Lakhasly

[٢٢/‏٤, ١٢:٥٠ م] Mohany_6_: يُعَدُّ اإلصالح الديني في أوربا، وما نتج عنه من ظهور المذاهب البروتستانتية، ثم
ظهور اإلصالح الديني الكاثوليكي المضاد، من أهم الحركات التي كانت لها جذو ر منذ فجر
التاريخ الحديث، ثم استمرت في تفاعلها وتطُّورها حتى قيامها؛ وصار اإلصالح الديني من أهم
الموضوعات التي تؤثر في تفكير وحياة األوربيين خالل القرنين السادس عشر والسابع عشر
الميالديين، وتسبب في حروب طاحنة نشبت في داخل القارة األوربية.
هذا، وينظر بعض المؤرخين إلى اإلصالح الديني نظرة ُم َج ّردة، ويفصلها عن أصولها
وأسبابها ال ُمتباينة، وعلى أساس أنها حركة دينية بحتة، ولكن ذلك ال يطمس بقية العوامل الثقافية
واالجتماعية والسياسية وحتى االقتصادية التي كانت موجودة، وشاركت كلها، وبنسب مختلفة
في استمرار هذه الحركة، ونمّوها وانتشارها، وفي تفاعلها مع القوى المضادة لها.
واإلصالح الديني كان من ناحية أعنف حركة جرت أوربا وقتئذ وترتب عليها حروب
دموية طاحنة، ومن ناحية أخرى ما يزال أشد ضربة تلقتها الكنيسة الكاثوليكية في روما،
وترتب عليها أن خرج على هذه الكنيسة أكثر من نصف أوربا الغربية التي كانت تدين لها
بالوالء الديني، والتي ظلت ما يقارب األلف سنة تحت نفوذ كنيسة روما، ونتائج اإلصالح
ّ الديني ما تزا ى ذلك في المذاهب الجديدة التي أتت بها الحركة،
ل باقية حتى يومنا هذا، ويتجل
واإلنقسام الديني في أوربا وفي العالم الذي يدين بالمسيحية.
قام بالدعوة لحركة اإلصالح الديني في أوربا مجموعة من ال ُّرواد والمصلحين الذين
تأثروا بحركة النهضة األوربية، وأعادوا النظر في كل األمور الدينية بعد تحول الكنيسة
األوربية من مرحلة القوة واالستقامة إلى مرحلة الضعف واالنحالل، وظهر هؤالء الرواد
المصلحين في مواقع عديدة في أوربا، وإن اتفق معظمهم في اآلراء والتوجهات؛ فقد أجمعوا
على ضرورة العودة إلى الكتاب المقدس، ومحاولة تعريف األوربيين بفحواه عن طريق
ترجمته إلى اللغات القومية من جهة، وإصدار رسائل متنوعة لتفسير أحكامه من جهة أخرى،
كما أجمعوا على الحد من سلطة البابوية ورجال الدين، ورفضوا الحرمان وصكوك الفران،
وحددوا مهام رجال الدين وحقيقة رسالتهم، بل أن بعضهم نادى بقومية الكنيسة المحلية،
وانفصالها عن سلطة البابوية واستقاللها بمذهب معين، واستند بعض هؤالء الرواد إلى الملوك
والحكام واألسرات العريقة ليدعموا مركزهم أمام البابوية، وافتقدوا بعضهم هذه المساندة فكان
مصيره أن الموت على يد البابوية.
وقد نشأت في أوربا حركتان لإلصالح: إصالح داخلي، داخل نطاق الكنيسة لتنقية
أ ّن المجال الوحيد َجدَ العقيدة مما شابها، وهذه الحركة لم يكتب لها النجاح، وإصالح خارجي َو
لإلبقاء على العقيدة المسيحية هو الخروج التام عن سيطرة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية؛ وعمل
في هذا االتجاه: مارتن لوثر في ألمانيا، وزونجلي في سويسرا، و ُكل فن في جنيف في القرن
السادس عشر.

[54]
أولا- أسباب حركة اإللصحا ال يني.
وقبيل تناول حركة اإلصالح الديني البروتستانتي واإلصالح الديني الكاثوليكي
المضاد، ال بُدّ أن نعرض أسباب اإلصالح الديني ودوافعه في أوربا، ويمكن أن نوجزها في
اآلتي:
)1(ضعف الكنيسة الكاثوليكية:
بلغت الكنيسة أوج عظمتها في العصور الوسطى، وبخاصة في عصر البابا جريجوري
السابع VII Gregory( 1115-1133)، ثم البابا إينوسنت الثالث III Innocent( -1111
1216( الذي بلغ مكانة كبيرة وخضع له كافة ملوك وأمراء أوربا، وقد ورد أنه قال: "إنَّه ل
خحاص إلنسان في العالم ما لم يخضع للبابا؛ فأنا قيصر واإلمبراطور الحقيقي لصاحب السيادة
على جميع أمراء األرض"، ولكن البابوية مع بداية عصر النهضة انتابها كثير من الضعف،
ولعل ذلك يتضح عندما وقع الصراع الذي وقع بين البابا واإلمبراطور؛ األمر الذي أدى إلى
انتقال البابا من روما إلى مدينة أفينون Avignon بجنوبي فرنسا، فأصبحت البابوية تحت نفوذ
ملوك فرنسا، واستمر ذلك في الفترة الواقعة بين عامي 1331-1315 والتي عرفت بـ "األسر
البابوي أو األسر البابلي" Captivity Babylonian، ولم يقف األمر على ذلك بل ازداد
األمر خطورة في الوقت الذي المرحلة التالية بين عامي 1443-1331 والتي وجد فيها بابا في
أفينيون وبابا آخر في روما، وعرفت هذه الفترة بـ "االنشقاق الديني الكبير" Great The
Schism؛ فانقسم العالم الكاثوليكي إلى معسكرين متنازعين، ووجهت االنتقادات للبابوية
ورجال الدين، وظهرت حركات تنادي بإصالح الكنيسة.
)2(فساد البابا ورجال ال ين:
بدأت الكنيسة يضرب فيها الفساد، وأخذت رذائلها تزداد يو ًما بعد يوم، فكان من
الواضح أن غرض البابوات أن يحصلوا من رجال الدين ورعايا الكنيسة على كل ما يستطيعون
الحصول عليه من أموال دون مراعاة للوسائل ومدى اتفاقها مع الروح اإلنسانية والمبادئ
األخالقية؛ وذلك لكي يحققوا األبّهة والترف الذي كانوا يتمتعون به في بالطهم، وأت ُّموا المباني
التي بدأوها، وحققوا أغراضهم السياسية في إيطاليا.
وكانت الوظائف الدينية تشترى بالمال بصرف النظر عن مؤهالت الشخص، والعدالة
نفسها تشترى بالمال كالعفو عن المجرمين وما إلى ذلك، وكان الغفران يباع ويشترى، وكان في
تلك السياسية المالية الفاسدة إفساد لطبقة كبار رجال الدين، وكانوا في غالبيتهم من األسر
األرستقراطية مَّمن ال يهتمون كثي ًرا بتأدية أعمالهم، وكان لتدخل األمراء في تعيين تلك الطائفة
[٢٢/‏٤, ١٢:٥١ م] Mohany_6_: من رجال الدين أن أصبحوا يتميزون باهتمامهم بالسياسة وخدمة مصالح األمراء، بينما كانت
طائفة صغار رجال الدين مهملة، فظلت في نومها وجهلها، ال تتمتع بنظام أو مبادئ أخالقية؛
لذلك رأت هذه الطائف في حركة اإلصالح الديني فرصة مواتية لالنتقام من كبار رجال الدين.
وخضعت الكنيسة الكاثوليكية لسلطة بعض البابوات الذين انغمسوا في الترف والبذخ،
واستخدموا الوسطة والمصلحة في إشغال الوظائف الدينية الكبرى، ويمثل هؤالء البابوات:
البابا إسكندر الساس VI Alexander( 1513-1412)، والبابا يوليوس الثاني II Julius
)1513-1513( اللذان يُعَدَّان بحق مسئوالن عن معظم األضرار التي لحقت بمركز البابوية
قبيل قيام حركة اإلصالح الديني في أوربا.
)1(لصكوك الغفران:
كان بيع صكوك الغفران من أهم الموارد المالية التي ابتدعها البابوات، فأغدقت عليه
أمواالً طائلة، وقد كان التنافس بين البابوات شديدًا؛ وكان ك ٌّل منهم يحاول أن يثبت أنه قدَّم
َس
ْمها
للكنيسة وللمسيحيّة خدما ت لم يقدّ
ابقوه ولم تخطر على بالهم، وكان من ذلك ابتداع
"صكوك" تغف ُر وتج ُّب خطايا اإلنسان الذي يشتريها. وفي بادئ األمر كان انتشار هذه الصكوك
محدودًا وقليالً وقد رضي بها عا ّمة الناس؛ ألن األموال التي كانت تُجبى من خاللها كانت
تُستخدم، على ما ذكره البابوات، ألمرين مهّمين: أولهما: ديس
ُء كنيسة جديدة تحمل اسم القّ
بنا
بطرس، وذلك بسبب ق دَم الكنيسة الحاليّة وعدم صالحيتها للترميم، وأ ّما األمر الثاني: فتموي ُل
نحو الشرق
ً
الحروب الصليبية التي كانت مو ّجهة .
هكذا كانت بداية صكوك الغفران، وتحت هذين السببين تَّم جمع األموال. ولك ّن الذي
ظهر بعد ذلك أ ّن البابوات وجدوا في هذه الصكوك بابًا واسعًا لجلب األموال ولزيادة ثرواتهم
ًى الشخصية، وتوسيع ممتلكاتهم الخاصة فأعطو أوسع
وأفقً أكبر في غفرانها ا هذه الصكوك مد ا
للذنوب وللخطايا و َج َّردوها من األحكام والصفات األخالقية التي كانت ُمال زمةً الستخدامها
أصال،ً بحيث أصبح الذي يدفع أكثر ويشتري صكو ًكا أكثر في غير حاج ة للذهاب إلى الكنيسة
لالعتراف والتوبة؛ فَدفعُهُ للمال، على النحو الذي آلت إليه الصكوك فيما بعد، يضم ُن له غفرا َن
الذنوب ليس في الحياة فقط بل بعد الممات!! بل إ ّن بعض أنواع الصكوك كانت تضمن
ألصحابها أن تُفت َح لهم أبوا ُب جنة النعيم وتُغل َق أمامهم أبواب العذاب.
[٢٢/‏٤, ١٢:٥١ م] Mohany_6_: )8(الحركة القومية والعامل السياسي:
تتصل حركة اإلصالح الديني بالحركة القومية، حيث كان لظهور النزعة االستقاللية
وما ترتب عليها من تحقيق الوحدات القومية في بعض جهات أوربا أثره في تقوية الرغبة في
االستقالل الديني، وقد رأت الدول الناشئة أن تستكمل استقاللها باالنفصال عن الكنيسة
ف االرتباط بها على األقل إذا تعذّ الكاثوليكية، وإضعا ر االنفصال عنها، فنجد إنجلترا تنجح في
تكوين كنيسة وطنية، كما نجد فرنسا الكاثوليكية تنجح في عقد وفاق مع الباب من شأنه زيادة
نفوذ الملك الديني والتقليل من نفوذ البابا؛ إذ أصبح نتيجة لذلك من حق الملك تعيين بعض
رجال الدين في فرنسا.
َل في تد ُّخالت البابوات في شؤون الحكام والملوك
َّ
وأما السبب السياسي فقد تَمث
والقياصرة، ومحاوالتهم المستمّرة إلخضاعهم وإذاللهم، وتذكيرهم على الدوام بأنهم إنما
يستمدّون شرعية حكمهم وعروشهم من البابا والكنيسة، وأ ّن أيّة محاولة للخروج عن هذا النص
ّف هذا الحاكم عقوبةَ فإنها س الحرمان من رحمة الكنيسة.
تكل
ولهذا نلحظ أ ّن العاملين السياسي والقومي من العوامل الدافعة للقيام باإلصالح الديني؛
أل ّن أموال الكنيسة وممتلكاتها التي ُصودرت بعد إعالن الثورات على الكنيسة في بعض البلدان
ال ُح ا من ثرواتهم وممتلكاتهم؛ ّكام واألمراء وأصبحت جز ًء األوروبية قد ُو ضع ْت تحت وصاية
مراء لبعض الثورات كان فيه اعتبارا ٌت خاصة تراعي
مما يعطينا انطبا ًعا بأ َّن دعم ال ُح ّكام واألُ
مصالحهم، وتعود عليهم بالنفع وأنها في الوقت ذاته كانت بمثابة ردَّ الصاع صاعين للكنيسة
على ما سلف من إذاللها لهم وتحكمها في رقابهم.
)4(فرض اللغة الحاتينية للصحاة والكتاب ال مق َّ س:
كانت اللغة الالتينية هي اللغة الرسمية للكتاب ال ُمقدَّس وإقامة الشعائر الدينية في الكنيسة
الكاثوليكية، وكان عامة الشعب ال يعرفون الالتينية، وبالتالي ال يفهمون الكتاب المقدس الذي
ُّ احتكرت الكنيسة فهمه وتفسيره، وفرضه على الناس، وعلى ذلك فإ َّن ون بلغ ة
الناس كانوا يُصل
لون في الكنيسة ترانيم ال يفهمونها، وال يقرأون كتابهم المقدس؛ وذلك ألنه
ال يفهمونها، ويُرتّ
ة قليلة من فئات المجتمع الراقية وا
مكتوب بلغ ة ال يفهمونها، حيث كانت ق ل مة ورجال الدين ّ
ّ
لمتعل
هي فقط التي تعرف الالتينية؛ وأ ّن الناس ل ّما حاولوا أن يتجهوا لفهم دينهم وترجمة كتابهم
ال ُمقدّس، وقفت الكنيسة في وجوههم ومنعتهم من ذلك.
)1(موقف البابوية من العلم والعلماء:
من األمور المهمة التى وجدت اعتراض كثير من الناس بصفة خاصة المفكرين
والعلماء هو موقف الكنيسة الرافض لنتائج األبحاث العلمية والتطور العلمي، والنظريات
[٢٢/‏٤, ١٢:٥٢ م] Mohany_6_: الجديدة المتعلقة بدراسة الظواهر الطبيعية، وتحديد أسبابها وتفسيرها تفسي ًرا مادي
وسعت إلى تقييدها للعقل وتقديم المفكرين والعلماء وكل من يتقدم بأفكار أو نظريات تعد من
وجهة نظر الكنيسة خارجة عن إطار الكتاب المقدَّس إلى محاكم دينية )محاكم التفتيش( التي
أصدرت أحكام بحرق وتعذيب العلماء، فقد كان رجال الكنيسة يزعمون "أ ّن الكتاب المقدس
يت َّضم ُن كل أنواع العلوم التي يحتاجها الناس سواء أكانت علوم دين أو علوم دُنيا" وأ َّن أساس
كل عل م، عندهم، هو الكتاب المقدّس وتقاليد الكنيسة.
وأحدثت تلك الممارسات وما صدر من أحكام ضد العلماء ردود فعل غاضبة ورافضة
لها، بل وأدت إلى ظهور بعض حاالت اإللحاد والتخلى عن العقائد الموروثة التى وجدها الناس
تتناقض فى مجملها مع منطق العقل وأبسط مراتب البحث والتفكير العلمي.
ثانياا- اإللصحا ال يني البروتستانتي.
قامت العديد من الحركات اإلصالحية في أوربا، ولع ّل أشهرها على اإلطالق كانت
حركة مارتن لوثر في ألمانيا، ولكنها لم تكن أولى الحركات التي قامت إلصالح شئون الكنيسة
الكاثوليكية، بل سبقها حركات أخرى، وسوف نتناول المصلحين الدينيين الذين ظهروا قبل
مارتن لوثر وبعده، كالتالي:
)1( اإللصحا ال يني قبل مارتن لوثر:
)أ( حركة جون ويكليف Wycliffe John( 1141-1124):
من أولى حركات اإلصالح الديني، وكان مركزها إنجلترا، وتزعمها جون ويكليف
أستاذ علم الالهوت بجامعة أكسفورد Oxford. ولد ويكليف في إحدى قرى مقاطعة يوركشير
Yorkshire شمال شرقي إنجلترا، أضحى كاهنًا منذ ،1351 وأمضى القسط األكبر من حياته
في أكسفورد، حيث التحق بجامعتها ليدرس الفلسفة والمنطق والالهوت، وفي سنة 1332 حاز
درجة الدكتوراه في الالهوت، وترأس كلية باليول College Balliol عام 1361م بجامعة
أكسفورد ودّرس فيها الفلسفة والالهوت منذ عام ،1332 وحظي بشهرة واسعة أ ّهلته ألن يكون
عضًو را عام 1334 لمفاوضة مندوبي البابا حول مسائل ا في بعثة دبلوماسيّة أرسلها الملك إنجلت
خالفيَّة، وعقد الصلح بينهم.
عندما عاد من البعثة المذكورة بدأ في مهاجمة البابوية، واتهمها بأنها تعمل في صالح
الفرنسيين، ونادى بمبدأ إشراف الملكية اإلنجليزية على شئون الكنائس اإلنجليزية، بعد أن
ًّا ال يمكن السكوت عليه، كما هاجم صكوك الغفران، وذكر أنها بدعة استغلها