف قرش . وخذ أحسن قلم وأحسن دفترة




وعدت إلى البيت . ووجدت جدتي في الحاكورة تلم الغسيل . ونظرت إليها
راجياً : ‎٠‏ ففهمتني في الحال . ودون أن تقول كلمة واحدة » وضعت يدها في عبها ‏
ووأخرجت منديلاً معقوداً . وحلّت عقدتين وانفتح المنديل عن أربع أو خمس قطع
نقدية » التقطت منها نصف قرش مدوّراً مثقوباً » وقالت : «خذ . ولا تخبر أمك .
يلا من قدامى , عنفص!»


وركضت معنفصاً إلى دكان الطبش » وناولت صاحبه قطعة النقد العزيزة »
وناولني دفتراً وقلماً . فطلبت إليه أن يبري لي القلم » ففعل . وقال : «إذا لم تكن
لديك براية ء مش ضروري . إبر القلم بالشفرة» .


وطرت بما اشتريت عودة إلى البيت:. لم تكن أمي في البيت . وجدتي كالعادة
مشغولة بشؤون العائلة . كان قرب باب بيتنا مصطبة حجرية طويلة » تمددت فوقها
على بطني » وفتحت الدفتر عند أول صفحة . وأمسكت بالقلم المبري لأكتب .
بلّلت طرفه الحاد على رأس لسانى . ولكن ماذا أكتب؟ جعلت أستذكر الحروف
التي كتبها المعلم على اللوح في الصباح » وبعد الظهر . كانت الألف سهلة .



  • 5 -
    0_7 ه:رنيوت
    شكلها ؛ كما يقول المعلم » كالعصا ء والباء؟ عصا نائمة » معقوفة من الطرفين »
    وكتبت !!١١ء‏ ثم ب ب بء وامتلا السطر . وبدأت سطراً آخر . وآخر . .
    ولكنني وجدت أن أسطري » غصباً عني , تميل انحداراً . مهما حاولت . غيّرت
    وضع الدفتر أمامي , وكتبت - والأسطر تهبط بي من اليمين الى اليسار. .
    وامتاات الصفحة أسطراً مائلة » ثم ملأت صفحة أخرى » فأخرى » وفجأة «اتقرم»
    القلم . فتوقفت .


في ذلك المساء » كان دفتري «فرجة؛ العائلة . أبي قال «عفارم!؛ يوسف قال :
«أسطرك نازلة من الجبل » لتشرب الماء؟؛ أمى قالت : «أكتب كتابة مضبوطة » ودر
بالك على الدفتر . ولا تضيّع القلم : أتسمع؟» وجدتي غمزتني جانبياً ؛ متفاهمة
مدي .


في صباح اليوم التالى أخذت «عدتي؛ معي إلى المدرسة . وقلت للمعلم :
«جلبت معي الدفتر والقلم» فقال : : «طيّب » اقعد مكانك واكتب» .


برى المعلم لي القلم » واستعرت ممحاة , وكتبت , ولكن الأولاد الذين بقربي
كانوا لا يكتبون ؛ لأن ليست معهم دفاتر » ويضحكون . ويتململون » وأرجلهم
الحافية في عبث متواصل » هذا يدفع ذاك بقدمه تحت «البنك» ؛ وذاك يركل
قدمي , ويروح قلمي شاحطاً على الصفحة المفتوحة بين يدي .


عند الغداء سألتني أمي : دهل رأى المعلم دفترك؟»


قلت قلت : انعم . وجعلني أكتب


قالت : «الحمد لله» .


وا حاولت أن أريها ما الذي كتبت ., قال : «هل أعرف أنا القراءة حتى أقرأ
دفترك؟»


بعد الظهر, لم نكتب شيئاً . كان المعلم نعساناً . قعد إلى المنضدة ء وأقام ولدأً
كبيرا وقال له : «إلياس » أنت العريف اليوم . كل من يتكلم » أو يضحك
يتنفس . اكتب لي اسمه على اللوح . . . أنتم أولاد الصف الأول والثاني » افتحوا
كتب القراءة » الصفحة خمسةهء واقرأوا . بس بلا حس! وأن نتم الجالسين في



  • ب -
    0_7 ه:رنيوت
    الخلف . اجعلوا سواعدكم على البنك , هكذا , وأنزلوا رؤوسكم وأسندوها عليها »
    وناموا . وبلاش حركة! فاهمين!»


وفي الحال أغمض عينيه » وسقط رأسه على صدره » وراح في نومة هنيئة .


دفنًا وجوهنا بين سواعدنا ء كما أوصانا المعلم » ولكن من منا نحن العفاريت
يستطيع النوم؟ قضينا ساعة ورؤوسنا على البنك » في الثرثرة والضحك . عندما
رفعنا رؤوسنا كان الياس قد كتب ثلاثة أو أربعة أسماء على اللوح . وجعل
«علامة ضرب» إزاء أحدها . وانطلقت فجأة شخرة عاتية من المعلم » رفع رأسه
على أثرها مباشرة » وأجال عينيه الرهيبتين فى وجوه الأولاد . وببطء ؛ أدار رأسه
نحو اللوح , فرأى الأسماء . فنادى أولها : «جريس ! شرّف!»


وخخرج جريس من بين رفاقه » وسار خائفاً نحو المعلم : «والله يا معلمي ما
حكيت . ولا ضحكت» .


قال المعلم » وقد تناول مسطرته الطويلة : «افتح يدك!»




  • «والله معلمى ....»




  • «افتح يدك , بلا حكي!»




وفتح الولد يذه » وضربه المعلم بالمسطرة على كف يده ضربة واحدة .


وهكذا فعل بصاحب الاسم الثاني . أما صاحب الاسم المؤشر بعلامة ضرب »
فأذاقه ضربتين اثنتين » ثم دق اللترس », وأنحرجنا .


كان اسم رفيقي على البنك «عبده؛ . وقد لازمني في العودة ؛ وأقنعني
بالذهاب الى دارهم : وهو يقول : «أتعرف كيف تصنع «طقاعة؟ دفترك هذا فيه
1 ورقة . كل ورقتين تجعل منهما طقّاعة» .


كانت أمه منشغلة عنا بالخياطة عندما جلسنا في ركن من غرفة بيتهم » على
الأرض . أخذ عبده الدفتر من يدي ‎٠»‏ ولكننى استرجعته ء رافضاً أول الأمر .


«طقاعة واحدة » وبس!» قال . فرضيت . وناولته الدفتر . فتحه واقتلع الورقتين
اللتين في الوسط , وطواهما بشكل خخاص ‎٠»‏ وأنا أراقبه » ثم طوى زاوية من الطوية »
وأدخلها بين طرفيها , وبعد ذلك جعلها تحت إبطه » فضغط عليها بذراعه , ثم


0_7 ه:رنيوت 0
سحبها بسرعة ؛ ونفضها بقوة , فأطلقت صوتاً انفجارياً بديعاً . أعاد الطي . وأعاد
العملية » و «طقع» مرة أخرى . شيء رائع!


قال : «أأعمل لك واحدة؟ة


قلت : «أنا أعملها» .


واقتلعت ورقتين من وسط الدفتر » وعملت طقاعة , وطرقعت! ثم عملنا طقاعة
أخحرى » فأخرى - إلى أن أتينا على الدفتر . وأم عبده ترقبنا بنصف عين , وتقول
بين حين وآخر : ابلا دوشة يا جماعة!»


وخرجنا إلى الشارع » ونحن نطرقع » وجيوبنا ملأى بعتاد من الطقاعات .
ووجدنا أصدقاء , وزعناها عليهم . ورحنا جميعاً نطرقع .. . إلى أن غابت
الشمس » وتمزقت الطقاعات كلها .


وأسرعت إلى البيت . وقالت جدتي : تأين الدفتر؟»


قلت : «أخذه المعلم» .


وقالت أمى : «أين الدفتر؟»


قلت : «أخذه المعلم» .




  • «لماذا؟ ليتفرج عليه؟؛




  • «ليحفظه في الجرار عنده . لكي لا يضيع» .




وعندما عاد أبى من العمل . سألنى : «أين الدفتر؟»


قلت : «عند المعلم» 1


وسألنى أخى يوسف على العشاء السؤال نفسه » وأجبته بالجواب نفسه .


وغت تلك الليلة وأنا أفكر في الطقاعات ء وآسف أنني لم أترك على الأقل
واحدة منها أطرقع بها في المدرسة . ولكنني شعرت أيضاً بشيء من الخوف . من
أين لي أن أشتري دفتراً آخر؟ .


في اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة . ولم يكن لدي إلا القلم . وجعلت أنقش
به على البنك . وكلما انقرم بريته بمساعدة أحد الأولاد. حتى كاد نصفه
يتلاشى .


1-7 :رنيوت عا
وفى البيت أمطرت من جديد بالسؤال إياه : «أين الدفتر؟» وأجيت : «عند
لمعلم» .


في صباح اليوم الثالث ؛ عندما دق الجرس » جرني عبده من ذراعي . فقلت :
«شو هالمدرسة؟ جرس » دائما جرس؟»


قال : «بلا مدرسة يأ شيخ! أتجبيء معي؟)


قلت : دياذ!»


وخمرجنا من باب الملعب راكضين ؛ في اتجاه ساحة المهد . كانت السيارات
تقف فيها » وينطلق منها رجال ونساء طوال » شقر » كبار السن » يحملون آللات
التصوير» ويكلموننا بلغة لا نفهمها ء فيومئون إلينا لكي نقف أمامهم , وباب
كنيسة المهد خلفنا » ويصوروننا .


«دق الظهر» فجأة فرحت راكضا إلى البيت . ورحبت جدتى بابن المدارس
وقالت : «طبغمت لك اليوم أحسن عدس . أحضر بصلة . واكسرها ء ورشنّها
بالملح» :


والبصل يشهي لشوربة العدس », والعدس يشهي للمزيد من البصل » وأكلت
حتى اتخمت » واستلقيت على ظهري . فنفرت بي أمي : «قم! قم إلى مدرستك!
أم أنك نسيت؟ وقل للمعلم أن يعيد إليك دفترك!»


وقالت جدتي : «مهلك على الصبي . خليه يستريح قليلً»


فقالت أمى : «والله أفسدته!»


حرجت - إلى بيت عبده .


وبقينا أنا وعبده لعدة أيام ننزل إلى الوادي » أو نتسكع في ساحة المهد ؛ وفي
أوقات انصراف أولاد المدارس نعود إلى البيت » لكي نوهم أهلتا أننا ما زلنا نواظب
على الدوام في المدرسة .


ولكن ما كادت قر أربعة أيام أو خمسة » حتى جوبهت في الظهيرة بأمي »
واقفة ببوابة الحاكورة » وهي تنتظرني . وما كدت أدفع البوابة » حتى أمسكت أذني
وجرّتها بقوة عاتية » وصاحت : «أين الدفتر؟»


0ع :رنيوت 0
- ديه ء قلت لك »ء عند المعلم!»



  • «عند المعلم .يا كذاب؟»


ولطمتني على خدي : «التقيت بأم عبده هذا الصباح » وحكت لي كل شيء»
ولطمتني على خدّي الآخر . «ملات شارع راس افطيس بالطقاعات :يا كذاب »
يا حرامى! وتضحك علينا أيضا! والله لن ترى المدرسة بعينك مرة أخرى!»


ورغم حماية جدتي » «أكلت» قتلة من النوع الفاخر , وكل الذي استطاعت
جدتي أن تفعله هوأن تدس في يدي ء وأنا أبكي في الحاكورة » قطعة خحبز وزرٌ
بندورة » ودفعتني إلى الهرب . وخرجت .» وجلست على الدرج النازل إلى
الطريق ‎٠‏ وأكلت غدائي البائس وأثر الملح في عيني يؤذيني , وقرّص أمي ما زال
بيخز في خدي وفخذي .


وقرّر أبى ذلك المساء أن يرسلني إلى مدرسة السريان الكاثوليك التي يعرف
معلمها - فهو جارنا . وسيعلم منه إن كنت أداوم على الحضور؛ وأتعلم الألف
باءء كالأوادم . ..


0_7 ه:رنيوت 0
كانت دارنا تتألف من غرفة صغيرة مبنية من الحجر الخشن » تتصل بها
حاكورة فيها شجرتا رمان وشجرة لوز أو شجرتان ؛ وتينة كبيرة ‏ وعلى مقربة منها
«الخشيّة» المبنية أيضا من حجر خخشن » وأمامها حوش مبلط بالحجارة » تتوسطه
خرزة البئر » ويتصل بحاكورة أخرى محاطة بأشجار الرمان . وبين مأوانا والخشية »
التى هي مأوى المخراف والدجاج ‏ مشى يفصل أيضاً بين الحاكورتين » ويمتد من
بوابة عتيقة اختلط فيها الصفيح الصدئ بالخشب المتأكل » وتمتد فوق جزء من
الممشى فروع دالية عتيقة .


وكانت غرفتنا وخشيّتنا كلتاهما مسقوفتين بالأحطاب » وجذوع الأشجار
وأغصانها . من الداخل » ظاهرة التفاصيل فى السقف المنخفض » وهى تتداخل
تداخلاً كثيفاً » إذ تند من حائط إلى حائط . وقد بدت بالطين والتراب . وكان
من مهام أبي وبقية أفراد العائلة بين الحين والحين » ولا سيما قبل مقدم الشتاء »
دك السطح بالدرداس . . ولم يكن هذا بالطبع ليمنع الدّلف أو الخرير عندما تسقط
الأمطار» ولكنّه يقلّله ويحصره على الأغلب في الزوايا . وكشيراً ما كنت أستلقي


‎١ -‏ و -
0_7 ه:رنيوت
على ظهري . على أرض الغرفة الترابي » أو على الحصيرة » وأرقب مصارعة
الجرذان المعشعشة بين أحطاب السقف . وأكثر من مرة » صرع جُرذْ جرذا آخر
وأوقعه إلى الأرض .ء فالتقطته قطتنا «فلة» ببراعة . وحملته بين شدقيها إلى
الحاكورة لتأتى عليه بطريقتها القططية . كانت «فلّة» على رقتها الظاهرة » ورقّة
اسمها . تتكشف عن شراسة النمرة حين تمجابه بالفريسة . وكثيراً ما رأيتها تجابه
الفغران » وتجمّدها رعباً » ثم تقضي عليها . ولكنها ذات يوم , حين أقعت بوجه
جرذ كبير بحجمها تقريبا » كادت تنهزم في المعركة . إذ راح يرفع قدمه الأمامية
كامخلب ليطعن بوزها , غير أنها استطاعت أخيراً أن تدفعه الى الفرار والاختفاء
عن العين - عن عينها على الأقل .


كانت دارنا هذه تعلوها من الخلف جدران ودور أخرى تتصاعد طبقات إلى
أعلى الجبل الذي بنيت البلدة على سفحه منذ القدم . أما من ناحية بوابة
المدخل » فكان هناك الزقاق الذي يتفرع عن مدرّج شديد الانحدار ينزل إلى
الطريق العام المعروف برأس أفطيس » أو شارع النجمة كما سمي فيما بعد . من
الشارع كنا نصعد الدرجات الحجرية اللامنتظمة ؛ التي صقلتها الأقدام مع مرور
الزمن » لكي نبلغ زقاق دارنا . ولكن المدرّج - ولم يكن عريضاً جداً - كان يبدأ
بعمارة فخمة على اليمين » مبنية من حجارة «مدقوقة» منتظمة ء لها بوابة حديد
صبغت ذات يوم غابر بطلاء أبيض . وعلى اليسار جدار عال » عند قاعدته معلف
يربط عنده حمار أبيض . كلما وقف عبر المدرج ورأسه في المعلف ومؤخرته متجهة
نحو الدار الفحمة ؛ احتل أكثر من نصف المعبر . كان هذا حمار «الحكيم
الرومي» ء المقيم في تلك الدار . والحكيم الرومي هذاء لا أظن أن أحداً كان يدعوه
باسمه , أو حتى يعرف اسمه . إنه أشهر طبيب فى البلدة .


والكل يطلقون عليه التسمية الوحيدة التي يحترمونها : «الحكيم الرومي» .
فكنًا نراه وهو راكب حماره - المتميّز طبقياً عن الحمير الكثيرة فى البلدة بلونه
الأرستقراطي الأبيض ».بينما كانت الحمير الأخرى أقرب إلى الرمادي المسكين
في لونها - وحقيبته في خرج الحمار الأحمرء وهو ينهره بشموخ وأنفه بخيزرانة


0_7 ه:رنيوت 0
قصيرة , في طريقة إلى دار هذا المريض أو ذاك . كان «الحكيم» رجلاً قصيراً .
بدينا ء حليق الشارب » خالط الشيب سواد فوديه » ويلبس «البرنيطة» » ولا يبتسم
لأحد, أولشيء .


لم تقسم بيني وبين هذا الطبيب أو حماره أية مودّة . فمن أوائل تجاربي في
هذا الحي . تجربة سجلها لي حماره المحترم وأنا في الخامسة من عمري . أردت
صعود الدرج إلى البيت » والحمار واقف على قوائمه يكاد يسدٌ عرض المعبر
بجثته , وقد فرغ من علفه فيما يبدوء وروثه وتبئه يملآن الدرجتين أو الثلاث التي
في المستهل . تنبت الروث مااستطعت » وقصدت الفسحة الضيقة التي تركتها
عجيزته للعابرين » وهو يكش بذيله عنها الذياب والقراد . ولا أظنني » حين
عبرت . تريثت طويلاً للنظر إلى ذيله وحشراته » ولكنني ربما مددت يدي الى
الذيل لأكفً حركته عني ريثما امرّ . غير أنه بادرني بقائمتيه الخلفيتين » وضربني
«زوجأً» بتسديد هائل , أصابني في كتفي وصدري إصابة جعلتني أصرخ عالياً .
ونفذت إلى الدرجات العليا وأنا مرتعب أبكى .


وكان ذلك درساً أليماً » ومبكراً فى حياتى . علّمنى ألا أقترب من الحميره أو
أن أعمل الحذر الشديد إذا اضطررت إلى الاقتراب منها ومن أضرابها .


وذات مرة أصيبت أمى بوعكة شديدة دامت يومين أو ثلاثة أقعدتها عن
الحركة » ولم أفهم بالضبط ما الذي جرى لها عندما وجدتها لا تغادر فرشتها
الملقاة على الأرض » وهي تتلوى وتئن » وطلبت إلى جدتي أن أنزل الدرج إلى دار
الحكيم الرومي قبل أن يخرج في دورته التطبيبيّة في طرقات البلدة » وأطلب إليه
ا لحضور إلى دارنا لمعالجة أمي . ولو لم أدرك أن الأمر خطير على نحو ما لما جازفت
بدخول العمارة التي يقيم فيها الحكيم ؛ وحماره مربوط بالمعلف على بعد خطوة أو
خطوتين من الباب . تشجعت ء واقتحمت طريقي إلى الداخل . وإذا هو في الرواق
يتهيأ للخروج . وقبل أن أقول له - كما علمتني جدتي - «صباح الخير »» سألني
عابسا : اوين » وين ء يا ولد؟»


قلت متلعثماً : «أمي مريضة يا حكيم» .


0ع :رنيوت 054
- «ومن هى أمك؟»




  • «أمي؟ أمي ‎٠١‏ أ » أم يوسف . أمرأة الحاج إبراهيم» .




  • «أتريدنى أن أزورها؟ أين تسكنون؟»




لا أذكر كلماته بالضبط ‏ التي لم أفهم منها الكثير أصلاً » بسبب لهجته
الرومية » ولكن لا بد أنني أفهمته ما أريده , لأنه رافقني إلى أعلى المدرّج » ثم إلى
الدار . ودخل دارنا حيث استقبلته جدتي ء بأن أنزلت مخدة من المعزل »
ووضعتها على الحصيرة , لكي يجلس عليها . ولم تطل الزيارة . فقد فحص أمي
بشكل ماء وطمأنها ء ثم كتب «الروشتة» وأعطاها جدتي » ونهض » وطلب
خمسة قروش أجرا لعيادته . فقالت أمي , وهي في أللها مندهشة : «خمسة
قروش! وماذا فعلت يا حكيم لتطلب خمسة قروش؟ زوجي يعمل من شق الفجر
حتى غروب الشمس مقابل خمسة قروش» .


وأحسست أنا أنه يطالبنا بالمستحيل .
تأفف الطبيب » ثم قال : «طيب هاتي قرشين ؛ أو ثلاثة» .


غير أن أمى دسّت يدها تحت وسادته ؛ وأخرجت «شلنأ» ناولته إياه » وهى
تقول بكبرياء : «لاء لا ء تفضل . شكرأ» 1


أخذ الحكيم الشلن وألقمه اليب الصغير في الصدرية التي يرتديها تحت
سترته » ولحظت السلسلة الدقيقة التى تمند من أحد الأزرار إلى الجيب المقابل :
سحبها بعناية » وأخرج ساعة صفراء فتحها ليعرف الوقت ؛ ثم أطبق غطاءها
البراق بنقرة حلوة » وأعادها إلى جيبه . والتقط حقيبته » وخرج .


قالت أمي : «إلى مدرستك » يلا يا حبيبي » ورّح ركضاً!»


كنت قد التحقت بمدرستى الجديدة . وقد خخاطت لى أمى كيساً أحمله حول
عنقي أضع فيه لوازمي المدرسية , وأضفت إلى دفتري الجديد كتاب قراءة » ودفتر
«خط» . أخذت الكيس .» وانطلقت نزلا فى اتجاه «الطريق الجديدة» » حيث كانت
المدرسة : وهى أيضاً غرفة واحدة كبيرة بن ت قرب كنيسة حديئة التشييد»
ملأى بالمقاعد الطويلة ..


0_7 ه:رنيوت 0


دخلت المدرسة ء» فأوقفنى المعلم صموئيل » وقال بالفصحى : «لماذا تأخحرت يا
فتى؟) .


قلت : «أحذت الحكيم الرومي لأمي» .


فقال : «ولماذا؟ أهى عليلة؟»


قلت : «بطنها توجعها . معلمي» .


ضحك الأولاد . كأنني رويت لهم نكتة » وقال المعلم , متمتعاً بألفاظه : «قل
إنها مريضة .. . حسناً » شفاها الله . اجلس مكانك» .


كنا أنا ورفقتي » كلما تكلم المعلم صموثيل » ندهش للكلمات الغريبة التي
تتساقط من شفتيه ء ولا نفهم الكثير منها ء ولو أننا قد نحزر معناها - أحياناً .
علّمنا الألف باء في أسبوع أو اثنين » ثم أعطانا كتاباً للقراءة ؛ وجعل يسرع بنا عبر
صفحاته » باعتبارها ما لا يستحق التريث عنده طويلاً . راس روس » دار دور»
نقرأها » ونكتبها بنسخها عن الكتاب . ويأخذ دفاترنا ويصحّحها بحبر أحمر
جميل »؛ ويعيدها إلينا » وهو يقول : «خرابيش الدجاج - هذا خطكم!»


وبين دروس القراءة والخط كان يروي لنا قصصاً من قبيل التربية الدينية .
فقص علينا كيف جبل الله طيئاً وخلق منه بشراً سمّاه آدم . وفيما كان آدم نائماً
تحت شجرة من أشجار الجنة أخذ الله ضلعا من صدره وخلق منه امرأة سمّاها
حواء . وقص علينا قصة محزنة : كيف أن قايين المجرم قتل أخاه الطيب هابيل .
ولا كنت أتصور الله وهو يجبل الطين كما يجبله عمال البناء الذين أراهم في
أماكن كثيرة من بيت لحم . تصورت وجه قايين الرهيب » وعلى جبينه وصمة
اللعنة التي وصمه الله بها , وقد هام على وجهه في البراري والمان » فأنظر في
وجوه الناس في الطرق » وفى جباههم . متسائلا إن كان قايين واحدا منهم .


عندما أخذت مكاني على المقعد ذلك الصباح ء كان المعلم يتحدث عن
الطوفان وسفينة نوح التي ملأها طيوراً وحيوانات . وخطر ببالي حمار الحكيم
الرومي » وتمنيت لو أن نوحاً ترك جد الحمار الأول لمياه الطوفان ء ووفّر علينا ذلك
الحمار العنيد الذي يسد علينا الطريق ؛ ويهدد العابرين بزوج من حافريه امخيفين .


0_7 ه:رنيوت 0
وفي عصر ذلك اليوم , عند انتهائنا من ا لدروس . شعرت أنني محصور جداً »
ورفعت أصبعي » وقلت للمعلم : «اطلع برّاء معلمي؟؛


قال : «كلنا سنخرج بعد لحظات» .


وإذا جاري سليم يرفع أصبعه ويقول : «معلمي ؛ معلمي » لازم اطلع برًا!)


فنهره المعلم : «انتظر قليلا! سنخرج كلنا بعد تلاوة «السلام عليكم» . ثم
صاح : «قيام!» 1


فوقفنا جميعا . وأنا أراوح على قدمي . ضابطا مشانتي بأقصى جهدي »
ولاحظت أن جاري لاتقل حاله كربا عني . وأردف المعلم : «صلاة!» .


وأخذنا نصلي : «السلام عليك يا مري . يا متلئة نعمة , الرب معك » مباركة
أنت بين النساء ...©


ولم نكد ننتهي من التلاوة حتى رأينا سيلاً حييّاً يترقرق من تحت المقاعد في
اتجاه المعلم . «سواها» سليم . لم يستطع ضبط نفسه . وانقجر الصبية ضاحكين :
«شح تحته سليم ! شح تحته!»


وعاط بنا المعلّم : «اخرجوا يا قليلي الأدب!»


ولو تأخرنا دقيقة أخرى . لشاركت جاري في جريته . انطلقت كالرصاصة في
اقباه الحاكورة الخلفية , وأفرغت مثانتي تحت التينة الكبيرة » والصبية ما زالوا
يتصايحون . وعندما عدت إليهم كان سليم يبكي » وقد تبلل بنطلونه القصير
وساقاه بشكل فاضح .


وفي أثناء عودتنا » رأيت الحكيم الرومي يهرول على -حماره . مر بنا » وتوقعت
منه سؤالاً . أو كلمة تدلّل على أنه يعرفني » غير أنه بقي مسرعاً وهو يضرب
جانبي حماره الأبيض بركبتيه » وينقنق له بلسانه ‎١‏ وقبعته رابضة على قمة رأسه
كطير غريب . وتساءلت : هل شفيت أمي وقامت على قدميهاء أم أنها ما زالت
طريحة الفراش؟ وأسرعت إلى الدارء قبل أن يعود الحكيم » ويربط دابته اللعينة
في مدخل الدرج .



  • ذا -
    0_7 ه:رنيوت
    كان أخي يوسف يكبرني بأ بأربع سنوات ؛ ويبدو لي ؛ مع أصدقائه , أنه ينتمي
    إلى عالم غير عالمي - عالم الكبار . لا يقول كلمة إلا وأفتح أذني لسماعهاء
    فأشعر أنه يدخلني الى عالمه . وهو أيضاً كان يذهب إلى المدرسة , ولكنه يلازم
    أقرانه في السن ء أو من هم أكبر منه . ولا أراه أحياناً بعد خروجه صباحاً إلا عند
    عودته إلى الدارء وقد لا يعودحتى المساء .


وكان له ؛ فضلاً عن كتبه العربية . كتاب إنكليزي . في كل صفحة منه صورة
تخطيطية أو صورة ملونة . وكشيراً ما أجلس بجانبه ,» فيطلعني على الصورء
ويتباهى بمقدرته على قراءة ما تحتها من كلمات إنكليزية لم يكن قد جاء دوري
لتعلمها .


وجاءني ذات مساء يصندوق من الورق المقوّى . وقال : «أتدري ماهذا
الصندوق؟ إنه صندوق الدنيا . تعال ؛ وتفرج» .


كان في الوسط فتحة مستديرة جعل فيها عدسة مكبّرة كنا نسميّها «بنورة»
(بلورة) . وضعت عيني اليمنى عليها وأغمضت اليسرى » وأخذ أخي يدير من


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

أعتقد أنه من ال...

أعتقد أنه من المحتمل أن تصبح AGI يوما ما حقيقة واقعة ، على الرغم من أن الجدول الزمني لا يزال غير مؤك...

والضمائر البارز...

والضمائر البارزة هي الملفوظ بها في الكلام وهي نوعان منفصلة ومتصلة ،المنفصلة هي أثنا عشر ضميرا المتكل...

ملخص الجزء الثا...

ملخص الجزء الثاني: تهادی ماثيو كثبيرت قائدا فرسه البنية على طول الأميال الثمانية المؤدية إلى بلدة ب...

Almost everyone...

Almost everyone who studies, lives, or works abroad experiences some degree of culture shock. This p...

معلوم أن الباحث...

معلوم أن الباحثين في مجالات اللسانيات التطبيقية والمشتغلين في العديد من قضاياها قد اختلفوا بشأن ماهي...

use long reflec...

use long reflecting troughs that focus the sunlight onto a pipe located at the focal line. A fluid c...

قال دبشليم المل...

قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت هذا المثل ، اضرب لي مثل الرجل الذي يطلب الحاجة فإذا ظفر به...

2. Der eigentli...

2. Der eigentliche Sinn des Wortes دين) Religion) Wir haben über das Wort Religion zu sprechen und d...

في تفسير عالقة ...

في تفسير عالقة الصحافة، بالسلطة، في المجتمع، عبر التاريخ، ظهرت مجموعة من النظريات التي تفسر تطور ال...

المنازل القديمة...

المنازل القديمة تتميز ببنائها التقليدي باستخدام مواد محلية مثل الحجر والطين والخشب، مع تصميم بسيط و...

الخضوع لمبدأ ال...

الخضوع لمبدأ السببية ، وللنظام الزمني ، والثانية لا تخضع لا للترتيب الزمني ، ولا للسببية . وينتمي عا...

خطط التنمية الا...

خطط التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية : يقوم تخطيط التنمية في المملكة على ما يعرف بالخط...